أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 145
الفصل 145 : وداعًا يا أبنَتي ²
سُرعان ما هبت رياحٌ قويةٌ كادت تجعلُ الأجساد تهتزُّ بشدةٍ، حتى أنْ الفرسان الأقوياء لَمْ يتمكنوا مِن السير بخطٍ مُستقيم، واضطروا للمشي بشكلٍ مًتعرج للتقدم إلى الأمام.
كان نازازبوت يُحدق في السحب السوداء المُظلمة بوجهٍ غاضب.
تبع ذَلك دويٌّ ثانٍ مِن السماء، وعندما بدأ الخوف يُسيطر عليهم، هرعَ الفرسان المًتبقون لتحريك أقدامهم في تردد.
“لقد وصل أخيرًا.”
تمتم لوتي وهو يسحبُ خنجرًا آخر مِن صدره ويُسلمه إلى كورديليا. استلمت كورديليا الخنجر بحذرٍ وأحكمت قبضتها عليهِ.
“يجبً أنْ نُنهي الأمر بضربةٍ واحدة. لَن تُتاح لنا فرصٌ كثيرة.”
“حسنًا.”
تطاير شعرُ كورديليا بفوضوية بفعل الرياح العاتية، لكنها لَمْ تًحاول ترتيبه بل أخذت نفسًا عميقًا استعدادًا.
جاء الرعدُ الثالث مصحوبًا ببرقٍ ضرب الأرض، غامرًا الأجواء بضوءٍ قويٍ لدرجة أنْ كورديليا لَمْ تستطع فتحَ عينيها، فاستدارت وأغمضتُهما غريزيًا. ضرب البرق مُباشرةً نازازبوت.
“آآآه!”
صرخ نازازبوت بصوتٍ عالٍ. كان تأثيرُ الضربة قويًا لدرجة أنْ البعض قد يظُن بأنهُ مات.
الأفاعي التي كانت تربطُ نازازبوت بإحكامٍ اختفت فجأةً وكأنها تبخرت. وأولئك الفرسان الذين لَمْ يتمكنوا مِن مًغادرة مجال تأثير البرق احترقوا وتحولوا إلى اللون الأسود.
لكن بعد اختفاء الدُخان، ظلّ نازازبوت واقفًا على قدميهِ، رغم أنهُ كان يتمايل. وعلى الجانب الآخر، كان روزنبلور، المعروف الآن باسم سيرفيت، يقفُ بثباتٍ.
عرف نازازبوت هويتهُ وأطلق ضحكةً عميقة وهو يرفعً كتفيهِ ساخرًا.
“ها أنتَ هُنا، تجشمت عناء جرّ جسدكَ الثقيل إلى هَذا المكان. يبدو بأنني أشكل تهديدًا كبيرًا، أليس كذَلك؟”
“رُبما. في بعض الأحيان، يحتاجُ المرء إلى التسلية بصيد الحشرات.”
“حشرات؟ هاهاها. إنْ كانت الحشرة التي تتطلبُ نزول الشيطان الثاني عشر بنفسهِ لإمساكها، فلابُد بأنها مُميزة.”
لِمَن لا يعرفُ الحقيقة، كان المشهد أشبهَ بحوارٍ بين الأخوين ليديا وروزنبلور، لكن في داخلهما أرواحُ شياطين.
“عليكَ أنْ تدفع ثمن الجرائم التي ارتكبتها.”
“هاهاها. جرائم؟ أيُّ جرائم؟ أنا لَمْ أفعل سوى الاستجابة لاستدعاء المُتعاقِد، كما فعلتَ أنتَ منذُ عشرين عامًا.”
كان نازازبوت على درايةٍ بأنْ الشقوق التي فُتحت بين العوالم كانت بسبب سيرفيت.
رغم استفزازات نازازبوت، لَمْ يتغيّر تعبيّرُ سيرفيت بسهولةٍ. كل ما فعلهُ هو مدّ يدهِ كما لو كان يدعو إلى مُصافحة.
“عُد مِن حيثُ أتيت. هَذا المكان ليس لكَ.”
