أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 142
الفصل 142 : سيرفيت وغريتا ⁸
“أنا… لكن، لماذا أنا بالتحديد؟ لَمْ يمضِ سوى عامٌ واحد منذُ بدأتُ بتعلم السحر. يبدو أنْ القضاء على نازازبوت أمرٌ في غاية الأهمية، ألا ينبغي أنْ تُوكَل المُهمة لشخصٍ أكثرَ مهارةٍ مني؟ آه، ليس لأني لا أريدُ القيام بذَلك، بل لأنني أخشى الفشل فقط…”
عندما بدأت كورديليا بالكلام بقلقٍ وتوتر، رسم سيرفيت ابتسامةً دافئة.
“هَذا عملٌ لا يُمكن أنْ يقوم بهِ سواكِ.”
“أنا فقط؟”
“نعم، لأنكِ تُشبهينني.”
عندما سمعت تلكَ الكلمات، شعرت بشعورٍ غريب.
لماذا طلبت والدتُها أنْ تكون عينا كورديليا مُماثلتين لعيني سيرفيت؟ مِن المؤكد بأنها كانت تعلمُ أنْ ذَلك سيكون سببًا للخلاف.
هل كانت تحملُ مشاعر خاصةً تجاه سيرفيت؟ أم أنْ الأمر لَمْ يكُن سوى عقدٍ لإنجاب طفل؟ بعد أنْ تجسست كورديليا على ذكريات الاثنين، اجتاحتها مشاعرٌ مُعقدة.
“عليكِ أنْ تُسرعي قدر الإمكان. التصدُعات في العالم تتسعُ تدريجيًا.”
“التصدُعات؟ ماذا سيحدُث إذا لَمْ أقتل نازازبوت؟”
“لَن تكون هُناك مشكلةٌ كبيرةٌ في البداية. لكن نازازبوت يكتسب قوتهُ مِن الطاقة البشرية. بعد ظهورهِ، قتل عددًا كبيرًا مِن البشر، لذا مِن المُحتمل أنْ تكون قوتهُ الآن قد أصبحت خارجةً عن السيطرة. هَذا هو السبب في تكوينهِ للظلالٍ بهَذهِ الكثرة.”
“هل تزدادُ قوة نازازبوت بمرور الوقت؟ إلى الأبد؟”
“لو كان الأمرُ كذَلك، لكان الوضع أفضل مِن الآن. لكن بناءً على تصرفاتهِ الحالية، يبدو أنْ نهايتهُ ليست بعيدة.”
“إذا كان سينتهي بنفسهِ قريبًا… ألا يُمكننا فقط الانتظار حتى يموت؟”
“المُشكلة هي ما ستُسببه قوتهُ الخارجة عن السيطرة. إذا مات فجأةً دوّن تدخل، فإنهُ سيؤدي إلى انهيارٍ كبير، ولَن يستطيع هَذا العالم المُتصدع تحمُله.”
تابع سيرفيت شرحهُ بلطف وكأنهُ يشرحً لطفل، لكن محتوى كلامه كان مُرعبًا.
“بالطبع، لَن يؤدي ذَلك وحدهُ إلى دمار العالم. لكن انهيارُ الحدود بين عالم الشياطين والعالم البشري سيتسببُ في ظهور الشياطين هُنا أو انتقال البشر إلى هُناك بشكلٍ عشوائي.”
“سيُصبح العالم في حالة فوضى كبيرة، إذن.”
“بالضبط.”
كورديليا، التي كانت تعتقدُ أنْ الأمر مُجرد شيطانٍ واحد ينزل ليقتُل البشر، أدركت أنْ الوضع أخطر بكثيرٍ مِما ظنت.
“سأترك ظلاً مِن ظلالي، ويُمكنكِ عقدُ اتفاقٍ معه. أعتقدُ بأنكِ قادرةٌ على استغلال قوة الظل بالكامل. لَمْ يعُد بإمكاني التدخل مُباشرةً في هَذا العالم. حتى مُجرد ظهوري في حُلمك يؤثر على استقرار هَذا العالم.”
وقف سيرفيت مُستعدًا للرحيل، وعندما لاحظت كورديليا ذَلك، وقفت بدورها.
“هل ستُغادر الآن؟”
“نعم. على أيِّ حال، ستلتقين بي مُجددًا مِن خلال الظل. إلى اللقاء حينها.”
ودعها بكلماتٍ قصيرة، وما إنْ التفتت كورديليا نحو النافذة الضبابية للحظة حتى أصبح سيرفيت شفافًا، ثم تلاشى تمامًا بعدما أغلقت وفتحت عينيها.
عندها همس شخصٌ ما في أذنها:
[حان وقت العودة.]
ضربةٌ قوية شعرت بها وكأنها تهزُّ أحشاءها، تبعها شعورٌ بالغثيان دفعها لتغطيةِ فمها. بدا وكأنْ شخصًا ما كان يُمسك بذراعها ويقذفها في الهواء.
عندما طالت هَذهِ الحالة إلى حد الإرباك، فتحت كورديليا عينيها.
“هل استعدتِ وعيّكِ؟”
“مَن… كخ. مِن أنتَ؟”
عندما استعادت وعيها، رأت رجُلاً غريبًا يقفُ أمامها، ويمدُ يدهً نحوها وهي مُلقاةٌ على الأرض.
“لَمْ تتعرفي عليّ لأن شكلي تغيّر؟ تبًا. ينقصُكِ الكثير مِن التمرين.”
كان أسلوبهُ في الكلام غريبًا لكنهُ مألوف. تذكرت كورديليا فورًا صاحب هَذا الأسلوب.
