أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 148
الفصل 148 : وداعًا يا أبنَتي ⁵
ليس الأمر بأنها لَمْ تكُن خائفة. بل أرادت التوقف عن استخدام السحر والهروب مِن هُنا في الحال.
لكن رؤية الدائرة السحرية الخاصة بالختم وهي تتسلقُ ذراعها زادت مِن خوفها. شعرت برغبةٍ قويةٍ في الفرار، خشية أنْ يتم ختمها مع نازازبوت كما قال.
ومع ذَلك، لَمْ تستطع كورديليا التوقف.
لَمْ يكُن لديها شعورٌ عظيمٌ بالواجب لإنقاذ العالم. بل كان الأمر أشبه بفعل شيءٍ طبيعي مثل الاستيقاظ صباحًا وغسل وجهها.
إذا أوقفت السحر الآن، فَسيفنى نازازبوت وسيفقدُ العالم توازنه. وإنْ حدث ذَلك، فَسيموت الكثير مِن الناس.
فتحت كورديليا عينيها وصبّت كُل قواها في السحر. وكلما زادت قوتها، كلما زادت سرعة الأحرف السحرية في الالتفاف حول نازازبوت وكورديليا.
كان الأمر غريبًا، لكنها ابتسمت قليلًا. أخيرًا، شعرت أنها وجدت فائدةً لوجودها.
“رُبما كنتُ أعيش مِن أجل هَذهِ اللحظة.”
كانت ابنةً عديمة الفائدة لوالدها، وزوجةً غيرَ ضروريةٍ لزوجها. لكن بعد لقائها ليونارد، تغيّرت حياتُها بالكامل.
وضعت قدمها في عالم لَمْ تكُن تعرفُه، وتعلمت السحر الذي ظنّت أنهُ مُستحيل، ووجدت شخصًا تُحبه. وهَذا وحدهُ جعل حياتها ذات معنى.
هدأت مشاعرُها المُتضاربة ببطء. أخرجت الخنجر الذي أعطاهُ لها لوتي وطعنتهُ مُباشرة في صدر نازازبوت. لَمْ يدخُل بسهولةٍ، فَاضطرت إلى استخدام كلتا يديها ودفعهُ بقوةٍ حتى استطاعت إدخالهُ بين أضلاعه.
“كآآآه!”
تلوّى الشيطان مِن الألم. لكن كورديليا لَمْ ترف لها عين واستمرت في التركيز على السحر، مستخدمةً كل طاقتها.
“كورديليا! أتركيه، أتركيهِ حالًا!”
اقترب ليونارد مِن كورديليا وسحب نازازبوت بعيدًا. لكنها كانت قريبةً جدًا منه، فَلَمْ يكُن مِن السهل مهاجمتُه بالسحر.
كان نازازبوت قد فقد بالفعل أكثر مِن نصف شكله، وأصبح كالسائل اللزج، يلتصقُ بذراعي كورديليا وساقيها.
أدرك ليونارد أنْ ذَلك بلا جدوى، فأمسك بكتفيها بدلًا مِن ذَلك.
“توقفي! توقفي عن هَذا السحر!”
“ليونارد.”
“قد يتمُ ختمُكِ معه! توقفي الآن، لنحاول مرةً أخرى، أرجوكِ، أرجوكِ!”
كانت ملامحهُ مليئةً بيأسٍ لا يوصف. لقد أدرك هو الآخر أنْ كورديليا تندفعُ إلى نهايتها مع نازازبوت.
أرادت أنْ ترفع يدها وتلمس خده، لكن ذراعيها لَمْ تعودا تتحركان. كل ما استطاعت فعلهُ هو توديعه بعينيها.
ما الكلمات التي يجبُ أنْ تقولها؟
هل تقول “اعتنِ بنفسكِ”؟ أم “لا تكُن سعيدًا جدًا بدوني”؟ لا، هَذا أنانيٌ جدًا. رُبما “شكرًا لكَ على كل شيء” سيكون الأنسب؟
في تلكَ الأثناء، وصلت الدائرة السحرية إلى صدرها وبدأت تلتفُ حول رقبتها. لَمْ يتبقَ لها سوى القليل مِن الوقت.
“آآآه!”
