أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 151
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- أتمنى لو كان زوجي ميتًا
- 151 - وداعًا يا أبنَتي ⁸ (النهاية)
الفصل 151 : وداعًا يا أبنَتي ⁸
في تلكَ اللحظة، اقترب بيلوتشي مِن كورديليا وهو يحمل كأسًا فارغًا. ثم مدّ الكأس بشكلٍ غيرِ مُهتم.
“هل يُمكنكِ أنْ تسكبي لي شرابًا؟”
“أنا؟”
كانت كورديليا في البداية مُتفاجئةً؛ لماذا يأتي إليّها ليطلب الشراب بدلاً مِن استخدام يدهِ السليمة؟ لكن ليونارد ضحك فجأةً بصوتٍ عالٍ.
“هَذا يعني بأنهُ يريدُ خدمتكِ.”
“فجأةً؟”
“إذا كنتِ تقبلين بذَلك، فاسكُبي لهُ الشراب.”
أمرت كورديليا أحد الخدم بأنْ يجلب زجاجةً جديدةً مِن الشراب، وكان مِن نوعٍ مُسكرٍ قوي. عندما رآى بيلوتشي الشراب، عبُس وجهه.
“أنا لستُ جيدًا بالشُرب.”
“وماذا في ذَلك؟ فقط مُد كأسكَ.”
ابتسمت كورديليا بابتسامةً خبيثةً وملأت الكأس، الذي كان أكبر مِن كف اليد، بالشراب.
“بيلوتشي، بِما أنني سأغضُ الطرف عن قطع معصميك، يُمكنكَ أنْ تشرب هَذا الكأس. اشربهُ بسرعة.”
“حقًا، ستتغاضين؟”
على الرغم مِن تذمرهِ، إلا أنْ بيلوتشي ابتلع الشراب القوي دفعةً واحدة. فوجئت كورديليا بأنّه شربهُ كله دوّن تردد.
كان يبدو أنه بدأ يشعرُ بأثر السكر، فمال قليلاً، لكن كانت لديهِ القدرةٌ على الركوع أمامها.
“سأخدمُكِ بجسدي وروحي، سيدتي.”
نظرت كورديليا إلى قمة رأسهِ الأسود. ظهرت ذكرياتٌ مِن لقائهما الأول وتلاشتٍ بسرعة. بعد أنْ فكرت قليلاً، فتحت فمها وقالت.
“يا فارسي، طالما أنكَ لَن تتخلى عني، سأكون دائمًا…”
ولكن خطةُ كورديليا بأنْ تقول كلماتٍ جميلة باءت بالفشل. فقد سقط بيلوتشي فجأةً وكأنهُ شجرةٌ قديمة. قفزت كورديليا مِن مكانها مُندهشة.
“بيلوتشي!”
ابتعد جَسيل، الذي كان يقفُ بعيدًا، وهو يسحبُ عُنق بيلوتشي بعيدًا. تنهد البارون بعُمق.
“سيُصبح قريبًا ماركيز إينغريون، ولكن انظرُ إلى حالتهِ.”
“ماذا تعني بذَلك؟”
“آه، لا تعلمين؟ في اليوم الذي ختمتِ فيه نازازبوت، كان ماركيز إينغريون قد جلب فرسانهُ معه.”
“نعم، أذكرُ ذَلك. كان فرسان إينغريون كانوا مزعجين للغاية.”
“في تلكَ اللحظة، صُعق ماركيز إينغريون ومات فجأةً.”
“آه… ماذا؟ ماذا قلت؟”
صُدمت كورديليا واهتزّ كتفاها مِن المُفاجأة. ضحك البارون ضحكةً خفيفة وهو يبدو مُستمتعًا.
“كان واقفًا على حصانهِ الكبير حين ضربتهُ الصاعقة، وقال الناس بإنهُ نال عقابًا سماويًا.”
“يا له مِن موتٌ غريب. لكن، أليس لدى بيلوتشي شقيقان اثنان؟”
“كانوا مِن بين الأشخاص الذين لا قيمة لحياتهم، لذا تخلوا عن اللقب طواعية.”
“هاه.”
استطاعت كورديليا أنْ تتخيل الموقف بسهولةٍ. كان قتل شقيقين ضعيفين بمثابة لا شيء لبيلوتشي، ولذا تصرف الشقيقان أولاً وسلموا اللقب إلى بيلوتشي.
نسيت كورديليا تعبها واستمتعت بفرح الحياة. ولكن مع حلول مُنتصف الليل، بدأ التعب يتسلل إليّها وبدأت تغفو.
سأل الخادم سريعًا: “هل يجبُ أنْ أريكِ الطريق إلى غرفتكِ؟”
“لا، هاه، أنا بخير.”
“بخير؟ لكن عينيكِ تكاد تكونان مُغمضتين تمامًا. هل تم إعداد غرفتها؟”
“نعم.”
