أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 34
الفصل 34: ماكسيميليان ²
مرت لحظاتٌ قليلة وفتح الباب.
لم يكُن كما تخيلته كورديليا. لم يكُن شيطانًا ذو قرون، ولا شيطانًا بثلاثة عيون.
كان ماكسيميليان رجُلًا وسيمًا بشعرٍ أشقر داكن وعينين خضراوين. كان مظهرهُ يوحي للطافة والحنان، مما جعلهُ يبدو كشخصٍ وديعٍ للغاية.
“سمعتً بأنكَ استدعيتني.”
“أوه، نعم. ماكسيميليان، تعال هُنا. هُناك شخصٌ هُنا سيسعدُكَ رؤيتهُ.”
“يبدو أنها المرة الأولى التي نلتقي فيها.”
توجه ماكسيميليان نحو كورديليا بخطىً ثابتة، وألقى عليها نظرةً عابرة. لاحظت كورديليا أن مشيتهُ كانت غريبةً بعض الشيء.
“مرحبًا، أنا ماكسيميليان أتيلي. ومَن تكونين يا سيدتي؟”
“أنا كورديليا إبرامز.”
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تنطق باسمها.
“إبرامز. إنها أرضٌ تقع في الشمال الشرقي لـ إيرشيه، وهي منطقةٌ غنيةٌ بالحديد.”
“…نعم، هَذا صحيح.”
كانت هَذهِ أول مرةٍ ألتقي بها بشخصٍ يعرفُ بدقةٍ موقع إبرامز، ما جعلها بالبرودة تسري في عروقها.
“قال السيد مينوبيو بأنني سأسعدُ بلقائكِ، ولكنني أعتذر، لا أعتقدُ بأنني أعرف السيدة جيدًا.”
كان يبدو عليه الاحترام واللطف إلى درجةٍ قد جعلت مِن الصعب تصديق أنهُ شقيق ليونارد.
وهَذا جعلها تشعرُ بالخوف أكثر. كيف يُمكن لشخصٍ ذو وجهٍ وديعٍ كهَذا أن ينبش قبر والدته ويطعن شقيقهُ الذي قد خرج مِن نفس الرحم مثله؟
“ماكسيميليان، لا تندهش. هَذهِ السيدة هي تلميذةُ ليونارد.”
“تلميذةُ أخي؟ هل ترك أخي تلميذةً وراءه؟”
“نعم. هاها. يبدو أن ذَلك الرجل لم يكُن بدون خطةٍ قبل موته.”
“أخي كان دائمًا يُفاجئنا.”
ابتسم ماكسيميليان بهدوء ونظر إلى كورديليا، لكنها كانت تتجنبُ النظر في عينيه بشكلٍ غريزي. خاطبها بنبرة لطيفة:
“أعذريني، هل يُمكنني أن أرى الختم؟”
“الختم؟”
“نعم. ليس لدي شكوكٌ فيكِ، لكن مِن الأفضل التأكد أمام سييريوس.”
“ليس لديّ مانع.”
“هل هُناك مشكلة؟”
“أنا فقط لا أعرف كيف أظهر الختم.”
ساد صمتُ مؤقتًا في القاعة، ثم أطلق أحد أعضاء سييريوس تنهدًا:
“يا إلهي، هل سنجعلُ شخصًا لا يستطيعُ حتى إظهار الختم يجلسُ في مقعد سييريوس؟”
“تجاهل الأمر. ماكسيميليان، ساعدها.”
“حسنًا. سأقوم بذَلك.”
بكُل لطف، لمس ماكسيميليان معصم كورديليا بإصبعٍ واحد. كان شعور اللمسة خفيفًا كأنهُ لم يكُن موجودةً.
بعد لحظاتٍ، بدأ الختم المحفور على جسدها يُضيء، تمامًا كما حدث عندما لمسه روزنبلور عند المدخل.
بينما لم يظهر باقي أعضاء سييريوس أيَّ ردِ فعل، كان ماكسيميليان مُختلفًا. نظراتهُ كانت لامعة كمن وجد كنزًا مدفونًا في الحقل.
“أن يظهر وريثٌ شرعي لمدرسة أكيرون، هَذهِ نعمةٌ عظيمة لجمعية السحرة.”
“نعم، مُجرد أن أبحاث السيد أتيلي لن تُهمَل هو بحد ذاته أمرٌ مهم. رغم أن السيدة إبرامز لم تدرُس السحر سوى لعام واحد، إلا أنها ستقود أكيرون كـ سييريوس. ساعدها كما كُنتَ تُساعد أخيكَ.”
