أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 26
الفصل 26 : جَمعِيةُ سَحَرةِ روبال ⁵
***
مرت الأيام الخمسة بسرعة، ولم يلاحظ أحدٌ مرورها. كان الناس يتحدثون بكثرةً عن خروج الكونت وزوجته المُفاجئ، ولكن لم يجرؤ أحد على أن يسألهم مباشرةً عن وجهتهم.
“سيدتي، أتمنى لكِ رحلةً مُمتعة.”
كانت إميلي مِن النوع الذي يعتقدُ أن سبب سفر الكونت وزوجته هو رحلةٌ رومانسية. كانت تبتسمُ برضًا بينما تقومُ بحماسٍ بتجهيز حقائب كورديليا.
“بما أنكِ ذاهبةٌ وحدكِ دون أن ترافقكِ إحدى الخادمات، فقد تأكدتُ مِن أنني جهزتُ لكِ كُل ما هو ضروري. لا تقلقي.”
“نعم، شكرًا لكِ، إميلي.”
كانت كورديليا تحاول فرك عينيها الحمراوين وهي تودع الخدم. خلال الأيام القليلة الماضية، تضاعفت كمية المهام المنزلية التي أُسندت إليها، مما قلل ساعات نومها بشكلٍ كبير.
بدت المجموعة المُرافقة للكونت صغيرةً جدًا بالنسبة لمكانته. فالسائق كان شخصًا لم ترهُ مِن قبل، والحارس الوحيد كان فارسًا جديدًا اسمهُ بيلوتشي إينغريون.
“تفضلي بالدخول يا سيدتي.”
“شكرًا لكَ، بارون.”
فتح السائق، الذي كان في الواقع البارون مُتنكرًا، باب العربة لها. كان مِن الغريب رؤية الرجُل الكبير المُجعد في الحقيقة بعد أن اعتادت على رؤيته فقط على شكل كتلةٍ مِن الماء.
بينما كانت كورديليا تصعدً إلى العربة مودعةً البارون لانكاستر وغيرهُ مِن الآخرين، وجدت ليونارد جالسًا بالفعل في الداخل. بمجرد أن جلست، ناولها كومةً مِن الأوراق.
“ما هَذا؟”
“ماذا تعتقدين؟ إنها دروسٌ يجبُ عليكِ دراستها أثناء الرحلة.”
“ألا أستطيعُ النوم قليلاً؟”
“النوم؟ حسنًا، يُمكنكِ النوم. كم دقيقةً تنوين النوم؟”
“دقيقة؟ لماذا تتحدثُ بالدقائق”
“مهما كُنتُ قاسيًا، لن أطلب منكِ أن تنامي لثوانٍ فقط.”
“حسنًا، شكرًا لكَ، يبدو بأنني على وشكِ البكاء.”
“لا داعي للبكاء.”
أخذت كورديليا الأوراق التي سلمها لها ليونارد وهي تشّدُ أسنانها. كانت مليئةً برسومٍ لمُختلف أنواع الدوائر السحرية. بدأت العربة تتحرك ببُطء.
“ألا تعتقدُ أنه لم يفت الأوان لإعادة النظر في هِذا القرار؟”
“إعادة النظر في ماذا؟”
“لدي شكٌ منطقي بأنهُ حتى لو درستُ بجهدٍ، لن أتمكن مِن رؤية حاجز ديلوانا السحري. ألا يمكنكم الذهاب بدوني؟”
“لا تقلقي يا تلميذتي، أن لم تتمكني مِن رؤيته، سنبقى هُناك حتى تتمكني مِن ذَلك.”
قال ليونارد ذَلك بطريقةِ رقيقة مُحاولًا أن يُظهر نفسهُ كمُعلمٍ عطوف. كانت كورديليا تشعرُ بالغضب لكنها كتمته.
في تلكَ اللحظة، سُمع صوتُ طرقٍ خفيفٍ مِن الخارج. فتح ليونارد النافذة.
“هُناك كلبٌ يتبعنا.”
“كلب؟”
قال السائق بينما كان ينظرُ خلف العربة. فتح ليونارد باب العربة جزئيًا ليتحقق.
“هل هو مِن مجموعةِ كلابٍ ضالة؟”
“لا، يبدو أنهُ الكلبُ الذي كانت كورديليا تُربيه.”
“ماذا؟ أنا؟”
بينما كانت تُفكر في ذَلك، تذكرت اسمًا معينًا.
“هل يمكن أن يكون ‘لوتي’؟”
“لستُ مُتأكدًا، ولكن يبدو مُشابهًا للكلب الذي رأيتُه في السابق وهو يتبعنا منذُ بداية الرحلة.”
“انتظر قليلاً، هل يمكنكَ إيقاف العربة؟”
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى توقفت العربة. نزلت كورديليا بسرعة للخارج.
“لوتي!”
