أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 147
الفصل 147 : وداعًا يا أبنَتي ⁴
مُستحيل… هل ماتوا جميعًا؟ متى حدث هَذا؟ لَمْ أسمع أيَّ صوت…
إذًا، هل مُعلمي قد مات أيضًا؟
عندما رأت كورديليا الجُثث المُلقاة أمامها، أصيبت بصدمةٍ شديدة أعاقت تفكيرها، ولَمْ تستطع حتى تكوين جملةٍ كاملة، بل بالكاد لفظت بضع كلماتٍ مُتفرقة مِن بين شفتيها.
“لماذا… كيف… متى؟”
اقتربت ليديا منها ببطء.
بدت ليديا كما كانت أول مرةٍ التقيا فيها—رقيقةً وجميلة. لولا الدم المُتناثر في كل مكان، لكانت كورديليا قد ظنت بأنها تحلُم.
لَمْ تشعر بأنها نازازبوت، لأن الأجواء حولها كانت مُختلفةً تمامًا. رغم كل ما حدث، كان صوتًها الهادئ وابتسامتُها المُشرقة كفيلين بجعلها أجمل امرأةٍ في إيرشيه.
لَمْ تستطع كورديليا السيطرة على جسدها المُرتعش، وأخذت تُدير رأسها بسرعةٍ لدرجة أنْ صوت تحركه كان مسموعًا.
“أنتِ… أنتِ مَن قتلهم جميعًا؟”
“نعم.”
تابعت ليديا سيرها بلا اكتراثٍ وركلت ماتيلدا المُلقاة على الأرض. كان وجهُها المشوّه مغمورًا بالرعب.
“سيدة ماتيلدا!”
كانت وجهُ ماتيلدا مُغطى بالدم مِن نزيف أنفها.
لَمْ تتوقف ليديا عند هَذا الحد، بل انحنت وأمسكت برأس بيلوتشي، لترفعهُ وتُجبره على مواجهة كورديليا.
“هَذا الفارس المغرور.”
“بيلوتشي! بيلوتشي!”
كان سيفٌ ضخمٌ مغروزٌ في صدرهِ. لَمْ يكُن يُدرك موته، فقد بقي فمهُ وعيناهُ مفتوحين جزئيًا.
“الآن، لَمْ يتبقَ سواكِ.”
“لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟!”
أرادت كورديليا أنْ تُهاجم ليديا وتفتكَ بها، اشتعلت بداخلها كراهيةٌ أشبهُ بنيرانٍ تلتهمُ الحشائش الجافة. ومع ذَلك، ضحكت ليديا بصفاءٍ يُشبه رنين الأجراس، دوّن أنْ تهتزّ أمام غضبها.
“لماذا؟ لأنني أكرهُكِ. لَمْ يكفِ أنكِ سلبتِ مني ليو، بل أخذتِ مني كُل شيء أيضًا.”
“أخذتُ منكِ؟ ماذا أخذتُ منكِ؟”
سخرت كورديليا وهي تسألها، ولأول مرةٍ، تشوّهت ابتسامةُ ليديا المثالية.
“بسببكِ، تحطمت حياتي بالكامل! كان مِن المُفترض أنْ أتزوج ليو، لكنكِ ظهرتِ وأفسدتِ كُل شيء!”
“لا تُلقي باللوم على الآخرين. كان لديكِ كُل شيء منذُ البداية—عائلةٌ غنية، جمالْ أخّاذ، وأخٌ مُحب. ومع ذَلك، فقط لأنكِ لَمْ تحصلي على ليونارد، استدعيتِ شيطانًا لتدمير العالم؟ أنتِ السبب الحقيقي وراء كُل هَذا الخراب.”
“أصبحتِ الآن تنادينهِ باسمه، يا ابنة فاسكويز المُحتَضِرة.”
“ماذا؟ كيف تجرؤين؟!”
“لولا ليونارد، لما حلمتِ حتى برؤية العاصمة. فأنتِ مُجرد فأرةٍ ريفية. كيف يُمكن لعائلة فاسكويز، التي تعيشُ على حافة الانهيار، أنْ ترتبط بعائلة أتيلي؟ لو لَمْ يكُن لديكِ هَذهِ الموهبة الملعونة، لما وصلتِ إلى أيِّ مكان.”
كانت كلماتُها الحادة أشد مِما تخيلت كورديليا. لَمْ تكُن تتوقع أنْ هَذا الوجه الهادئ يخفي هَذهِ الأفكار المسمومة.
“وما علاقتُكِ أنتِ بزواجي مِن ليونارد؟”
“وكيف لا يهمُني؟ أنتِ لا تستحقين أنْ تكوني تلميذة أتيلي، ناهيكِ عن أنْ تكوني زوجته! فكرةُ أنكِ قد تأخذين ذَلك المقعد بجانبهُ لا تُطاق!”
“إذن، ما علاقتُكِ بكُل هَذا؟”
توقفت كورديليا فجأةً عن الكلام، وأدركت السبب وراء رد فعل ليديا العنيف.
“أنتِ تغارين مني.”
“يا إلهي، أغار؟ مِن مَن؟”
“استدعيتِ شيطانًا بسبب غيرتكِ مني؟ لو كان الأمر مُجرد كُره، لكنتِ تخلصتِ مني بطرقٍ أخرى. لكن… أوه، فهمتُ الآن. كنتِ تغارين مِن موهبتي، أليس كذَلك؟”
“تخيُلاتٌ سخيفة.”
“أنتِ لا تُنكريم ذَلك.”
أصبحت الصورة واضحةً الآن. لو كان الأمر مًجرد كراهيةٍ لأن كورديليا كانت بجانب ليونارد، لكان هُناك العديد مِن الطرق الأخرى للتخلص منها. لكن ليديا لجأت إلى استدعاء شيطان.
حين فقدت ليديا السيطرة على قواها السحرية، تذكرت كورديليا ما قالته ماتيلدا آنذاك:
‘لا أعرفُ السبب الدقيق الذي جعل ليديا إلفينباوم تعقدُ اتفاقًا مع الشيطان، لكن رُبما يكون بسبب غيرتها منكِ. الغيرة عادةً ما تظهرُ تجاه مَن هو قريبٌ منكِ.’
آنذاك، لَمْ تهتم كورديليا كثيرًا. لَمْ تستطع أنْ تُصدق أنْ ليديا إلفينباوم، صاحبة الجمال والثراء والنفوذ، قد تغارُ منها.
لكن الآن، وهي ترى وجه ليديا المُشوّه بالغيرة، أدركت الحقيقة.
“كل هَذا فقط بسبب غيرتكِ؟ استدعيتِ شيطانًا مِن أجل ذَلك؟ أنتِ مجنونةٌ تمامًا.”
“لا تقولي ‘فقط’! لماذا يجبُ أنْ أشعر بالإهانة بسبب وجودكِ؟ لو كنتِ شخصًا جديرًا بالاحترام، لما شعرتُ بهَذا الشعور!”
شعرت كورديليا أنْ هَذهِ المُحادثة حقيقيةٌ تمامًا. كان هُناك جثثٌ متناثرةٌ على الأرض، لكنها وليديا كانتا تتجادلان حول الغيرة والإحباط.
‘وحتى المشهد يبدو غيرَ واقعي…’
متى غرُبت الشمس؟
بِمُجرد أنْ خطر لها هَذا السؤال، استيقظت كورديليا فجأةً كما لو كان ماءً باردًا قد سُكب على رأسها.
قبل لحظاتٍ فقط، كانت ترسًم دائرةً سحريةً لختم نازازبوت، ولكن أين اختفت تلكَ الدائرة؟
[انهضي الآن.]
سمعت صوتًا غريبًا يترددُ في الفراغ. نظرت كورديليا حولها بفمٍ نصفِ مفتوح.
قبل لحظات، كانت غارقةً في الغضب لرؤية جثث ماتيلدا وفيلوتشي، لكن الآن، تلاشى هَذا الشعور تمامًا، كما لو كان موجةً قد تحطمت ولَمْ تترك أثرًا.
مِن الصعب تقبُل هَذا الواقع باعتبارهِ حقيقيةً، فَهُناك العديد مِن الأمور غيرُ المنطقية. عندها فقط استطاعت كورديليا أنْ تواجه الوضع دوّن أنْ تنجرف مع عواطفها، فَنظرت إلى الأمام مُباشرةً.
“كل هَذا مُجرد وهم، أليس كذلك؟”
“لو لَمْ تكوني موجودةً في هَذا العالم، لما وقعتُ في خداع ماكسيميليان، ولما سلّمتُ نفسي للشيطان. كل شيء بسببكِ. يكفي أنْ تموتي، أنتِ وحدكِ. أنتِ وحدكِ.”
أصبحت ليديا، التي كانت تُلقي باللوم كُله على كورديليا دوّن أيِّ منطق، تبدو بائسةً في نظرها. حتى أنْ هَذهِ المُحادثة العقيمة بدت بلا معنى.
“مُتِ، مُتِ فَحسب!”
كانت ليديا تلّهثُ غاضبةً، ثم اندفعت فجأةً نحو كورديليا، لكن كورديليا حصّنت نفسها بحاجزٍ سحري وأخذت تنظرُ إلى السماء بحثًا عن إجابة.
“هل هَذا مُجرد وهمٍ يعرضهُ الشيطان؟ كيف يُمكنني الخروج مِن هُنا؟”
[يجبُ أنْ تُدركي أولًا أنْ هَذا ليس واقعًا.]
“لقد أدركت ذَلك بالفعل.”
[الأمر مُختلفٌ عن مُجرد معرفة ذِلك بعقلكِ. عليكِ أنْ تؤمني بهِ حقًا.]
كانت مخالب ليديا تندفعُ نحو عُنق كورديليا، لكنها توقفت عند الحاجز. واصلت كورديليا حديثها مع الصوت الذي اشتبهت في أنهُ لسيرفيت.
[ما ترينهُ أمامك مُجرد وهمٍ.]
“أنا أعلم ذَلك.”
[لكن لماذا لا تزالين تضعين الحاجز؟]
بِمُجرد سماعها تلكَ الكلمات، شعرت كورديليا وكأنْ مطرقةً قد سقطت على رأسها. كان كلام سيرفيت صحيحًا. لو كان كُل هَذا مُجرد وهمٍ حقًا، فَلَن يكون هُناك شيءٌ قادرٌ على إيذائها.
ألغت كورديليا الحاجز السحري ووقفت أمام ليديا مُباشرةً، ناظرةً إليّها بثبات.
بِمُجرد أنْ أظهرت كورديليا نفسها دوّن دفاع، لَمْ تُضيع ليديا الفرصة وانقضّت نحو قلبها، أو بالأحرى، حاولت أنْ تغرس مخالبها فيه. لكنها لَمْ تستطع التقدُم أكثر، كما لو كانت هُناك جدارٌ غيرُ مرئي يمنعُها.
سرعان ما بدأت تصدعاتٌ صغيرةٌ بالظهور في الفراغ، تمامًا كمرآةٍ تتحطم.
“مُتِ! مُتِ! مُتِ!”
كانت ليديا ترتعدُ خوفًا وتُحاول بكل جهدها إيذاء كورديليا، لكن كلما زادت مُحاولاتها، كلما تحطم هَذا العالم بسرعةٍ أكبر.
ثم بدأ العالم ينهار تحت قدميها. شعرت كورديليا كأنْ أمعاءها تهوي في الفراغ، فَحاولت التشبُث بشيءٍ ما، وعندها شعرت بيدٍ تُمسك يدها بإحكام.
“… ليا.”
“هاه… هاه…”
“استفيقي! عليكِ أنْ تتحركي الآن!”
بِمُجرد أنْ فتحت عينيها، رأت وجه ماتيلدا. كان يبدو شاحبًا ومرهقًا، لكن مُجرد رؤيتها حيةً كان كافيًا ليُشعر كورديليا بالطمأنينة.
عندما نظرت حولها، رأت ظلال نازازبوت تزدادُ كثافةً حتى غطت الأرض بالكامل. كان الصراخ والدماء يعُمّان المكان.
“أنا… دائرة الختم السحرية…”
“نعم. عليكِ أنْ تُفعّليها ضد نازازبوت.”
أشارت ماتيلدا بيدها إلى جسمٍ أسود بعيد.
في البداية، لَمْ تفهم كورديليا ما كان ذَلك، إذ بدا وكأنه مُجرد سائلٍ أسود يتساقط، ولولا أنْ ماتيلدا أخبرتها لما أدركت أنه نازازبوت.
“كورديليا! الآن!”
كان ذَلك صوت ليونارد. لَمْ يكُن هُناك وقتٌ لتفحص الوضع أكثر، فَسرعان ما صبت كورديليا كل طاقتها السحرية في الدائرة السحرية.
في البداية، عندما كانت تضخُ الطاقة السحرية في الدائرة بعد رسمها، كان الأمر أشبه بسكب ماء في جدولٍ صغير. أما الآن، فقد كانت تصُبّ فيضًا هائلًا، كما لو أنها تلقي بنهرٍ كامل فيها. المُذهل أكثر مِن ذَلك، أنها لَمْ تشعر بأيِّ إجهاد، بل على العكس، كًلما استخدمت المزيد مِن الطاقة، كلما شعرت بقوةٍ أكبر، وعينيها تلمعان بوهجٍ ساطع.
اندلعت عاصفةٌ مِن الطاقة السحرية حولها.
عندما مدت يدها، بدأت الدائرة السحرية، التي كانت تملأ السماء بإحكام، تتقلصً شيئًا فَشيئًا، ثم اندفعت نحو نازازبوت. قد تبدو عبارة “اندفعت” غريبة، لكنها بدت وكأنها تتحركُ بالفعل. كما لو أنْ الأحرف المحفورة في الدائرة امتلكت أرجلًا، فانطلقت نحو نازازبوت راكضة.
“آآآغغغ! أآآه!!”
بدأ نازازبوت يتلوى مُحاولًا الفرار مِن الدائرة السحرية التي تقتربُ منه. فقفزت كورديليا نحوهُ في لمح البصر.
“انتظري، كورديليا! هَذا خطر!”
حاول أحدُهم إيقافها، لكنها شعرت في أعماقها أنْ عليها المُضي قدمًا.
سرعان ما التصقت دائرةُ الختم السحرية برأس نازازبوت وذراعيهِ وساقيه. تدفق سيلٌ هائلٌ مِن الطاقة السحرية مِن قلب كورديليا إلى الخارج.
“كيف تجرؤين! كيف تجرؤ حشرةٌ مثلكِ!”
اندفع نازازبوت نحو كورديليا، والتصقت المادة السوداء بجسدها، فانتشر اللون الأسود بسرعةٍ على ذراعها، مصحوبًا برائحةٍ احتراق.
لكنها لَمْ تُبالِ. لَمْ يكُن هُناك شيءٌ يثير خوفها على الإطلاق.
نظرت إلى الشيطان المُنهار بعينين صافيتين وقالت:
“حان وقتُ لدفعِ ثمن خطاياك. ستبقى محبوسًا في الأبدية، تُعاني عذابًا لا ينتهي.”
“هل تظُنين… ههك… أنني سأذهبُ إلى ذَلك الجحيم بِمُفردي؟”
حشد نازازبوت كل قواه الأخيرة وانقضّ على كورديليا مُتشبثًا بها بإحكام.
كانت الدائرة السحرية تضيقُ حوله أكثر فَأكثر، لكنهُ لَمْ يتوقف عن التشبثُ بها. حاولت كورديليا التخلُص منه، لكنه لَمْ يتركها.
“إنْ سقطتُ في الجحيم، ستسقُطين معي! سنذهبُ معًا إلى ذَلك العذاب الأبدي!”
بدأت أحرُف دائرة الختم السحرية تلتصقُ بيد كورديليا أيضًا.
كان ليونارد أول مَن لاحظ ذَلك، فَصرخ بفزعٍ وهو يركض نحوها.
“لا! لا! كورديليا!”
التفتت كورديليا لتنظُر إليّه، ثم اعادت نظرها إلى الأمام، وأغلقت عينيها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