أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 144
الفصل 144 : وداعًا يا أبنَتي ¹
نازابوت، الذي كان مليئًا بالحذر، تغيّرت تعابيرهُ عندما رأى وجه كورديليا، وابتسم ابتسامةً غريبة. تلكَ الابتسامة بدت مًتناقضةً للغاية مع ملامح ليديا.
“كورديليا! لقد أتيتِ إلى هُنا حقًا؟ هَذا يُفرحني كثيرًا.”
“مرَّ وقتٌ طويل.”
ألقت كورديليا تحيتها بهدوء. رُبما لاحظ نازازبوت أنْ موقفها تغيّر تمامًا مُقارنةً بالماضي، لذا لَمْ يقترب منها بتهور.
“أين كنتِ كل هَذا الوقت؟ لقد كنتُ أبحثُ عنكِ.”
“كنتُ مشغولةً بتحضيرات الزفاف.”
“الزفاف؟ ستتزوجين؟ مَن؟”
“مع ليونارد. يا ليديا، تعالي واحتفلي معنا.”
تشنجت زاويةُ فم نازازبوت. عيناهُ بقيتا كما هُما، لكن شفتيهِ كانتا ترتعشان بلا هدف. بالكاد تمكن مِن السيطرة على شفتيهِ المُشوهتين وتحدُث.
“هاه… مع مَن…؟ كيفَ تجرؤين؟”
“لماذا؟ ألستِ صديقة ليونارد القديمة؟ كنتً أعتقدُ بأنكِ ستُباركين زواجنا.”
خفضت كورديليا عينيها بنبرةٍ هادئة واستمرت في التحديق في نازازبوت. كان نازازبوت يزدادُ انزعاجًا، وكأنهُ غيرُ قادرٍ على السيطرة على جسدهِ بالكامل.
ظلّت كورديليا تُراقبه بصمتٍ، وكلما طال الوقت زادت توترها. مِن بعيد، ظهرَ رجلٌ ذو شعرٍ رمادي يقتربُ منهما.
“مُباركة؟ تجرؤين أنْ تطلُبي مُباركتي؟ كيفَ تجرئين أنتِ! أنتِ!”
صرخ نازازبوت وهو يضربُ الأرض بقدميهِ. صوتهُ العميق الذي كان يُميز نازازبوت بدأ يتصدع تدريجيًا، وفي النهاية امتزجَ بصوتُ ليديا الناعم والنقي.
أدركت كورديليا بشكلٍ غريزي بأنه يجبُ عليها أنْ تستمر في استفزازه. فوضعت يدها على بطنها السفلي وتحدثت بلا مُبالاة.
“عندما نرزق بطفل، لماذا لا تكونين أنتِ العرابة خاصته؟ سأشعرُ بالاطمئنان إذا فعلتِ ذَلك”
“طفل؟ طفل؟”
الآن أصبحَ الصوتان واضحين. نازازبوت وجهَ نظراتهُ الغاضبة إلى بطن كورديليا السُفلي.
“سأقتُلكِ… سأقتُلكِ بالتأكيد…!”
اندلعت ألسنةُ اللهب حول نازازبوت. كورديليا فتحت عباءتها وغطت وجهها. كانت عباءةً سحرية، فَلَمْ تتركُ فيها النيران أيَّ أثر.
كورديليا أخذت نفسًا عميقًا، وشعرت أنْ جميع قواها السحرية قد اصطفَّت في مكانها. على الرغم مِن أنها تعلمت الكثير بعد عقدها مع ظلّ سيرفيت، فإنْ القدرة على استخدام السحر بهَذهِ السلاسة كانت لا تزال تدُهشها.
“هل هَذا ما يجعلُ الناس يتعاقدون مع الشياطين؟”
ألقى نازازبوت كرةً ناريةً باتجاه كورديليا، وكان صوتها الحارق يُهدد كُل شيء في طريقه. لكن كورديليا ركزت طاقتها السحرية بين راحتي يديها، وخلقت بينهُما عمودًا مائيًا على شكل ثعبان.
“مُتِ!”
قبل أنْ تصل الكرة النارية إليّها، التفَ العمود المائي حولها وحماها. ورغم تكرار الهجمات، لَمْ يًصبها أيٌّ منها.
نازازبوت، مع ذَلك، لَمْ يُظهر أيَّ علاماتٍ على المُفاجأة. فقط ابتسامةٌ غامضةٌ بقيت على وجههِ.
“يبدو بأنكِ أبرمتِ عقدًا مع شيطان. في النهاية، أنتِ مثلي تمامًا.”
“مثلُكِ؟ لا. أنا وأنتِ يا ليديا مُختلفتان تمامًا. مواهبي وقدراتي لا يُمكن مُقارنتُها بقدراتكِ.”
