أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 39
الفصل 39: ماكسيميليان ⁷
“أخبرني مُعلمي أن أبقى بجانبه طوال حياتي. وقال إن العلاقة بين المُعلم وتلميذه أهمُ مِن علاقة الزوجين.”
“هاه. كُل هَذا الحديث عن السحر. وأنتِ لا تعرفين حتى ما هو السحر.”
“على الأقل أنا أكثرُ أهميةً لمعلمي منكَ، أليس كذلك؟ بيلوتشي مُجرد فارسٍ عادي، لكنني تلميذة مُعلمي الوحيدة.”
كانت كلماتها مُتعمدة لإثارته. كما توقعت، ظهر شرخٌ في تعابير وجهِ بيلوتشي. رد عليها بمرارة، كاشفًا عن غيرته وحقده بالكامل.
“تلميذة؟ لماذا سيدي قبلكِ كتلميذته أنا لا أفهم؟ هُناك الكثيرُ مِن الناس الذين يرغبون في أن يكونوا تلاميذ لسيدي، فلماذا قد أختار امرأةً مثلكِ؟”
“لأنني موهوبة…”
“موهوبة؟ مقارنةً بسيدي، فأن موهبتكِ لا تساوي شيئًا.”
تذكرت فجأة كلمات ماكسيميليان.
-“مهما كُنتِ موهبة، فأن موهبتكِ لا تساوي شيئًا مقارنةً بأخي.”
في ذَلك الوقت والآن، وافقت كورديليا بسهولة على تلكَ الكلمات. فلم تكُن كلماتُ ماكسيميليان خاطئة.
عندما لم تستطع كورديليا الرد بسرعة، ازدادت سخريةُ بيلوتشي.
“هل تعرفين كيف سيتمكن السيد مِن أستعادة جسده؟”
“يجبُ أن يستخدم سحر نقل الروح، أليس كذلك؟”
“صحيح. ولكنهُ بحاجةٍ إلى قوةً سحرية هائلة لاستخدام سحر نقل الروح. والجسدُه الحالي لا يُمكنه تحقيق ذَلك.”
“لهذا طلب مني إحضار الآثار، أليس كذلك؟”
“بضعُ الآثار لن تتمكن مِن أن تحل محل قوة السيد السحرية.”
إذاً، كيف سيتمكن مِن استخدام هَذا السحر؟
دارت تلكِ الأسئلة في عقلها. وكأن بيلوتشي قرأ أفكارها، أجاب بلهجةٍ لطيفة.
“لذَلك قَبِلك كتلميذة.”
“قبِلني؟”
“البارون قال إنهُ إذا صبّ قوتهُ السحرية فيكِ واستخرج كل قوة الآثار، سيتمكن بالكاد من استخدام ذَلك السحر.”
“يصُب قوتهُ السحرية فيّ؟”
رغم شرحه، لم تستطع كورديليا فهم كلامه بسهولة. نظرت إلى بيلوتشي بوجهٍ لا يزال مشوشًا. تنهد بيلوتشي وواصل.
“لهذا يريدُ استخدامكِ كوسيط للقيام بسحر نقل الروح. أنتِ وسيلةٌ لاستخدام تلكَ القوة السحرية.”
“…وسيط.”
“الآن بدأتِ تفهمين؟ أنتِ مُجردُ وسيلةٍ لاستعادة جسد السيد. لذا توقفي عن التفاخر بأنكِ التلميذة الوحيدة وما إلى ذِلك. فالأشخاص الذين يُستخدمون كوسيط لن يتمكنوا مِن استخدام السحر مُجددًا.”
“كذب. هِذا كذب. أنتِ تكرهني فقط، لذا اختلقتَ هِذا الكلام، أليس كذَلك؟”
“هاها. لماذا قد أفعل ذِلك؟ لم قد أكذب على الحشرة إذا كُنتُ أكرهُها؟ هل هُناك داعي لذَلك؟ يمكنني ببساطةٍ سحقُها.”
-“أنتِ مُجرد قطعةُ شطرنج، تُستخدم لمصلحةِ أخي.”
تذكرت كورديليا كلماتٍ أخرى لماكسيميليان.
قطعةُ شطرنج تُستخدم لمصلحته.
في ذَلك الوقت، لم تشعر بشيءٍ تجاه هَذهِ الكلمات، لكنها الآن قد اخترقت عقلها. كانت هَذهِ الكلمات تنبؤية بشكلٍ مُخيف، ومُطابقةً تمامًا لما يحدُث.
كانت كورديليا تفتحُ وتُغلق قبضتها بشكلٍ مُتكرر. شعرت باضطرابٍ شديد في عقلها. كان مِن الصعب عليها التمييز ما إذا كانت كلمات بيلوتشي حقيقةً أم لا.
رغم أنها أرادت أن تُصدق أنها غيرُ صحيحة، إلا أن جزءًا مِنها كان يشُك في أن معلمها ربما قد قبلها كتلميذته لهَذا السبب.
“استمتعي بهَذهِ اللحظة قدر الإمكان. نهايتكِ أصبحت قريبة.”
