أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 38
الفصل 38: ماكسيميليان ⁶
لحُسن الحظ، يبدو أن التوتر قد هدأ قليلًا. بدا أن تعابير ليونارد الغاضبة قد تلاشت قليلاً. بينما كانت كورديليا تتنفس الصعداء داخليًا، ظهر بارون في الوقت المناسب.
“كوردليا، لقد عدتِ.”
“بارون. آه، لقد كان يومًا مُرهقًا للغاية، شعرتُ بأنني سأموت. لوتي، قد اشتقتُ لكِ!”
“هاها. هل حدث شيءٌ ما؟”
بمجرد أن رأت كورديليا البارون، بدأت الدموع تتساقط مِن عينيها وكأنها كانت تتحملها طيلة اليوم. بدأت تُحدثُه عن كُل ما مرت به اليوم وهي تربت على ظهر لوتي.
حكت له عن عدم معرفتها بختم السحرة في البداية وتجاهلها عند المدخل، وعن سحبها إلى سييريوس بواسطة مينوبيو ومَن معه، وحتى ما حدث في مختبر ماكسيميليان عندما قُدِّم لها لحم ضأن مسموم.
“يا إلهي. هل تأذيتِ في أيِّ مكان؟”
“أنا بخير. ماكسيميليان قُتل تلميذهُ بدلاً مني.”
“ذَلك الرجُل لم يتغير.”
“لقد نجوت بفضل مُعلمي. لولا تعويذة الفول السوداني، لكنتُ قد أكلتُ اللحم بلا تردد.”
قال ليونارد وهو يضع ذراعيه على صدره: “ليست تعويذة الفول السوداني بل تعويذة الكشف… على أيِّ حال، يبدو أن تدريبي الشاق لكِ لم يذهب هباءًا.”
أومأت كورديليا برأسها بحماس هَذهِ المرة. لو لم يكُن ليونارد قد دربها، لربما كانت ميتةً بالفعل.
“لكن عندما رأى ختمي، أدرك أنهُ نُقش حديثًا. ثم قال إن مُعلمي لا يزالُ على قيد الحياة وسألني أين هو الآن.”
“هَذا سيء.”
تغيرت ملامحُ وجه لبارون إلى الجدية على الفور.
“هل يُمكن معرفة متى تم نقشُ الختم بمجرد النظر إليه؟”
“نعم، يُمكن. لكن كيف عرف ماكسيميليان ذَلك؟ هَذا الختم هو ختمُ أكيرون!”
“إذا تبعني ذِلك الرجل، ماذا أفعل؟ ماذا لو اكتشف أن مُعلمي هُنا؟…”
بدأت كورديليا تشعرُ بالذعر وأخذت تدورُ حول نفسها بقلق. كان مِن المُمكن أن يكون قد أرسل شخصًا لمُراقبتها، وكانت قلقةً مِن أنهُ قد لا يكون الوقت المناسب لمغادرة ويلآس.
“ما حدث قد حدث بالفعل. إذا كان هُناك مَن يُلاحقكِ، فسنتخلصُ منهم. هل زرتِ المُختبر؟”
“آه، نعم. لقد أحضرتُ كُل ما طلبته.”
نظر ليونارد بهدوء إلى كورديليا، مما جعلها تشعرُ ببعض الطمأنينة.
أخرجت بسرعةً الحقيبة الثمينة التي كانت تحملُها وقدمتها له. ابتسم ليونارد عندما تأكد مما بداخلها.
“عملٌ جيد. هل العين ما زالت في مكانها؟”
“العين؟ آه، تقصدُ كاندياس؟ نعم، هو بخير. لكنهُ أيضًا يعتقدُ أنكَ لم تمُت.”
“ذَلك لأن كاندياس لديهِ عقدٌ معي… انتظري لحظة. هَذا يبدو مألوفًا.”
تحولت نظرةُ ليونارد إلى معصم كورديليا الأيسر.
أخفت كورديليا يدها اليُسرى خلف ظهرها بسرعة. وقررت أن تتصرف بثقة.
“ماذا؟ ما الأمر؟ هَذا… اشتريتُه مِن السوق القريب.”
“دعيني أرى. يبدو مألوفًا جدًا. أشعرُ بأنني رأيتُ هَذا مِن قبل.”
“ماذا رأيت؟ لا شيء. إنهُ مُجرد سوارٍ عادي.”
“قلتُ دعيني أرى يدكِ لوهلة؟”
بينما كانت كورديليا وليونارد يتجادلان، دخل بيلوتشي إلى النُزل.
نظر إليهما لوهلة، ثم تقدم بخطواتٍ سريعة نحو كورديليا وأمسك بمعصمها الأيسر وسحب يدها إلى الأمام.
“آه!”
المشكلة كانت أن حركته لم تكُن طبيعية. أطلقت كورديليا صرخةً وهي تتلوى مِن الألم. انحناء يدها في اتجاه مُعاكس مؤلم، ولم تستطع حتى التنفس بشكلٍ صحيح مِن شدة الألم.
أما بيلوتشي، فقد جرّ يدها بلا مبالاة كما لو كان يُمسك بحشرة، وقدّمها إلى ليونارد. وفي لحظة، تصلبت ملامحُ ليونارد.
“بيلوتشي!”
“هِذا صحيح. إنها جوهرةُ إيفراد. السوار الذي كان سيدي يبحثُ عنهُ لأكثر مِن عام.”
“اترُك يدها.”
“لقد قلتَ إنهُ لا يُمكن خلع هَذا السوار بمُجرد ارتدائه إلا إذا مات صاحبه. هل يجبُ أن أقطع معصمها لنتأكد؟”
أخرج بيلوتشي خنجرًا مِن عباءته بيده الأخرى. سحب ليونارد كورديليا بسرعةٍ مِن قبضته.
بدأت الدموع تنهمر على خدّي كورديليا مِن شدة الألم.
“أوه، مؤلم. إنهُ مؤلم للغاية.”
“تحملي.”
تمتم ليونارد ببعض الكلمات القصيرة على معصمها، فظهر ضوء أبيض سرعان ما تلاشى.
خف الألم كثيرًا، لكنهُ لم يختفِ تمامًا. لمس بارون معصمها وأطلق تنهيدةً قصيرة.
“لحُسن الحظ، لم ينكسر العظم، لكن العضلات قد تعرضت لإصابة شديدة.”
“هَذهِ المرأة قد تجرأت على لمس شيءٍ يخُص سيدي بدون إذن. إنها جوهرةُ إيفراد.”
“وماذا في ذَلك؟”
أجلس ليونارد كورديليا على كرسي ثم وجه نظراتٍ حادةِ إلى بيلوتشي.
“كورديليا هي تلميذتي. ألا تفهمُ بعد ماذا يعني هَذا؟”
“سيدي. لقد قبلتها كتلميذة على مِن أجل…”
قاطعه البارون هَذهِ المرة، وتدخل بلطفٍ ليهدئه.
“كفى. مِن الأفضل أن نغادر الآن.”
“إلى أين؟ اعتذر لكورديليا بشكلٍ صحيح.”
“هل علي أن أعتذر لشخصٍ سارق؟”
في تلكَ اللحظة، سُمع صوتُ ارتطامٍ قوي، وطار بيلوتشي ليصطدم بالكرسي والطاولة خلفه. ارتعدت كورديليا مِن الصدمة وتجمدت دموعها في مكانها.
وجهُ ليونارد كان باردًا كالجليد. أشار بذقنه نحو كورديليا دون أن يقول كلمة.
بصق بيلوتشي الدم الذي تجمع في فمه ونهض بهدوء قبل أن يقترب مِن كورديليا. ثم انحنى لها باحترام نسبي.