رفع ليونارد كورديليا بحذرٍ. وأغمضت عينيها وتثاءبت عدة مراتٍ، ثم استقرت في حضنهِ بهدوء. سرعان ما أصبح تنفُسها مُنتظمًا، وكأنها قد غفت.
كلما صعدوا الدرج، كان صوت الضحك يتلاشى أكثر. فتح الخادم الذي كان يحمل الفانوس الباب بهدوء.
كانت الغرفة قد تم إعدادها بعنايةٍ لأجل سيدة أتيلي. تم شراء مستلزماتٍ جديدة، مثل الفراش والخزائن، وتم تجديد ورق الجدران أيضًا. وبينما كان مِن المُحتمل أنْ تُغلق الغرفة مُجددًا بعد فقدان سيدتها، كان مِن حُسن الحظ أنْ الغرفة استقبلت مالكتها الجديدة.
وضع الخادم الفانوس على الطاولة وأغلق الباب.
وضع ليونارد كورديليا على السرير بحذرٍ شديد، وكأنهُ يخشى أنْ يوقظها. لكن رغم كل حرصهِ، فتحت كورديليا عينيها فور أنْ لامس ظهرها السرير.
“آه.”
أطلق ليونارد تنهيدةً قصيرة ومسح عينيها برفقٍ.
“عودي للنوم. ستأتي الخادمة لخلع ملابسكِ.”
“ألَن تخلعها ليّ أنتَ؟”
تسببت هَذهِ الإغراءات الجريئة في أنْ ينسى ليونارد لفترةٍ كيفية التنفس.
كانت الغُرفة مليئةً بنور الفانوس وضوء القمر المُتسلل عبر النوافذ. لَمْ يجرؤ ليونارد على مد يدهِ نحوها، فظل يُراقبها بصمت.
“هل كنتِ مستيقظة؟”
“نعم، منذُ البداية.”
رفعت كورديليا جسدها ثم جذبتهُ بجرأةٍ مِن ربطة العُنق خاصته. كانت لمستُها ضعيفةً جدًا، لكن ليونارد شعر وكأنهُ يُسحب مِن قبل عملاقٍ، فَلَمْ يستطع إلا أنْ يقترب منها.
أصبحت أنفاسُهما قريبةً جدًا لدرجة أنهُما شعروا بأنْ أنفاسهما تكاد تُلامس بعضهما.
“لقد تظاهرتُ بالنوم حتى تُلاحظ.”
“أنتَ لَمْ تُلاحظ.”
ضحك ليونارد قليلاً وهو سحبُ ربطة العُنق بيديهِ وفكها برفقٍ. ثم اقترب منها ببطء.
“هل نصنعُ إشارةً بيننا فقط؟”
“ما الإشارة؟”
دفع ليونارد كتفها برفقٍ، فاستقرت كورديليا مرةً أخرى على السرير الناعم. سرعان ما حل هو مكانها، وكانت يداهُ تخلعُ الشريط المُعقد مِن ملابسها واحدةً تلو الأخرى.
“غمزُ عينيكِ اليمنى. حينها سأفهمُ فورًا وأصعد إلى غرفة النوم.”
“ماذا؟ أيُّ إشارةٍ غبيةٍ هَذهِ؟”
“هَذهِ هي بالضبط الإشارة التي كنتُ أتمناها.”
ضحكت كورديليا مِن ردهِ الماكر. ثم مدت يدها مِن السرير ووضعتها حول عنقهِ.
“أريدُ أنْ أعطيكِ كل ما لديّ.”
“……”
“قلبي، بحري، شمسي. حبي.”
لَمْ يعُد ليونارد قادرًا على المُقاومة فَقبل شفتيها. كانت شفتيها ناعمتين جدًا وحلوةً لدرجة أنهُ خاف مِن أنْ تذوب وتختفي. وفي تلكَ اللحظة، سقطت الأقمشة التي كانت تفصلُ بينهُما على الأرض.
مدت كورديليا يدها مُجددًا ومررت أصابعها على جفنيهِ. كانت عيناه لا تزال غامضةً حتى في الليل المُظلم.
“أحبُكَ. لا أستطيعُ التعبيّر عن مشاعري بكلمةٍ واحدة.”
ثم رفعت جسدها قليلاً وقبّلت شفتيهِ قُبلةً قصيرة. دوّن أنْ يتكلم، مد ليونارد يدهُ ومررها على شعرها البني. كانت يدُه تنزل مِن خديها نحو ذقنها، ثم إلى الأسفل.
“أحبُكِ، كورديليا. أحيانًا لدرجةٍ تجعلُني أخاف.”
حينما ظن أنهُ فقدها، شعر ببعض الندم على محبتهِ لها، لكن رُبما لو عاد إلى الماضي، لكان قد فعل نفس الشيء. لَمْ يكًن ليونارد يستطيع مقاومة تلكَ العيون الخضراء اللامعة وكان سيخضعُ لجاذبيتها.
