أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 32
الفصل 32: جَمعِيةُ سَحَرةِ روبال ¹¹
***
لكن لم تمضِ ساعةٌ على لقائها الأول حتى واجهت كورديليا أول عقبة لها.
‘كيف يُمكنني الدخول؟’
لم يكُن مِن الصعب العثور على جمعيةُ “روبال” للسحرة، لقد أرشدها البارون للطريق. سرعان ما وجدت المبنى الضخم. لكن المُشكلة كانت في الخطوة التالية.
كان الباب الرئيسي مُغلقًا بإحكام، ولم يكُن هُناك سوى بابٍ صغيرٍ مفتوح، وكان جميع الذين يعبرون مِن خلاله يحملون حلقات متوهجة على أذرعهم.
عندما ذهب الجميع وم يكُن هُناك أحد، حاولت كورديليا فتح الباب والدخول، لكنهُ لم يتحرك بالطبع.
وقفت لفترةٍ وترددت، ثم أوقفت شخصًا كان سـ يدخلُ مِن الباب.
“عذرًا، لحظةً مِن فضلكَ.”
“ما الأمر؟”
أجابها الرجل الذي كان يرتدي رداءً أسودًا طويلًا بنبرةِ غيرِ مهتمة وهو يلتفتُ نحوها.
“أريدُ الدخول إلى هُناك، كيف يُمكنني فعلُ ذَلك؟”
فحصها الرجل مِن أعلى لأسفل قبل أن يلوح بيده مشيرًا إلى أنهُ غيرُ مُهتم.
“يبدو أنكِ مُسافرة مِن ملابسكِ، لا يُمكن لأيِّ شخصٍ الدخول لهَذا المكان.”
“أنا لستُ مجرد مسافرة. في الواقع، أريدُ الذهاب لـ مُختبر مُعلمي.”
“مُعلمكِ؟ هل أنتِ ساحرة؟”
“نعم، هَذا صحيح.”
أومأت كورديليا برأسها مُبتسمة، لكنهُ استمر في سؤاله بتعجب.
“هَذهِ المرة الأولى التي أراكٍ فيها. مَن هو مُعلمكِ؟”
“ليونارد أتيلي.”
فور أن أنهت كلامها، انفجر الرجُل ضاحكًا بشكلٍ لم يكُن لطيفًا على الإطلاق.
“لماذا تضحك؟”
“عليكِ أن تكوني أكثر حذرًا عندما تحاولين الخداع الآخرين. ليونارد قد توفي منذُ أكثر مِن شهرين. حتى لو لم يكًن قد مات، مِن الوقاحة أن تدّعي أنكِ تلميذتُه.”
“أنا جادة. لقد تعلمتُ على يد ليونارد أتيلي.”
“هاهاها. اسمعوا يا رفاق! تعالوا هُنا. لدينا هُنا تلميذةُ السيد أتيلي!”
لم يُصدق الرجُل كلامها على الإطلاق، بل بدأ يُنادي زُملاءه السحرة الآخرين للسخرية مِن كورديليا.
“كيف يُمكنني إثباتُ كلامي؟”
“هَذا بسيط. إذا كنتِ حقًا تلميذة السيد أتيلي، فأظهري لنا الختم.”
“الختم؟ ما هو ذِلك؟”
“هاهاها! ألا تعرفين ما هو الختم ومع ذِلك تدّعين بأنكِ تلميذة ساحرٍ عظيمٍ مثله.”
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى تجمع أكثر مِن خمسة أشخاص حولها، ضاحكين بسخرية.
كانت كورديليا مُرتبكة تمامًا.
تذكرت بشكلٍ غامض أن البارون ذكر شيئًا عن الختم في وقتٍ ما، لكنها لم تتذكر بوضوح ما هو.
أعادت تفتيش جيوبها على أمل أن يكون اابارون قد أعطاها شيئًا، لكن كُل ما وجدتهُ كان مفتاحًا قديمًا.
‘كان عليهم أن يخبروني بأنني أحتاجُ إلى ختمٍ للدخول. الآن ها أنا هُنا أتعرضُ للسخرية عند المدخل دون أن أتمكن مِن الدخول.’
