أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 17
“هل يُمكنني تعلمُ سحرٍ آخر الآن؟”
“نعم.”
هزّ رأسهُ بلا اهتمام. كانت عيون كورديليا تلمعُ كأنها نجومٌ مِن شدة الحماس.
“أنا…أنا! هناك سحرٌ أردتُ تعلمهُ منذُ فترة. انه ذَلك السحر الذي رميتني به من قبل، كرة النار وتحريك الرياح. آه! وأريد تعلم هَذا الـ…..”
“كفاكِ عن هَذا. عليكِ أن تبدأي بسحر التعرف أولاً.”
“ماذا؟ ما هو سحر التعرف؟”
جلب صحنًا مليئًا بأنواع مختلفة من المكونات المقطعة ووضعه أمامها.
“لنبدأ بإيجاد الجزر أولاً.”
“همم؟ لماذا الجزر فجأة؟”
كان سحر التعرف الذي أصرّ عليه ليونارد معقدًا ودقيقًا للغاية، لدرجة أن السحرة المتوسطين يجدونهُ صعبًا للغاية. بالنسبة لكورديليا، التي كانت مجرد ساحرةٍ مبتدئة، كان الأمر مرهقًا للغاية.
بعد عدة أيام من محاولات فاشلة لتحديد الجزر والبصل المختلطين في الصحن، وضعت كورديليا الشوكة وتنهدت.
“ألا يُمكنني تعلمُ شيءٍ آخر؟”
“لا. ماذا ستفعلين إذا تناولتِ شيئًا خطأ مجددًا ومُتِّ؟ لذا عليكِ أن تعرفي ما في صحنكِ.”
“لكن مِن غير المعقول أن أتعرف على مكونات الحساء.”
“ماذا ستفعلين إذا كات هُناك فولٌ سوداني في الحساء؟”
“مِن سيضع الفول السوداني في الحساء؟ وحتى لو كان موجودًا بكميات صغيرة، لن يؤذيني… أريدُ تعلم سحرِ آخر…”
“توقفي عن الكلام الفارغ وركزي. ما هو المكون الثالث؟”
قال ليونارد ببرود. لم تكن محاولات كورديليا الضعيفة للمقاومة مجدية. في الحقيقة، لم تستطع تجاهل القلق الذي كان يشعرُ بهِ ليونارد.
“بيضة؟”
“مجددًا.”
استمرت تدريبات التعرف على المكونات حتى وقت الطعام، مما جعلها تقضي وقتًا أطول في تحديد المكوناتٍ أكثر مِن تناول الطعام.
“فلفل!”
“حتى لو كان لديكِ عينٌ واحدة، ستسطعين معرفة أن هُناك فلفلاً. التالي.”
“هَذا…”
“هل تمزحين؟ هل تظنين أن هَذا كان الجزرًا؟”
“كرري ذلك.”
“كم مرة أخبرتكِ أن هَذا ليس بطاطس؟”
“تشه.”
بدأ الخدم ينظرون إليهما بشكلٍ مُريب عندما أصبحوا يتشاركون الطعام، حيث كان هُناك ملعقتان في طبقِ واحد، ولكنهم لم يلاحظوا ما الذي يفعلونه.
بعد مرور الأيام والأسابيع، تحسنت مهارات كورديليا بشكلٍ ملحوظ. في البداية، كان مِن الصعب عليها تحديدُ ثلاثة أو أربعة مكونات، ولكن فيما بعد تمكنت مِن تحديد أكثر مِن عشرة مكونات.
“ملح، سكر، فجل، جزر، بصل، لحم بقر، طماطم، ريحان… أوه، وإكليل الجبل!”
“ماذا بعد؟”
“هل هناك شيءٌ آخر؟ هممم، ما هو؟”
“شوفان.”
“آه، كان ذَلك.”
“ها… بدأتُ أشعر بالملل مِن تكرار هَذا.”
“بصراحة، مستوى ذكائي متوسط. مقارنةً بينكَ وبين الأشخاص العاديين غيرِ مُنصفة، أليس كذلك؟”
“متوسط؟ من أخبركِ إن ذكائكِ متوسط؟ هل لديكِ دليل؟”
“أنتَ قاسٍ للغاية…”
حينها، سُمع طرقٌ على الباب. عندما أُذن لهم بالدخول، دخلت الخادمة بحذرٍ أكبر مِن المعتاد وقالت:
“سيدي، سيدتي. لديكما زائر.”
كانت ردة فعل الاثنين مُختلفة. بدت ملامح ليونارد مسترخيةً بينما كانت كورديليا متوترةً. وقفت منتصبة وسألت:
“زائر؟ مَنْ؟”
“السيد جيرارد إبرامز قد وصل إلى البوابة الشمالية.”
***
“أهلًا بكِ، السيد إبرامز.”
