أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 41
الفصل 41: ماكسيميليان ⁹
كورديليا حبست أنفاسها وبدأت تتراجعُ ببُطء، حتى أنها كانت تحرصُ على ألا ترمش.
‘لا يُمكنني أن أموت هُنا بهَذهِ السهولة.’
رغم أن العرق البارد كان يتصببُ مِن جبينها، إلا أنها لم تجرؤ على أبعاد نظرها بعيدًا عن الوحش. شعرت بغريزةٍ قويةٍ تُخبرها أنها إذا أدارت ظهرها، فإن هَذا الوحش سينقضُ عليها فورًا.
استمرت المواجهة لوقتٍ طويل. فجأةً، سمعت صفيرًا قصيرًا يخترقُ الهواء المشحون بالتوتر. كان ذَلك بالتأكيد صوت إنسان. استدار الوحش نحو مصدر الصوت.
في تلكَ اللحظة القصيرة، استدارت كورديليا بسرعة وبدأت تركضُ في الاتجاه المُعاكس.
بعد لحظاتٍ، سمعت صوت ارتطامٍ قويٍ خلفها.
“بيلوتشي؟”
عندما نظرت خلفها، رأت الفارس ذو الشعر الأسود يتصارع مع الوحش، متدحرجين على الأرض. كان السيف بعيدًا عن بيلوتشي، وكان يواجهُ الوحش بيديه العاريتين.
لكن الأمور كانت تسير لصالح الوحش. انقض الوحش على بيلوتشي وفتح فكيه على مصراعيهما، وكأنهُ على وشك ابتلاعه.
كان بيلوتشي يُحاول بكُل ما أوتي مِن قوة أن يُمسك بفكي الوحش المفتوحين، لكن كان واضحًا مِن أنينه الضعيف أن قوتهُ بدأت تنفد.
“أآآآه!”
ترددت كورديليا للحظة. ولكن سرعان ما اندفعت بكُل قوتها نحو السيف الذي أسقطهُ بيلوتشي. التقطتهُ بسرعةٍ وركضت باتجاه بيلوتشي والوحش.
“بيلوتشي!”
عند سماعها، انحنى بيلوتشي قليلاً ليظهر لها داخل فم الوحش وكأنهُ يخبرها بما يجب أن تفعله.
بكُل ما أوتيت مِن قوة، غرزت كورديليا السيف في فم الوحش الذي فتحه بيلوتشي. كانت يدها اليسرى المصابة تؤلمها بشدة، وكادت أن تُسقط السيف لولا تمسُكها الشديد.
اندفع الدم كالنوافير. كلاهما تغطى بدم الوحش الدافئ.
صرخ الوحش بألمٍ. تمكن بيلوتشي مِن الإفلات مِن تحته وضربهُ الضربة القاضية.
أمسك بيلوتشي بالسيف الذي غرزت كورديليا نصفهُ فقط، ودفعه بقوةٍ أكبر نحو الداخل. اخترق السيف فم الوحش وخرج مِن خلف رقبته.
تنفس كلاهما بصعوبةٍ بعد أن تأكدا أن الوحش لم يعُد يتنفس.
المُثير للدهشة أن رائحة دم الوحش لم تكُن كريهةً مثل رائحة دم البشر.
سأل بيلوتشي أولاً:
“لماذا لم تهربي؟”
“لماذا أهرب؟ أنا لستُ شخصًا يتخلى عن الآخرين بهَذهِ السهولة.”
بصراحةِ، كانت تُفكر بالهروب، لأن كلمات بيلوتشي القاسية على السفينة جعلتها تشعرُ بالضيق نحوه.
ومع ذَلك، كانت تشعرُ بالامتنان لهُ أيضًا. لو أنها لم تكُن تعرف ما كان سيحدث، لكانت قد شعرت بالخيانة، لكنها الآن قد تمكنت مِن تقبُل الأمور.
“هممم.”
قالت كورديليا بنصف جدية، “كُنتُ أعتقد أنكَ ستأخذُ يدي اليسرى فقط إذا أكلني الوحش.”
