أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 143
الفصل 143 : سيرفيت وغريتا ⁹
“مَن تكون؟”
كان ليونارد أول مَن أدرك أنْ هًناك شيئًا غريبًا بشأن روزنبلور. بفضل الوقت الطويل الذي قضاهُ معه، تمكن بسرعةٍ مِن ملاحظة التغيّر الدقيق.
أخفى ليونارد كورديليا خلفهُ بسرعة، ونظر إلى روزنبلور بعينين مملوءتين بالشك.
“أنا ظلُّ سيرفيت.”
“ظل؟ لحظة، انتظر. إذن ماذا عن السيد روزنبلور؟”
تذكرت كورديليا فجأةً تشيلسي، التي التهمها نازازبوت وأدى ذَلك إلى موتها. لَمْ تكُن لتتحمل رؤية روزنبلور يلقى نفس المصير بعد أنْ لقيت ليديا ذَلك.
خرجت كورديليا مِن خلف ليونارد واقتربت مِن روزنبلور، أو بالأحرى سيرفيت.
“إذا كنتِ تتحدثين عن صاحب هَذا الجسد، فلا تقلقي. لقد استأذنتُ واستعرتُ جسده بموافقتهِ.”
“سمعتُ أنْ المُضيف إذا خضع لسيطرة شيطان فإنهُ لا يعود أبدًا.”
“في الحالات العادية، هَذا صحيح. لكنني لَمْ أسيطر بالكامل على هَذا الجسد. روحهُ لا تزال موجودةً في الأعماق.”
شعرت كورديليا بالاطمئنان قليلاً وهي تستمعُ إلى صوت سيرفيت الهادئ.
“لكن لماذا اخترت جسد السيد روزنبلور تحديدًا؟ هل لأنهُ ساحرٌ قوي؟”
“أراد أنْ يُنهي كُل شيءٍ بيدهِ بعد أنْ قتل شقيقته. رأيتُ أنْ جسدهُ مناسبٌ لمساعدتكِ. وأيضًا…”
“……”
“قال بإنهُ لا يُمانع الموت.”
فقدت كورديليا الكلمات للحظة. كانت تُدرك جيدًا أنْ روزنبلور قد وصل إلى نقطةٍ لا رجعة فيها، لكنها لَمْ تكًن تتخيل أنه يحمل هَذا القرار في قلبهِ. شعرت بشيءٍ مِن الحُزن يتسلل إلى قلبها.
“حسنًا، تعالي. لنُبرم العقد أولاً. لديكِ الكثيرُ لتفعليه.”
“ومَن سمح لكَ بذِلك؟”
عندما مد سيرفيت يدهُ نحو كورديليا، تدخل ليونارد فجأةً وأمسك يدها، وسحبها نحوه.
“لا أعرفُ مَن تكون، لكن كورديليا ستكون زوجتي قريبًا. لا تُحاول فرض إرادتكَ عليها. ولماذا يجبُ على كورديليا أنْ تقتُل نازازبوت؟”
“لا أرى سببًا يجعلُني أشرحُ ذَلك لكَ.”
رغم أنْ نبرة سيرفيت كانت هادئة، إلا أنْ نظرتهً إلى ليونارد كانت باردةً بشكلٍ ملحوظ مُقارنةً بما كانت عليهِ قبل لحظات. بالطبع، لَمْ يكُن ليونارد مِن النوع الذي يتراجعُ بسهولةٍ.
“إنْ كنتَ لا تستطيع حتى أنْ تشرح، فكيفَ ستقتُل شيطانًا؟”
“لستُ مضطرًا لإقناعكَ.”
“كورديليا مبتدئةٌ في السحر ولَمْ تُكمل سوى عامٍ واحدٍ فقط في تعليمها. ما الذي ستفعلُه بها في مواجهة الشيطان؟ إذا كنتَ تُريد قتل نازازبوت، فاستخدم هَذا الجسد الذي استحوذتَ عليهِ. على ما يبدو، المُشكلة بدأت بكَ انتَ مِن الأساس، أليس كذَلك؟”
“أنتَ!”