غادر بيلوتشي، وهو يسخرُ مِن كورديليا حتى النهاية، تاركًا إياها وحيدةً على سطح السفينة.
نظرت كورديليا إلى البحر بلا هدف قبل أن تعود إلى حجرتها الصغيرة.
“سأسألُ مُعلمي. لماذا أعذبُ نفسي بالتفكير؟ إذا سألتهُ وكان هَذا صحيحًا…”
لكن ماذا لو قال إنهُ صحيح؟ ماذا لو أخبرني أن السبب في قبولي كتلميذته هو هِذا؟ ماذا علي أن أفعل؟
هل يجبُ أن أضحك وأقول: “كُنتُ أتوقع ذِلك” وأنسى الأمر؟
جلست كورديليا على السرير وأخذت نفسًا عميقًا.
“ربما كان هَذا أفضل ليّ. إذا لم أتمكن مِن استخدام السحر، يُمكنني ببساطةٍ أن أطلب مِن المُعلم مبلغًا كبيرًا مِن المال وأفتحُ متجري الخاص. سأعيشُ بقية حياتي في رفاهية. نعم، سأشتري كُل الكتُب التي كُنت أرغبُ فيها…”
رأت أن الأرضية الخشبية قد تبللت بشكلِ دائري. رفعت رأسها لتتأكد ما إذا كانت المياه تتسرب مِن السقف، لكنها وجدت دموعها تتساقط مِن ذقنها.
فقط في ذِلك الوقت أدركت كورديليا أنها كانت تبكي. اقتربت منها لوتي، التي كانت تستلقي في زاوية الحجرة، ووضعت رأسها على ركبتها.
“كُنتُ أخططُ لشراء الكثير مِن كتُب السحر…”
تمتمت وهي جالسة على الكرسي، تداعب رأس لوتي.
في الواقع، لم ترغب في العودة. كانت تستمتع بتعلم السحر مِن ليونارد. كانت سعيدةً بكُل شيء، مِن اكتشاف ما لا تعرفُه إلى السهر طوال الليل في أداء الواجبات، حتى عندما كان مُعلمها يوبخها لأنها لا تعرف شيئًا.
على عكس حياتها الماضية التي كانت أشبه بحياة الجثث، شعرت أخيرًا بأنها تعيشُ حقًا.
“ما زال بإمكاني بذلُ المزيد مِن الجهد. يُمكنني الدراسة بجدية أكثر…”
في مرحلةٍ ما، اختفى حُلمها أن تُصبح مُجرد مُثمن سحري بعد تعلُم بضع تعاويذ مساعدة.
بعد أن رأت العديد مِن السحرة في الجمعية السحرية، شعرت برغبة في التعلم أكثر. بدأ الطموح يتسللُ إليها شيئًا فشيئًا.
لكي لا تشعر بخيبة أمل، لم تكُن تتوقع شيئًا، لكن ليونارد غرس فيها الكثير مِن التوقعات.
في تلكً اللحظة، انفتح باب الحجرة فجأة ودون سابق إنذار. كان ليونارد واقفًا عند الباب، وهو يصرُخ بغضب.
“ألم تسمعي عندما طلبتُ منكِ الحضور لتناول الطعام؟ لماذا تتباطئين؟”
“آه.”
أسرعت كورديليا بمسح دموعها التي تراكمت على وجنتيها ونهضت. لكنها لم تستطع إخفاء احمرار عينيها الناتج عن البكاء. دخل ليونارد الغرفة بخطواتٍ سريعة.
“لماذا تبكين وحدكِ هَكذا؟”
“فقط دخل بعضُ الغُبار في عيني.”
“لماذا تبكين؟ هل قام ذَلك اللعين بيلوتشي بمضايقتكِ مجددًا؟”
فتح عينيه على مصراعيهما ورفع ذقن كورديليا ليتفحص إذا كانت هُناك أيُّ إصابات.
“ارفعي ذراعكِ. لا، استديري حول نفسكِ أمامي.”
“سيدي، ليس الأمر كذَلك. فقط تذكرت فجأة مسقط رأسي، فبكيتُ قليلًا.”
“مسقطُ رأسكِ؟ ذَلك الذي كُنتِ تشتكين مِنهُ دائمًا بأنكِ تكرهينه؟”
“أوه، متى قلتُ هَذا؟ فقط كُنتُ منزعجةً حينها.”
حاولت أن ترسم ابتسامةً على وجهها ولو بشق الأنفس ورفعت يدها في مُحاولة لطمأنة ليونارد. لكنهُ لم يخفِ نظراته المليئة بالشك، وكأنهُ لا يُصدق كلامها.
“حقًا؟ ألم يؤذيكِ أو يضربكِ بيلوتشي وبدأتِ تبكين؟”
“قلتُ لكَ لا. هل تعتقد أنني أتعرضً للضرب دائمًا؟”
“لا أعتقد. حتى حماتُكِ ضربتكِ بالنبيذ. حسنًا، عندما نعود مِن زيارة ديلوانا، ربما يجبُ أن أعلمكِ بعض تعاويذ الدفاعية حتى تتمكني على الأقل مِن حماية نفسكِ.”
