أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 146
الفصل 146 : وداعًا يا أبنَتي ³
أول ما وقعَ عليهِ بصرهُ كان وجهَ روزنبلور الشاحب المُلقى على الأرض. كانت شفتاهُ شاحبتين للغاية، إلى درجة أنْ تخيُلاتٍ مخيفة راودتهُ حول احتمالية وفاته.
انحنى ليونارد ووضع إصبعيهِ على عُنقه. لحًسن الحظ، كان نبضُه لا يزال موجودًا.
“بارون.”
لَمْ يكُن صوته عاليًا، لكن البارون اقترب سريعًا مِن سيده وكأنهُ كان ينتظرُ نداءه.
“انقل روزنبلور إلى الخلف. يبدو أنه قد تعرضَ للتسمُم.”
“نعم، فهمت. لكن كُن حذرًا أيضًا.”
“اهتم بنفسك.”
أجابَ ليونارد بلهجةٍ جافةٍ وتجاوزه. ثم وقف أمام نازازبوت، الذي كان يرتجفُ بشدةٍ بينما هو في وضعية الانحناء.
“ليديا إلفينباوم. هل تسمعينني؟”
“…….”
“لا يهُم إنْ كنتِ لا تسمعين. في كل الأحوال، لا أرغبُ في الحديث معكِ. فقط استمعي.”
“…….”
“قلتِ إنكِ تُحبينني، وإنكِ حتى لو لَمْ تكوني بحاجةٍ إلى الحُب، فَمُجرد أنْ تُصبحي زوجتي سيكون كافيًا، وإنه لَن يهُم حتى لو لَمْ أبقَ في المنزل أو كنتُ أملك عشيقةً. في البداية، اعتقد بأنني أفهمكِ. عندما كانت كورديليا تدفعُني بعيدًا، كنتُ أعتقد بأنه لا بأس طالما أنها تبقى بجانبي حتى لو لَمْ تبُادلني الحب.”
رفع نازازبوت ظهره ببطءٍ شديد. كان وجهُ ليديا، الذي كان دائمًا جميلًا، قد امتلأ منذُ زمنٍ بعيد بالشر. والآن، لَمْ يتبقَّ عليهِ سوى الغضب والكراهية. تابع ليونارد حديثهُ.
“لكن بعد التفكير، أدركتُ أن الأمر ليس كذَلك. هل سأكون سعيدًا حقًا لو امتلكتُ كورديليا فقط؟ وهل ستكون كورديليا التي رُبطت بي كالقيدٍ سعيدة؟ رُبما لو استمرت في رفضي حتى النهاية، لكنتُ قد انسحبت.”
“……حُب؟”
“حينها أدركت. أنتِ لا تُحبينني. ما تفعلينهُ ليس حبًا. إنه مُجرد تعلق.”
“اصمت.”
تحولت عينا نازازبوت بالكامل إلى اللون الأزرق. نظرَ إليّه ليونارد بسخريةٍ واضحة.
“أنتِ مُجرد امرأةٍ أنانية تفعل ما يحلو لها. لَمْ تستطيعي التخلي عن شيءٍ لَمْ تحصلي عليه، وانتهى بكِ الأمر بإلقاء نفسكِ في جحيمٍ مِن صنعكِ.”
“أخبرتُكَ أنْ تخرس!”
لوَّح نازازبوت بمخلبهِ المُتبقي على نطاقٍ واسع. ابعد ليونارد رأسهُ للخلف بسهولةٍ لتفاديه.
“كل هَذا بسببكَ! لقد استدعيتُ الشيطان بسببكَ! لَمْ يكُن ينبغي لي أنْ أحُب شخصًا مثلكَ! أنتَ مَن دمر حياتي! لو لَمْ تكُن موجودًا، لو لَمْ أقع في حبُك!”
صرخ نازازبوت بأعلى صوته، ومع مرور الوقت بدأ صوتهُ يبدو وكأنهُ أنين. راح يلوّح بمخلبه الطويل الحاد دوّن تمييز، لكنه كان يتحركُ بشكلٍ أبطأ بكثيرٍ مِن المُعتاد.
بدلًا مِن الرد بالمثل، ابتعد ليونارد قليلًا وراقب فقط مُحاولاتها اليائسة.
“انظري إلى ما فعلتِ، ليديا إلفينباوم.”
“كل هَذا بسببكَ! لو لَمْ تختر كورديليا، لو لَمْ تُعرفني عليها!”
“والآن، حتى أخاكِ قد قتلتهِ بيديكِ.”
“لا! لا! هَذا كله… لا!”
لَمْ يكُن روزنبلور قد فارق الحياة، لكن كلماتُ ليونارد كانت كافيةً لتهزّ عقل نازازبوت بشدةٍ. وضعت يديها على رأسها وضغطت عليه بقوةٍ، ثم بدأت تهزُّه بعُنف، وكأنها تُحاول طرد ليديا… لا، طرد نازازبوت مِن عقلها.
