أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 40
الفصل 40: ماكسيميليان ⁸
“في اليوم الأول على السفينة، لم تأتِ لتناول الطعام، فذهبتُ إلى حجرتها ووجدتُها تبكي.”
“تبكي؟ كورديليا؟ لماذا؟”
“قالت إنها اشتاقت إلى وطنها. هل يًعقل هَذا؟ هَذهِ الفتاة قد مزقت رسالة والدها إلى قطعٍ بحجة أنهُ كان يُزعجها بلا سبب.”
“هَذا غريب حقًا. لم أكُن أظنُ أن كورديليا مِن النوع الذي يبكي عندما يتذكر وطنه.”
“هَذا اظنه. يبدو أن هُناك شيئًا يحدُث، لكنها ترفضُ أن تخبرني به.”
“لا تضغط عليها كثيرًا. تعامل معها بلطف، ربما عندما تهدأ، ستُخبرك بما يحدُث.”
“هل عليَّ أن أتحمل مزاج تلميذتي المُتقلب أيضًا؟”
على الرغم مِن أن ليونارد تحدث بنبرةٍ مُتذمرة، إلا أنهُ بدأ يعامل كورديليا بلطفٍ أكبر في اليوم التالي.
في ذَلك اليوم، قدمت كورديليا مرةً أخرى واجبًا كان مُجرد ورقةٍ بيضاء، ومع ذَلك، لم يقُل ليونارد شيئًا.
“هَذا يكفي، دعينا ننتقل إلى الدرس التالي. لقد اقتربنا مِن ديلوانا، ولم يتبقَّ الكثير.”
“هل وصلنا بالفعل؟”
“نعم، بهِذا المُعدل، سنصل خلال يومٍ أو يومين.”
عند سماع ذَلك، لاحظ ليونارد أن وجه كورديليا أصبح داكنًا بشكلٍ ملحوظ. وكانت الورقة في يدها تتجعد وهي تضغط عليها بشدة.
“هل اقتربنا بالفعل؟ هل انتهى كُل شيء بهَذهِ السرعة؟”
“ماذا تقصدين بسرعة؟ لقد مر شهرٌ تقريبًا منذُ مغادرتنا أراضي إبرامز.”
“لقد كان وقتًا قصيرًا جدًا… ولم أكُن مُستعدةً بعد…”
وبدأت الدموع تتدفق مِن عينيها مرةً أخرى دون سابق إنذار.
كان ليونارد على وشك توبيخها لسؤالها عن سبب بكائها مرةً أخرى، لكن تذكر نصيحة بارون فحاول التحدث معها بنبرةٍ هادئة.
“ما الذي تحتاجين إلى الاستعداد له؟ فقط ابقي هادئة وأنا سأتولى كُل شيء.”
“لقد مرَّ شهر فقط منذُ بدأتُ تعلم السحر، بل أكمل شهرين حتى.”
“نعم، نعم. فقط ابقي بجانبي ولا تقلقي.”
“لدي الكثيرُ مِن الأشياء التي أريدُ أن أتعلمها… ااه.”
قال ليونارد بينما كان يهز الورقة الفارغة في الهواء: “كيف تقولين أن لديكِ الكثير مما تُريدين تعلُمه إذا كنتِ لا تُنجزين واجباتكِ؟”
وعند سماع هَذهِ الكلمات، بدأت كورديليا تبكي بشدة كما لو أن شيئًا ما آلمها بقوة.
كان مِن عادة ليونارد أن يتجنب النساء عندما يبكين، لكنهُ لم يستطع ترك كورديليا في هَذهِ الحالة.
اقترب منها بارتباك، وسحبها بلطف من كتفها وبدأ يربت على ظهرها.
“حسنًا، حسنًا، لن أُعطيكِ واجباتٍ لفترة. فقط توقفي عن البكاء. ستصبحين أقل جمالًا وأنتِ تبكين.”
“لماذا… السحر… اااهه.”
لم تكُن كلماتها واضحةً بسبب بُكائها. دفنت كورديليا وجهها في صدر ليونارد وبدأت تبللهُ بدموعها.
شعر ليونارد بملابسه قد تبللت أكثر فأكثر، فاستمر في تربيت ظهرها برفق.
ومع مرور الوقت، هدأت كورديليا التي كانت ترتجف بشدة.
قال ليونارد: “لا أعرف إن كُنتُ أربي طفلةً أم تلميذة.”
“أمم… أمم.”
“هل انتهيتِ مِن البكاء؟”
“نعم… أمم.”
“إذن، أخبريني لماذا كنتِ تبكين. لم تستمعي إليَّ خلال الأيام القليلة الماضية، ولم تقومي بواجباتكِ، أليس كذلك؟”
“كُنتُ بحاجةٍ لبعض الوقت لأرتب أفكاري.”
“تُرتيبن أفكاركِ؟ عن ماذا؟”
“فقط… حول كُل شيء…”
خرجت كورديليا مِن حضنه ومسحت عينيها التي كانت مُبللة بكم قميصها.