لَمْ يعرف منذُ متى دخلت كورديليا قلبه. كان يتذكرُ أنه كان محرجًا حين سألها متى أحبته، ولكن في الحقيقة، لَمْ يكُن يعرف هو نفسه متى وقع في حبها.
التصق جسداهُما معًا. فانطفأ المصباح الذي كان يُرسل ضوءه الخافت وسقطت الظُلمة.
مع حلول الفجر، استغرق الاثنان في النوم.
استفاق ليونارد في وقتٍ مُبكر كما هو معتاد، وعندما رأى أنْ السرير كان واسعًا جدًا، قفز بسرعةٍ مِن السرير. شعر ببرودةٍ تسري في جسدهِ. كانت هُناك مخاوفٌ بأنْ يكون كل شيء مُجرد حُلمٍ، فَركض حافي القدمين خارج السرير.
“ليونارد.”
لكن لَمْ يمشِ سوى بضع خطواتٍ حتى أنقذتهُ نبرة كورديليا مِن جحيمه. التفت إليّها ليجدها تقفُ قرب النافذة وهي ترتدي بطانيةً رقيقة فقط.
“استيقظتِ مبكرًا.”
“ظننتُكِ كنتِ حلمًا.”
“هل مِن المُمكن أنْ أكون حلمًا؟”
ركض إليّها ليونارد بسرعةٍ. ثم احتضنها مِن الخلف كما يفعل الحيوان الصغير الذي وجد أمه. وعندها فقط هدأت نبضاتُ قلبهِ.
“المكان جميل.”
ربتت كورديليا على ذراعهِ التي كانت تحتضنُها وأخذت تنظرُ للأمام. كانت هُناك ضبابٌ رقيق فوق الماء كما لو كان هًناك بحيرةٌ قريبة، لكن مع مرور الوقت بدأ الضباب يختفي ليظهر الجمال الطبيعي للمكان.
“هل يًعجبكِ؟”
“نعم. يبدو مكانًا مُناسبًا للعيش فيه طوال العمر.”
كلمة ‘طوال العمر’ ترنُ في أذن ليونارد بشكلٍ خاص اليوم. طوال العمر. رغم أنها مُجرد كلمةٍ تُستخدم عادةً، لكنها كانت تعني لهُ أكثر مِن أيِّ وقتٍ مضى.
كانت كورديليا لا تستطيعُ إبعاد عينيها عن الحديقة الواسعة، النوافير، والغابة والبحيرة البعيدة. مقارنةً مع القلعة الكئيبة لفاسكويز، كان هَذا المكان بمثابة الجنة.
قبل ليونارد رقبتها البيضاء برقةٍ. شدّت كورديليا رقبتها قليلاً ضاحكة لأنها كانت تشعرُ بالحكة. كنت هَذهِ اللحظة مليئةً بالسلام والسعادة لدرجة أنْ ليونارد شعر وكأنهُما في حلم.
“أحيانًا أفكرُ في هَذا. ماذا لو لَمْ تدخل إلى جسد كريغ، ماذا لو لَمْ تقبلني كـ تلميذتكَ؟”
“لكننا كنا لنتقابل في النهاية. بأيِّ شكلٍ مِن الأشكال، بأيِّ علاقةٍ، كنا سنتقابل ونقعُ في الحب.”
قال ذَلك بثقةٍ غريبة. رغم أنهُ لَمْ يكُن هُناك دليلٌ على ذَلك، كان يؤمن أنْ القدر كان سيقودهما إلى نفس المكان.
ابتسمت كورديليا برقةٍ.
“هاهاها. مقارنةً بمُحاولتكَ لقتلي في البداية، هَذا تطورٌ كبير.”
“قتلُكِ؟ لما لا تزالين تذكرين حادثة حرق طرف فستانُكِ؟”
“حتى يسأل طفلُنا عن أول لقاء بين والديه.”
قد لا يعرفان متى سيحدث هَذا، لكن ليونارد كان يُخطط لشرح كُل شيء عندما يجلس الطفل على ركبتيه.
“الشمس تُشرق.”
نظر العاشقان إلى الشمس وهي تُشرق، يشعران بحرارة بعضُهما البعض. أضافت الشمس ألوانًا إلى عالمٍ بدا بالأبيض والأسود.
كان كُل شيء عاديًا كما في كُل يوم، لكن اليوم كان مُميزًا. العصافير المُغردة، الضوء المُتناثر، الضباب المائي، كل شيء كان معًا مُميزًا وخاصًا.
كانت الحياة القادمة أمامهما واضحة. مهما كانت الصعاب، لَمْ يكُن هُناك شيء يخافان منهُ طالما هُما معًا.
النهاية.
*الفصول الجانبية قريبًا أن شاء الله*
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة