أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 16
عندما كُنتُ صغيرةً، كانت هوايتي دخول مكتبةِ والدي وسرقة الكُتب لقراءتها في غرفة والدتي.
عندما يكتشف والدي أنني كُنتُ أقرأ، كان يغضب بشدة، لذا كُنت أختبئ في زاوية مظلمة لقراءة الكُتب.
“يال المسكينة.”
في كُل مرةٍ، كانت والدتي المريضة تنظرُ إليّ وتقول كلماتٍ لم أستطع فهمها.
“لماذا؟”
“لأنكِ لن تحصلي على ما تريدينهُ أبدًا.”
“لكنني لا أريدُ شيئًا حقًا.”
عندها والدتي قد لمست شعري وقالت:
“يجب أن تصبحي جشعة يا كورديليا. يا ابنتي، هل ستكتفين بكتابٍ واحدٍ عندما تكبُرين؟ أن مِن طبيعة الإنسان أن يُريد معرفة المزيد واكتشاف أماكن أكثر.”
“هاه؟”
“يا لكي مِن مسكينة، والدكِ سيُقيدكِ بالتأكيد. لو أنكِ قد ولدتِ في مكانٍ آخر لكُنتِ قد عشتِ بشكلٍ افضل.”
“لكنني أحبُكِ أكثر مِن أيِّ شيء يا أمي لا أريدُ مكانًا آخر.”
عندما قُلتُ هَذا، عانقتني والدتي بشدة. كانت تلكَ مِن أجمل الذكريات القليلة التي أملكها.
وجهُ والدتي بدأ يتلاشى تدريجيًا.
بدأ وعيها يغوص بعُمق.
سقف مألوف قد ظهر أمامها.
عندما رمشت بعينيها، جلست إميلي بجانبها وقالت بفرح:
“هل تشعرين بتحسن؟”
“أه…”
“كاد أن يحدث شيءٌ فظيعٌ حقًا. قال الطبيب أننا لو تأخرنا قليلاً…”
أثناء كلامها، بدأت إميلي تبكي. كانت عيناها محمرتين بالفعل.
“السيدة هيلينا قالت بإنهُ ليس شيئًا خطيرًا، لكنكِ لم تفتحي عينيكِ لأربعة أيام.”
“أربعة أيام؟ هل مضى حقًا أربعة أيام منذُ أن فقدتُ الوعي؟”
“نعم. لحسن الحظ، استدعى السيد كريج جميع الأطباء في المنطقة وأصر على إنقاذكِ.”
“ماذا؟ كريج؟”
ظهور اسم كريج بشكلٍ غير مُتوقع جعلها تومض عينيها.
تذكرت وجهه المُرتبك قبل أن تفقد الوعيها.
“نعم، كانت القلعة متوترةً جدًا، وكان الأطباء يرتجفون أثناء فحصكِ. بالإضافة إلى ذلك، لقد تشاجر مع السيدة هيلينا…”
بمجرد أن استيقظت كورديليا، دخل ليونارد إلى الغرفة بسرعة.
عندما رأت إميلي ليونارد، سرعان ما غادرت الغرفة.
وقفَ بجانبِ السرير الذي كانت تستلقي عليهِ ونظر إليها بصمت.
طال هذا الصمت حتى بدأت كوردليا بالكلام أولاً.
“لماذا تنظرُ إليّ هَكذا؟”
“هل أنتِ غبية؟”
“ماذا؟”
“لديكِ حساسيةٌ مِن الفول السوداني وقمتِ بأكله دون أن تتأكدي؟ هل رأسكِ مجردُ زينة؟ لماذا لم تستخدميه؟”
“أهَذا ما تقولهُ ليّ بمجردِ استيقاظي؟”
بدلاً مِن تقديم كلماتٍ مُطمئنة بعد ما مرت به، كان يوبخُها. ولكن بطريقة ما، لم تنزعج كورديليا مِن كلماته الحادة كثيرًا. ضحكت كورديليا ببساطة.
“ولكني لم أمُت، أليس كذلك؟”
“لم تموتي؟ بجدية؟”
ضحك ليونارد بسخرية.
