أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 150
الفصل 150 : وداعًا يا أبنَتي ⁷
“لماذا تتحدثين فجأةً عن الفائدة؟”
“لطالما اعتقدتُ بأنني إنسانةٌ عديمةُ الفائدة.”
“ماذا؟”
سأل ليونارد وكأنهُ لا يُصدق ما سمعهُ. كان رد فعلهِ مليئًا بالدهشة، لكن كورديليا تجرأت وفتحت فمها لتُكمل حديثها.
“كان هَذا ما كان يُخبرني بهِ والدي دائمًا. كان يُخبرني أنْ عليّ أنْ أكون مُمتنة فقط لأنهُ قام بتربية شيءٍ عديم الفائدة مثلي. حتى بعد أنْ تزوجت مِن أبرامز، لَمْ يتغيّر الأمر. كنتُ امرأةً لَمْ تتمكن مِن إنجاب الأطفال. لطالما كنتُ إنسانةً بلا فائدة، واعتقدتُ أنْ هَذا أمرٌ طبيعي.”
“لكن لماذا يكون ذَلك بسببكِ؟”
“عقليًا، كنتُ أعلم أنه ليس كذِلك، لكنني في النهاية كنتُ أعتقد أنه خطئي. كنتُ دائمًا أصل إلى استنتاجٍ مفادهُ أنني لو كنتُ أفضل قليلاً، لكان الأمر أفضل. لذا، عندما قيل لي بأنني يجبُ أنْ أكون الشخص الذي يُنفذ السحر لختم نازازبوت، شعرتُ ببعض السعادة. شعرتُ وكأنني وجدتُ أخيرًا قيمتي. وكأنني أصبحتُ شخصًا مفيدًا بالفعل.”
اعتقدت كورديليا أنه سيسخر منها. توقعت أنْ يضحك بسخريةٍ ويعتبر كلامها هراءً. لكن ليونارد، على العكس، احتضنها بإحكام.
“لا بُد بأنكِ عانيتِ كثيرًا وأنتِ تكتُمين هَذا في داخلكِ.”
“أنا غبيةُ، أليس كذَلك؟”
“لا. كل البشر هَكذا. جميعنا نبحثُ عن هدفنا في الحياة، نرغبُ في أنْ يُعترف بنا، أنْ نُحَبّ، أنْ نكون أشخاصًا ذوّي قيمة.”
كانت كلماتُه الهادئة عزاءً كبيرًا لكورديليا. وبينما كان يُربّت على ظهرها، قال لها بصوتٍ منخفض:
“لكن، كورديليا، ليس عليكِ إثباتُ أنكِ شخصُ ذو قيمة…”
“لأنني لست بحاجةٍ لإثبات ذَلك؟”
“ماذا؟ كنتِ تعرفين ذَلك بالفعل؟”
“نعم. أدركتُ ذَلك، وإنْ كان متأخرًا، بفضل سيرفيت.”
ثم روت له كورديليا قصتها مع سيرفيت أثناء احتجازها داخل ختم نازازبوت. أصغى ليونارد إلى القصة بصمت.
“لقد قدّم لكِ هديةً عظيمةً قبل أنْ يرحل.”
“لَمْ أتمكن حتى مِن شُكره أو الاعتذار منه.”
“لا يحتاج الأمر إلى كلمات. لقد راقبكِ لفترةٍ طويلة، لذا لا بد أنهُ يعلم.”
بِمُجرد أنْ بدأت تتحدث عن سيرفيت، شعرت كورديليا بدموعها تترقرق مرةً أخرى. لذا، أسرعت بدفن وجهها في صدر ليونارد.
“أنا آسفة. لقد اتخذتُ قرارًا أنانيًا دوّن أنْ أفكر فيك.”
“لا بأس. مُجرد أنكِ عدتِ حيّةً يكفيني. لكن…”
“لكن ماذا؟ فقط أخبرني. سأفعلُ أيَّ شيء.”
قالت كورديليا بحزمٍ شديد. كانت تبدو واثقة وكأنها مُستعدةٌ حتى لإحضار نجوم السماء إنْ طُلب منها ذَلك. ضحك ليونارد على ثقتها المفرطة.
“أريدكِ أنْ تعاملي نفسكِ بأعظم تقديرٍ في العالم.”
“نفسي؟”
“نعم. لا تُفكري أبدًا بأنكِ عديمةُ الفائدة، ولا تحتقري نفسكِ، بل تقبّليها وأحبيها دوّن أيِّ شرط. لأنني أحبُكِ بالفعل بهَذهِ الطريقة.”
لَمْ تكُن تتوقع هَذهِ الكلمات، لذا بقيت كورديليا صامتة للحظة، شاردة الذهن. ثم رفعت رأسها ببطء ونظرت إليّه.
ليونارد أدرك تمامًا مصدر هوسها بفكرة أنْ تكون ذات “قيمة”. كان أصلُ كل ذَلك كامنًا في كراهيتها العميقة لنفسها.