ورغم مظهرهِ الخارجي الهادئ، لَمْ يكُن ليونارد قادرًا على إخفاء توترهِ تمامًا. كان يطأ بقدمهِ ظلّ نازازبوت الأسود، الذي كان يُحاول التوجه نحو كورديليا، ويدمرُه، في حين ظلّ يُراقبها بين الحين والآخر.
لحُسن الحظ، وصل السحرةُ الآخرون في الوقت المُناسب.
“كورديليا!”
كان كاينون أول مَن تعرّف عليها وهرعَ نحوها بسعادةٍ، لكن ماتيلدا أوقفتهُ.
“اصمُت. إنها تُركز الآن.”
“سيد كاينون. سيدة ماتيلدا.”
ابتسمت كورديليا عندما رأت الاثنين. لكنها بدت شاحبةً ومُرهقة، وكانت حباتُ العرق تتصببُ مِن جبهتها، مِما جعلها تبدو ضعيفة.
“يا إلهي. وجهُ كورديليا صار نصفَ حجمهِ.”
“دعكَ مِن الكلام الفارغ، خلفك!”
صرخت ماتيلدا بينما كانت تنظرُ خلف كاينون. مِن دوّن أنْ يلتفت، شدّ قبضتهُ وقطع عُنق الظلّ على الفور.
“همفف. ظننتُ بأنني سألقى حتفي هُنا.”
“يجبُ أنْ نحضر جنازتكَ قبل ذَلك.”
ضحك كاينون بتهورٍ وكأنْ الأمر مُجرد مزحة.
استمرت الظلال تحوم حول كورديليا، لكن ماتيلدا وكاينون وحتى بيلوتشي ظلوا في حالة تأهُبٍ لحمايتها. كان الأمر مُطمئنًا بدرجةٍ كافية لتسمح لنفسها بالتركيز على رسم الدائرة السحرية.
“لقد انتهينا مِن الاستعدادات.”
“بهَذهِ السرعة؟”
“نحنُ مُجرد مساعدين، والأهم هو أنتِ.”
“لقد كدتُ… هاه. انتهي.”
ليس لأن القوة السحرية يُمكن رؤيتها فَهَذا يعني بأنها ستتشكلُ كما تشاء.
يجبُ حساب القوة السحرية وتوزيعها بدقةٍ، ويجبُ رسم الدائرة بحذرٍ، لأن خطأً واحدًا فقط قد يؤدي إلى البدء مِن جديد. وكلما ازدادت تعقيدًا، زادت الحاجة إلى تركيز كورديليا. في النهاية، بالكاد كانت تسمعُ أصوات كاينون وماتيلدا.
الآن، النهاية باتت قريبة.
حتى هي لَمْ تستطع تصديق حجم وتعقيد الدائرة السحرية التي غطت السماء. لو لَمْ تبرم عقدًا مع سيرفيت، لما تمكنت مِن تحقيق هَذا الإنجاز.
“لقد انتهيت.”
أخيرًا، رسمت الخط الأخير. أمسكت بقلبها الذي كان ينبضُ بشدةٍ ونظرت إلى كاينون وماتيلدا بالتناوب.
إذا سارت الأمور كما خُطط لها، فَلَن يكون مِن الصعب ختم نازازبوت وحماية العالم.
“أنْ تتمكني مِن فعل كل هَذا بمفردكِ… كما توقعت، أرغبُ في اختطافك إلى ديدواسيل. ذَلك العبقري بلي نفسهُ لَمْ يصل إلى مستواكِ عندما كان في العشرين مِن عمرهِ.”
تمتم كاينون بذَلك، بينما أطلقت كورديليا ضحكةً وهي تلهث محاولةً تهدئة أنفاسها المكبوتة. كان على وشك أنْ يُربت على كتفها بإعجاب، لكنه تجمد فجأةً عندما رأى شيئًا ما. تتبعت كورديليا نظراتهُ، وبِمُجرد أنْ وقع بصرُها على المشهد، انطلقت منها صرخة.
“مًعلمي!”
اخترقت مخالبُ نازابوت الطويلة ظهر ليونارد. فزعت كورديليا وهمّت بالاندفاع نحوه، لكن كاينون أمسك بها.
“انتظري، كورديليا! لا! علينا أنْ نبدأ الآن. إنْ لَمْ نفعل، فسينتهي كل شيء!”
“لكن مُعلمي، إنه…”
“لَن يسقط بسهولةٍ بسبب هَذا. لذا، ركزي على ختم ذَلك الشيطان الآن.”
“سأذهبُ أنا.”
تقدم بيلوتشي، الذي كان يُراقب بهدوء مِن الخلف، إلى الأمام. ابتلعت كورديليا ريقها بصعوبةٍ ثم أومأت برأسها على مضض.
أشار كاينون إلى السحرة الموجودين خلفهُ، فانطلق شعُاع ضوءٍ ضعيفٍ إلى السماء. بدا واهيًا، وكأنهُ سيخفت في أيِّ لحظةٍ، لكنهُ ما إنْ لامس الدائرة السحرية الهائلة التي رسمتها كورديليا حتى بدأ يكتسبُ قوةً، ليشع ضوءًا ساطعًا.
“كورديليا.”
“سأركز.”
