أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 23
الفصل 23 : جَمعِيةُ سَحَرةِ روبال ²
“……ماذا؟ أدماغُه متوقفٌ أم ماذا؟ هل هَذا منطقي؟”
لقد كان ليونارد مُتفاجئًا بصدق. لم يعُد التعلم عيبًا بالنسبة للنساء النبيلات في هَذا العصر.
بل على العكس، في زمننا هَذا، يُتوقع مِن نساء العائلات النبيلة أن يتعلمن الأدب والموسيقى، وإذا أمكن، يدرُسن الحساب والفلسفة أيضًا.
“لا أصدق ذَلك. كيف ربى الماركيز فاسكويز ابنته بهَذا الشكل؟”
تمتمت كورديليا بمرارةٍ، “كان يرغبُ فقط في أن أكون دميةً غبية تطيع والدها وزوجها.”
كان والدها يشعرُ بالاستياء الشديد مِن فكرة أن تتعلم كورديليا أيَّ شيء، ولولا والدتها، لما تعلمت القراءة حتى.
كان والدها قد رقص حتى وجود معلمٍ لكورديليا في المنزل.
“الآن بدأتُ أفهم كيف لم يكن لديكِ أيُّ فكرةٍ عن السحر. بالطبع، هَذا يعني أنكِ تركتِ موهبتكِ السحرية تضيعُ بلا فائدة.”
“لكن، ألا يعني كوني تلميذةً لساحر أنني سـ أتعلمُ السحر فحسب؟”
“الساحر يُعطي قلبهُ لتلميذهِ عند موته.”
“آه، لقد أخفتني.”
“لمَ لا تُصدر بعض الضوضاء، هل أنتَ طفل؟”
لم يكن ظهور البارون المُفاجئ في الهواء أمرًا مألوفًا لبيلوتشي. رغم ذَلك، استمر اابارون في الشرح دون أن يهتم بتعليقه الحاد.
“بالطبع، هو لا يُعطي قلبه حقًا ، بل هَذا أمرٌ رمزي نوعًا ما، لكنهُ يُعبر عن وجود رابطةٍ قويةٍ جدًا بين المُعلم والتلميذ.”
“ما مدى قوة تلكَ الرابطة؟”
“باستثناء حالاتٍ قليلة حين يقومُ التلميذ بإدارة نجمه الخاص بشكلٍ مُستقل، غيرُ ذَلك التلميذُ يقضي حياتهُ بالكامل مع مُعلمه، بما في ذَلك العيش معًا وتناول الطعام معًا.”
“حياتهُ بالكامل؟ هل تمزح؟ هل تعني ذَلك حقًا؟ حتى الموت؟”
“نعم. هَذا يعني أنكِ ستبقى بجانبي طوال حياتكِ لتلبية احتياجاتي.”
ضحكَ ليونارد بخبثٍ، وتغيرت ملامحُ كورديليا إلى الشحوب فجأةً.
كانت تنوي تعلُمَ بعضِ السحر البسيط ثم الذهاب وعيشُ حياتها الخاصة، لكن فكرةُ أنها ستبقى بجانبِ ليونارد مدى الحياة جعلت رأسها يدور فجأةً.
“ماذا لو تزوج أحدنا وابتعد؟”
“السحرة نادرًا ما يتزوجون، وحتى إذا فعلوا، فإن علاقتهم مع تلميذهم تظلُ محور حياتهم.”
“يا إلهي! يا إلهي!”
“لماذا تبدين مصدومةً بهَذا الشكل؟ البقاء بجانبي يعني أنكِ لن تقلقي بشأن أيِّ شيء لبقيةِ حياتكِ.”
“المُشكلة هي أنني سأضطرُ للبقاء بجانبكَ طوال حياتي! ألا يعني ذَلك أنني سأتحملُ طباعكَ السيئة طوال حياتي؟”
“……ألا تعتقدين أنكِ تتحدثين بشكلٍ جارحٍ أمامي؟”
“أليس ذَلك أفضل مِن أن أتحدثَ عنكَ مِن وراء ظهركَ؟”
وافق ليونارد على مضض، لكنهُ أدرك متأخرًا أنهُ قد وقع في فخ كورديليا.