بينما كانت تُفكر في العودة إلى النُزل مُحبطةً، سمعت صوتًا خلفها لا يُمكنها نسيانه.
“أنتِ تقولين أنكِ تلميذةُ ليونارد؟”
كان صوتًا صافيًا ونقيًا، أشبهُ بقطرات الندى في الفجر. كان الصوت الشخص نفسه الذي تعرف على أن لوتي ليست كلبًا عاديًا.
“هاه؟ هَذا الصوت…!”
“يا إلهي، إنهُ السيد إلفنباوم.”
لم يكُن صاحب الصوت سوى روزنبلور إلفنباوم نفسهُ.
بمجرد أن رآه السحرة الذين كانوا يسخرون مِن كورديليا، تفرقوا على الفور.
حتى عندنا رأتهُ مِن بعيد، عندما كلن يمتطي حصانًا، بدا كأنه مِن عالمٍ آخر، وعندما اقترب منها، ازداد شعورها بأن ما تراه غيرُ حقيقي، كأنهُ تمثالٌ يتحرك.
نظر إليها بعينيه الزرقاوين الباردتين وسألها:
“هل تستطيعين تحمل مسؤولية كلامكِ؟”
“ماذا؟ آه، بالطبع. أنا واثقة تمامًا.”
“إذاً، سأساعدكِ. إذا كنتِ حقاً تلميذة ليونارد.”
“كيف ستساعدني؟ آه!”
أمسكَ روزنبلور بذراعها فجأةً دون سابق إنذار وبدأ يتمتم بشيء قصير. في تلكِ اللحظة، بدأ جسدها يشعُ بالضوءّ.
رغم أنها مرت بتجربةٍ مُشابهة مرةً واحدة فقط، إلا أن كورديليا تذكرت هَذهِ اللحظة بوضوح. كانت تُشبه اللحظة التي أخبرها فيها ليونارد لأول مرة أنهُ سيقبلها كتلميذته.
انطلقت أنماط هندسية مُعقدة مِن أطراف أصابعها وانتشرت عبر جسدها كخيوط العنكبوت. ثم خمد الضوء وغمر الصمت المكان. لم يجرؤ أحدٌ على الحديث.
باستثناء كورديليا.
“هل أكملتَ التحقق الآن؟ أيُمكنني الدخول؟”
“يا إلهي، إنها حقًا تلميذةُ ليونارد!”
“كاثرين! اتصلي فورًا بالسيد الكبير وأخبريه أن تلميذة السيد أتيلي قد وصلت!”
“يا إلهي!”
ركض الجميع كالمجانين، يصرخون بينما يتجهون إلى مكان ما. كورديليا، التي أصابها الفزع مِن ردة فعلهم العنيفة، تراجعت خطوةً للخلف. توقعت أنهم سيفاجؤون، لكن ردة فعلهم هَذهِ كانت مُبالغًا فيها.
“ما الذي يحدُث؟”
“يا إلهي هَذا حقيقي. ليونارد ترك تلميذةً خلفه.”
“هل تُصدقني الآن؟”
“لا يُمكنني إلا أن أصدق ذَلك. لأن جسدكِ مُحفور عليه رمزُ ‘أكيرون’.”
“أكيرون؟”
“هَذا هو اسمُ النجمة التي أنشأها ليونارد. لا تخبريني بأنكِ لا تعرفين ذَلك.”
“هَذهِ المرةُ الأولى التي أسمعُ بها عنه. آه، لكني أعرفُ شيئًا. سيدي لديهُ نجمة، ماذا كان اسمها… سي… سيري…”
“سيريليوس.”
“نعم، سيريليوس. إنها الأعلى.”
أكمل روزنبلور الجملة التي كانت كورديليا تُحاول تذكُرها. لم يستطع إخفاء دهشته.
“هل يُعقل أنكِ الوريثةُ الوحيدة التي يمتلكُها ليونارد ولا تعرفين اسم نجمه؟”
“لم يُخبرني به.”
“حسنًا، لا بأس. لدينا الكثير من الوقت.”
دخل معها روزنبلور إلى الداخل بسلاسة.
