أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 31
الفصل 31: جَمعِيةُ سَحَرةِ روبال ¹⁰
عندما سمع بارون صوت إغلاق الباب، فرقع بأصابعهِ بخفةٍ. في اللحظة نفسها، عادت الأواني المكسورة إلى حالتها الأصلية، واختفت الصلصة التي كانت تُلطخ ملابسه كأنها لم تكُن.
“إذن، هل قبل تلكَ الفتاة كتلميذته لهَذا السبب؟”
“نعم، لقد أوصيتُ بها والححتُ لهَذا السبب.”
تنهد البارون بعمق.
“قد يكون مِن الصعب عليهِ قبول هَذا الآن، لكنهُ سيُفكر مليًا في الأمر عندما نصل إلى أراضي ديلوانا. لا يزالُ هَذا هو الخيار الأفضل مهما فكرت في الأمر.”
“هممم.”
“لذا، حاول ألا تكون قاسيًا وتعامل مع كورديليا بشكلٍ جيد.”
“أعتقد أنني أتعاملُ معها بشكلٍ جيد بما يكفي.”
“حسنًا، ربما هِذا حدي. سأذهبُ للراحة الآن.”
***
“هممم، رائحةُ البحر.”
“إذا وقعتِ في الماء، لن أساعدكِ.”
“لا بأس، لأن لوتي ستنقذني. أليس كذلك، لوتي؟”
لكن بالطبع، لم تهتم لوتي سوى بالتثاؤب دون أن تُحرك ذيلها حتى.
مالت كورديليا بجسدها على حافة السفينة، مُستنشقةً رائحة البحر المالحة بكُل سرور. كان الهواء البحري الحاد المُنعش يضربُ وجهها بطريقةٍ مُنعشة ومريحة.
لحُسن الحظ، كان الطقسُ جميلاً والسفينة كبيرةً بما يكفي مما جعلها تتجنب الغثيان الذي كانت تخشاه. أبحرت السفينة بثباتٍ نحو جزيرة ويلآس.
“لكن يا معلمي، مَن هؤلاء الأشخاص الذين يرتدون تلكَ الملابس؟”
سألت كورديليا وهي تنظرُ بخفيةٍ إلى مجموعةٍ مِن الأشخاص يرتدون عباءاتٍ طويلة ملفتةً للنظر، مُتجمعين ويتحدثون معًا.
“بناءًا على لون ملابسهم، فهم سحرةٌ مُتدربون.”
“هل هُناك ملابسٌ خاصة للسحرة؟”
“نعم، يرتديها فقط السحرة في سن صغيرة. أما من وصلوا لمستوى متوسط فلا يرتدونها إلا في المناسبات.”
“بالمناسبة، كُنتُ أودُ أن أسألكَ، كيف يتمُ تصنيف السحرة؟ سمعتُ سابقًا عن المستوى عالي.”
“ألا تعرفين؟”
“لم تخبرني مِن قبل. كلما سألتكَ عن شيء، تتجاهلني قائلاً إنهُ يجبُ أن أعرف بالفعل، ولم تعلمني أبدًا.”
تذمرت كورديليا بعيونٍ شبه مُغلقة. رد بارون بلطفٍ وبدأ يشرح لها:
“يتمُ تصنيفُ السحرة كمتدربين حتى يقوموا بالمراسم الرسمية.”
“آه، إذن لأنني قمتُ تلك المراسم، فأنا لستُ مُتدربة بعد الآن.”
“نعم، حالتكِ استثنائية جدًا. عادةً، يستمر الساحر المُتدرب لعشر سنوات على الأقل.”
“ماذا؟ عشر سنوات؟ هل يجبُ أن يستمر الأمر طويلاً هَكذا؟”
“هاها، عشر سنوات تُعتبر قصيرةً. مُعظمهم يستسلمون دون الترقية مِن متدرب إلى ساحر.”
“لماذا يستسلمون؟ يبدو هَذا مضيعةً للوقت.”