“كثيرون يرغبون في البقاء بجانبهِ مدى الحياة، لكنهم لا يستطيعون. يجبُ أن تكوني ممتنةً لذَلك.”
تحدثَ بيلوتشي بنبرةٍ حادةٍ، لكن كورديليا لم تهتم بما قالع. كانت كلمةُ “مدى الحياة” راسخةً في ذهنها مثل مسمارٍ حاد.
“الا يوجدُ طريقةٌ لقطعِ تلكَ الرابطة بين المعلم والتلميذ؟”
“ماذا؟ بعدما توسلتِ وقاتلتِ حتى تصبحين تلميذتي، تريدين الآن قطع الرابطة بيننا؟ هل جُننتِ؟”
كان ليونارد يمزحُ حتى تلكَ اللحظة، لكنهُ قد أصبح جديًا فجأة عند حديثها عن قطع الرابطة. عندما تغيير تعبيرهُ سريعًا، تمتمت كورديليا بصوتٍ مُنخفض.
“لا، لم أقصد ذَلك. فقط تساءلتُ عما إذا كان ذُلك مُمكنًا في حال تدهورت علاقتنا.”
“هَذا مُمكن.”
ضحك البارون وهو يواصل الشرح.
“رغم أن ذَلك نادر، يُمكن للمعلم أن يتخلى عن تلميذه. يُعرف هَذا بالطرد، والساحر المطرود لا يستطيع حتى أن يدعي بأنهُ ساحر ولن يُسمح لهُ بدخول جمعية السحرة في روبال مرةً أخرى.”
“ألا يُمكن للتلميذ أن يتخلى عن مُعلمه؟”
“هل ترغبين في التخلصِ مني لهَذهِ الدرجة؟”
“آه، متى قلتُ ذَلك؟ كُنتُ أتساءل فقط إن كان هُناك شيءٌ كهَذا.”
“همم. على حد علمي، لا يوجد شيءٌ كهَذا. آه، ولكن إذا إدار التلميذ نجمهُ الخاص واستقل، فهَذا مُمكن.”
“نجم؟ اتقصد مدرسة جديدة، صحيح؟”
“نعم. إذا أصبح التلميذ رئيسًا لمدرسةٍ جديدة، فإنهُ سـ يُصبح مساويًا لمُعلمهِ في المكانة، وعندها يُصبحان ساحرين مُتساويين.”
نجم… نجم.
تمتمت كورديليا وكأن كلمة “نجم” كانت خلاصها الوحيد. ليونارد تذمر مِن تصرفِها.
“الآخرون مستعدون لفعل أيِّ شيءٍ فقط مِن أجل البقاء بجانبي وتعلُم المزيد، لكنكِ تنعمين بالكثير وتقولين هَذا.”
“بالطبع أريدُ البقاء بجانبكَ، يا سيدي.”
كادت أن تقول “لمدة عام فقط.” لكنها صمتت.
بينما كانت كورديليا تُفكرُ بـ خطةٍ في ذهنها، تقدم البارون خطوةً لتعديل الوضع.
“لننهي هَذا الحديث هُنا. لدي شيءٌ لأخبركم به.”
“ما هو؟”
“لقد وجدناهُ أخيرًا. جسدكَ يا سيدي.”
* * *
“سيدتي الكونتيسة.”
“نعم؟”
“أين تودين إعداد الطعام اليوم؟”
بعد أن حُبست هيلينا وأرنولد في البرج، طرأت تغييراتٌ كبيرةٌ في قلعة إبرامز.
لم يعُد الناس ينادون كورديليا بالسيدة الصغيرة بعد الآن.
في قلعة إبرامز، لم يعُد يوجدُ سيدةٌ كبيرة أو صغيرة. يوجدُ فقط الكونتيسة كورديليا إبرامز.
بعد أن أصبحت كورديليا كونتيسةً رسميةً، أصبحت مشغولةً للغاية لدرجةِ أنها لم تكُن تجدُ وقتًا للراحة.