“أنْ أحب نفسي…”
“دوّن أيِّ شروط.”
“دوّن أيِّ شروط.”
كررت كورديليا كلماتهِ بلا وعي، كما لو كانت طفلةً تتعلم الكلام لأول مرة.
بالطبع، مُجرد كلمات لَن تزرع حُب الذات في قلبها على الفور. لكن ذَلك لَمْ يكُن مُهمًا. ما دام سيظل يُخبرها بذَلك حتى تتقبل الأمر تمامًا.
في الحقيقة، ليونارد لَمْ يكُن يطلب منها شيئًا على الإطلاق. منذُ اليوم الذي اختفت فيهٍ كورديليا مع نازازبوت، توقفت حياتُه تمامًا. كان يستيقظُ في الصباح ليجد أنْ مُجرد التنفس مؤلم، وتناول الطعام في الظهيرة كان عذابًا، ولَمْ يعُد يتذكر آخر مرةٍ نام فيها بسلام.
كان أشبهَ بجثةٍ تتنفسُ بلا روح.
لو لَمْ يركع البارون وبيلوتشي أمامهُ، متوسلين أنْ يستعيد وعيّه مِن أجل أتيلي، لرُبما كان قد اختفى في أعماق الجبال ومات جوعًا. أو، في أسوأ الأحوال، رُبما حاول تمزيق ختم نازازبوت، مدمّرًا العالم بأسره.
وفي كلتا الحالتين، كانت النتيجة كارثية.
لهَذا السبب، عندما رأى كورديليا تقفُ وسط حقلٍ مِن الزهور، ظنّ بأنه قد فقد عقله تمامًا. لَمْ يكُن هُناك تفسير آخر.
لكنها كانت حقيقية. كورديليا فاسكويز الحقيقية قد عادت.
وهَذا وحدهُ كان كافيًا بالنسبة له.
أخيرًا، أرخى ليونارد ذراعيهِ التي كانت تطوقها وأمسك بيدها بدلًا مِن ذَلك.
“لنذهب الآن.”
“إلى أين؟”
“إلى جنازتكِ. اليوم هو يوم جنازتكِ.”
“ماذا؟ لا أصدق! كيف تقيمون جنازةً بعد اختفاء شخصٍ لبضعة أيامٍ فقط؟”
اتسعت عينا كورديليا بدهشةٍ، واستدارت بسرعة.
“بضعةُ أيام؟ لقد مر شهرٌ كامل.”
“لقد مر أكثرُ مِن شهرٍ على اختفائي؟ هل طال الوقت لهَذهِ الدرجة؟”
كانت تعتقد أنْ الأمر لَمْ يتعدَ يومًا أو يومين، لكن شهرٌ؟ الآن فقط فهمتُ لماذا كان سيرفيت يُلح عليها للعودة بسرعة.
مر الاثنان عبر الحقل المليء بالزهور ودخلا القلعة البيضاء.
اتضح أنْ المكان لَمْ يكُن سوى لانشا، حيثُ يقع القصر لأتيلي الرئيسي.
عندما رأى الحشد المُتشح بالسواد كورديليا تمسك بيد ليونارد، شهقوا بصدمةٍ لدرجة أنهم كادوا يفقدون وعيّهم.
ركض البارون وبيلوتشي، وحتى جَسيل، نحوها على الفور. وعندما تأكدوا أنها بالفعل كورديليا الحقيقية، أطلقوا صرخات دهشة.
“يا إلهي، يا إلهي!”
“هل أنتِ حقًا كورديليا؟ هل أنتِ على قيد الحياة؟”
“نحنُ سعداء بعودتكِ، سيدة كورديليا.”
حتى كبار أعضاء جمعية السحرة الذين كانوا يحضرون الجنازة نسوا كرامتهم وهرعوا إليّها بفرح غامر.
أما روزنبلور، فَلَمْ يكُن هناك.
أول مَن وصل كان كاينون، وعندما رآها، أجهش بالبكاء.
“يا فتاتي العزيزة، كورديليا… كنتُ واثقًا أنكِ ما زلتِ على قيد الحياة. طبعًا، كيف لابنة تلميذةٍ مُتميزةٍ مثل غريتا أنْ تموت بهَذهِ السهولة؟”
“لقد أصبحتَ عاطفيًا مع تقدمُكَ يالسن.”
وبينما كانت ماتيلدا تُعاتب كاينون، كانت عيناها تلمع بالدموع. سعت بسرعة إلى إخفاء دموعها ومسحتها قبل أنْ تُمسك بيد كورديليا.
“لقد عدتِ بشكلٍ جيد، كورديليا. أنا سعيدةٌ جدًا بعودتكِ.”
“لقد ظننا أنكِ قد مُتِ مع ختم نازازبوت.”
“كيف عدتِ إذًا؟”
“في الواقع، سيرفيت هو مَن ساعدني.”