لأول مرةٍ، تبدل تعبيّرُ سيرفيت الهادئ وظهرت عليهِ علاماتُ الإنزعاج. أما كورديليا، التي كانت تقفُ بينهما، فَلَم تعرف ماذا تفعل سوى النظر إليّهما بالتناوب. ومع أنْ ملامح سيرفيت بدأت تُصبح أكثرَ برودة، فإنْ ليونارد لَمْ يتراجع ولو للحظة.
“أجل، أنتَ. ما فائدةُ كونكَ الشيطان الثاني عشر أو الثالث عشر إذا كنتَ لا تستطيعُ حتى إصلاح ما تسببتَ فيهِ. قُم بحل مشاكلكَ بنفسكَ، ولا ترميها على عاتق زوجتي المُستقبلية.”
“هل تعرفُ ما هي شروط عقد نازازبوت؟”
“كيف ليّ أنْ أعرف؟”
“قتلُ كورديليا. لقد طلبَ المُتعاقد مِن نازازبوت أنْ يُمزق جسدها إربًا.”
“……”
هَذهِ المرة، التزم ليونارد الصمت. أغمض سيرفيت عينيهِ بِبطء ثم فتحهُما، ناظرًا إلى الاثنين بنظرةٍ خاليةٍ مِن أيِّ غموض.
“إذا كان الأمر يتعلقُ بالشيطان، فلا بُد مِن تنفيذ شروط العقد. هَذا أشبهُ بقانونٍ محفور في العظام، ولا يُمكن تجاهُله. صحيحٌ أنْ نازازبوت مشغولٌ الآن بقتل البشر، لكنهُ قريبًا سيبحثُ عن كورديليا وسيسعى لقتلها.”
“طالما كنتُ بجانبها، فَلَن يحدًث شيء…”
“دائمًا؟ في كُل لحظة؟ ماذا لو هاجمها وهي نائمة؟ ماذا لو ظهر أثناء غيابكَ عن القصر لبعض الوقت؟”
تقدم سيرفيت خطوةً نحوهم. كانت حركةً صغيرة، لكنها حملت ضغطًا أشبه بمواجهة عملاق. بدا أنْ ليونارد شعر بشيءٍ مُشابه، إذ عبُس قليلًا.
“تذكر أنْ غروركَ قد يتسببُ في خسارتكَ لكورديليا إلى الأبد.”
“إذن، ما الذي تريدُ فعلهُ بالتحديد؟”
“رغم أنني مُجرد ظلّ، إذا أبرمتَ عقدًا معي، ستتمكنُ كورديليا مِن استخدام قوتي. وهَذا سيُمكنها مِن حماية نفسها وقتل نازازبوت.”
لَمْ يرفض ليونارد الأمرَ بشكلٍ قاطع كما فعل في البداية، بل ظل صامتًا وهو يغرقُ في التفكير.
كان يعلمُ بالفعل أنْ ظل نازازبوت قد هاجم كورديليا في قلعة إيمبلي. في تلكَ اللحظة، كان روزنبلور لحُسن الحظ بجانبها. ولكن ماذا لو لَمْ يكُن هُناك أحد؟ شعر ليونارد بالرُعب مِن مُجرد التفكير.
تقدمت كورديليا التي كانت صامتةً طوال الوقت إلى الأمام.
“ما الثمن الذي يجبُ عليَّ دفعهُ لإبرام عقدٍ معك؟”
“لا شيء.”
“لا شيء؟”
“لقد دفعت غريتا الثمن بالفعل.”
كانت على وشك أنْ تسأل عن المقصود، لكنها ابتلعت كلماتها.
“هيا، امسكي بيدي.”
مدّ سيرفيت يدهُ مُجددًا نحو كورديليا. قبل أنْ تُمسك بيده، أمسكت يد ليونارد أولاً وضغطت عليها بشدةٍ. عندما نظرت إليّهِ، رأت شعورًا غامضًا منِ الذنب يرتسمُ على وجههِ.