“الآن؟ بعد فوات الأوان؟ هل تعرفُ لماذا لَمْ أقتل كورديليا حتى الآن؟ على الرغم مِن أنني أعلم أنْ عدم تنفيذ العقد سيجعلُني أعاني مِن ألَمٍ فظيع حيثُ تتعفن أمعائي؟”
سعل نازازبوت بشدةٍ وهو ينظرُ إلى كورديليا الواقفة بعيدًا. اتبع سيرفيت نظرتهُ لفترةٍ وجيزة قبل أنْ يعود بتركيزهُ إلى نازازبوت.
“بدلاً مِن ذَلك، كنتً أستطيع قتل المزيد مِن البشر واكتساب قوة أكبر، ومع تلكَ القوة، ومع تلكَ القوة…!”
هزّ نازازبوت جسدهُ بعنفٍ كما لو كان قد فقد صوابهُ، لكن سيرفيت لَمْ يُظهر أيَّ اندهاشٍ مِن كلماته.
“ثم ستستخدمُ تلكَ القوة لتوسيع الشقوق بين العوالم.”
“…ماذا؟ كنتِ تعرفُ ذَلك؟”
“مِن الغريب ألا أعرف، وأنتَ تُظهر نواياكَ بهَذا الوضوح.”
“طالما كنتَ تعرف، فسيكون الحوار أسهل. أنا أنوي توحيد العالمين المُنفصلين ليُصبحا عالمًا واحدًا! أليس هَذا أمرًا رائعًا؟ لماذا يجبُ أنْ يعيش الشياطين والبشر بشكلٍ مُنفصل؟ حماية الشياطين؟ الأمرُ كله لحماية البشر في النهاية. لكنكَ لَن تستطيع تغيّر أيِّ شيءٍ الآن، فقد فات الأوان!”
أطلق نازازبوت ضحكةً مجنونةً قبل أنْ يسقُط على ركبتيهِ ويضعَ يديهِ على الأرض، مُتمتمًا بكلماتٍ غامضة.
بعد لحظاتٍ، بدأ سائلٌ أسودٌ غريب يتصاعدُ مِن الأرض، ويتحول تدريجيًا إلى أشكالٍ بشرية.
“اذهبوا، واقتلوا المزيد!”
انتشرت ظلالٌ لا تُحصى مِن حول نازازبوت في جميع الاتجاهات.
كان سيرفيت يعقدُ حاجبيهِ بينما يقتلُ تلكِ الظلال بعشوائيةِ. ثم صرخ إلى لوتي وكورديليا الواقفتين في الخلف:
“إنهُ ينوي الانتحار!”
“ماذا؟”
“عندما يُنتج هَذا العدد الهائل مِن الظلال دفعةً واحدة، لَن يتحمل جسدُه وسينهار في النهاية. إنهُ يُحاول تفجير نفسهِ!”
لأول مرةٍ، بدت ملامحُ القلق واضحةً في عيني سيرفيت. عندها اندفع ظلّ نحو كورديليا قبل أنْ تتمكن مِن حماية نفسها، لكنهُ انقسم إلى نصفين بشكلٍ نظيف.
“بيلوتشي! متى وصلت؟”
“الآن فقط. قال ماركيز إنجريون بأنني يجبُ أنْ أساعدكِ لأحظى بالفضل.”
“يا إلهي. ما زالوا لَمْ يتخلوا عن الأمر؟”
لَمْ يُجب بيلوتشي، لكنهُ اكتفى بهزّ كتفيهِ بلا مُبالاة. وفي تلكَ اللحظة، سُمع صوتٌ مألوف خلفهم.
“ما العمل الآن؟”
أطل البارون برأسهِ مُتسائلًا. وقبل أنْ تُجيب كورديليا، تدخل سيرفيت.
“يجبُ أنْ نُنفذ الخطة بسرعة. كورديليا.”
“نعم.”