عندما نادت عليها بصوتٍ عالٍ، جاء كلبٌ يسيرُ ببُطء نحوها. كانت بالفعل لوتي. ركضت كورديليا نحوها بنية معانقتها…
“هل جئتِ لرؤيتي، أليس كذلك؟”
عندما حاولت مُعانقته، استدارت لوتي بسرعةٍ مُبتعدةً. تراجعت كورديليا بخجل وجلست على الأرض بالقرب منها، تنظرُ في عينيها.
“لوتي، لقد أخبرتُ إميلي أن تعتني بكِ وتُطعمكِ اللحم يوميًا. لذا، اذهبي إلى المنزل وانتظرني، سأعود قريبًا.”
أخرجت كورديليا الكثير مِن اللحم المُجفف الذي كانت قد جهزته لتأكله في العربة وأعطته للوتي.
“هيا، كُلي هَذا واذهبي إلى القلعة. مفهوم؟”
في العادة، كانت لوتي لتغرس أنفها في اللحم وتأكُله بجنون، لكنها اليوم لم تنظر حتى إليه. كانت تنظرُ فقط إلى كورديليا. لأول مرة، كانت تنظرُ في عينيها الزرقاوين مباشرةً لفترة طويلة.
على الرغم مِن أن لوتي لم تكُن تعتبرها مُلكها، إلا أنها شعرت بالحزن والامتنان لرؤيتها تتبعها بهَذهِ الطريقة.
“هل هِذا كلبكِ؟”
“آه؟ لقد جئت؟ انتظر لحظة. سأودعها وأعود.”
“متى بدأتِ بتربيته؟”
“في الحقيقة، لم أربيه حقًا، فقط كُنتُ أطعمُها أحيانًا. الخدم يقولون إنها كانت كلبًا ضالًا يعيشُ بالقرب مِن القلعة.”
نظر ليونارد إلى لوتي لفترةٍ طويلة ثم مد يدهُ. فجأةً، أظهرت لوتي أنيابها وبدأت في الهمهمة.
“ماذا تفعل؟”
“هَذا ليس كلبًا.”
“ماذا تعني؟ إذن ما هو، قطة؟”
اعتقدت كورديليا أن ليونارد يُمزح فضحكت، لكن الجمُلة التالية جعلت شفتيها تتصلب.
“ليس كلبًا، إنهُ وحش.”
“ماذا؟”
“قلتُ إنهُ وحش. ربما يكون مِن الوحوش المنخفضة لأنني اكادُ ألا أشعرُ بقوته.”
“ما الذي تقصدهُ بذَلك؟ كيف يُمكن أن تكون لوتي وحشًا؟ إنها كلبٌ لطيفٌ وهادئ.”
الوحوش كانت شيئًا قرأت عنهُ كورديليا فقط في الكتب. قيل إنها كائناتٌ شرسة تعيشُ في جنوب أقاصي غابة الفساد والدموع، في منطقةِ غليندن. هَذهِ الكائنات نصفها شياطين ونصفها حيوانات.
وفقًا لما سمعتُه، فإن هِذهِ الوحوش متوحشةٌ جدًا بحيثِ لا يُمكن للبشر الاقتراب منها. لذا، كان مِن الصعب على كورديليا أن تُصدق كلامهُ بأن لوتي قد تكون وحشًا.
“هَذا غريبٌ جدًا. أنها ليست مُجرد وحشٌ عادي، بل وحشٌ يتجول بحرية.”
“وما هو هَذا الوحش؟”
“هَذا وحشٌ مروضٌ مِن قبل الإنسان. في ألينو، يُطلق على مَن يروض الوحوش اسم ‘ناستنغ’. ربما يكون هِذا الوحش قد فقد صاحبهُ أو مات ذَلك الناستنغ.”
“لكن إذا كان وحشًا، ألا يُفترض أن يكون خطيرًا؟ لوتي لم تحاول أبدًا إيذائي. على العكس، كانو تُضرب مِن قبل الناس عندما كانت تسرقُ الطعام.”
“الناستنغ عادةً ما يسرق جراء الوحوش لترويضها. إذا كان هَذا الوحش قد تروض منذُ صغرهِ على يدٍ بشرية، فلا عجب في أن يكون ودودًا.”
“ألا تعتقدُ أن لوتي ربما تراني مالكتها، ولهذا تتبعني؟ آه!”
فجأة، ضرب ليونارد كتف كورديليا بخفةٍ. لم تكُن الضربة مؤلمة، لكنها أدهشتها.
“ماذا؟ لماذا ضربتني؟ كُنتُ أمزح فقط. لا داعي للضرب!”
“إنهُ هادئ جدًا.”
“ماذا تعني؟”
“لو كان يعتبركِ مالكته الحقيقية، لكان قد هددني عندما لمستكِ. ولكن لأنهُ لم يُظهر أيِّ ردِ فعل، يبدو أنهُ يراكِ فقط كمصدرٍ للطعام.”
“لوتي… هل هَذا صحيح؟”
سألت كورديليا لوتي بعينيها الممتلئتين بالدموع.