قالت: “سيدي، هل تتذكر عندما اقترحتُ عليكَ أن أساعدك في العودة إلى جسدك الأصلي إذا قبلتني كتلميذةٍ لكَ؟”
“نعم، أذكرُ ذَلك.”
“سأساعدُكَ.”
كان ليونارد على وشك أن يقو: “ستراقبين الحاجز فقط وسأقوم بكُل شيء، فما الذي تعنيه بالمساعدة؟”، لكنهُ امتنع عن ذَلك. فقد بذل جهدًا كبيرًا لتهدئتها ولن يخاطر بجعلها تبكي مرةً أخرى.
“حسنًا، شكرًا لكِ يا تلميذتي. أشعرُ بالقوة بوجودكِ معي.”
ردت كورديليا بابتسامةٍ مُشرقة أشبهُ بالشمس بعد المطر. وأحب ليونارد رؤيتها تبتسم، فلم يضف أيَّ كلمةٍ أخرى.
***
“يبدو أننا قد وصلنا.”
حتى دون أن يتكلم البارون، كان مِن الواضح أنهم وصلوا. رغم أن نباتات أنسين التي مروا بها في الطريق كانت خضراء وكأنها في ذروة الصيف، إلا أن هَذهِ المنطقة وحدها كانت غارقة في شتاءٍ قارس لم يصل إليه الربيع بعد.
كان الجو مشحونًا بالكآبة ولم تُسمع حتى زقزقة الطيور.
“لا تقتربي كثيرًا.”
“حسنًا.”
كلما اقتربت كورديليا خطوة من الغابة، شعرت بقوة التعويذات الكثيفة التي تُحيط بالمكان. كانت قد أعجبت بمدى قوة الحاجز حول مُختبر ليونارد، ولكن هَذا المكان كان يفوق بمراحل.
عندما نظرت كورديليا إلى الغابة باندهاش، اقترب منها البارون وسألها بخفوت:
“سيدة كورديليا، هل ترين شيئًا؟”
“نعم. الغابة بأكملها مليئة برموز السحر. كما قلت يا بارون، خطوةٌ واحدةٌ خاطئة وستحترق حتى الموت.”
رغم أنها درست السحر لمدة شهرين فقط، إلا أنها كانت تستطيعُ قراءة الرموز المكتوبة على الدوائر السحرية بصعوبة.
في تلكَ اللحظة، خرجت لوتي مِن العربة فجأةً. ارتعبت كورديليا وتقدمت أمامها لتمنعها.
“لا، لوتي! هَذا المكان خطيرٌ جدًا.”
أخذت كورديليا حبلاً مِن البارون وربطت لوتي بجذع شجرةٍ قريبة.
بدأت لوتي تخدشُ الأرض بحوافرها، غيرُ راضيةٍ عن وضعها، لكن لم يكُن هُناك خيارٌ آخر؛ خطوةٌ واحدةٌ خاطئة في الغابة كانت كافيةً لقتلها.
“ابقي هادئة، حسنًا؟”
“كورديليا، تعالي هُنا.”
“حسنًا، سأأتي!”
تركت كورديليا لوتي وركضت نحو ليونارد.
“هل ترين شيئًا؟”
“نعم، كما قلت يا سيدي، المركز هو الأضعف.”
“عند إنشاء حاجز كبير كهِذا، يتم إغلاقهُ دائمًا مِن جهة المركز، مما يجعلُه غير مُستقرٍ بطبيعةالحال.”
“آه، فهمت.”
“هل تذكرين نظام الإحداثيات الذي درسته؟ ابدئي في تلاوته.”
“أمم، لحظة. ثلاثة مئة وأربعة وخمسون، مئتان واثنا عشر، خمسة وأربعون. أربعمئة وواحد، سبعمئة واثنان وستون، سبعة وأربعون.”
بدأت كورديليا تحول الأجزاء الضعيفة مِن الحاجز إلى إحداثيات وتقوم بتلاوتها. كان الحاجز كبيرًا لدرجة أن الأجزاء المُتضررة كانت أكثر مِن سبعة عشر مكانًا.
في كُل مرةٍ كانت تذكر فيها إحداثية، كان ليونارد يُركز طاقتهُ السحرية على النقطةٍ المُعنية. أُعجبت كورديليا بدقة توجيه لطاقته إلى تلكَ النقاط دون خطأ.
استمر الاثنان في العمل معًا لتحديد جميع نقاط الضعف في الحاجز. استغرق ذَلك أكثر مِن ساعتين.
“تم. الآن ابتعدي للخلف. سأقوم بتدمير الحاجز عند العد إلى ثلاثة.”
“عندما يسقطُ الحاجز، هل ندخل جميعًا معًا؟”
“هل هُناك حاجةٌ لذَلك؟ سأدخلُ وحدي. انتظروا أنتم هُنا.”
“هل ستذهبُ وحدكَ؟”
لم تكُن كورديليا الوحيدة التي أصيبت بالدهشة، فكُل مِن بارون وبيلوتشي قد اعترضا بشدة.