عندنا كانت كورديليا تُحييه. جيرارد إبرامز نزل مِن العربة ونظر حوله.
“هاها، يمكنكِ مُناداتي بجيرارد فقط. السيدة إبرامز، هَذا هو لقاؤنا الثاني منذُ زفافكِ. ولكن أين الآخرون؟ لماذا لا يأتون لتحية الضيوف؟”
“آه.”
ابتسمت كورديليا بشكل محرجٍ. كانت وحدها مع بعض الخدم في الساحة المفتوحة لاستقباله.
“السيدة هيلينا قد ذهبت إلى المعبد للصلاة منذُ الصباح الباكر ولم تعد بعد، وكريج لم يتعافَ تمامًا بعد.”
“أوه، حقًا؟ مِن المؤسف أن ابن عمي العزيز لم يتعافَ بعد. سأذهب لرؤيتهِ شخصيًا.”
“الآن؟ لقد وصلت للتو، يجب أن ترتاح أولًا.”
“ألم تسمعي ما قُلته؟ قودي الطريق.”
أشار بفخر إلى الأمام. كان سلوكه مع السيدة المنزل فظًا للغاية، لكن كورديليا كانت معتادةً على هَذهِ المعاملة لدرجة أنها لم تلحظ شيئًا غير عادي.
دخل جيرارد القلعة مع كورديليا، ومُلأت القلعة جوًا من التوتر غير المفهوم. كان الخدم يتهامسون بينما ينظرون إليهما، أنهم كانوا يتساءلون من سيكون العائلة القادم.
وقفت كورديليا أمام باب كريج وطرقت بخفة.
“كريج، السيد جيرارد إبرامز هنا.”
“يا لها مِن طريقةٍ سيئة! لا بد أنهُ مستيقظ على أي حال، لماذا نحتاجُ لإذنه؟”
قبل أن تتمكن كورديليا من سماع رد ليونارد، دفع جيرارد الباب ودخل.
التقى ليونارد، الذي كان جالسًا على الأريكة في غرفة الضيوف، بنظرة على جيرارد.
“أوه، كريج. مضى وقتٌ طويل. هل تعرفني؟”
“لست متأكدًا. يبدو أنكَ لست شخصًا مهمًا. ما كان اسمكَ مرة أخرى؟ جايْد؟”
“كم هذا مؤسف. يبدو أن عقلكَ تالفٌ بالفعل. لانكَ لا تعرفُ اسمي.”
رغم كلماته، كان وجهُ جيرارد تعلوهُ إبتسامة. في الواقع، كان أكثر الناس رغبة في أن يكون لعقل كريج مشكلة.
“وجهكَ يبدو تالفًا تمامًا. هل سُحقتَ تحت عجلة العربة في طريقكَ إلى هنا؟”
“ها. انها نفسُ نبرتكَ البغيضة كالمعتاد. يبدو أنكَ لا تتذكرُني، لذا دعني أقدمُ نفسي رسميًا. أنا جيرارد إبرامز، الشخصُ الذي سيتولى مسؤولية هَذهِ العائلة بدلًا منك.”
“هاهاها.”
ضحك ليونارد بصوتٍ عالٍ فور انتهاء جيرارد مِن كلامه. ارتجفت حاجبا جيرارد بغضب.
“ما المُضحك؟”
“مِن المدهش مدى ثبات هَذا العائلة. الغباء والحُمق يتوارثان في دمائكم على ما يبدو.”
“ماذا؟”
“يبدو أن أذنيكَ قد تلفتا أيضًا عندما تم دهسُ وجهكَ تحت العجلة. كم هَذا مؤسف. لا أفهم لماذا تضعُ حياتكَ من أجل هَذهِ العائلة الريفية.”
كورديليا، التي كانت تقف في الخلف، معجبةً بهِ سرًا. على الرغم مِن أن المُحادثة لم تستغرق سوى خمس دقائق، إلا أن وجه جيرارد كان قد تحول إلى اللون الأحمر.
“أنتَ حقًا موهوب في استفزاز الناس.”
“سنرى كم ستبقِ فمكَ فظًا!”
لم يجد جيرارد شيئًا آخر يقوله، فغادر الغرفة غاضبًا. تأكدت كورديليا مِن إغلاق الباب بالكامل قبل أن تقترب مِن ليونارد.
“لماذا أحضرتهُ إلى هنا إذا كُنتَ ستثير غضبهُ فقط؟”
“ماذا تعنين؟ كان عليّ معرفة مِن هو. قد يكون أحد أتباع مكسيميليان.”
“أحد أتباعه؟”
“بصراحة، مع عقلهِ ذَلك، يبدو أنهُ غير مؤهل.”
كانت السخرية في صوت ليونارد واضحةً لدرجةِ أن كورديليا قد شعرت بالإحراج.
“إذًا، هل ستترُكهُ وحده؟”
“هل يجب أن أهتم بهَذا الشخص؟”
“السيدة هيلينا… حسنًا، هَذا صحيح.”
كانت نبرته المتعالية تجعل كورديليا تشعرُ بالضيق. قبل شهرٍ، كانت تقلقُ بشأن كيفية التعامل مع جيرارد إبرامز، ولكن الآن يبدو الأمر غير ذيّ أهمية.
“إذًا، هل يُمكنني أن أقابله وأتعامل معه؟”
“تقابيلنه؟ لماذا؟ يجب أن تضيعي وقتكِ في الدراسة بدلًا مِن رؤية ذَلك الأحمق.”
“جيرارد ضيف القلعة وأنا ملزمةٌ بضيافته. بدءًا من عشاء الليلة…”
“آه، صحيح. لدينا ضيفٌ آخر سيأتي.”
“ضيفٌ آخر؟”
“انسي هَذا الضيف واستعد للضيف الآخر.”
“ماذا؟ مَنْ سيأتي؟ مَنْ هو؟”
لم يرد ليونارد، فقط قال إنها ستعرفُ ذَلك غدًا. وفي اليوم التالي، عند الظهيرة تمامًا، ركض أحد الخدم نحوها لاهثًا.
***
“إينغريون؟ إينغريون، فعلاً؟”
“نعم، سيدتي. لقد تجمع كُل الفرسان عند البوابة.”
كان وجهُ الخادم الشاب محمرًا مِن الحماسة، وبدا وكأنهُ يريدُ الركض إلى هُناك على الفور.
على الرغم مِن أن كلمة “لماذا؟” كانت على طرفِ لسانها، إلا أن كورديليا أشارت برفق بيدها.
“فهمت، سأذهبُ على الفور.”
“نعم، سيدتي.”
لم يكن إبرامز منطقةً نائية أو مُنعزلةً لدرجة أنهم لم يسمعوا عن إينغريون.
كانوا إحدى الأسر النبيلة الشهيرة في إيرشيه، بعكس فاسكويز، الذين لم يبق لهم سوى سمعة ٍفارغة كـ” أفضل سيف”.
‘هل هو الضيف الذي تحدث عنه السيد بالأمس؟’
أمرت كورديليا الخادمات بإعداد الطعام والماء للاستحمام، ثم توجهت ببطء إلى البوابة.
كان مِن السهل معرفة مِن هو مِن بعيد. كان الرجل الذي يركبُ الحصان الأسود العملاق محاطًا بفرسان إبرامز.
حتى هيلينا وليلي، اللتين لم تظهرا مؤخرًا ، كانتا هُناك.
“أهلاً وسهلاً بكَ، يا سيدي العزيز، كيف يُمكن أن يزور شخصٌ مثلُكِ هِذا المكان المتواضع؟”
“لدي شخصٌ أود رؤيته.”
رد إينغريون ببساطة. اقتربت ليلي بسرعة وسألته:
“هل تبحثُ عن شخصٍ ما؟”
“ومَنْ تكونين أنتِ؟”
“آه، لقد تأخرتُ في التعريف بنفسي. أنا ليلي داليا. في صغري كُنتُ مِن عائلة إبرامز.”
“إنها ابنتي.”
انتقلت نظرته مِن ليلي إلى كورديليا التي كانت تقف بعيدًا. أشار إينغريون إليها برأسه.
“ومَنْ تكونُ تلكَ هُناك؟”
“آه.”
استدارت هيلينا لترى مَنْ كان يشير إليها، وابتسمت بابتسامة محرجة.
“لا تهتم بها… إنها زوجة ابني.”
“كورديليا إبرامز.”
تقدمت كورديليا خطوة وانحنت قليلاً. تغيرت نظرة إينغريون عندما سمع اسمها.
تقدم نحوها بخطواتٍ ثابتةٍ، وتفرقت الحشود تلقائيًا. تركزت الأنظار عليهما.
كان الرجل أطول وأضخم مما توقعت كورديليا، مما جعلها تشعرُ بالرهبة. تراجعت خطوةً إلى الوراء دون أن تُدرك.
نظر إليها مِن رأسها إلى قدميها بتفحص غير لطيف.
لم يكُن في نظرته أي معنى جنسي. بل كانت عينيه مجردتين وكأنه يقيمُ شيئًا.
“أنتِ.”
“أنا؟”
“الشخص الذي كُنتُ أبحثُ عنه.”
ابتسم فجأةً بلطف، وأخيرًا ظهرت ابتسامة على وجههِ المُتصلب.
“أنا؟”
كورديليا كانت مذهولةً، ترمشُ بعينيها في دهشةٍ مِن الموقف الغريب.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》