“هل يُمكنكِ فعلها؟”
كانت كورديليا على علم بالفعل بأنْ هدف نازازبوت لَمْ يكُن مُجرد قتل البشر. لذَلك، لَمْ يكًن بإمكانهم قتلُه ببساطة إذا أرادوا منع الكارثة التي كان سيرفيت يخشاها، وهي تلاشي حدود العالم.
لذَلك، اجتمع سيرفيت مع ليونارد وبعض السحرة البشريين لوضع خطةٍ لختم نازازبوت.
“سأحاول. لا، سأفعلُها.”
هزّت كورديليا رأسها بحزمٍ، وأمسكت الخنجر الذي سلمه لها لوتي بقوةٍ.
“حسنًا. إذا قمتِ بما تدربنا عليهِ مُسبقًا، فَسيكون الأمر على ما يرام. لا تقلقي كثيرًا.”
بعد أنْ أبرمت كورديليا العقد مع سيرفيت، أوضح لها بعنايةٍ الأحداث التي ستحدُث في المستقبل وأخبرها بِما يجبُ عليها القيام به.
‘عليكِ أنٌ تخترقي قلب نازابوت بنفسكِ.’
بالطبع، عندما علم ليونارد بالخطة، ثارَ غضبًا بشدة.
في النهاية، كان عقدُ الصفقة مع نازازبوت بذريعة أنهُ كان ينوي إيذاء كورديليا مُجرد كذب . كان الهدف الحقيقي هو ختمَ نازازبوت بشكلٍ دائم، وقد أُسند هَذا الأمر إلى كورديليا لتنفيذهِ بنفسها.
‘لماذا يجبُ أنْ تقوم كورديليا بهَذا العمل الخطير؟ لماذا لا تفعلُ ذِلك بنفسكَ؟’
‘لأنها كانت البداية، لذا يجبُ أنْ تكون النهاية أيضًا بيدها.’
ترك سيرفيت كلماتٍ مُبهمةً قبل أنْ يُغلق شفتيهِ بإحكام، حتى عندما حاول ليونارد الضغط عليهِ بتهديداته.
“سيأتي السيد قريبًا.”
لاحظ البارون توتر كورديليا، فابتسم برفقٍ مُحاولًا تهدئتها.
تعرقت يدُها التي كانت تقبضُ على الخنجر. قبل عامٍ واحدٍ فقط، كانت مُجرد ابنة عائلة فاسكويز التي تزوجت في عائلة أبرامز. كيف أصبحت الآن في موقفٍ عليها فيهِ إنقاذ العالم؟
“أنا ولاوستونيو سنشغًل انتباه نازازبوت، لذا استعدّي.”
“حسنًا.”
ركض سيرفيت مع لوتي باتجاه نازازبوت، وبينما كانا يفعلان ذَلك، لَمْ تتوقف الظلال السوداء عن الظهور.
قام سيرفيت بتمزيق تلكَ الظلال على الفور، ثم أمسك بأحد أظافر نازابوت الطويلة بيدٍ واحدة. كان السُم الذي يُغطي نهاية الظفر يصبغُ كفه باللون الأسود، لكنهُ لَمْ يرمش حتى بعينه.
“لا فائدة. لقد أتممتُ كُل الاستعدادات بالفعل.”
“صحيح. الشيء الوحيد الذي أستطيعُ فعلهُ هو تأخيرُكَ فَحسب.”
كسر سيرفيت الظُفر وألقاهُ على الأرض. نظرَ نازازبوت إلى إصبعهِ المُنحني بشكلٍ غريب، لكنهُ لَمْ يفعل سوى إطلاق ضحكةٍ ساخرة.
أغمض سيرفيت عينيهِ، واستدعى صاحب الجسد الذي كان راقدًا في أعماق المُحيط. فتح الرجُل، الذي كان يُراقب الموقف بأكملهِ، عينيه.
“ليديا.”
“ما الذي تفعلُه؟”
“هل كنتِ بخير؟”
ترنح روزنبلور وسار نحو نازازبوت واحتضنهُ بقوةٍ. حاول نازازبوت الإفلات منهُ وهو يسخر، لكن جسدهُ كان يخرج عن السيطرة بعد أنْ أنتج هِذا الكم الهائل مِن الظلال.