اخترقت صرخة نازازبوت أذنيها. كان جسدهُ، الذي أصبح أسود اللون، مُحاطًا بالضوء، مِما جعله يبدو ساطعًا بشكلٍ مؤلم.
“لا، لا! كوردليا، لا يمكنكِ الذهاب هكذا! كيف تترك التلميذة معلمها؟”
احتضنها بيدين مُرتجفتين.
كانت كلماته تُشبهه تمامًا حتى النهاية، مِما جعل كورديليا تبتسمُ رغم الموقف. وفي تلكَ اللحظة، وجدت أخيرًا كلمات الوداع المناسبة.
“أحبُكَ. لقد كنتَ خلاصي، النور الوحيد في حياتي البائسة.”
“لَن أسامحكِ أبدًا، لَن…”
رغم أنه قال بإنه لَن يُسامحها، إلا أنْ صوتهُ كان مُبللًا بالدموع.
شعرت كورديليا بندمٍ مُفاجئ. لو كانت قد اعترفت بِمشاعرها في وقتٍ مُبكر ومضت قدمًا، لكانت قد قضت وقتًا أطول معه. لماذا كانت تخشى كثيرًا مُجرد الدماء التي تجري في عروقها؟
لكن الندم، مهما كان مُبكرًا، دائمًا ما يكون متأخرًا.
عانقها ليونارد بقوةٍ وكأنْ قلبه سينفجر، وقال بصوتٍ مُرتجف:
“أحبُكِ، أحبُكِ، كورديليا… لذا، أرجوكِ، مِن أجلي، لمرةٍ واحدةٍ فقط…”
بدأ وعيّها يتلاشى. حاولت رفع رأسها لترى وجه ليونارد مرةً أخرى، لكن تفكيرُها توقف عند ذَلك الحد.
انبثق ضوءٌ هائل مِن جسد كورديليا، الذي كان مُتشابكًا مع نازازبوت. كان قويًا لدرجة أنهُ لَمْ يعًد بإمكان أحدٍ إبقاء عينيهِ مفتوحتين.
ومع ذَلك، لَمْ يُغمض ليونارد عينيهِ، ولَمْ يترُكها. بل شدد ذراعيهّ حولها، عازمًا على عدم الإفلات.
لكن عندما فتح عينيهِ مرةً أخرى، لَمْ يكُن هُناك شيءٌ بين يديه.
***
“مُذهل… مُجرد ظل، ومع ذَلك استطاعت هَذه ِالطفلة استدعائي؟ كم عمركِ؟”
“خمسة عشر عامًا تُعادل يومًا واحدًا. حسنًا، ما اسمُكِ؟”
“أنا لا أبرم عقودًا مع البشر الذين ولدوا بالأمس.”
“جميل.”
“كيف تجرؤين على استدعائي بشكلٍ رسمي؟ هل جُننتِ؟ أنا الشيطان الثاني عشر! مًجرد استدعائي يُسبب خللًا في العالم البشري! بماذا كنتِ تفكرين؟!”
“أنتِ تعرفين الجواب. لعقد اتفاقٍ معي، عليكِ أنْ تُقدم حياتكِ.”
“البشر حمقى.”
“لكنني كنتُ دائمًا أحبُ هَذهِ الحماقة.”
تداخلت الأصوات في رأسها، مُستحوذةً على أفكارها. شعرت بوعيّها، الذي كان غارقًا في الظلام العميق، يرتفعُ ببطء نحو السطح.
في تلكَ اللحظة، هزّ أحدُهم ذراعها بعشوائية.
“… سيرفيت!”
“همم؟”
“بماذا كنتَ تفكر؟ لقد ناديتُكَ عدة مراتٍ ولَمْ تُجب!”
إنها أمي.
شعرت كورديليا أنْ ما تراهُ نابضٌ بالحياة إلى درجةٍ أفقدتها القدرة على الكلام. مدت يدها إلى خد والدتها مُتسائلةً إنْ كانت هَذهِ مُجرد هلوسة.
“ما الأمر؟”
ولدهشتها، لَمْ تمُر يدها عبر غريتا. بل على العكس، فقد مدت غريتا يدها ونقرت جبينها بخفةٍ. كان الإحساس حقيقيًا جدًا، مِما جعلها تستعيدُ وعيّها بالكامل.
