أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 25
الفصل 25: جَمعِيةُ سَحَرةِ روبال ⁴
كانت الغرفة متواضعةً للغاية. أول ما لفت انتباهها هو الغبار المتراكم وشبك العنكبوت المُنتشرة في كُل مكان. لم يكُن هُناك سوى طاولةٍ قديمة وسرير موبوء بالبراغيث، وعلى الرغم مِن أن الوقت كان لا يزال في أواخر الصيف، إلا أن البرد كان شديدًا لدرجة أنها شعرت بأن شعر رأسها يقف مِن شدته.
كانت حالةُ هيلينا قد تدهورت بشكلٍ كبير مُقارنةً بما كانت عليه قبل بضعة أيام. لم يكُن أحدٌ ليصدق أن هَذهِ المرأة، التي ترتدي فستانًا مُتسخًا وشعرها مليءٌ بالزيوت، كانت يومًا ما كونتيسة.
صرخت هيلينا غاضبةً بمجرد أن رأت أن الشخص الذي فتح الباب ودخل هو كورديليا، وهي ترفع أظافرها وكأنها تستعدُ للهجوم.
“كيف تجرؤين على حبسي في هَذا المكان البائس!”
“كيف حالكِ يا سيدتي؟”
“يا لكِ مِن ناكرةٍ للجميل! أنا مَن قدمتُ لكِ المساعدة، والآن تسجُنينني في هَذا البرج؟ إذا خرجتُ مِن هُنا، لن أدعكِ تُفلتين بفعلتكِ! سأجعلُ مِن كُل أهل القلعة ل
يجلدوكِ ويعرّوكِ ويرمونكِ في السوق!”
“وكيف ستخرجين مِن هُنا؟”
“……أنتِ!”
“كريج قد تولى منصب الكونت بشكلٍ شرعي، وأنا الآن الكونتيسة. لن يتذكر أحدٌ كونتيسة إبرامز السابقة، هيلينا. إذا بقيتِ هُنا لشهر آخر، سينسون حتى اسمكِ.”
“كُل هَذا كذب! كذب!”
صرخت هيلينا حتى كادت دماءها تتجمعُ في حنجرتها مِن شدة الصراخ. لم يكُن هَذا المشهدُ مُرعبًا لكورديليا، بل كان مؤسفًا ومثيرًا للضحك.
فب الماضي، حين كانت كورديليا تتأثر بأيِّ حركةٍ صغيرة مِن هيلينا، بدا وكأنهُ زمن بعيدٌ جدًا.
في تلكَ اللحظة، قال البارون:
“المرأة الأكثرُ حريةً في هَذا البلد ليست التي تطلقت مِن زوجها، بل تلكَ التي يكون زوجها طريح الفراش وتملكُ هي كُل السلطات بفضل كونها زوجته.”
“……”
“إذا استعاد سيدي جسده وعُدتِ وحدكِ إلى هُنا، فسيكون كُل شيء في القلعة مٍن العُشب إلى التراب مُلككِ.”
“ملكي، حقًا؟”
“حتى حياة هيلينا إبرامز ستكون بين يديكِ، وتحت رحمتكِ.”
قال البارون ذِلك بصوتٍ ناعمٍ كالعسل. غرقت كورديليا بالتفكير لوهلة.
لطالما كان الطلاق حُلمها منذُ زواجها، وكانت تسعى لأن تُصبح مُثمن سحريًا لأن الطلاق سيجعلُها تحتاجُ إلى وظيفةٍ تُعيل بها نفسها.
لكن إذا كان بإمكانها، كما قال البارون، السيطرة على جسد كريج وإدارة قلعة إبرامز بنفسها، فالأمر سيكون مُختلفًا تمامًا.
وفوق ذَلك، هيلينا وأرنولد مُحتجزان في البرج.
“أخرجيني مِن هُنا! لا تذهبي! آااااه!”
استدارت كورديليا وغادرت الغرفة. لم تصل إلى أذنيها صرخات هيلينا اليائسة.
***
“ماذا حدث؟ لقد كُنتِ مُتجهمةً ولم تقولي كلمةً واحدة منذُ فترة.”
“هل أنا طفلة؟ يجب أن أستعد للرحيل بكُل جدية.”
كان ليونارد مُرتابًا مِن التغيير المُفاجئ في سلوك كورديليا، لكنهُ لم يُعلق بما أنها كانت التغيُراتٍ تتماشى مع ما كان يريده.
“نعم، لقد فكرتِ جيدًا. في النهاية، عليكِ البقاء بجانبي مدى الحياة.”
“نعم، يا سيدي. سأخدُمكَ بكُل ولاء.”
“أنتِ لا تعلمين كم هو شرفٌ كبيرٌ لكِ أن تخدمني كـ سيدكِ، هُناك الكثير ممن يتمنون هَذا الشرف ولا يحصلون عليه. لذا، عليكِ أن تخدميه بسعادةٍ أكبر.”
“ألا ترى كم أنا سعيدةٌ الآن؟ أشعرُ بسعادةٍ غامرة لدرجة أنني أريدُ الطيران.”