لاحظ كاينون أنْ عينيها تنجرفان باستمرارٍ نحو ليونارد، فأحكم قبضتهُ على كتفيها. عندها، أغلقت كورديليا عينيها تمامًا، إذ أدركت أنه إنْ لَمْ تفعل، فَسينحرف تركيزها ولَن تتمكن مِن أداء مُهمتها كما يجب.
‘نعم، لا يُمكن أنْ يُهزم مُعامي بسهولةٍ على يد ذَلك الشخص.’
بِمُجرد أنْ بدأت بتفعيل السحر، تدفقت كمياتٌ هائلةٌ مِن الطاقة السحرية نحو الدائرة. لَمْ يكُن ذَلك مرئيًا للعين المُجردة، لكن السماء بدأت تتشوه قليلًا.
احتاجت العملية إلى طاقةٍ سحريةٍ أكثرُ مِما توقعت، مِما جعل جسدها يترنح دوّن وعيّ.
‘يُمكنني فعلها. يُمكنني فعلها.’
أغلقت عينيها بإحكامٍ وعضّت على أسنانها بقوة.
لَمْ يكُن هَذا السحر مؤلمًا مثل السحر الذي تعلمتُه سابقًا لفصل الشياطين عن مُضيفيهم، لكنهُ استنزف قدرًا هائلًا مِن طاقتها. رغم مرور وقتٍ طويل، لَمْ تملأ بعد نصفَ الطاقة المطلوبة لإكمال الدائرة السحرية.
“كورديليا، لا تفتحي عينيكِ وواصلي التركيز، مفهوم؟”
“نعم، مفهوم. لكن… هل مُعلمي بخير؟”
“بالطبع، هل نسيتي مَن يكون؟ حسنًا… سألقي نظرةً على الوضع. ماتيلدا ستبقى بجانبكِ.”
اختفت لمسة كاينون عن كتفها، وسرعان ما شعرت بحرارةٍ أخرى وسمعت صوتًا مألوفًا.
“كورديليا، أنا هُنا خلفكِ، لذا لا تقلقي.”
“نعم.”
“وأيضًا… أعتذر لأنني ظننتُ أنكِ شيطانة. كان عليّ أنْ أدرك أنْ غريتا لَمْ تكُن لتفعل شيئًا كهَذا أبدًا، لكنني تسرعتُ في حكمي.”
“ماذا؟ كيف عرفتِ ذَلك، سيدة ماتيلدا؟”
“أبقي عينيكِ مُغمضتين واستمعي فقط. قبل عشرين عامًا، كنتُ أحقق في حادثة الانهيار، وتصادف أنْ تزامن ذَلك مع ولادتكِ. لذا، ظننتُ خطأً أنْ غريتا قد عقدت عقدًا مع شيطان وأنجبت طفلًا غيرَ بشري.”
“لكن هَذا…”
“لكنني كنتُ مخطئةً تمامًا. كما سمعتِ بالفعل، أنتِ ابنةُ الكونت فاسكويز وغريتا. تذكري ذَلك دائمًا.”
“لماذا تخبرينني بهَذا الآن فجأة؟”
“لأنني شعرتُ بأنني يجبُ عليّ ذَلك.”
بِمُجرد أنْ قالت ماتيلدا تلكَ الكلمات، اختفت لمُستها أيضًا.
فجأةً، اجتاح كورديليا شعورٌ جارفٌ بالقلق. كان المكان صامتًا بشكلٍ غيرِ طبيعي، مٍما زاد مِن توترها.
لكنها لَمْ تملأ سوى أكثر مِن نصف الطاقة المطلوبة للدائرة السحرية بقليل.
أرادت فتح عينيها.
كان جهلها بما يجري مِن حولها يُسبب لها اضطرابًا شديدًا. ضغطت أظافرها على راحة يديها بقوةٍ، لدرجة تركت علاماتٍ على جلدها. رغبت بشدةٍ في فتح عينيها لمعرفة ما يجري، لكنها قاومت هَذهِ الرغبة بشق الأنفس.
لا يُمكنها أنْ تُخفق الآن.
القليل بعد.
أصبح المكان هادئًا تمامًا. أدركت كورديليا أنْ جسدها بدأ يرتفعُ قليلًا عن الأرض، لكنها لَمْ تهتم.
كل تركيزها كان مُنصبًا على تفعيل الدائرة السحرية. حتى عندما شعرت بالغثيان الشديد وكأنْ أحشاءها تُعتصر مِن الألم، لَمْ تفتح عينيها.
“كورديليا. مضى وقتٌ طويل، أليس كذَلك؟”
كان صوتًا لَن تنساهُ أبدًا، وبسببهِ، فتحت كورديليا عينيها لا إراديًا.
“ليديا؟”
“كيف حالكِ؟ سمعتُ بأنكِ ستتزوجين مِن ليو؟”
كانت ليديا تقفُ هُناك، مُغطاةً بالدماء.
أسرعت كورديليا في مسح مُحيطها، ثم شهقت مِن الذهول.
ماتيلدا، كاينون، وحتى بيلوتشي—كل مَن تعرفهم كانوا مُلقين على الأرض بلا حراكٍ.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