“بالطبع. لكن عام واحد فقط؟ يبدو أن أخي كان مُضطرًا لجعلها تلميذتهُ بسرعة.”
“نعم، هَذا مؤسف، لكن ما باليد حيلة.”
“بالمناسبة، ماكسيميليان، كورديليا تريدُ الذهاب إلى مُختبر أتيلي، فهل يُمكنك أن تأخذها؟”
“آه، المُختبر. نعم، يبدو أنكِ قد وصلتِ في الوقت المناسب. لو تأخرتِ يومًا آخر، لكان قد تم إغلاقهُ للأبد.”
تحدث بنبرةٍ يبدو عليها الأسف.
كان باقي السحرة قد وجهوا انتباههم بعيدًا عن ماكسيميليان كورديليا وبدأوا بالحديث فيما بينهم، فلم يلاحظوا أيَّ شيءٍ غريب.
“تفضلي، سآخذكِ إلى مُختبر أخي.”
“شكرًا لكَ.”
بكُل حذر، تبعت كورديليا خطواته. كان هدفها الرئيسي هو مُغادرة هِذا المكان الغريب، ثم البحث عن فرصةٍ للهرب.
كانت تلعبُ بخاتمها.
تمامًا كما فعل عندما دخل أول مرةٍ، فتح ماكسيميليان بابًا كبيرًا مُستطيل الشكل مِن العدم ودفعهُ للأمام.
بعد بضع رمشاتٍ بعيناها، تحول الماكن إلى ممرٍ هادئ ومهجور.
“كيف التقيتِ بأخي؟”
“مُجرد صدفة.”
“لا يوجد شيءٍ كـ الصدفة بين السحرة. يوجدُ القدر فقط.”
“إذن، ربما كان هَذا قدري أنا ومُعلمي.”
قالت كورديليا ذلك بلا مبالاة، ثم ابتسم ماكسيميليان بهدوء.
“أنتِ تشبهين أخي.”
“أنا؟”
“نعم، رؤيتكِ تُذكرني بأخي.”
لم تستطع كورديليا أن تطلُب منهُ أن يناديها باسمها، ولم تسأله عن سبب رؤيته لأخيها فيها.
بينما كانت تسيرُ بتوترٍ، لاحظت أمرًا.
ماكسيميليان كان يجر قدمهُ اليمنى عند المشي. لم تكن مجرد إصابةٍ عادية، بل يبدو أنهُ يعاني مٍن قصرٍ في ساقهِ بشكلٍ خُلقي. كان واضحًا تمامًا عندما تراقب مشيته مِن الخلف.
“لقد وصلنا.”
“أوه، بالفعل؟”
أن يأخذها إلى مُختبر ليونارد بهَذا السهولة كان أمرًا غير مُتوقع.
“يجبُ أن تكوني قد تلقيتِ مُفتاحًا من أخي …”
ولكن، ولدهشة كورديليا، انفتح باب المُختبر بسهولة بمجرد حركةٍ خفيفةٍ مِن يد ماكسيميليان. فتح ذَلك فم كورديليا بدهشة.
كان البارون قد أخبرها بأن لا أحد يُمكنه فتح الباب سوى مُعلمها. كيف تمكن مِن فتحهِ إذن؟
“تفضلي بالدخول.”
تقدمت خطوة إلى الداخل، تاركة وراءها تلكَ تساؤلاتها. أول ما رحب بها كان رائحة الزهور التي لامست أنفها.
كان هُناك الكثيرُ مِن الكُتب، لكنها كانت مُرتبةً بشكلٍ مُذهل. فوجئت قليلاً بأن المكان يبدو أكثر طبيعيةً مما توقعت.
“هل هَذا مُختبر مُعلمي؟”
“لا.”
“ماذا؟”
“هَذا مُختبري. أردتُ فقط التحدُث معكِ.”
لذَلك كان يوجهني بكُل طيبة. شعرت كورديليا التي كانت قد بدأت تسترخي، بالتوتر مرةً أخرى كقطٍ مُرتعب.
في تلكَ اللحظة، ظهر رجلٌ نحيفٌ يرتدي رداء أبيض وهو يهرول من بين رفوف الكتب.
“أهلاً بكم.”
“كارون، هَذهِ ضيفتنا. تقول إنها تلميذة أخي.”
“ماذا؟ هل ترك سييريوس أكيرون تلميذةً وراءه؟”
“يبدو أن هَذا هو الحال. لحسن الحظ، كُنتُ أظنُ أن أكيرون ستختفي للأبد.”