كانت تربطها بها علاقةٌ عميقة، فكيف يُمكن أن تكون لوتي تراها مجرد مصدرٍ للطعام؟
فقد ليونارد اهتمامهُ بلوتي وعاد إلى العربة.
“سواء كان وحشًا أم لا، عليكِ أن تتركيهِ. لا يُمكننا أخذُه معنا.”
“حسنًا.”
رغم شعورها بالحزن، لم يكُن بإمكانها اصطحاب لوتي إلى أرض ديلوانا. كان عليها أن تودعها هُنا.
“لوتي، سأرحلُ الآن. سأراكِ لاحقًا.”
قررت كورديليا بشجاعة، وعادت إلى العربة. وبمجرد أن صعدت، طلبت مِن البارون:
“سرع مِن وتيرتك، بارون. هَكذا سـ تستسلم لوتي وتعود أدراجها.”
“حسنًا، سأفعل.”
شد البارون على اللجام وحث الخيول على الإسراع. كانت الأرض مستوية، لذا تمكنت الخيول مِن التقدم بسرعةٍ. فتحت كورديليا نافذة العربة قليلاً لتلقي نظرةً خلفها، ورأت لوتي قد اختفت في الأفق، حتى باتت نقطةً صغيرة.
سرعان ما نسيت كورديليا أمر لوتي، إذ قدم لها ليونارد مجموعةً جديدةً مِن الأوراق لمواصلة دراستها.
وقضت كورديليا بقية الرحلة مُحاطة بدوائرٍ سحرية حتى وصولهم إلى القرية في المساء.
***
“آه…”. تمطّت كودليا وهي تتثاءب داخل العربة. كان الليلُ قد حلّ بالفعل وبدأ الظلام يُغطي السماء. في هَذهِ الأثناء، عاد البارون الذي كان قد ذهب للبحث عن نُزل.
“يقولون إنهُ لا يوجد سوى غرفةً واحدةً، ماذا نفعل؟”
“غرفةً واحدة فقط؟”
“نعم. يبدو أن في هَذا الوقت قد توافد العديدُ مِن تُجار الفراء، لذَلك لا توجدُ غرفٌ مُتاحة في النُزل.”
“يبدو أنهُ سـ يتعينُ على سيدي فقط استخدام الغرفة الليلة.”
“سنُخيمُ نحنُ في منطقةٍ قريبة. الوقتُ مُتأخرٌ بالفعل، لذا إذهب للنوم، يا سيدي.”
كان مِن المُفترض بالطبع أن تكون الغرفة الوحيدة مُخصصةً لليونارد. شعرت كورديليا التي كانت تُراقب هَذا الموقف مِن الجانب بالذهول.
“مهلاً! وماذا عني؟ ألا ترونني؟ أنا المرأة الوحيدة هُنا!”
“بالنسبة لكِ، يُمكنكِ النوم على الأرض. لكن سيدنا نبيلٌ جدًا ولا يُمكنهُ النوم في الخارج.”
“أنا أيضًا لن أتمكن مِن النوم في الخارج! سأمرض!”
“السيدة كورديليا يُمكنها النوم في العربة. أما أنا وبيلوتشي فسننامُ في الخارج.”
حتى البارون، الذي كانت كورديليا تعتمدُ عليه، اعتبر نوم ليونارد في الغرفة أمرًا واجبًا. وعندما اقترح عليها النوم في العربة، قال ذَلك وكأنهُ يمنحها امتيازًا عظيمًا. نفخت كورديليا خديها وتمتمت.
“أنا زوجةُ الكونت… وتطلبون مني أن أنام في الخارج. دون حتى أن أتمكن مِن الاستحمام…”
“حسنًا، سأُشارك الغرفة مع كورديليا، لذا انتظروا في الطابق الأول صباح الغد.”
“ماذا؟ ولكن…”
“ألن تشعر بعدم الراحة؟”
ما أدهش كورديليا أن هِذا السؤال كان موجهًا إلى ليونارد، وليس لها. شعرت كورديليا بالاستغراب.
“انتظروا، لحظة. أليس مِن المفترض أن تسألوني أنا إن كُنتُ سأشعرُ بالراحة أم لا؟ كيف يُمكنكم تركي هَكذا والتصرف بمفردكم؟ انتظروا! يا سيدي! اصطحبني معك!”
خشية أن يفوتها ليونارد، أمسكت كورديليا بحقيبةٍ صغيرة وسارعت للحاق بهِ. وعندما وصلت، كان الموظف قد خرج بالفعل لاستقبالهم.
“كم شخصًا سيقيمُ هُنا؟”
“شخصان.”
“قُلت خذني معكَ.”
وقفت كوردليا بجانب ليونارد وهي تلتقطُ أنفاسها. نظر العامل إليها نظرة سريعة، ثم ابتسم بلطف وقال:
“هل أنتما زوجان؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》