“لا يُمكن! مَن يعرف ماذا يوجد في الداخل مِن مخاطر؟”
“جئنا لحمايتكِ، كيف تذهبَ بمفردكَ يا سيدي؟ لا يُمكنكَ الدخول بمفردكِ.”
قال ليونارد ملوحًا بيده بملل: “أنتم صاخبون جدًا. إذًا، ادخلوا معي، لكن اعتنوا بحياتكم بأنفسكم.”
“احترس يا سيدي.”
قررت كورديليا البقاء في الخارج بالطبع. دخولها إلى الداخل سيكون عبئًا على الآخرين.
وقف الرجال الثلاثة عند مدخل الغابة. أخرج ليونارد مِن جيبه أحد الآثار المقدسة التي كانت تلمعُ بضوءٍ أحمر وألقاها في فمه.
اندفعت طاقةٌ هائلة. فتحت كورديليا فمها بدهشة، فهي لم ترَ شيئًا كهذا مِن قبل. بدأت تلكَ الطاقة تتغلغل في جسد ليونارد.
رفع ليونارد يدهُ إلى الأعلى.
“واحد، اثنان، ثلاثة.”
مع العد إلى ثلاثة، انفجرت طاقة هائلة في أضعف جزء حاجز الغابة، مما أدى إلى خلق عاصفةٍ سحريةٍ قوية جذبت الرجال الثلاثة الواقفين عند المدخل إلى داخلها في لحظة.
كان الرياح قويةً لدرجة أنها كادت تسحبُ كوردليا نحو العاصفة.
أمسكت كورديليا بجذع شجرةٍ قريبٍ بقوة، وإلا كانت ستُجرف مع العاصفة.
“آه!”
كانت قوة العاصفة السحرية هائلةً. شاهدت كورديليا لوتي، التي كانت مربوطةُ بعيدًا، تطفو في الهواء، فصرخت بفزع.
“لوتي!”
بدأ جذع الشجرة التي كانت كورديليا مُتمسكةً بها تُقتلع مِن الأرض. حاولت جاهدةً العثور على شيءٍ آخر تتمسكُ به، لكن دون جدوى.
“آآه!”
في النهاية، جُذبت كورديليا أيضًا إلى داخل العاصفة.
***
بصعوبةٍ بالغة، تمكنت مِن تحريك إصبعٍ واحد. شعرت وكأن جسدها قد تعرض للضرب المُبرح. فتحت كورديليا عينيها بجهدٍ كبير. السماء بالكاد كانت مرئيةً بفضل الأوراق الكثيفة التي قد حجبت ضوء الشمس.
“آه، يا إلهي.”
عندما حاولت النهوض، أطلقت آهة ألمٍ لا إرادية. نظرت حولها.
كان داخل أراضي ديلوانا، على عكس ما بدا مِن الخارج، مليئًا بنضارة الصيف الخضراء.
نظرت كورديليا حولها بحذرٍ. كان الجو هادئًا بشكلٍ غير مُتوقع. كانوا يتوقعون أن تكون الغابة مليئة بالوحوش، لكن لم يكُن هُناك حتى حيوانٌ صغير في الأرجاء.
“ولكن كيف سأخرجُ مِن هُنا؟”
ربما لم يُدرك الرجالُ الثلاثة أنها قد سقطت هُنا. في أسوأ الأحوال، قد تموتُ محاصرةً في هَذا المكان وحيدةً.
عندما أدركت هَذا الاحتمال، شعرت بالذعر. لا يُمكنها الجلوس هُنا مكتوفة الأيدي. عليها أن تجد أحدهم وتنضم إليهم.
“سيدي! بارون! بيلوتشي!”
بينما كانت تنادي بأسمائهم بحماس، بدأت تسير باتجاه المكان الذي يأتي منهُ ضوء الشمس.
لم يكُن هُناك أيُّ رد، سواء لأن الغابة كانت شاسعةً للغاية، أو لأن حظها السيء قد أبعدها عن الآخرين، حتى بعد أن سارت لأكثر مِن ساعتين، لم تُصادف أيَّ شخصٍ ولا حتى سنجابًا.
بدأ الخوف يتسللُ إلى قلب كورديليا تدريجيًا. بدون طعام أو ماء، وبدون القدرة على إشعال نار، إلى متى يُمكنها البقاء هُنا؟
ثم، سمعت صوت حفيفٍ. في خضم فرحتها، نادت باتجاه الصوت:
“أنا كورديليا! مَن هُناك؟”
كان الصوت القادم مِن الأدغال يقتربُ منها أكثر فأكثر. تقدمت كورديليا نحو مصدر الصوت بحذر.
“هل يُمكن أن تكون أنتَ سيدي؟ أو ربما بيل…؟”
التقت عيناها بنظرته. تجمد جسدُ كورديليا كالصخر. لماذا افترضت أن كُل ما يتحرك كان بالضرورة إنسان؟
الوحش ذو العيون السوداء كان يُحدق بها مع إبراز أنيابه. كان يُشبه الذئب في هيئته الرشيقة، لكنهُ امتلكَ خمس عيون. كانت مخالبهُ حادةً، وكأنها على وشك أن تُمزق جسد كورديليا إلى أشلاء.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》