“لا تسخري مني. كوني جادة.”
“إذا استمر بيلوتشي في مضايقتي، فلن أستطيع أن أخدُمكَ جيدًا يا سيدي. هيا، ابتعد عن طريقي!”
وقف بيلوتشي أمام كورديليا ونظر لها بنظرةٍ عدائية، لكنها لم تُبد أيَّ خوف. أطال الوقوف بينهما حتى أشار لهُ ليونارد بيده.
“كفى. بيلوتشي، اذهب وأنهِ ما طلبتهُ منكَ.”
“……حسنًا.”
“كورديليا، تعالي هُنا وأعيدي رسم دائرة السحر.”
“حسنًا.”
نظر بيلوتشي إلى كورديليا بغضبٍ حتى لحظةِ مغادرته الغرفة. بمجرد خروجه، بدأت كورديليا في التذمر.
“لماذا يُحب هَذا الرجل مُعلمي كثيرًا؟”
كان السؤالها غيرُ مُتوقع. لقد ظن أن السؤال سيكون عن عدم احترام بيلوتشي لها.
ناول ليونارد كورديليا ورقةً وهو يقول:
“كم تعرفين عن الـ إينغريون؟”
“أعرف أنهم عائلةٌ نبيلةٌ مشهورة، ولها تأثيرٌ كبير في السياسة.”
“ماركيز إينغريون يعتبرُ الشرف أغلى مِن حياته. لهَذا السبب حاول قتل بيلوتشي عدة مرات.”
تفاجأت كورديليا، واهتزت يدها التي كانت تُمسك بالقلم، ما أدى إلى إفساد دائرة السحرية التي كانت ترسمها. قدم لها ليونارد ورقةً جديدة.
“هل حاول قتل إبنه؟ لماذا؟ هل لأنهُ غيرُ شرعي؟”
“الماركيز يعتبرُ بيلوتشي وصمة عار. بيلوتشي لم يولد مِن زواجٍ رسمي، وأمهُ كانت تعملُ في أقذر مهنةٍ في العالم. لهَذا، منذُ أن علم الماركيز بوجوده، حاول قتله. بيلوتشي بقي على قيد الحياة لأنهُ لجأ إلي.”
“إذا كان يكرهُه إلى هَذا الحد، لماذا منح بيلوتشي اسمه؟”
“الماركيز لم يمنحهُ اسمه. بيلوتشي كشف عن هويته بنفسه، لذِلك أصبح يُعرف باسم بيلوتشي إينغريون على الرغم مِن إرادة الماركيز.”
“لكن حتى لو كشف عن هويته، يُمكن للماركيز أن يُنكر ذَلك، أليس كذلك؟”
“لا يُمكنه إنكار ذَلك. لديهما نفس العيون.”
“نفس العيون؟”
انتهت المحادثة عند هَذا الحد، حيث أعلن الخادم عن قدوم ضيف.
“لقد سمعتُ بـ أنكَ طلبتني، كونت. أوه، حتى الكونتيسة هُنا.”
كان الزائر هو البارون دين لانكاستر. بعد أن ألقى التحية باحترام، جلس مُقابل ليونارد.
“حسنًا، هُناك عملٌ يجبُ على البارون القيام به.”
“ما الذي تود مني فعله؟”
لم يكُن واضحًا ما إذا كان البارون لانكاستر قد نسي ما حدث في غرفة الطعام في ذَلك اليوم أو أن طبيعته كانت هَكذا دائمًا، لكنهُ قد أصبح خادمًا مُخلصًا جدًا.
“سأغيبُ عن القلعة لفترةٍ مِن الزمن.”
“لفترة؟ مِن متى إلى متى بالتحديد؟”
“سأغادرُ بعد خمسةِ أيام. همم… لا أستطيعُ تحديد موعد عودتي.”
عندما سمع البارون لانكاستر مُدة الرحلة التي كانت أطول مما توقع، تحدث بصوتٍ مملوء بالقلق.
“بعد خمسةِ أيام؟ لكنكَ توليت منصب الكونت منذُ فترةٍ قصيرة ولم تتعافَ تمامًا بعد.”
“أعلم أن هُناك اضطراباتٍ داخل القلعة وخارجها، ولذَلك أحتاجُ شخصًا يُمكن الوثوق به.”
“مهما كان الشخصُ موثوقًا، لا يُمكن مقارنتهُ بالكونت.”
كان لدى البارون لانكاستر موهبةٌ في الإطراء بطريقةٍ لا تبدو كمجرد إطراء. ومن نظرة ليونارد التي كانت بطرف عينه، بدا عليهِ الرضا الشديد.
“أنا أدرك ذَلك أيضًا. لكن هُناك أمرٌ طارئ لا يُمكن تأجيلهُ. سأعود بأسرع وقت مُمكن، ولكن في هَذهِ الأثناء، أرغبُ في أن تتولى مهام الكونت بالنيابة عني.”
“أنا؟ كيف لي أن أجرؤ على ذَلك بينما الكونتيسة موجودة؟”
“أوه، الكونتيسة ستُرافقني.”