بمعنى آخر، كان مِن الصعب على نازازبوت السيطرة بشكلٍ كامل على روح ليديا.
استجابت أحدى عيني نازازبوت، التي تغيّر لونها إلى الأزرق، لصوت روزنبلور.
“ليديا، هل تتذكرين؟ الكلمات التي قالها والدنا قبل وفاته؟”
“ما الذي تحُاول فعله؟ دعني أذهب!”
“لقد طلب منا أنْ نهتم بكِ، وأنْ نحميكِ.”
“دعني! دعني أذهب!”
كان نازازبوت يُقاوم بكل قوتهِ، لكنهُ رفع يدهُ الأخرى وخدش ظهر روزنبلور بمخالبهِ. انتشر السُم بسرعةٍ، مُحولًا ظهرهُ إلى اللون الأسود.
ومع ذِلك، لَمْ يبدُ أنْ روزنبلور شعرَ بأيِّ ألمٍ. بقيت ملامحهُ هادئةً تمامًا مِن البداية إلى النهاية.
“سأفي بوعدي. لا محالة.”
فجأةً، توهج جسد روزينبلر باللون الأبيض. غمرّ هَذا الضوء جسد نازازبوت بالكامل، وكأنهُ عدوى.
“آه… آه!”
صرخ نازازبوت متألمًا وهو يترنحُ في مكانهِ.
راقبت كورديليا المشهد وقلبُها يخفقُ بشدةٍ، وكأنهُ سينفجر. كانت تلكَ هي الإشارة التي تعني أنْ الوقت قد حان لدخولها في المشهد.
تذكرت في ذهنها دائرة السحر التي تدربت عليها عشرات المرات قبل مجيئها إلى هُنا.
ثم بدأت برسمها بكُل جهدٍ وتركيز، مُستنفذةً كل طاقتها في ذَلك. وكأنْ الظلال التي تُحيط بنازازبوت أدركت نيتها، اندفعت نحوها لتُهاجمها.
“انحني للأسفل!”
صرخ بيلوتشي، فانخفضت كورديليا بسرعةٍ. سيفٌ مزينٌ بالزخارف قطع الظلال المُحيطة بها دفعةً واحدة. وفي تلكَ الأثناء، كان البارون، الذي تحول إلى ماء، يُشتت الظلال ويذُيبها، ليحميها.
لَمْ يكُن هُناك مجالٌ للخطأ. إذا أخفقت، سينهارُ العالم بأكملهِ. تلكَ الفكرة كانت تجعلُ يديها، التي تقبضُ على الخنجر، ترتجفان بلا توقف.
في تلكَ اللحظة، شعرت بكفّ شخصٍ ما بستقر على ظهرها.
“لا بأس.”
“هاه… هاه…”
“يُمكنكِ فعلها.”
لَمْ تكُن بحاجةٍ إلى الالتفات. عرفت مَن صاحبُ الصوت.
شعرت كورديليا بشعورٍ دافئ يغمُرها. التفتت للخلف بينما تكبحُ دموعها.
“أنتِ تلميذتي.”
“مُعلمي.”
“افعلي كما تدربتِ. اهدئي وركزي.”
“حسنًا.”
وجود ليونارد بجانبها كان كافيًا لجعلها تشعرُ بثباتٍ أكبر. وصلت دائرة السحر إلى أكثر مِن نصفها.
قليلًا فقط. قليلًا فقط.
حاولت كورديليا تهدئة نفسها، لكن عندما رأت نازازبوت يُزيح روزنبلور وينهضّ، عاد إليّها شعورها بالاضطراب.
لاحظ ليونارد ذِلك، فِتقدم للأمام.
“سأوقفه. أكملِ الدائرة.”
“أرجوك، كُن حذرًا.”
“مَن الذي يقلقُ على مَن؟”
ترك ليونارد قبلةً خفيفةً على جبين كورديليا، ثم اتجه نحو نازازبوت.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