“…..”
“لماذا تبكين مرةً أخرى؟”
كلمة “مرةً أخرى” .
تعرف كورديليا جيدًا أن هَذهِ الكلمات لا تعني أيَّ شيء.
كأن شيئًا ما قد طعن عينها، بدأت الدموع تتساقط بغزارة دون سابق إنذار. حاولت رفع ذراعها اليمنى، التي كانت لا تزال سليمةً نسبيًا، لمسح دموعها المُتدفقة، لكن مُحاولاتها كانت غير كافية.
“س- سيدي.”
“ماذا؟ تبكين وتتكلمين. لا تجعلني أشعر بالإحباط.”
“سيدي، إذا تم إلغاء الحاجز ودخلتنا إلى الداخل، كيف ستنقلُ روحكَ إلى جسدكَ؟”
“يا للعجب. هل هَذا سؤالٌ تبكين مِن أجله؟”
على الرغم مِن استغرابه، أجاب على سؤالها بصدق.
“في العادة، كُنتُ سأستخدمُ قوتي السحرية للقيام بسحر نقل الروح، لكن مع هَذا الجسد، لا أستطيعُ القيام بذَلك، لذا يجبُ أن أبحث عن طريقةٍ أخرى.”
“طريقةٍ أخرى؟”
“نعم. أفكر في استخدام وسيطٍ لتنفيذ السحر. لحسن الحظ، هُناك وسيطٌ جيد يمكنهُ تحمُل القوة السحرية. أنهُ شاب وصحي.”
“فهمت. ومَن هو هَذا الوسيط؟”
“أنتِ تسألين الكثير مِن الأسئلة اليوم. ستعرفين مَن هو عندما نصل على أيِّ حال.”
قال ذِلك بابتسامةٍ غامضة. في تلكَ اللحظة، جفت دموع كورديليا.
كما حدث عندما كانت في العربة المتجهة إلى أبرامز وسمعت والدها يقول: “لا تفكري بالعودة، وإذا مُتِّ، فمُتِ هُناك.”
***
قال البارون بصوتٍ مُنخفض، “أقصدُ السيدة كورديليا.”
“نعم.”
“ألا تبدو غريبةً بعض الشيء مؤخرًا؟”
ألقى ليونارد نظرةً على كورديليا التي كانت جالسةً بالقرب مِن النار، تُحدق في اللهب بشكلٍ غريب.
لقد مر أربعةُ أيام منذُ أن استقلوا السفينة ووصلوا إلى آنسن، وخمسةُ أيامٍ أخرى منذُ أن انطلقوا جنوبًا مُجددًا. كانت حرارة القارة الجنوبية تفوق الخيال لدرجة أن مِن الصعب تصديق أنهم في أوائل الربيع.
عندما نزلوا مِن السفينة، اشتروا جميعًا ملابس مُناسبة للقارة الجنوبية وارتدوها.
في ذَلك الوقت، لاحظ ليونارد لأول مرةٍ أن هُناك شيئًا غريبًا بشأن كورديليا.
” مِن الجيد أنني لم أتخلص مِن معطفي الشتوي. فسأعُد في النهاية.”
“ماذا قُلتِ؟”
“لا شيء.”
ازداد حديثها مع نفسها بشكلٍ ملحوظ، وبدأت تقضي وقتًا أطول في التحديق في الفراغ.
حتى خلال الدروس، استمر ذَلك، مما دفع ليونارد إلى توبيخها مرارًا وتكرارًا لتنتبه. في السابق، رغم أنها كانت تتذمر، كانت تستطيعُ التركيز وإنجاز واجباتها. أما الآن، فقد بات واضحًا أنها تؤدي المهام بلامُبالاة.
“ما هَذا؟ لم تُكملي حتى نصف الواجب الذي أعطيتُه لكِ.”
“نعم.”
“هل هَذا كُل ما لديكِ لتقوليه؟ كم مرةً أحضرتِ لي أوراقًا فارغة؟”
“أسفة كُنتُ مخطئة.”
لم تُقدم أيَّ تبريرٍ لذَلك. كانت كورديليا تخفضُ رأسها بخفةٍ وتتجنب نظراته تمامًا. حتى عندما كان ليونارد يوبخها، كانت تستمعُ لهُ بفتورٍ ودون اهتمام.
“ما الغريب في ذَلك؟ كانت دائمًا هَكذا. مُتقلبة المزاج ولا تعرفُ كيف تحترمكَ يا سيدي.”
“لا، بل كانت مُختلفة. ربما لا تعرف ذلك يا بيلوتشي لأنكَ عرفتها مؤخرًا، لكنها كانت مُشرقةً، مؤدبة، وتجتهد في عملها.”
“مؤدبة؟ هاها.”
“سيدي، هل حدث شيءٌ على متن السفينة؟ يبدو أنها تغيرت منذُ أن نزلنا منها.”
“حدث شيء؟ لا شيء على الإطلاق. آه…”
عند سؤال بارون، تذكر ليونارد فجأةً عندما وجد كورديليا تبكي وحدها في حجرتها على السفينة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》