“ماذا؟ هل ستُرافقكِ الكونتيسة أيضًا؟ إلى أين سـ تذهبون؟”
“لم أدعُك هُنا لـ تسألني عن كُل تحركاتي، بارون.”
عند سماعهِ للتحذير اللطيف مِن ليونارد، أخذ البارون لانكاستر نفسًا عميقًا ثم انحنى برأسه.
“أعتذر. لقد تجاوزتُ حدودي.”
“أعينكَ لتولي مهام الكونت بالنيابة عني لأنني أثق في ولائكَ وقدراتكَ.”
“كونت…”
“آمل ألا تُخيب ظني.”
قال ليونارد، بابتسامةٍ دافئة لم ترها كورديليا مِن قبل، و ربت على كتف البارون لانكاستر.
“بالطبع. سأحمي قلعة الكونت بكُل إخلاص حتى تعود. أرجو أن تعود سالمًا.”
خرج البارون لانكاستر مِن الغرفة بروحٍ معنويةٍ مُرتفعة أكثرُ مما كان عليه عندما دخل، بعد أن حصل على ثقة الكونت الشاب.
بينما كانت كورديليا تُشاهده يخرُج، شعرت باضطراب يملأُ قلبها مِن جديد.
“لماذا تنظرين إليه بتلكَ النظرة الحزينة؟ هل لديكِ مشاعرٌ تجاهه؟”
“أنتَ لا تترُك ثانيةً تمُر دون أن تقول شيئًا مزعجةً حتى لمرأة مُتزوجة.”
“مُتزوجة؟ زوجكِ قد مات، فما المشكلة؟”
“كفى. ليس هَذا السبب. الأمر فقط… لقد كُنتَ جادًا في رغبتكَ بالرحيل حقًا لدرجة تعيين شخصٍ ينوب عنكَ.”
“أين كُنتِ عندما كُنتُ أقول ذَلك؟”
“لم أكُن أريدُ تصديق ذَلك، لذا كُنتً اجاهلُه.”
“أنتِ أول وآخر مَن يتجاهل كلامي بهَذا الشكل.”
ضحك ليونارد بشكلٍ غيرِ مُصدق. ربما لو سمع أحدهم في مجلس السحرة هَذا الكلام لكان قد أغمي عليه.
“سيدي…”
“نعم؟”
“أخبرني عن مدى أهمية تلميذتكَ الوحيدة.”
“ماذا؟”
“أسرع. يجب أن أسمع جوابًا لهِذا لكي أطمئن. أرجوكَ هدئ مخاوفي بأنكَ لن تستخدمني كأداةٍ لكسر الحاجز ثم ترميني.”
كانت مطالبها الجريئة لا تُحتمل، لكن ليونارد أجاب بجدية، رُغم انزعاجه مِن الموقف.
“ألا تثقين بي؟ سأعطيكِ حتى قلبي إن لزم الأمر.”
“أوه، لا أحتاج إلى أعضائك. أريدُ فقط أن تخبرني كم أنا مهمةٌ بالنسبة لكَ.”
“أعضائي؟ هل تعلمين ماذا يعني القلبُ بالنسبة للساحر؟ لا، دعكِ مِن هَذا. أنتِ تلميذتي. أنتِ مهمةٌ لدرجة أنني قد أعطيكِ قلبي، هل يكفيكِ هَذا؟”
“لماذا تُركز دائمًا على القلب؟ لقد قُلتُ لكَ بإنني لا أحتاجُ إلى قلبكَ. ماذا لو اختطفني شريرٌ وطلب كُل أموالك مُقابل إطلاق سراحي، ماذا ستفعل؟”
“ماذا؟ هل أموالي أهمُ مِن قلبي؟”
“أموالكَ؟ لقد قُلتَ أموالك قبل قليل، أليس كذلك؟ إذًا ستقبلُ بالمقايضة بسهولة؟ لأن تلكَ الأموال لا تعني لك شيئًا مقارنةً بي، صحيح؟”
“كيف يُمكنكِ أن تفهمي كلامي بهَذا الشكل؟”
“كيف أفهمُه؟ أفهمه بالطريقة التي تُناسبني.”
على الرغم مِن أن هَذه المُحادثة العشوائية لم تكُن مصدر طمأنينة، إلا أن وجه كورديليا بدا أكثر استرخاءًا مُقارنة ببداية الحوار.
“مِن الجيد أن مُعلمي يعرفُ كم أن تلميذتهُ الوحيدة مُهمة.”
“……نعم، مهمة جدًا.”
“لذَلك، حتى عندما نذهبً إلى أرض ديلوانا، أرجوكَ احمِ حياتي. أريدً أن أعيش طويلاً وبهدوء.”
“إذا قلتِ كلمة ‘مُهمة’ مرةً أخرى، سأضاعفُ واجباتكِ.”
كان تهديدهُ بالواجبات فعالًا. أغلقت كورديليا فمها على الفور وركزت على رسم الدائرة السحرية.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》