“أعتذر عن لمس جسدكِ دون إذن.”
“آه، لا بأس.”
حنت كورديليا رأسها قليلاً أيضًا. بعدها انحنى بيلوتشي بعمقٍ لليونارد أيضًا قبل أن يصعد إلى غرفته.
أحضر البارون بعض الدواء مِن مكانٍ ما ووضعهُ بعنايةٍ على معصم كورديليا الأيسر.
“لا تستخدمي معصمكِ لبضعة أيام.”
“نعم. شكرًا لكَ، بارون.”
نظرت كورديليا بحذرٍ إلى ليونارد، وترددت قليلاً قبل أن تبدأ بالكلام.
“سيدي… في الحقيقة… كنت أريد فقط أن أرتديه لفترةٍ قصيرة ثم أعيدهُ لمكانه، لكن فجأةً تقلص السوار.”
“لا بأس. لم أكُن أحتاجُه حقًا.”
“أنا آسفة. لم يكُن يجب أن أعبث به.”
قالت كورديليا بصوتٍ مُنخفض وهي تُشعر بالذنب، ورأسها مُنخفض. تنهد ليونارد وقال بهدوء:
“ليس بالأمر الكبير. انهضي الآن. سنُغادر في الصباح الباكر، لذا اذهبي للنوم.”
شعرت كورديليا بالمزيد مِن الذنب لأن ليونارد لم يجعل الأمر مُشكلة. وقفت بترددٍ، انحنت لهُ بإحترام، ثم صعدت إلى غرفتها.
***
في اليوم التالي، غادروا النُزل عند شروق الشمس. على الرغم مِن أنهم لم يكونوا عادةً كثيري الكلام، إلا أن الصمت كان شديدًا اليوم. كانت كورديليا تظنُ أن ذَلك بسبب ما حدث بالأمس، فبقيت أكثر تحفظًا مِن المُعتاد. تبعتها “لوتي” بهدوء.
للوصول إلى أراضي ديلوانا، كان عليهم الإبحار جنوبًا مِن جزيرة ويلآس. هَذا يعني أنهم سيغادرون القارة الشمالية بالكامل.
كانت كورديليا تشعرُ بالتوتر والحماس في آن واحد، حيثُ كانت تعلم أن القارة الجنوبية تختلف تمامًا مِن حيثُ العملة، اللغة، والثقافة. لكن ما كان يريحها هو معرفتها باللغة الفيدوسية، وهي اللغة الأكثر استخدامًا في القارة الجنوبية.
عندما علم البارون بذَلك، اندهش وسألها: “هل تتحدثين الفيدوسية؟”
أجابت كورديليا بلا مُبالاة: “نعم. كانت مُربيتي في صغري مِن يراثكوس. كانت متدينةً جدًا وتابعةً للكنيسة، لذَلك تعلمتُ منها الكثير، بما في ذَلك تعاليم وآداب الكنيسة.”
رد البارون بإعجاب: “هَذا مُثيرٌ للاهتمام. يراثكوس تقع شمال إيرشيه، مِن النادر أن نجد أحدًا مِن هناك في باسكويز.”
أجابت كورديليا: “سمعتُ شائعاتٍ بأنها كانت كاهنة ذات رُتبةٍ عالية في كنيسة ليمان، لكنها خسرت في سلطتها، فتم نفيُها وانتقلت مِن مكانٍ لآخر حتى انتهى بها المطاف في باسكويز.”
قال البارون مُتأملاً: “يبدو أن الأمور لا تختلف كثيرًا بين الرُتب، حتى لو كانت تعبدُ الحاكم.”
بينما كانوا يتبادلون الحديث الخفيف، وصلوا إلى الرصيف. فجأةً، توقف بيلوتشي الذي يحملُ الأمتعة ونظر حولهُ بحذر.