نصفً ما قالتهُ كان مُزاحًا، ولكن النصف الآخر كان صادقًا. لم تكُن ستتفاجأ إذا كان بيلوتشي قد شاهدها تُلتهم مِن بعيد دون أن يفعل شيئًا.
“لم يحن الوقت بعد لكي يستخدمكِ السيد.”
“آه، إذًا أبقيتني على قيد الحياة لأن لي استخداماتٍ أخرى. مفهوم.”
أقرت كوردليا بكلامه.
“لكن كيف وجدتني؟”
“سمعتُ صوتًا غبيًا لشخصٍ يصرخُ في غابةٍ مليئة بالوحوش، فاعتقدتُ أنهُ يرغب في الموت، فجئتُ لأرى.”
“كُنتُ أعتقدُ أن الغابة تحتوي على بعض الذئاب فقط.”
“حسنًا، لا يُمكننا فعل شيءٍ حيال ذَلك. الغباء ليس شيئًا يُمكن تغييره.”
تشكل تحالُف غير مُستقر. كورديليا وبيلوتشي سارا معًا، مُحافظين على مسافةٍ بينهما.
لكن كورديليا لاحظت أن بيلوتشي كان يسيرُ ببطء. عندما استدارت لتنظر إليه، لاحظت قطرات دماء تتساقطُ على الأوراق، فاقتربت منه مذعورة.
الدم المُتساقط كان يأتي مِن بطن بيلوتشي.
“هل أنتَ مُصاب؟ لماذا لم تخبرني؟”
“وماذا سيحدُث لو أخبرتكِ؟ هل تعرفين كيفية شفاء الجروح بالسحر؟”
“ربما لا أعرف ذلك، لكنني أستطيع إيقاف النزيف.”
استعارت كورديليا خنجرًا مِن بيلوتشي وقطعت جزءًا مِن تنورتها دون تردد، ثم ربطت الجرح بإحكام. نظرًا لأن يدها اليسرى لم تكن قد شُفيت تمامًا، أنهى بيلوتشي العقدة بنفسه.
“لا يُمكنكَ أن تموت.”
“هَذا يعتمدُ عليّ.”
“إذا مُت، مِن سيحميني عندما يظهرُ الوحش التالي؟”
“أنتِ ألا تعرفين الخجل؟ تطلبين مني حمايتكِ مرةً أخرى.”
“الخجل والكرامة لا يهُمان عندما تكون حياتكَ على المحك.”
أجابت كورديليا بلا خجل. تراجع بيلوتشي ببطء حتى قرروا الاستراحة تحت شجرةٍ ضخمة.
“كيف التقيتَ بمُعلمي؟”
“لماذا تسألين عن ماضيّ فجأة؟”
“أنا فقط فضوليةٌ بشأن سبب تمسُككَ الشديد به.”
“تمسُك؟ لا يوجد شيءٌ مِن هَذا القبيل.”
“آه، ربما يجبُ أن أقول إنكَ تغار مِن كُل شيءٍ يحيطُ بمُعلمي.”
نظر بيلوتشي إلى كورديليا بنظرةٍ حادة، لكن لسببٍ ما، لم تعُد تخافُ منه.
“لقد سمعتُ القليل مِن مُعلمي. قال إن والدكِ حاول قتلكَ لأنكَ طفلٌ غيرُ شرعي.”
“أنتِ تتحدثين عن حياة الآخرين الخاصة بسهولة.”
“لديّ أبٌ يشبهّ والدكَ إلى حدٍ كبير. لقد باعني مُقابل خمسين ألف لينكيت. حتى لو كنا سنموتُ مِن الجوع، لم يكُن ليبيع أيَّ قطعةٍ مِن مُمتلكات العائلة. لكن عندما كان يشرب، كان يُصبحُ أسوأ. كان يضربني دائمًا ويستخدمُ حزامًا مِن الجلد. كان شخصًا رهيبًا. لو كنت طفلة غير شرعية، لكان قد قتلني عند ولاتي.”
“…..”
“كيف التقيتَ أنتَ بمُعلمي؟”
بعد أن كشفت كورديليا عن جوانبها الخفية، تردد بيلوتشي قليلاً ثم قال: “قابلتهُ صدفةً في الشارع عندما كُنتُ في الثانية عشرة. كان أكثر شخصٍ متألقٍ رأيتُه في حياتي.”