“لماذا أتيتِ إلى ‘روبال’؟”
“أريدُ فقط زيارة مُختبر سيدي.”
“لقد وصلتِ في الوقت المناسب. كان ماكسيميليان قد طلب إغلاق مُختبره نهائيًا، ربما يُمكنكِ منعُه.”
همس بهَذا الكلام بصوتٍ مُنخفض، لكن كورديليا، التي كانت تعرفُ هَذا، لم تسألهُ عن ما يقصده.
“اتبعيني، سأرشدكِ.”
“عذرًا، ولكن…”
“ما الأمر؟”
“هل يُمكنكِ مِن فضلكَ أن تتركني؟”
“آه.”
يبدو أن روزنبلور قد أدركَ مُتأخرًا أنهُ كان يُمسكُ بمعصمها. ابتسم لها ابتسامة حلوةً كالعسل وأرخى قبضته.
عندما رأت ابتسامته مُباشرةً، شعرت كورديليا فجأةً بالدوار. إنهُ رجُل جميلٌ للغاية.
“آسف، لقد كُنتُ مُتفاجئًا.”
“هممم. لا بأس. ولكنكَ لم تُفرط في رد فعلكِ مثل الآخرين.”
“هَذا هو التصرف الطبيعي. أن تكوني تلميذة ليونارد أمرٌ مُذهلٌ حقًا.”
“هل أن أكون تلميذة لسيدي أمرٌ مُدهشٌ لهَذهِ الدرجة؟”
“يا إلهي، لا تخبريني أنكِ لا تعلمين؟ ليونارد أسس نجمه منذُ أن كان في الثامنة وأعلن أنهُ لن يتخذ أيَّ تلاميذ.”
“حقًا؟”
“كم مِن السحرة أصيبوا بخيبةِ أملٍ كبيرة بسبب ذَلك. ليونارد كان يُعتبر أيقونةً للسحرة، بل يُمكنني القول إنهُ كان أسطورةً حية. لذا، بعد أن أعلن فجأةً عن وفاته وظهرت تلميذتهُ، لا يُمكن إلا أن يشعر الناس بالدهشة.”
“هل كان سيدي عظيمًا إلى هَذا الحد؟”
في الحقيقة، شعرت كورديليا بالارتباك. اعتادت أن تعتبر افتخار ليونارد بنفسه نوعًا مِن المُبالغة، لكنها الآن بدأت تُدرك أنهُ كان حقيقيًا.
“هاهاها. أجدُ الأمر غريبًا أن تجهلي هَذا. آه، على كُل حال، لم أقدم نفسي بعد. أنا روزنبلور إلفنباوم. قد التقينا في النُزل.”
“أوه؟ هل تتذكرني؟”
“بالطبع. لم أرَ مُخلوقًا غريبًا مثل ‘لوتي’ مِن قبل.”
“لوتي أقرب إلى كونها كلبًا عن مخلوقٍ سحري.”
“هل لي أن أسألكِ عن اسمكِ؟”
“أوه، بالطبع، أنا كورديليا إبرامز.”
انحنت بتحيةٍ خفيفةٍ كـ سيدةٍ نبيلة.
“إبرامز؟”
“مِن المُحتمل أن لا تعرفها. إنها أرضٌ صغيرةٌ جدًا في الريف.”
“فهمت.”
“لكن هل يمكنني أن أسألكِ شيئًا أيضًا؟”
“تفضلي.”
“هل كُنتَ تعرفُ سيدي جيدًا؟ لأنكَ تستخدمُ اسمهُ بشكلٍ غير رسمي.”
“هممم. كيف أصفُ علاقتنا؟ يُمكنني القول إنهُ كان قريبًا كـ صديقٍ لي، ولكنهُ أيضًا كان أكثر مِن مُجرد شخصٍ اعرفهُ.”
“آه، هَكذا إذن.”
“هَكذا؟”
“لم أكن أتوقع أن يكون لسيدي أصدقاء، خاصةً شخصٌ عاديٌ مثلكِ.”
“هاهاها.”
توقف روزنبلور عن المشي وضحك بصوتٍ عالٍ. كان صوتهُ جميلًا، حتى ضحكته كانت كذَلك. بينما استمعت كورديليا إليه، شعرت أن صوتهُ يشبهً رنين الأجراس.