سأله البارون: “ماذا هُناك، بيلوتشي؟”
“لا شيء. شعرتً وكأن أحدهم يًراقبنا.”
“هل تعتقدُ أننا مُراقبون؟”
“لا أعتقد ذَلك، لكن…”
ثم أعاد فحص المنطقة بحذر. كان الرصيف خاليًا تقريبًا حيث لم يكن هناك الكثير من الناس في هذا الوقت المبكر من اليوم. ثم قال فيلوتشي
“ربما كُنت أتوهم.”
أخذت كورديليا حذرها وحملت أمتعتها بنفسها.
“عندما نصلُ إلى أنسين، سنشتري ملابس جديدة وعربةً، وطعامًا لنُكمل رحلتنا جنوبًا.”
سألته كورديليا: “هل علينا شراء الملابس أيضًا؟”
“لم تذهبين إلى القارة الجنوبية مِن قبل، أليس كذَلك؟ ستجدين أن الطقس سيكون أكثر حرارةً ضعف مما هو عليه الآن. ستفهمين ما أعنيه عندما نصل إلى الميناء.”
أصاب كلام بارون كورديليا بالقلق. كانت حرارة ويلآس لا تُحتمل بالنسبة لها، فلا يُمكنها تخُيل مدى حرارة القارة الجنوبية. قررت أنه مِن الأفضل التخلص من ملابسها الشتوية وشراء بضعة ملابس خفيفة.
بينما كانت كورديليا تقوم بترتيب ملابسها داخل المقصورة، سمعت طرقًا على الباب. عندما فتحت، وجدت شخصًا غيرُ متوقع يقف أمامها.
“يرجى القدوم لتناول الطعام.”
“آه، نعم. شكرًا، بيلوتشي.”
رظت بتردد بينما كانت تُحاول تنظيم أمتعتها بيدٍ واحدة، ترددت في مغادرة المقصورة. لاحظ بيلوتشي ترددها فأبدى تعبيرًا غير راضٍ. وقال بحدة
“ما الذي تفعلينه؟ لم لا تتحركين؟”
“سأذهب الآن.”
أغلقت كورديليا الباب بسرعة وتبعت بيلوتشي. بينما كانت تسيرُ خلفه، حاولت أن تتحدث عن ما حدث أمس.
“أردتُ أن أخبركَ أن الأمس…”
لم يرد بيلوتشي.
“لم أكُن أنوي سرقة السوار. فقط أردتُ أن أرتديه لفترةٍ قصيرة لأنهُ كان جميلاً جدًا، ولم أكُن أتوقع أنهُ لن ينخلع.”
“لا يهُم. سأستعيدهُ على أيِّ حال عندما تموتين.”
رد بيلوتشي ببرود. ردت كورديليا بسخرية
إذن، ستكون حاضررًا في جنازتي، أليس كذلك؟”
حاولت كورديليا أن تُصلح الأمور معه، لكنها سرعان ما أدركت أن بيلوتشي لن يكون ودودًا أبدًا مع أحد غير ليونارد، مهما فعلت.
قال بيلوتشي بلهجةٍ تحذيرية: “لا تظني أن مكانتكِ المُميزة لدى السيد تجعلكِ تتفاخرين.”
“لم أتفاخر قط.”
“على أيِّ حال، عندما نصل إلى أراضي ديلوانا، سيكون كُل شيء قد انتهى.”
توقفت كورديليا فجأةً عندما سمعت كلماته. كان كلمةُ “انتهى” قد أثارت فيها القلق.
سألتهُ بقلق: “انتهى؟ ماذا تقصد؟”
لم يُجب بيلوتشي. لذا تابعت كورديليا بإصرار
“أخبرني، ماذا تعني بذَلك؟”
دون أن يُجيب، استدار بيلوتشي بسرعةٍ وسار بشكلٍ أسرع. هرعت كورديليا أمامهُ لتمنعه مِن التقدم.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》