“لأنهم لا يستطيعون التحكم في طاقتهم السحرية.”
رد ليونارد بشكلٍ مُختصر. كان مِن الصعب على كورديليا فهمُ ما كان يعنيه.
كان أول ما تعلمتهُ بعد أن أصبحت تلميذةً لهُ هو كيفية التحكم في الطاقة السحرية. فسألت بعفويةٍ:
“لماذا لا يستطيعون فعل ذَلك؟”
“أليس الأمر مجرد تحريك الطاقة بالعزيمة والإرادة؟”
“بالضبط.”
وافق ليونارد على كلامها بشكلٍ غير مُعتاد.
أراد البارون أن يوضح بأن هَذا الأمر كان صعب جدًا في الواقع، لكنهُ أدرك أن مِن المُحتمل أن كليهما لن يفهمه، لذا فضل البقاء صامتًا.
“بعد مراسم الرسمية، يُمكنكِ أن تقدمي نفسكِ كساحرةٍ مُتخفضة. ومِن ثم تبدأين بتعلم السحر بشكلٍ جدي.”
“آه، فهمت.”
“يُمكن الوصول إلى المستوى المتوسط بالقليل مِن الموهبة والكثير مِن الجُهد، لكن ما بعد ذِلك يتطلبُ شيئًا أكثر مِن الجهد. ولهذا السبب يتوقف الكثير مِن السحرة عند هَذا الحد.”
“إذاً، السحرة الذين تجاوزوا هَذا الحاجز وبلغوا المستوى الأعلى، لا بد أنهم مُذهلون جدًا. هل أنتَ ساحرٌ مِن المستوى الأعلى يا معلمي؟”
“لا.”
رد البارون بابتسامة عريضة، وكأنهُ يتفاخرُ بطفله.
“يوجد مستوى آخر أعلى مِن هَذا المستوى. يُدعى الشخص الذي يديرُ نجومًا بـ’سيرياس’. وقد أصبح سيدي أصغر سيرياس في التاريخ.”
“رائع.”
“ألم تستطيعي إظهار المزيد من الدهشة؟”
“رااائعع.”
كررت كورديليا ما قالته بتعبيرٍ لم يختلف كثيرًا عن السابق، لكنها أطالت الكلمة هَذهِ المرة.
“هَذا يكفي.”
“لكن حتى بعد كل هَذهِ الشروحات مِن البارون، ما زلتُ لا أفهم تمامًا، لذا أعتقد أن الأمر يكفي حقًا. المهم أن مُعلمي هو الأعلى، أليس كذلك؟”
“أن تصفي سيرياس بأنهُ الأعلى… يا لها مِن طريقةٍ للتعبير!”
حتى بلوتشي أبدى دهشتُه مِن طريقتها في التعبير. حاول البارون أن يُضيف شرحًا عن السيرياس، لكن كوديليا كانت قد شتت انتباهها بالفعل بأشياءٍ
أخرى.
كانت مُستغربة مِن طائر النورس الذي يُحلق بالقرب مِن مُقدمة السفينة، ومِن أن السفينة الكبيرة تتحرك بواسطة الرياح.
قال ليونارد مِن خلفها:
“كفى، هيا ندخل.”
“انتظر قليلاً، دعني أشاهد أكثر قليلاً وسأدخل.”
كانت كورديليا ترى حياتها ككرةٍ مِن الخيوط المُتشابكة. كانت مُتأكدة أن حياتها قد دُمرت منذُ ولادتها، وأنها مهما حاولت، لن تتمكن أبدًا مِن فك تلكَ الخيوط المُعقدة.
حتى عندما ارتفعت إهانة والدها ووصلت إلى العنف، وحتى عندما باعها مقابل 500 الف رينكت، لم تفعل سوى الاستسلام.
ربما لو لم يسقط كريج إبرامز مِن حصانه، لكانت قد قضت حياتها كلها في ذَلك القصر.