“سيرفيت، أنت غريبٌ بعض الشيء اليوم. آه…”
“هل أنتِ بخير؟”
“أوه، لا شيء. مُجرد شعورٌ بضغط في بطني. لكن لماذا تتحدثُ إليّ بهَذهِ الطريقة؟ توقف، هَذا يجعلُني أشعر بالقشعريرة.”
أدركت الآن أنْ بطن غريتا كان مُنتفخًا بسبب الحمل. ومِن خلال مجرى الحديث، أدركت أنها داخل ذكريات سيرفيت.
كانت الصورة التي تتذكرُها كورديليا عن والدتها دائمًا باهتةً وشاحبة، لذا كان مِن الغريب رؤية هَذا الوجه المليء بالحيوية والشباب.
“أشعرُ أنْ موعد ولادتي قد اقترب. لقد فكرتً في عشرة أسماءٍ مُختلفة. تقول القابلة بإنه سيكون صبيًا، لكنني مُتأكدةٌ أنها فتاة. لهَذا، كل الأسماء التي اخترتُها هي أسماءٌ للفتيات.”
“…وما الاسم الذي اخترتهِ؟”
“كورديليا. إنهُ يعني ‘جوهرة البحر’. أليس جميلًا؟”
“هل تُحبين البحر؟”
“نعم. أحبُ لمعانه تحت أشعة الشمس، ورائحتهُ المالحة، والأفق اللامتناهي. أتمنى أنْ تكبُر ابنتي وترى البحر وتشعر بالسعادة.”
“سيحدُث ذَلك بالتأكيد.”
“هاهاها، عندما تقول ذَلك، أشعرُ وكأنه سيصبح حقيقةً.”
قالت غريتا وهي تمسحُ بطنها السفلي بنعومةٍ وكأنها تُغني.
“يا صغيرتي، سنلتقي قريبًا. هل تعرفين كم تُحبكِ أمكِ؟ أحبُكِ أكثر مِن أيِّ شيءٍ في العالم. أحبُكِ جدًا جدًا، بغض النظر عن شكلكِ. حتى لو كان لديكِ أنفان، أو عينٌ واحدة، أو ستةُ أذرع، سأظلُ أحبُكِ.”
كانت محبتُها مُباشرةً لدرجةٍ جعلت كورديليا تشعرُ بالحرج، فَحبست أنفاسها ونظرت إليّها بصمت.
تذكرت كلمات ليونارد:
‘لا يهمُني ما تكونين. سواء كنتِ بلا ذراعين، أو عمياء، أو غيرَ قادرةٍ على المشي، أو لديكِ ثلاثةُ أصابع فقط، أو حتى لو كان يجري في عروقكِ دمُ الشياطين. حتى لو لَمْ تكوني مِن عائلة فاسكويز.’
“يا إلهي، سيرفيت، هل تبكي؟”
نظرت غريتا إليّها بوجهٍ مليء بالدهشة، وأخذت في التوتر، ثم أمسكت بمنديلٍ ومسحت وجنتيها بلطف.
شعرت كورديليا أنْ ذَلك الفراغ الذي اعتقدت بأنهُ لَن يُملأ أبدًا قد امتلأ بالحُب، مِما غمر قلبها بالطُمأنينة. أمسكت بيد غريتا بقوة.
“أنا أيضًا أحبُكِ، أمي.”
“هممم؟ ماذا قُلت؟”
بدأ المشهد بالتحول إلى دوامةٍ. اليد التي كانت تُمسك بها غريتا بدأت تتلاشى تدريجيًا.
حاولت كورديليا حفظ هَذا الشعور بالحُب. حتى لو كان مصيرُها الموت هُنا، أرادت أنْ تأخذ معها حُب والدتها وليونارد.
[استيقظي.]
صوتٌ مألوف أيقظ كورديليا.
شعرت بثقلٍ هائل يضغطُ على صدرها، وكأنه يسحقُها، لكنه سرعان ما اختفى. تمسكت بوعيّها المُتداعي بصعوبةٍ وفتحت عينيها.
“هاه!”
كان أول ما عاد إلى حواسها هو رائحةُ التراب الرطب بفعل المطر. بدأت كورديليا بالسعال بعُنفٍ وهي تُحاول النهوض. مد أحدُهم يده وأمسك بيدها ليُساعدها على الوقوف.