يبدو أنْ هَذهِ الكلمات أثارت غضب نازازبوت. تغيّرت عينهُ اليمنى إلى اللون الأزرق. شدّت كورديليا عضلات بطنها وصاحت.
“الآن!”
مِن مسافةٍ ليست ببعيدة، قفز لوتي بكُل ما لديهِ، قفزةً لا يُمكن للبشر العاديين تحقيقُها.
كان يحملُ خنجرًا أسود، وطعنَ بهِ ظهرَ نازازبوت مُباشرةً.
“آه…!”
لحُسن الحظ، كانت الضربةً موفقة، وغُرس الخنجر في مركز ظهرِ نازازبوت. بدأ جسدهُ يرتعشُ بشدةٍ، وكأنهُ يتعرض لنوبة.
على الرغم مِن أنْ الجُرح كان قاتلًا، إلا أنْ كورديليا ولوتي لَمْ يتوقعا موت الشيطان بسهولةٍ. لذَلك، لَمْ يسحب لوتي الخنجر، بل توجه إلى كورديليا.
“يبدو أنْ السحر الذي يفصلُ بين الشيطان والمُضيف لا يزال يعمل.”
“نعم. يبدو أنْ السيدة ماتيلدا تقوم بعملٍ جيد. رؤية صوت ليديا وعينيها يظهران بهَذا الشكل يعني بأنها قد اقتربت.”
“عملٌ جيد. كُل ما علينا فعلُه الآن هو كسبُ الوقت حتى يصل ظلُ سيرفيت.”
“هل تعتقد أنه إذا استفزيناها أكثر، قد تعودُ روح ليديا بالكامل؟”
“لا أعتقدُ ذَلك. بِمُجرد أنْ يُسيطر الشيطان على الروح بالكامل، لا يُمكن للمضيف أنْ يظهر مُجددًا مهما حدث.”
“فهمت. لقد توقعتُ ذَلك.”
رغم معرفتها بذَلك، إلا أنْ كورديليا لَمْ تستطع منع نفسها مِن الأمل عندما رأت رد فعل نازازبوت وعينهِ التي تحولت إلى اللون الأزرق.
بصراحةٍ، لَمْ يعُد يهمها إنْ ماتت ليديا أم لا. لكنها أرادت أنْ تتحدث معها مرةً واحدةً أخيرة، وبوضوح، لتُنهي كل الحقد الذي علقَ في قلبها. الكلمات القاسية التي سمعتها مِن روزنبلور لَمْ تكُن كافيةً لحل كُل شيء.
انتهى الحديث عند هَذا الحد. رغم أنْ خنجرًا كان مغروسًا في ظهرهِ، إلا أنْ ابتسامة نازازبوت لَمْ تختفِ. وقف مُجددًا وأطال أظافرهُ الطويلة، التي كانت سلاحهُ المُفضل.
“سأمزقُكِ إلى أشلاء وأبتلعُكِ قطعةً قطعة.”
“بهَذهِ القوة؟”
كانت كورديليا هي مَن بادرت بالهجوم هَذهِ المرة. في الماضي، كان مِن الصعب عليها حتى استخدام تعويذة حمايةٍ واحدة، لكنها الآن، بِمُجرد رفع يديها، شعرت بفيضٍ مِن الطاقة يملأ صدرها. مع زفيرٍ واحد، أسقطت صاعقةٍ على رأس الشيطان.
نزلت الصواعق مِن السماء الصافية.
لكن نازازبوت لَمْ يكُن ليقف مكتوف الأيدي. تهربَ مِن الصواعق وأطلقَ أظافرهً باتجاه كورديليا ولوتي. لَمْ تعًد أظافرهُ مُجرد أسلحةٍ حادة؛ كُل ما تلمسُه الآن يتحللُ بسرعة.
“هَذا سُم.”
كان لوتي أول مَن أدرك ذَلك وأعطى تنبيهًا لكورديليا.
بينما كانت كورديليا تواجهُ الوضع الخطير بتركيزٍ عالٍ لجمع قوتها السحرية، ظهر فرسانٌ يقتربون مِن بعيد. كانت هَذهِ المنطقة تشهدُ ضرباتٍ مُتكررةً مِن الصواعق التي أطلقتها كورديليا، مِما جعلها خطيرة.
“لا تقتربوا!”
صرخت كورديليا بصوتٍ عالٍ لتحذيرهم، لكن الفرسان توقفوا للحظةٍ ثم ساروا بشجاعةٍ نحو التل المليء بالصواعق.
“هَذا مًزعج.”
في النهاية، توقفت كورديليا عن استخدام السحر لأنها لَمْ تكُن تُريد إيذاء أيِّ شخصٍ بريء. بِمُجرد أنْ توقفت الصواعق، هجم نازازبوت على لوتي.