“حقاً؟ أنا لا أستطيعً أن أتخيل شكلهُ لأني لم أره مِن قبل.”
“عندما يستعيدُ سيدي جسدهُ الأصلي، ستفهمين ما أعنيه.”
“همم، كلامكَ يجعلني مُتحمسة. إذًا، ماذا حدث؟ هل رأيتهُ صدفةً في الشارع؟”
“بعد أن علمت أنهُ كان الابن الأكبر لعائلة أتيلي، ذهبتُ إليه وطلبت منهُ أن يقبلني كخادمٍ. بالطبع، في البداية لم يُعطني أيَّ اهتمام.”
“كيف كان شخصيتهُ آنذاك؟ هل كان يشبهُ ما هو عليه الآن؟”
“لقد أصبح أكثر لطفًا مع مرور الوقت.”
“…هَذا لطيف؟”
مِن بين كل ما سمعتهُ اليوم، كان هَذا هو الأكثر صدمةً. إذا كانت هَذهِ قي شخصيتهُ بعد أن أصبح أكثر لطفًا، فلا أستطيعُ حتى تخيُل كيف كان عندما كان صغيرًا.
أغلق بيلوتشي عينيه ببطء. “على الرغم مِن رفضه لي في البداية، استمريتُ في مُلاحقته. بدأتُ في تعلم القتال بعد أن قال لي أنهُ سيقبلني عندما أصبح مُفيدًا”
“إذًا بدأت في تعلم القتال منذُ ذِلك الوقت. وماذا حدث بعد ذِلك؟”
صوته بدأ يضعُف وتركيزهُ تلاشى تدريجيًا.
في الحقيقة، لم تكُن كورديليا تسأله عن ماضيه بدافع الفضول. عندما كانت تُضمد جرح بيلوتشي، أدركت أن الجرح كان أعمق مما تخيلت، وأن كمية الدم الذي فقده كانت كبيرةً.
اقتربت كورديليا مِن بيلوشي وصفعتهُ بشدةٍ على وجهه. انقبضت ملامحهُ بينما نهض.
“أوه، ما الذي تفعلينه؟ هل تُريدين الموت؟”
“أنتَ مِن يبدو على وشك الموت، لذا ضربتك. إذا لم ترغب في تلقي صفعةٍ أخرى مني، استجمع نفسك.”
“ومن قال أنني سأموت.”
“إذا تأخرت في الرد على كلامي مرةً أخرى، سأصفعكَ على الخد الآخر.”
رغم أن بيلوتشي أظهر علاماتٍ على الانزعاج وضيق عينيه، إلا أنه لم يقُل شيئًا آخر.
“إذن، أكمل القصة بسرعة. توقفت عند نقطة تعلمك القتال.”
“هل تعلمين كيفية استخدام ذَلك السوار؟”
غيّر بيلوشي الموضوع فجأةً. رفعت كورديليا يدها اليُسرى لتتفحص السوار.
“آه، هَذا؟ لا.”
“كنز إيفراد هو أداةٌ سحرية محفورٌ عليها سحرٌ قديم وقوي. يُمكن استخدامها ثلاث مرات فقط.”
“ثلاث مرات فقط؟”
لم تستطع كورديليا إخفاء خيبة أملها. لقد ظنت أن ليونارد قد أمضى عامًا في البحث عن شيء ذو قيمةٍ عظيمة، ولكن إذا كانت هَذهِ الأداة تُستخدم ثلاث مرات فقط، فمهما كان السحر المُلقى عليها، فإنها ليست كما توقعت.
“ثلاث فرصٍ لإنقاذِ حياتك.”
“ما نوع السحر الذي تمتلكُه هَذهِ الأداة لتكون بهَذهِ القوة؟”
“الانتقال الفوري. إذا تصورتِ المكان في عقلكِ وقلتِ كلمةً سحرية، فستنتقلين إلى هُناك.”
في تلكَ اللحظة، أدركت كورديليا لماذا كان لهِذا السوار قيمةٌ كبيرة. الانتقال الفوري كان سحرًا قديمًا لا يُمكن لأحدٍ في الوقت الحالي استخدامُه.