“لم أرَ في حياتي شخصًا أحمقًا مثلكِ.”
“نعم، نعم. بالطبع.”
“هل تأكلين أيَّ شيءٍ تجدينهُ أمامكِ؟”
“السيدة هيلينا قد قدمتهُ ليّ، كيف يُمكنني أن ارفض؟”
“أليس لديكِ فم؟ لماذا لم ترفضيه؟ ماذا لو كانت قد وضعت سُمًا؟ هل ستأكلينه وتموتين فقط؟”
“لو كان مسمومًا لما أكلته. لستُ غبية.”
حينما كانت كورديليا تعقِدُ شفتيها. هز ليونارد رأسه قليلاً.
“أنتِ غبية. آه، حسنًا. على أيِّ حال، سأقوم بتنظيف هَذا المكان الآن، لذا لا تتذللي لهم بعد الآن.”
“متى كُنتُ أتذلل؟ انتظر، تنظيف؟ ماذا تعني بالتنظيف؟”
“هَذا القصر. جسدُكِ قد تعافى قليلاً، لذا علينا التخلص مِن الأوساخ.”
وجه ليونارد أصبح باردًا بشكلٍ مخيف. كان يقف ويديه متقاطعتين أمام صدره وينظرُ مِن النافذة.
مِن الواضح أن “الأوساخ” التي كان يتحدث عنها تتضمن هيلينا. كانت خائفةً جدًا مِن سؤاله كيف سيفعل ذَلك.
“بالطبع، سنبدأ تدريبًا خاصًا غدًا.”
“ماذا؟ تدريب خاص؟ لقد استيقظتُ للتو!”
“هل هَذا مهم؟ ماذا لو أكلتِ شيئًا آخر بهِ فولٌ سوداني ومُتِ؟”
قال ليونارد بفظاظة، وهو يدير ظهرهُ للخروج مِن الغرفة. أمسكت كورديليا بطرفِ ملابسه.
“انتظر.”
“ماذا؟ أتركيني.”
“الرسالة؟”
نظر إليها بتعبيرٍ غامض، ثم أخرج رسالة مجعدة من جيبه وسلمها لها. أمسكت كورديليا بالرسالة بشدة، ولم تتمكن مِن رفع عينيها عنها.
بلا مبالاة، قال ليونارد:
“أجور الدراسة.”
“ماذا؟”
“كنتِ تقولين إنكِ بحاجةٍ إلى أجور الدراسة، لأجلِ شقيقكِ. المال…”
“كل ذَلك كان كذبًا.”
مزّقت كورديليا الرسالة إلى أشلاء دون أن ترمش عينها. على عكسِ المتوقع، بدا ليونارد مرتبكًا.
“ماذا تفعلين؟”
“كان يجب أن أمزقها منذُ زمن، لقد كانت مجرد عذر.”
قامت كورديليا بتمزيق الرسالة بأسنانها حتى تحولت إلى قطع صغيرة.
“أجور الدراسة؟ ها، هل يعتقدون أن دينيس يمكنُه حقًا دخول الأكاديمية؟ كان دينيس بالكاد يستطيعُ كتابة اسمهِ عندما بلغ العاشرة. سأصدق ذلك لو قالوا إن كلبًا عابرًا هو مِن كتب هَذهِ الرسالة.”
“إذاً، تعتقدين أنها مجردُ عذرٍ لطلب المال؟”
“لقد أخبرتك، بالنسبة لأبي أنا مجردُ مصدرٍ للمال.”
نظرت كورديليا إلى قطع الورق المتناثرة بنظرة مليئة بالازدراء.
“وهَذهِ ليست المرة الأولى التي يُرسل فيها والدي رسالةً كهَذهِ. منذُ زواجي، كان يُرسل هَذهِ الرسائل بانتظام بعد شهرين مِن زواجي فقط.”
في البداية، ظنت أن رسائلهُ كانت مُجرد رسائل يسألُ فيها عن حالتها، ولكنها شعرت بخيبة أمل مرارًا وتكرارًا.