ولكن فجأةً، ظهر ليونارد وقطع خيوط حياتها المتشابكة بلا مُبالاة. ثم سلمها خيطًا جديدًا.
الخيط الأول.
بعد لقائها بليونارد، شعرت أن حياتها الجديدة مُنفصلة تمامًا عن الماضي. إنهُ الخيط الأول الذي لا يُمكنها أن تخسرهُ فهو ثمينٌ جدًا.
تمسكت كورديليا بهَذا الخيط، وتقدمت إلى الأمام.
***
كانت الرياح المواتية تسيرُ السفينة بسرعةِ أكبر مِن المتوقع، فوصلت إلى جزيرة ويلآس عند بزوغ الفجر. مسحت كورديليا عينيها النعاستين بينما كانت تجرُ حقيبتها بتثاقُل، وهي تنزلُ مِن السفينة. فجأة، قام شخصٌ ما بخطف حقيبتها منها بسرعة.
فكرت، “سرقتي حالما نزلتُ مِن السفينة؟ يبدو أن ويلآس مكانٌ مُخيف”، استعادت وعييها تمامًا.
لكن المفاجأة كانت أن السارق لم يكُن سوى بيلوتشي. أمسك بحقيبتها دون أن ينبس ببنت شفة وبدأ يمشي أمامها.
“ما هَذا بحق الجحيم؟”
ضحك البارون، الذي كان يسيرُ خلفها، وأدلى بتعليقٍ غامض: “رغم أن بيلوتشي قد يكون فارغ الرأس، إلا أنهُ ليس سيئًا مِن الداخل.”
مع مرور الوقت، أصبح السماء المُعتمة أكثر إشراقًا. افاقت كوديليا تمامًا وبدأت تتأمل ما حولها بحماسٍ. وأبرز ما لفت نظرها كان ثلاثة تماثيل برونزية ضخمةٌ. كانت هَذهِ التماثيل هائلةً لدرجة أن رأس كورديليا بالكاد وصل إلى ارتفاع إصبع القدم في أحدها.
اقتربت مِن التماثيل الثلاثة التي تُصور رجلين وامرأة يحملون فرشاةٍ وقلمًا وسيفًا على التوالي، وكلما اقتربت منهم، شعرت بتأثيرهم المُهيب.
“مَن هؤلاء؟”
“هؤلاء هم مؤسسو الأكاديمية: كينت الحكيم، إلراك المُلقب بقلم الحاكم، وسكوبتش، بداية ونهاية السيف.”
“آه، إذًا هؤلاء هم.”
“كُنتُ أودُ أن أشرح لكِ المزيد، لكننا في عجلةٍ مِن أمرنا. دعينا نذهبُ إلى النُزل أولاً ونضع أمتعتنا هُناك.”
“حسنًا.”
تبعت كورديليا البارون بهدوء إلى النُزل. يبدو أن البارون كان على درايةٍ جيدةٍ بالمكان، إذ قادهم مُباشرةً إلى وجهتهم دون أن يتلفت حوله.
توقفوا أمام مبنى بواجهة قديمة الطراز. الشيء المُفاجئ كان وجود أرنبٍ عند المدخل بدلاً مِن شخص. الأرنب تحدث بشكلٍ طبيعي قائلاً: “مرحبًا بكم في نُزل النجوم المُتلألئة. كم عددُكم؟”
“أربعة.”
“كم عددُ الغرف التي تحتاجونها؟”
“أربعة.”
“حسنًا، تفضلوا بالدخول.”
كانت كورديليا مُتحمسةً مِن الداخل قائلةً لنفسها، “أرنب يتحدث، أرنب يتحدث!”، لكنها حاولت الحفاظ على هدوئها.