لَمْ يستطع أولئك الذين ارتدوا ملابس سوداء أنْ يزيلوا أعينهم عن كورديليا. لتجنُب تلكَ النظرات الفضولية، دخلت إلى القلعة. كان الجو هُناك مُشابهًا. كانت رائحة الزهور التي وُضعت في الجنازة قد ملأت المكان حتى كادت أنْ تخنُق الأنفاس.
شرحت كورديليا لِمَن كان على درايةٍ بالأحداث ما الذي حدث لها. وأثناء الشرح، تنهدت ماتيلدا.
“في النهاية، مَن ختم نازازبوت كان سيرفيت.”
“كان ذِلك بتضحيتكِ أنتِ، فَالفضلُ يعود لشجاعتكِ في إتاحة جسمكِ له، فلا تُقللي مِن شأن ما فعلته.”
“نعم. شُكرًا لكَ.”
لو كان ذَلك في الماضي، لكانت كورديليا قد رفضت ذَلك بكُل تواضع، ولكنها الآن كانت قادرةً على تقبُل المديح بصبر.
“ولكن، ماذا حدث للسيد روزنبلور؟”
بدت تعبيّراتُ الوجوه وكأنها ارتبكت، كأنها خالفت مُحرمًا. فَتحركت ماتيلدا الأكثر هدوءًا وقالت:
“لقد كان في حالة غيبوبةٍ لفترة بسبب سُم نازازبوت، لكننا سمعنا مؤخرًا أنهُ قد استفاق.”
“أوه، الحمد لله.”
“إلفينباوم أخذ على عاتقهِ كامل المسؤولية وقرر إغلاق عائلتهِ لمدة جيلٍ كامل. أما إمبلي، فلا يزالُ في المحكمة، لكنهُ سيُعاقب بعقوبةٍ مُشابهة.”
“آه…”
“والآن، لا يُمكننا أنْ نترك هِذا اليوم السعيد يمر دوّن احتفال. أليس كذَلك، أتيلي؟”
قال كاينون مُبتسمًا بينما حاول تغيّر الموضوع. لاحظ ليونارد جُهده هَذا، فاستدعى أحد الخدم.
“أزيلوا الزهور وأحضِروا الطعام. علينا أنْ نُقيّم وليمةَ عظيمة.”
“نعم، سيد.”
أسرع الخدم في التخلُص مِن الزهور التي كانت تُزين القلعة وبدؤوا في إعداد الوليمة. أولئك الذين حضروا الجنازة غيروا ملابسهم السوداء وبدأوا في تناول الطعام والشرب معًا للاحتفال.
استمر الحفل طوال الليل دوّن أنْ تنطفئ الأضواء. أحد الشعراء الذي كان مدعوًا استمع إلى قصتها، ثم نظم قصيدةً ملحمية عنها.
“قتلت الشيطان ذو الشعر الأسود وعادت بشجاعةٍ إلى الحياة. أوه! اسمها فاسكويز. الصقر الأزرق فاسكويز. أنقى سيفٌ في إيرشيه.”
بعض الحضور كانوا يبدو أنهم أعجبوا بالنغمة فبدأوا في ترديدها بأصواتٍ مُنخفضة.
سمعت كورديليا تلكِ الأغنية، وعادت أفكارها إلى والدها. كان مٍن المفترض أنْ يكون اليوم في جنازتها، لكن والدها لَمْ يظهر.
“ماذا حدث لـ فاسكويز؟”
لاحظ ليونارد أنْ استخدام هَذا اللقب البارد كان يعني أنْ كورديليا لَمْ تكُن تحمل أيَّ مشاعرٍ تجاه والدها.
“لقد منعتُه مِن المجيء.”
“حسنًا فعلت. أنا أيضًا لا أرغبُ في رؤيتهِ حيًا أو ميتًا.”
“لقد ذهب فاسكويز إلى المحكمة وأزال اسم دينيس مِن عائلة فاسكويز. والآن، فاسكويز أصبح أنتِ فقط.”
“لا.”
ابتسمت كورديليا ابتسامةً خفيفة وهزّت رأسها.
“أنا الآن سأكون أتيلي. فقدت فاسكويز حق الخلافة الشرعية، ولذَلك ستختفي مِن هَذا العالم.”
“فهمت.”
كان ليونارد على وشك أنْ يسأل إذا كانت ترغبُ في الانتقام، لكنهُ تراجع عن السؤال. بالنسبة لبابلو الذي كان مهووسًا بالدم والأنساب، فإنْ قطع صلتهِ بها بالكامل كان أقسى عقابٍ يُمكن أنْ يُفرض عليه.
فكر ليونارد في الماضي عندما كان يستهين بكورديليا ويعاملها بقسوةٍ بسبب أصلها ودمائها، وكان يعتبر أنْ الانتقام سيكفيه، لكن انقضاضُه على نفسهِ كان هو النهاية التي تُناسبه أكثر مِن أيِّ عقابٍ آخر.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