عندما تكرر الأمر، شعرت كورديليا بالشفقة على والدها، ثم بالغضب، وأخيرًا بالخجل. شعرت أنها مسكينة وبائسة.
“تجاهلتها جميعًا. لم أتحدث عن هَذا الأمر مع السيدة هيلينا أبدًا.”
“لماذا؟”
سأل بصدق. ضحكت كوردليا بضعف.
“لم أرد أن أصبح أكثر بؤسًا بذكر المال وأنا بالفعل مهانةٌ هنا. لا أريدُ أن أزيدَ الأمور سوءًا.”
“…..”
“كُنتُ أشعرُ وكأنني قد تم بيعي مُقابل المال. ولأكون صريحة، كان هَذا هو واقعي.”
ضحكت كورديليا بمرارة. دخل نسيمٌ مِن الهواء عبر النافذة المفتوحة قليلاً وبعثر شعرها.
مد ليونارد يدهُ نحوها بلا وعيّ لكنهُ تراجع. شعر وكأن كورديليا قد تختفي في أي لحظة.
“صحيح. شكرًا لكَ.”
“لماذا؟”
“فقط، بسبب تصرُفكَ في قاعة الطعام… كان شعورًا جيدًا أن أرى شخصًا يغضبُ مِن أجلي. لم يكن هُناكَ أحدٌ غيري يُقاتل لأجلي.”
“هه.”
رفع ليونارد ذقنه وأدار رأسهُ بعيدًا. ثم نفض يده قليلاً. استلقت كوردليا على السرير وتثاءبت.
“لكنني أشعر بتعبٍ شديدٍ. يا سيدي، لاحقًا، واجباتي، سأكملها…”
غرقت كورديليا في النومٍ عميق قبل أن تُكمل كلامها. نظر ليونارد إلى وجهها النائم بتعبيرٍ مُعقد ثم غادر الغرفة.
* * *
“أوه، كيف حالُ السيدة كورديليا؟ هل استعادت وعيها؟”
عندما خرج ليونارد مِن الغرفة، كان البارون ينتظرهُ بفارغِ الصبر وسألهُ بلهفةٍ. تجاهل ليونارد سؤالهُ وقال:
“استدعِ بيلوتشي.”
“ماذا؟ ذَلك المجنون- أعني، ذَلك الشخص؟”
استجاب البارون بصدمة عندما سمع اسم بيلوتشي.
“ذَلك الشخص يثيرُ الكثير مِن المشاكل. رغم أنني أتيتُ إلى هُنا إلا انه لم يتم الإمساك بي مِن قبل ماكسيميليان، لكن إذا جاء بيلوتشي إلى قصر أبرامز…”
“عاجلاً أم آجلاً سيلاحظ ماكسيميليان وجودي. لا يُمكنني الاختباء إلى الأبد.”
“إذا كُنتَ بحاجةِ إلى مساعدة، فسيكون مِن الأفضل استدعاء السير ميرفان.”
“إذا ظهر ذَلك النبيل المُتزمِت هُنا دون سبب، سيشعر ماكسيميليان بالريبة. لكن بيلوتشي مثلُ كلب ضال، لذا لن يُثير الشكوك.”
“لكن، إذا جاء بيلوتشي …”
البارون، الذي يعرف شخصية بيلوتشي الانفعالية، لم يستطع إكمال كلامه.
بيلوتشي معروف بشخصيته الهجومية الانفعالية، ومِن المؤكد أنهُ سيقلبُ القصر رأسًا على عقب.
لكن رغم اعتراضات البارون، كان ليونارد مُصممًا. نظر إلى الرواق الطويل بوجهٍ بارد.
“هَذا القصر الملعون، يجب أن يتم تنظيفهُ بسرعة. هناك الكثير مِن العقبات التي يجبُ التخلصُ منها.”
“حسنًا، فهمت.”
“وايضًا…”
توقف ليونارد للحظة. حبس البارون أنفاسه.
“احصل على بعض المعلومات عن باسكويز.”
“باسكويز؟ لماذا؟ هل لا تزال تشكُ في أن السيدة كورديليا علاقة بماكسيميليان؟”
تغير تعبيرُ البارون على الفور إلى الجدية. كان ليونارد على وشكِ قول شيءٍ ثم هز رأسه.