“آسف، أنا ضحكتُ بسبب… يبدو أنكِ حقًا تلميذةُ ليونارد.”
“لكنني بالفعل تلميذتُه.”
“أجل، أعتقدُ أنكِ كذَلك.”
ابتسم بلطفٍ وبدأ في المشي مرةً أخرى، فتبعت كورديليا خطواته.
كلما تقدموا أكثر، أصبح المُحيط أكثر جمالًا. كانت سقوف المبنى المقببة مليئةً بأحجار لامعة لا يُمكن تحديد ماهيتها، تلمعُ بشكلٍ يجعلُها تبدو وكأنها ستتساقط في أيِّ لحظة.
“رائع.”
هَذهِ المرة، توقفت كورديليا عن السير وأصدرت صوت إعجاب. ابتسم روزنبلور بشكلٍ وديّ وشرح:
“هَذهِ الاسقف تُسمى ‘قاعة النجوم’، وهي تحتوي على سبعة عشر ماسة، كُل مِنها يمثل نجمًا مُعينًا لساحر. كانت هُناك ست عشرة ماسة فقط، لكن ليونارد أضاف نجمةً جديدة منذُ ثماني سنوات.”
“كيف كان سيدي قبل ثماني سنوات؟”
“ألا تعرفين؟”
“لا أعرف. لقد عرفته منذُ، همم، آه.”
كانت على وشكِ أن ترد بدون تفكير، لكنها تداركت نفسها وتوقفت عن الكلام.
متى يجب أن تقول إنها قابلت ليونارد؟
في الواقع، لم يُعامها ليونارد سوى منذُ شهرين بعد وفاته، لكنها لا تستطيعُ قول ذِلك حتى لا تُثير الشكوك.
“منذُ عامين؟”
“لا، منذُ عام. أجل، منذُ عام تقريبًا.”
“عام؟ فقط؟”
بدا على وجههِ علاماتُ خيبةِ الأمل. لم تعرف لماذا كان مُحبطًا لأنها قابلت ليونارد قبل عام، لكنها لم ترد أن تضغط عليه أكثر.
“إذًا، لقد تجاوزت مرحلة التدريب وأصبحتِ ساحرةً مِن الدرجة المُنخفضة.”
“أجل، هَذا صحيح.”
“هممم. حسنًا. رُبما لم يكُن ليونارد قادرًا على توقع كُل شيء.”
تمتم بشيءٍ لم تفهمهُ كورديليا. بينما واصلوا السير عبر قاعة النجوم، شعرت كورديليا بأن هُناك عددًا كبيرًا مِن الناس يتجمعون حولها.
في البداية، اعتقدت أن هُناك أمرًا ما، لكنهم كانوا يهمسون وينظرون إلى إلفنباوم.
قالت كورديليا، بصوتٍ مُنخفض:
“هل السيد إلفنباوم مُشهورٌ هُنا لهَذهِ الدرجة؟”
“أنا؟”
“نعم، الناس ينظرون إليكَ كثيرًا.”
“لا أعلم. يبدو لي أنهم ينظرون إليكِ، وليس إليّ.”
“إليّ؟ هَذهِ أول مرةٍ أزور فيها هَذا المكان.”
“لقد دخلتِ هُنا مع ‘أكيرون’ على جسدكِ، وخمسةُ سحرة شاهدوا ذَلك. الآن على الأرجح، كُل ساحرٍ في الجمعية يعلمُ مَن تكونين. رُبما حتى الكبار وقادة الجمعية.”
“أوه، حقًا؟”
يا لها مِن سرعة! شعرت كورديليا بالدهشة لمدى ضيق عالم السحرة.
وكأنهم كانوا يثبتون كلام روزنبلور، ظهر فجأة رجُلٌ عجوزُ يحملُ عصا.
كان الرجل ذو الشعر الأبيض يرتدي ملابس تُشبه تلكَ التي يرتديها السحرة في القصص الخيالية. اقترب مِن كوديلينيا فجأةً وسألها:
“هل أنتِ تلميذةُ ليونارد؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》