حتى ليونارد العظيم لم يعرف كيف يعمل هَذا السحر.
صاحت كورديليا بفرح وصفقت بيديها برفق. “رائع! إذن يُمكننا استخدامه للعودة إلى القرية. إذا استدعينا الطبيب فورًا، سيشفى بيلوتشي…”
“لكن لا يُمكن استخدامه إلا مِن قبل الشخص الذي يقومُ بالسحر. استمعي جيدًا. الكلمة السحرية هي ليونارد، اسمُ سيدي.”
انتاب كورديليا شعورٌ بالخوف والتفتت حولها بشكلٍ غريزي. لم يكُن هُناك شيءٌ يُمكن رؤيته، لكن الجو كان متوترًا.
لماذا يخبرني بيلوتشي بهَذا الآن؟
نهضت كورديليا بسرعة وبدأت تبحثُ بحذرٍ في مُحيطها. ثم لاحظت، بصعوبةٍ، وجود أكثر مِن خمسة أزواجٍ مِن العيون المتربصة في الظلام.
لقد تمكنوا بالكاد مِن القضاء على وحشٍ واحد، والآن هُناك خمسة.
بالتأكيد بيلوتشي، باعتباره فارسًا، قد لاحظ وجودهم بالفعل. ولهَذا السبب أشار إليها للهرب.
“عليكِ الذهاب الآن.”
“وماذا عنكَ يا بيلوتشي؟”
“لطالما كان حُلمي أن أموت وأكون طعامًا للكلاب. لذا اذهبي الآن. إذا مُتِ، لن يتمكن سيدي مِن استعادة جسده.”
بينما كان يتحدًث، أطلق بيلوشي ضحكةً ساخرةً. تجمدت قدما كورديليا في مكانها. كانت تعرفُ أن عليها الهرب، لكن كلماتُها علقت في حلقها.
في هَذهِ الأثناء، بدأت الوحوش تظهرُ بشكلٍ مُتزايد، مُحيطةً بهم ببطء. كان مُجرد وجودها يكتمُ أنفاس كورديليا.
صاح بيلوتشي بصوتٍ مُتعب: “لا تتباطئي، اهربي بسرعة!”
“أريدُ أن أذهب… حقًا أنا أريدُ أن أذهب.”
بيدٍ مُرتعشة، سحبت كورديليا سيف بيلوتشي مِن غمده.
“إذا هربتُ الآن، سأندمُ على ذِلك طوال حياتي.”
“ما الذي تفعلينه؟ هل فقدتِ عقلكِ؟”
“يبدو أنني قد فقدتُ عقلي بالفعل.”
كان لديها رغبةٌ شديدةٌ في قول الكلمة السحرية، لكنها كانت أكثر خوفًا مِن ترك بيلوتشي والهرب وحدها. كان هِذا الخيار أفضل مِن أن تعيش طوال حياتها وهي تتعذبُ بالذنب.
“اهربي! ألا تسمعينني؟”
“كيف أستخدم هَذا السيف؟”
“هَذا جنون، حقًا.”
بيلوتشي، وهو يعرج، نهض مِن مكانه، أخذ السيف منها وأعطاها خنجرًا بدلًا مِنه.
“سأقدم ذراعي لكِ، وفي هِذهِ الأثناء حاولي أن تضربي عين الوحش على الأقل.”
“تبدو مُتأكدًا مِن الأمر؟”
“هل تفضلين أن تقدمي ذراعكِ بدلاً مني؟”
أغلقت كورديليا فمها على الفور. حاولت تهدئة يدها المُرتعشة بكُل قوتها.
“إذا انتهى بنا المطاف كطعام للوحوش، سيدي سيسعدُ للغاية.”
“إذا وُجدنا في بطون الوحوش، هل سيأخذ مُعلمي بثأرنا؟”
“هاهاها.”
أطلق بيلوتشي ضحكةً حقيقية، لأول مرة. ولكن سرعان ما اختفت ضحكتُه. لأن رئيس الوحوش قفز عاليًا فوقهما.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》