كان الخدم يسألون كورديليا عن كُل شيء، بدءًا مِن مكان تناول الطعام إلى سداد الفواتير الخاصة بالحاجات الضرورية.
وضعت كورديليا يدها على جبينها للحظة.
“أحضِروا لي العشاء إلى الغرفتي الليلة. يبدو أن كريج مشغولٌ جدًا.”
“نعم، سنفعل ذَلك.”
وكان ليونارد أيضًا مشغولًا بشكلٍ لا يُحتمل. منذُ أيامٍ قليلة، جلب البارون أخبارًا جعلت الثلاثة رجال، باستثناء كورديليا، ينقلبون رأسًا على عقب.
كانوا يجتمعون ويخططون لعدة أيام، مشغولين بوضع خططٍ لا يعرفُ أحدٌ تفاصيلها.
“لقد جئتُ يا سيدي.”
“هل تعتقد أن هَذا مُمكن؟”
“هاها. بيلوتشي، كيف يُمكنكَ إخراج غبائكَ هَكذا؟”
“ماذا؟ أنا غبي؟”
“إذا واصلتَ التصرف بهَذا الشكل، سيعتقدُ الناس أن كُل الفرسان أغبياء.”
“هَذا يكفي!”
ما أن فُتِحَ الباب، حتى اندفع بيلوتشي بسيفهِ المسلولِ. بالطبع، لم يتزحزح البارون مِن مكانهِ وابتسم بلطف.
لم تعد كورديليا تتفاجأ مِن هَذا المشهد.
“هل أنهيتِ مِن جميع الواجبات؟”
“نعم. لقد جلبتُها لتقومَ بفخحصها.”
جلست كورديليا بين الرجُلين المُتخاصمين ووصلت إلى ليونارد، حيثُ وضعت مجموعةً سميكةً مِن الأوراق على الطاولة.
تصفح ليونارد الأوراق بشكلٍ سريع كانت تساءل عما إذا كان يقرأها بشكلٍ صحيح، ثم أشار إلى بعض النقاط بأصابعه.
“هُنا، هُنا، وهُنا أيضًا. قومي بإعادتها.”
“ماذا؟ لماذا؟ لقد بحثتُ في هَذا بجد!”
بعد أن أمضت خمس ساعات مِن البحث المُكثف، شعر بالاستياء والظُلم عندما تم رفضُ جهودها بلا رحمة. تحدث ليونارد دون أيِّ رحمة.
“نعم. لقد بحثتِ بجد عن مجردِ تفاهات.”
“هَذا قاسٍ.”
في تلكَ اللحظة، سُمع صوتُ تحطمٍ وصوتٌ صاخبٌ. يبدو أن بيلوتشي قد كسر شيئًا آخر.
“إذا كنتَ تظنُ نفسكَ ذكيًا بما يكفي، لماذا لا تفعل هَذا بنفسكَ؟”
“اهدأ قليلاً. لماذا تصرخ في كُل مرةٍ نتحدثُ فيها؟”
“مَن الذي يصرخ؟! كلما فعلتُ شيئًا، أنتَ تثيرُ جدلاً بلا سبب!”
“أوهه، كم هَذا مزعج.”
هزت كورديليا رأسها عندما رأت الرجُلين يتجادلان. رغم أنها شاهدت هَذا المشهد مرارًا، إلا أنها كانت تجدُ أنهُ مِن المُدهش كيف يستمرون في الشجار بِهَذهِ الحدة في كُل مرة.
“ألم تتخذوا قرارًا بعد؟ هل سنذهب إليها أم لا؟”
“ليسَ”إليها”، بل الساحرة ديلوانا. لو كان القرار قد اتُخذ، لما كُنتِ سـ ترين هَذهِ الفوضى.”
كان سببُ هَذهِ النزاعات هو أن البارون قد اكتشف مكان جسد ليونارد، الذي وُجد في أرض الساحرة ديلوانا، مما جعلهم في جدلٍ حول ما يجبُ فعلُه.
“أتلكَ الساحرة بِهَذهِ القوة؟ هل هَذا ما يجعل مِن الصعبِ الاقترابُ منها؟”
“ديلوانا ليست بشرية. إنها أقرب إلى روح.”