“لا تقلق. سأكون بخير.”
“لو كنتُ أقوى بِما يكفي، لما اضطررتِ إلى الانخراط في هَذا الأمر مِن الأساس.”
“لا تقُل ذَلك. رُبما كل هَذا كان قدَرًا. أنْ تعقد أمٌ لا تستطيعُ إنجاب الأطفال عقدًا مع سيرفيت لتلدني، وأنْ يظهر نازازبوت مِن خلال الثغرة التي حدثت في تلكَ العملية. بما أنْ البداية كانت أنا، فإنْ النهاية ستكون بيدي أيضًا.”
نظرَ ليونارد إلى كورديليا بنظرةٍ مُختلفةٍ فجأة.
وتذكر اللحظة التي التقى بها لأول مرة. كورديليا التي قدمت لهُ أوراق الطلاق بنظرةٍ مُتزعزعة وكأنها ستتحطمُ عند أقل لمسة.
لَمْ يمضِ عامٌ واحد منذُ ذَلك الوقت عندما كانت تبكي وتقول بإنها تمتلكُ كرامةً أيضًا، فَمتى أصبحت قويةً إلى هَذا الحد؟
قبض على يدها بإحكام وقال:
“عندما نقتل نازازبوت، لنتزوج.”
“حسنًا. حينها سيكون فستان الزفاف قد اكتمل.”
ابتسمت كورديليا ابتسامةً مُشرقة. أخرج ليونارد علبةً صغيرة فيها الخاتم الذي كان يحتفظُ بهِ دائمًا.
“كنتُ أخطط لطلب يدكِ بشكلٍ صحيح، لكن لا أستطيعُ الانتظار. كورديليا، هل تقبلين أنْ تتزوجيني؟”
“أليس مِن المفترض أنْ تجثو على ركبةٍ واحدةٍ على الأقل؟”
تدخل سيرفيت، الذي كان يُراقب كُل شيء بجانبهم، بتعليقٍ بسيط. نظرَ ليونارد إليّهِ بنظرةٍ غيرِ راضيةٍ قبل أنْ يتردد قليلاً ويجثو على إحدى ركبتيهِ.
“كورديليا، هل تقبلين الزواج بي؟ لا، مِن فضلكِ تزوجيني.”
لَمْ تعرف لماذا أرادت أنْ تضحك، رُبما بسبب تلعثُمهِ غيرِ المُعتاد أو استخدامهِ أسلوبًا مُحترمًا لَمْ يكُن يليقُ بهِ. نظرت كورديليا إلى الخاتم البراق الذي قدمهُ لها، ثم مدت يدها.
” إلبِسنِي إياهُ ، مِن فضلكَ.”
كانت قد تخيلت هَذا المشهد عندما كانت طفلة.
قرأت العديد مِن المرات عن الأمير في القصص الخيالية الذي يقعُ في حُب الأميرة مِن النظرة الأولى ويطلبُ يدها. وكانت تأمل بشدةٍ أنْ يأتي هَذا اليوم لها أيضًا. لكنها أدركت، مِن خلال زواجها الأول، مدى اختلاف الواقع عن تلكَ القصص الخيالية.
وضع ليونارد بحذرٍ الخاتم في إصبعِها الرابع. لَمْ تستطع كورديليا أنْ تُبعد عينيها عن الخاتم. لَمْ يكُن هُناك زهورٌ مُبهجة أو أنغامٌ موسيقيةٌ جميلة كما في القصص الخيالية، لكن هَذا كان كافيًا لها.
أوقفت ليونارد الذي كان جاثيًا على ركبتهِ واحتضنتهُ بشدةٍ. شعرت وكأنْ نبعًا جافًا كان يمتلئ بالماء مرةً أخرى.
“هل أخبرتُكَ كم أحبُكَ؟”
“لا، قوليها مُجددًا.”