“هل استعدتِ وعيّكِ؟”
“سير… سيرفيت؟”
أول مشهدٍ رأتهُ كان غابةً كثيفة. نظرت حولها، غيرَ قادرةٍ على تحديد موقعها.
هل كانت لا تزال داخل ذكريات شخصٍ آخر؟ أم أنها في العالم الآخر؟ أم رُبما داخل دائرة الختم السحرية التي حُبست فيها مع نازازبوت؟
وكأنْ سيرفيت قرأ أفكارها، ابتسم ابتسامةً خفيفةً وقال:
“لا تقلقي. لَمْ تموتي، ولَمْ يتمَ ختمُكِ.”
“حقًا؟ لكن في اللحظة الأخيرة، كنتُ مع نازازبوت…”
“صحيح. لقد خُتمتما معًا.”
“ماذا؟ ماذا تعني؟ ألَمْ نُختم معًا؟”
عندما بدت كلماتهُ وكأنها تتعارض مع بعضها، نظرت إليّه كورديليا في حيرة.
“أنا مَن خُتم معهُ، وليس أنتِ. لذا يُمكنكِ المًغادرة.”
“ماذا؟! انتظر، ما الذي تقصدُه بذًلك؟”
“بعد أنْ خرجتُ مِن جسد روزنبلور إلفينباوم، كنتُ بداخلكِ طوال الوقت. لَمْ يكُن بإمكانكِ إكمالُ ذَلك الختم السحري بقوتكِ وحدكِ.”
عندما فكرت في الأمر، أدركت أنها، في مرحلةٍ ما، شعرت بقوةٍ هائلة تتدفقُ في جسدها، وكانت قادرةً على استخدام السحر دوّن استنزاف طاقتها. لَمْ تكُن قد أدركت السبب حينها، لكنهُ كان بفضل سيرفيت.
“أنا سعيدٌ جدًا لأنكِ كبرتِ هَكذا. عندما وقعتِ في وهم نازازبوت، كنتُ قلقًا مِن أنكِ قد تنهارين، لكنكِ خرجتِ منهُ بسرعةٍ. لقد أصبحتِ أقوى مِما كنتُ أتصور.”
“إذن، كان ذَلك مُجرد وهمٍ مِن نازازبوت؟”
“نعم. كان يُحاول تحطيم معنوياتكِ لإضعاف الختم.”
“مدّي يدكِ الآن. حان وقت المُغادرة. لا ينبغي لكِ البقاء هُنا طويلًا.”
“وماذا عنك؟”
كان وجه كورديليا مليئًا بالقلق. عندما رآها سيرفيت على هَذا النحو، ابتسم وتحدث بصوتٍ هادئ.
“بما أنني كنتُ البداية، فَمِن الطبيعي أنْ أكون النهاية أيضًا.”
“ألا يُمكننا الخروج معًا؟”
“يجبُ أنْ يبقى شخصٌ عند البوابة. هَذا الختمُ السحري صُمم بهَذهِ الطريقة منذُ البداية.”
كان مُستعدًا للتضحية بنفسهِ منذُ البداية.
شعرت كورديليا أنْ الكلمات قد خانتها ولَمْ تعرف ماذا تقول.
عندما بقيت صامتةً، أمسك سيرفيت يدها وسحبها إليّه. في اللحظة التالية، بدأت قدماها بالارتفاع عن الأرض.
“حان وقت الذهاب، يا أبنَتي.”
“سيرفيت…”
“رغم أنني لَمْ ألدكِ، فقد كنتِ كأبنَتي تمامًا.”
“انتظر! سيرفيت! سيرفيت!”
“أنتِ تستحقين الحًب، فلا تشكّي في ذَلك أبدًا. لستِ بحاجةٍ لإثبات قيمتكِ لأيِّ شخص. أنتِ كما أنتِ كافيةٌ تمامًا.”
حدقت كورديليا بهِ بدهشةٍ. الآن كانت تطفو بالكامل في الهواء، حتى أنها ارتفعت إلى مستوى خصرهِ.
“كوني سعيدة.”
أرخى سيرفيت يدهُ. مدت كورديليا يدها نحوه، لكنها لَمْ تستطع الوصول إليّه.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