“لقد قال إنه لن يتخذ تلميذًا أبدًا…”
حدق كارون في كورديليا بعمقٍ لدرجة أنها اضطرت لتجنب النظر في عينيه وإدارة وجهها قليلاً.
“أوه، لقد أبقيتُ السيدة إبرامز واقفةً طويلاً. كارون.”
“نعم.”
“هل يمكنكَ إعدادُ الطعام؟”
“طعام؟ ماذا تود أن أجهز؟”
“هممم. بما أني لا أعرف ما تُحبه ضيفتُنا، فلتُعدَ لحم الضأن.”
على الفور، شحب وجه كارون بشكلٍ ملحوظ. عض على شفته وانحنى قليلاً.
“الأمر هو… التحضيرات… ليست جاهزةً تمامًا…”
“لا تقلق. لقد اشتريتُ مؤخرًا لحم ضأن عالي الجودة.”
“أ… حسنًا. سأبدأ بالتحضير.”
أضاف ماكسيميليان بنبرة مشرقة:
“والآن، إذا تفضلت السيدة إبرامز بمرافقتي.”
“أعتذر، لكن يجب أن أذهب إلى مُختبر معلمي. لنؤجل الطعام لوقتٍ آخر.”
لا يمكنني أن أسمح لهُ بالسيطرة عليّ أكثر مِن هَذا. قررت كوردليا بحزم وتراجعت خطوة إلى الوراء.
ضحك ماكسيميليان بخفةٍ على كلماتها.
“سأوصلكِ. بعد أن ننتهي مِن هَذا العشاء.”
“لا، الآن حالاً. ليس لديّ وقتٌ لهَذا.”
“لماذا ليس لديكِ وقت؟ على أية حال، ستبقين هُنا حتى تموتي.”
رفع ماكسيميليان زاوية مِن فمهِ بخفة، مما أظهر لكورديليا فقط، حين قال “حتى تموتي”.
“زوجي ينتظرني بالخارج. لذا يجبُ أن أغادر.”
“زوج؟ لقد تزوجتِ مُبكرًا. إذن، إبرامز ليس اسمكِ قبل الزواج، أليس كذلك؟ هل يُمكنني أن أسأل عن اسمكِ قبل الزواج؟”
كانت كلماتهُ مهذبةً، لكن نبرتهُ لم تكُن كذَلك على الإطلاق. كانت لهجتهُ مُتعاليةً وكأنهُ يتحدثُ إلى شخصٍ أدنى منه.
“فاسكويز.”
“فاسكويز؟ تقصدين فاسكويز ذاك؟”
“هل يوجد في إيرشيه شخصٌ آخر يحملُ هَذا الاسم؟”
“هَذا غيرُ متوقع. تلميذةُ أخي الوحيدة مِن فاسكويز.”
“لقد أجبتُ على جميع أسئلتكَ، لذا دعني أذهب.”
“هممم. لم تجيبي على سؤالي الأخير بعد.”
“سؤالكَ الأخير؟”
ماكسيميليان تجاهل سؤال كورديليا واستدار وبدأ بالمشي. فكرت كورديليا في الهرب وألقت نظرةً خلفها. كان كارون الذي يقف وراءها، ينحني برأسه ويبتسم بشكلٍ مُتوتر.
“إذا انتظرتِ قليلاً، سأجهز الطعام بسرعة.”
سألت كوردليا كارون:
“هل أنتَ خادمُه؟”
“خادم؟… لا. أنا تلميذُه.”
“إذن، أنتَ ساحرٌ أيضًا. هل يمكنكَ أن ترشدني إلى مُختبر ليون… أقصد، مُعلمي؟”
“آه، لا يُمكنني ذِلك. إذا تركتكِ تذهبين مِن دون إذن، سأكون في ورطةٍ كبيرة.”
كارون تراجع بقوةٍ ومنع كورديليا. توسّل إليها أن تتحدث مع ماكسيميليان بدلاً مِن ذَلك.
نظرت كورديليا إلى الباب المُغلق بإحكام ثم إلى المكان الذي ذهب إليه ماكسيميليان. حاول كارون تغطية الباب بجسده وأصر على أن تتبعه.
“معلمي ينتظركِ.”
“حسنًا.”
في النهاية، لم يكُن أمام كوردليا خيارٌ سوى السيرُ في الاتجاه الذي ذهب إليه ماكسيميليان.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》