“إذا طلبتَ مني عينًا، سأسألُكَ كم واحدةٍ تُريد. وإذا طلبتَ قلبي، سأقدمُ لكَ سكينًا لِتشُقَّ صدري بنفسكَ. وإذا طلبتَ قدمي، سأسألُكَ أيَّ قدمٍ تُريد.”
“لا أعتقدُ بأنني سأطلبُ منكِ أبدًا أيَّ شيءٍ مِن هَذا القبيل.”
تمتم ليونارد وكأنهُ لا يُصدق ما يسمع. ومع ذَلك، بدا أنْ هَذا الاعتراف القاسي قد راق لهُ، حيثُ لَمْ يُخفف مِن قوة احتضانهِ لها.
“كورديليا.”
قال سيرفيت بهدوءٍ وهو يُراقب الحبيبين لفترةٍ طويلة. خرجت كورديليا مِن بين ذراعي ليونارد ووقفت أمام سيرفيت.
“أنا مُستعدة.”
“إذن، أمسكِ بيدي.”
مد سيرفيت يدهُ للمرة الثالثة. أخذت كورديليا نفسًا عميقًا ثم أمسكت بيده.
***
“إلى هَذا الاتجاه! قودوهُ إلى هنُا!”
“آاااه!”
كانت الدماء والصراخ تملأ المكان. نازازبوت كان يتحركُ بحريةٍ كسمكةٍ في الماء، ينشرُ القتل والدمار أينما ذهب.
كان وجهُ الدوقة ساراسين، ديانا، التي كانت تُراقب المشهد عن بُعد، مليئًا بالقلق.
“قُتل مائتا جُندي في يومٍ واحد، وما زال قويًا إلى هَذا الحد.”
“يبدو أنْ ما قالهُ دوق أتيلي صحيح. كلما قتلَ المزيد مِن البشر، زادت قوتهُ. لا أريدُ أنْ أصدق هَذا، لكن يبدو بأنهُ الحقيقة…”
تنهد نائبُها بخفةٍ، وكتم بقية كلماتهِ.
في البداية، ظنوا أنْ الأمر مُجرد ظهور شيطانٍ واحد، لكن الأضرارُ أصبحت هائلةً إلى درجةٍ يصعُب حصرُها. بات عديمَ الفائدة حتى مُحاولة عدِ الضحايا.
لَمْ يخطُر ببالهم أنهُم سيضطرون لتشكيل فرقة إبادةٍ رابعة.
“متى سيصلُ الدوق أتيلي؟”
“قال بإنهُ سيصل قريبًا.”
شعرت ديانا بالارتياح عند سماع كلمات نائبها. على الأقل، مع وجود ليونارد، ستنخفضُ خسائر الجنود بشكلٍ ملحوظ.
في تلكَ اللحظة، سقطت صواعقُ برقٍ فجأةً بجانب نازازبوت. على الرغم مِن أنْ السماء كانت صافيةً دوّن أيِّ غيمة، إلا أنْ البرق سقط مِن العدم، مِما أصاب الناس بالذُعر وأجبرهم على الفرار في كل الاتجاهات.
“هل وصل الدوق أتيلي بالفعل؟”
ظهر شخصٌ يرتدي عباءةً رمادية فجأةً على قمة التلة. رفع يدهُ نحو السماء، فَسقطت صاعقةُ أخرى فوق رأس نازازبوت.
صرخ نازازبوت، الذي بالكاد تفادى الصاعقة، بغضب.
“مَن أنتَ!”
تطايرت العباءة بفعل الرياح، وكشفت عن كورديليا التي وقفت بثباتٍ على قدميها، تواجهُ نازازبوت مُباشرةً.
*بالنسبة لـ لوتي الكلبة الرمادية ، في الفصول الأولى من الرواية تم توضيح بأنها أنثى وطوال الرواية كانوا يشيرون لها بانها كلبة انثى ، لكن الآن فجأة أصبحت ذكر عندنا تجسدت كـ بشري*
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