“روح؟ هل هَذا حقيقي؟”
تساءلت كورديليا، وكانت عيناها تلمعان بالفضول. الأرواح التي تعرفُها كانت مخلوقاتٍ سحرية مِن قصص الطفولة.
“إذا كُنتِ تسألين عما إذا كانت الأرواح حقيقية، فهَذا أمرٌ مُعقد. لكن ديلوانا هي أقربُ شيءٍ إلى الروح. إنها كائنٌ وُلِدَ مِن طاقة الأشجار وقد اكتسبت وعيًا.”
“واو، طاقة الأشجار؟ هَذا يُشبهُ الجنيات في القصص الخيالية!”
“ما تفكرين فيه يا سيدتي ليس جنياتٍ لطيفة. إنها كائناتٌ أكثرُ وحشيةً وقسوة. فهي تحرقُ كُل مَن يدخلُ أرضها دون إذن. وهُناك وحوشٌ تجوب تلكَ الأرض أيضًا.”
“لكن مُعلمي قويٌ للغاية، أليس بإمكانهِ هزيمةُ تلكً الساحرة؟”
“هممم.”
رفعت كورديليا مِن شأن ليونارد، مما جعلهُ يرفع ذقنه ويعقد ذراعيه.
“التعامل مع الساحرة ليس مُشكلةً كبيرة. المُشكلة هي الحاجز الذي يُحيط بأرضها. إذا كُنتُ في جسدي الأصلي، لكان الأمر مُختلفًا…”
“لكن للوصول إلى جسدكَ، يجبُ أن تذهب إلى ديلوانا… هممم. ولكن كيف وجد البارون جسدكَ؟ ألم تقُل إنهُ مِن المُستحيل دخول أرض الساحرة؟”
“صحيح، لم أرهُ بعيني. لقد استخدمت السحر لتحديدِ موقعه.”
“آه، لقد فهمت.”
ولهِذا السبب، لم يتمكنوا مِن الوصول إلى قرارٍ نهائي بشأن كيفية التصرف وظلوا مشغولين بالتفكير.
“مِن حسنِ الحظ، أن جسد سيدي وُجِدَ هُناك، مما يعني أن ماكسيميليان لن يتمكن مِن الاقتراب مِنهُ بسهولة.”
“لكن ماذا نفعل؟ نحنُ أيضًا لا نملكُ وسيلةً للدخول.”
قال بيلوتشي وهو يُعيد سيفهُ إلى غمده مُخاطبًا ليونارد.
“سيدي، دعني أذهب. سأذهبُ بمفردي.”
“لا. إذا كُنتَ ترغبُ في الموت، فمُت هُنا. لا داعي للذهاب إلى أرض ديلوانا.”
“بيلوتشي، إذا وطأت قدمكَ في أرض ديلوانا، ستتحولُ إلى رمادٍ فورًا.”
“أتقصدُ بأنني ضعيف؟ هل تريدُ أن ترى مَن هو الضعيف هُنا؟”
“ألا يُمكننا حل الأمر بالتفاوض؟ يُمكننا مُحاولة التوصل إلى اتفاق.”
“تفاوض؟”
“اتفاق؟”
عندما اقترحت كورديليا هَذا الحل المعقول، بدت ملامحُ البارون وبيلوتشي غريبةً، وكأنهما يستمعان إلى شخصٍ يتحدث عن أن الشمس هي القمر.
“كما قُلت، ديلوانا ليست بشرية. إذا كان التفاوض مُمكنًا، لما كانت أرضها لا تزال موجودة…”
توقف ليونارد عن الكلام فجأة ونظر إلى كورديليا بحدة. تلكَ النظرة جعلتها تشعرُ بشيءٍ غيرُ مريح.
“ما، ماذا هُناك؟”
“لحظةً. هل ترين هَذا؟”
تمتم بشيءٍ قصيرًا ورسم دائرةً مُعقدةً في الهواء. على الرغم مِن أن كورديليا لم ترَ شيئًا كهَذا مِن قبل، إلا أنها استطاعت رؤيته، فأومأت برأسها.
“نعم.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》