لوتي، الذي حصل على قوةٍ بفضل سيرفيت، أصبح أقوى بكثيرٍ مِما كان عليهِ عندما كان في هيئة كلب، مِما جعلهُ قادرًا على مواجهة نازازبوت إلى حدٍ ما.
“إنهم فرسان إينغريون.”
مِن الشارات المرسومة بعنايةٍ على أكتاف الفرسان، حيثً كانت عبارةً عن طيورٍ وفروع شجرة الموران، أدركت كورديليا انتماءهم على الفور.
كانوا تابعين لعائلة بيلوتشي. عَبُست كورديليا وهي تتذكرُ جيدًا كيف انتهت علاقتُها معهم في الماضي.
“جئنا للمُساعدة.”
“إذا ابتعدتم عن هَذا المكان، فَستكون تلكَ أعظم مُساعدةٍ تُقدمونها لي.”
حاولت كورديليا التحدًث بلطفٍ قدر الإمكان، لكن كلماتُها لَمْ تُحقق التأثير المطلوب. بدا أنْ الفارس ذو الشعر البُني في المُقدمة لاحظ ضيقها مِن نبرة صوتها، فتقلصت حواجبهُ وهو يقول:
“أرجو ألا تتجاهلي نوايانا الحسنة.”
“ما أقصدهُ هو… آه، ألَمْ يُخبركم الدوق أتيلي بشأن ما يحدُث هُنا؟ نحنُ نحاول إبقاء الشيطان في مكانٍ واحد.”
“سمعنا أنْ الدوق قد وصل، لكن…”
كانت إجابتُه تعني أنهم توجهوا نحو المنطقة دوّن تفكير. أمسكت كورديليا رأسها الذي بدأ يؤلمها، وقالت للفارس:
“أنا أقدر نواياكم، ولكن أرجو أنْ تتركوا هَذا الأمر لي وتركزوا جهودكم في مكانٍ آخر.”
“لا، سنُساعدكِ.”
يا إلهي، هَذا مُزعجٌ جدًا.
للإبقاء على نازازبوت مُحاصرًا، كان يجبُ استخدام صواعق بشكلٍ مُتكرر لدفعهِ إلى نقطةٍ مُحددة، لكن حماية أكثر مِن عشرةِ فرسانٍ أثناء القيام بذِلك كانت مُهمةً شُبه مُستحيلة.
في الخلف، كان ماركيز إينغريون يعتلي حصانهً الأسود بهيبةٍ، وإلى جانبهِ كانت الدوقة ساراسين تعبُس وهي تقول شيئًا ما.
في تلكَ اللحظة، أدركت كورديليا لماذا أرسل الماركيز فرسانًا لَمْ يًطلب وجودهم.
“حتى في ساحة المعركة، لا يزالون يُمارسون السياسة.”
كان واضحًا أنْ الماركيز يُحاول استغلال الوضع. إذا فشلوا، فسوف تُلقى المسؤولية على كورديليا، وإذا نجحوا، فسوف يشاركونها في النصر.
“حسنًا. افعلوا ما يحلو لكم.”
بعد أنْ فهمت نوايا الماركيز، عزمت كورديليا أمرها وفركت راحتي يديها بقوةٍ. هَذهِ المرة، خرجت خمسةً أفاعٍ مِن بين يديها في آنٍ واحد.
“لوتي!”
بِمُجرد أنْ نادت كورديليا اسمه، فهم لوتي ما تُريده. تحرك لوتي جانبًا لفتح الطريق. اندفعت الأفاعي الخمسة عبرَ الطريق نحو نازازبوت.
“هل تعتقدين أنْ هَذا يكفي؟!”
التفّت الأفاعي حول جسد نازازبوت بإحكامٍ. لكنهً ضحك بسخريةٍ وحرّك ذراعيهِ للتخلُص منها. ومع ذَلك، استمرت الأفاعي في العودة إليّه والتشبُث بقدميهِ، مِما أجبرتهُ على التوقف.
بدأت الغيوم تتجمعُ بسرعة في السماء.
فهمت كورديليا الإشارة على الفور وتراجعت بسرعةٍ إلى الخلف. صرخت نحو الفرسان الذين كانوا واقفين مُترددين:
“اهربوا! بسرعة!”
كان لوتي قد انسحب بالفعل لمسافةٍ بعيدة. لَمْ تًكرر كورديليا التحذير. ركضت في الاتجاه المعاكس، تاركةً نازازبوت خلفها. وبعد لحظةٍ مِن التردد، تبعها بعض الفرسان.
في غضون لحظاتٍ، أظلّمت السماء، وسُمع دوّيٌ هائل كأنهُ يُعلن عن شقاق الأرض. ولكن كان هَذا مُجرد البداية.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