فجأة، سقطت أربعة مفاتيح مِن الهواء إلى راحة يد البارون. وعندما اقترب مِن الباب، فُتح تلقائيًا. تبعه الجميع ودخلوا النُزل واحدًا تلو الآخر. وعندما كانت كورديليا ولوتي على وشك الدخول، تحدث الأرنب قائلاً: “عذرًا، لكن الحيوانات غيرُ مسموحٍ بها.”
“ماذا؟ ولكن…”
كانت على وشك الرد بأن الأرنب نفسه حيوان، لكن البارون، الذي كان ينتظر عند المدخل، أخرج عملة من فئة 10 رينكت مِن جيبه ورماها بإصبعه. فتح الأرنب فمه واسعًا ليبتلعها، ثم ابتسم قائلاً: “تفضلوا بالدخول. نزل النجوم المتلألئة يقدم وسادةً مُريحة وطعامًا خاصًا لحيوانات الضيوف.”
تغير كلامهُ بسرعةٍ لدرجة أن كورديليا ضحكت بتهكم، لكن الآخرين لم يبدُ أنهم اندهشوا، ربما لأنهم اعتادوا على ذَلك.
رغم أن داخل النُزل كان فاخرًا، إلا أنهُ بدا عاديًا مُقارنة بالأرنب المُتحدث. جمعوا أغراضهم في غرفهم والتقوا مرةً أخرى في المطعم بالطابق الأول.
قال بارون بجدية: “استمعي جيدًا. عندما تدخلين إلى الجمعية السحرية، حاولي تجنُب الحديث مع الآخرين واذهبي مُباشرةً إلى المًختبر.”
“حسنًا، فهمت.”
“إذا جاء رجلٌ مُسنٌ ليتحدث معكِ، تجاهليه.”
“هل يُمكنني فعلُ ذَلك؟”
“تلميذتي تستطيعُ فعل ذَلك.”
كانت تلكَ النصيحة تبدو ضارةً للغاية، لكن كورديليا لم تكُن على درايةٍ بما يكفي عن عالم السحرة لتُجادل.
“هل احتفظتِ بمفتاح المُختبر جيدًا؟”
“نعم.”
“وإذا قابلتِ ماكسيميليان،”
“هل أهرب؟”
“إذا قابلتِه، فلن تتمكني مِن الهرب. فقط حاولي العودة وانتِ على قيد الحياة، وسأضمنُ نجاتكِ… رُبما.”
“هل تسمي هَذهِ بنصيحة؟”
فكرت للحظةٍ في التراجع عن الذهاب، لكن عينا ليونارد الحادة جعلتها تتنهدُ بصمت وتتابع.
“سأرشدكٍ إلى طريق الجمعية.”
“ماذا؟ لماذا؟ ألا يُمكنكَ مُرافقتي إلى المدخل؟”
“في ويلآس، عينا ماكسيميليان في كُل مكان. مِن الأفضل ألا تظهري.”
“وهَذا لكِ.”
أخرج ليونارد خاتمًا مِن جيبه وسلمهُ لكورديليا. بدا الخاتم بسيطًا، لكنهُ كان يتلألأ بجوهرةٍ حمراء في وسطه.
“ما هَذا الخاتم؟”
“إنهُ خاتمٌ يحتوي على سحرِ الحماية. يُمكن أن يُنقذكِ مرةً واحدةً على الأقل.”
“إذا كُنتَ ستعطيني شيئًا كهَذا، لماذا لا تعطيني عشرةً منهُ اذن؟ لدي عشرةُ أصابع.”
“ارتديهِ فحسب.”
ضحك البارون قائلاً: “هِذا الخاتم وحدهُ ثمينٌ جدًا سعرهُ يكفي لشراء قلعة.”
على الفور ارتدت كورديليا الخاتم الذي أعطاها إياه ليونارد. استمعت بعناية إلى نصائح ليونارد والمعلومات التي قدمها البارون.
الآن، كانت كُل الاستعدادات قد اكتملت.
قالت كورديليا بوجهٍ عازمٍ وهي تُغادر نُزل النجوم المتلألئة: “سأعود قريبًا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》