“لا، ليس لهَذا السبب. فقط… أريدُ معرفة كُل شيءٍ عنهم. بدءًا مِن رئيس الأسرة الحالي إلى ثروتهم والأبناء.”
“حسنًا. سأفعل ذَلك.”
كما هو الحال دائمًا، انحنى البارون باحترام واختفى.
* * *
منذُ ذَلك اليوم، أصبح القصر هادئًا بشكلٍ مُخيف.
لم تظهر هيلينا، ولا ليلي ولا أرنولد أمام كورديليا أبدًا.
عندما سألت إميلي عن الأمر، أجابت بنبرة استهزاء:
“في ذَلك اليوم، غضب السيد بشدة وقام بتهديدهم.”
“تهديدهم؟ كيف؟”
“إذا تجرأ أحدُكم على لمس كورديليا مرةً أخرى، فسوف يُقطع رأسهُ ويُعلق عند بوابة القصر. في الواقع، الطاهي الذي وضع الفول السوداني في الحساء قد عُلِّق رأسهُ، بالفعل عند بوابة القصر.”
“أوه…”
عندما سمعت كورديليا هَذا، شعرت بامتنان كبير تجاه ليونارد. بدا وكأنه يهتمُ حقًا بتلميذه.
“ليس هذا. مجددًا.”
“مجددًا.”
“….”
“مجددًا.”
ذَلك الشعور بالامتنان سرعان ما تلاشى.
بلا مبالغة، كانت تتدرب على السحر منذُ الصباح حتى الليل.
قضت أكثر مِن عشر ساعات يوميًا معه، لدرجة أنها وصلت إلى مستوى يمكنها فيه تخمين كلام ليونارد مِن نظراته أو حركة شفتيه الدقيقة.
“هَكذا…”
“توقف عن ذَلك ودعني استخدمُ عقلي؟ أعلم، لكن جسدي لا يستجيب كما ينبغي.”
“توقفي عن الكلام وافعليها؟ فقط اصمتي.”
نظر ليونارد إلى كورديليا بنظرةٍ غريبةٍ للغاية، لكنها كانت مُركزةً تمامًا على السحر لدرجة أنها لم تلاحظ.
بعد أن انغمست في السحر بجنون لأكثر من أسبوعين، تمكنت أخيرًا من إنتاج شعلةٍ سحريةٍ صغيرة.
“انظر، انظر إلى هَذا! سيدي! بسرعة، بسرعة!”
“نعم، حسنًا.”
“هَذا صحيح، أليس كذلك؟ لقد نجحتِ، أليس كذلك؟”
“نعم.”
بينما كانت كورديليا تقفزُ فرحًا، كان ليونارد غيرُ مبالٍ تمامًا.
“هَذا بالضبط السحر الذي أتقنتهُ عندما كُنتُ في الخامسة.”
“إذاً هَذا يعني أنني وصلت إلى مستوى معلمي عندما كان في الخامسة، أليس كذلك؟ هذا ليس سيئًا بالنسبة للمرة الأولى، أليس كذلك؟”
“إذا كُنتِ راضيةَ بمستوى طفلٍ في الخامسة، فهَذا ليس سيئًا.”
أوه، لو كان بإمكانها فقط لكمهُ على فمهِ الوقح.
لكن سرعان ما تغلبت فرحة نجاحها في السحر على أيِّ أفكارٍ أخرى.
“أعتقدُ أنني بدأتُ أفهم ما كُنتَ تقوله، أن الجسد هو من يجبُ أن يتذكر وليس العقل.”
“نعم. يجب تكرار الأمر عدة المرات حتى يتذكرهُ جسدكِ في أيِّ موقف.”
“نعم، سأفعلُ ذَلك.”
ابتسمت لهُ بفرح.
فجأة، أدار وجهه بسرعة ليتجنب نظرتها، ثم أضاف بلهجة حادة:
“لا تُبالغي في الاحتفال. لقد تخلصتِ فقط من لقب المبتدئة.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》