“هل يُمكن أنْ تكون… لوتي؟”
“بالضبط. سمح لي السير سيرفيت بالبقاء بجانبكِ في هيئة إنسان إلى أنْ تقضي على نازازبوت. يبدو أنْ هيئتي الأصلية تفرضُ بعض القيود.”
لَمْ تسمع كورديليا مِن قبل عن كلبٍ يتحول إلى إنسان، لكن جسدهُ النحيل وشعرهُ الرمادي الفوضوي كانا يُشيران بوضوحٍ إلى أنهُ لوتي. أمسكت بيدهِ ونهضت، محاولةً تهدئة مشاعرها المُشتتة.
“ما الذي يجبُ أنْ أفعله الآن؟”
“عليكِ أولاً أنْ تعقدي اتفاقًا مع ظلّ السيد سيرفيت لتحصُلي عاى قوتهِ. هَذهِ طريقة غيرُ تقليدية، لكنها الوحيدة لاستغلال قوتهِ دوّن التأثيرٍ على هَذا العالم.”
“هل يُمكن عقدُ اتفاقٍ مع ظلّ شيطان، وليس مع الشيطان نفسه؟”
“بالنسبة للشياطين العادية، هَذا مُستحيل. لكن السيد سيرفيت قويٌ بما يكفي لأن تكوّن قوة ظلهِ هائلة.”
“وأين هو هَذا الظل؟”
“سيأتي قريبًا…”
بينما كان لوتي يحكُ رأسه، فُتح الباب فجأةً دوّن سابق إنذار. في هَذا القصر، لَمْ يكُن هُناك سوى شخصٌ واحد يُمكنهً فعلُ ذَلك، فابتسمت كورديليا على الفور.
“مُعلمي!”
“يبدو بأنكِ لَمْ تعتادي على مُناداتي باسمي بعد.”
بِمُجرد أنْ رأى ليونارد كورديليا، احتضنها بشدةٍ. على الرغم مِن أنه لَمْ يُمضِ سوى بضع ساعات منذُ أنْ كانا معًا، كان يتصرفُ وكأنهُ لَمْ يرها منذُ أيام. دفنت كورديليا وجهها في صدرهِ ولفت ذراعيها حول خصره.
“أعطني بعض الوقت.”
“أعطيتُكِ. ثلاث ساعات.”
“يا إلهي.”
“قوّمي بذَلك قبل الزفاف. على أيِّ حال، مَن هَذا؟ خادمٌ جديد؟”
لاحظ ليونارد أخيرًا لوتي الذي كان يقفُ في الزاوية، وراح ينظرُ إليّه مِن رأسهِ حتى أخمص قدميه. تقدم لوتي خطوةً إلى الأمام ووقف مُعتدلاً واضعًا يديهِ على وركيه.
“أنا الكارثة الخامسة لجيلاندني، لاوستونيو. هل تتذكرُني؟ لقد التقينا سابقًا وتبادلنا التحيات.”
عندما سمع ليونارد كلامهُ، لَمْ يُظهر أيَّ دهشةٍ، بل اكتفى بتحريك حاجبهِ قليلاً.
“آه، ذَلك الكلب؟ ولكن كيف تحولتَ إلى هيئة إنسان؟”
“قال السيد سيرفيت إنْ هَذا سيكون أكثرَ سهولةٍ لحماية كورديليا.”
“ومَن هو سيرفيت هَذا؟”
“آه، في الحقيقة…”
بدت القيود التي فرضها سيرفيت وكأنها قد أُزيلت، مِما سمح لكورديليا بشرح ما حدث لها. وبينما كان ليونارد يُصغي بصمت إلى حديثها، قطبَ جبينهً فجأةً عند ذكر ‘ضرورة القضاء على نازازبوت.’
“أيُّ هراءٍ هَذا؟ حتى فرقةُ صيد الشياطين، التي تضمُ أقوى السحرة، تُعاني مِن إصاباتٍ خطيرة، فَكيف لكِ أنْ تقتُلي نازازبوت؟”
“سيكون الأمر على ما يرام إذا عقدت اتفاقًا مع ظلّ السيد سيرفيت. بالإضافة إلى أنْ الظلّ سيُقاتل نازازبوت معكِ أيضًا.”
تدخل لوتي بنبرةٍ هادئة ويداهُ خلف ظهرهِ. عندها توهجت عينا ليونارد.
“سيكون الأمر على ما يرام؟ أتريدُني أنْ أرسل كورديليا إلى ذَلك الميدان الدموي اعتمادًا على هَذا الكلام؟ هل تظُن بأنني سأسمحُ بذَلك؟”
رغم توقع هَذهِ الردود، كانت معارضةُ ليونارد أشدّ مِما ظنوا. ظل يُعبر عن رفضهِ بشكلٍ صاخب، مُكررًا عبارة ‘مستحيل’ مرارًا.
في النهاية، توقف لوتي عن الكلام واكتفى بالنظر إلى كورديليا وكأنهُ يطلبُ منها التصرف.
“لوتي، هل يُمكنكَ أنْ تترُكنا وحدنا؟”
“هممم.”
هزّ لوتي كتفيهِ وغادر الغرفة. أمسكت كورديليا بيد ليونارد وأجلستهُ على الأريكة.
“هل عدت مِن القصر الملكي بخير؟”
“لَن أسمح بذَلك مهما قُلتِ. تعلمين مدى خطورة الأمر. لقد التقيتِ بهِ بنفسكِ.”
“ما سببُ زيارتكِ اليوم؟”
“وعديني بأنكِ لَن تذهبي إلى هًناك.”
“ليونارد.”
“……”
صمت فجأةً. ليس هَذا فقط، بل حتى تعبيّرً وجههِ الغاضب تجمد للحظة. أصبحت عيناهُ متوترةً وكأنه تحول إلى دميةٍ خشبية. وجدت كورديليا هِذا التصرًف لطيفًا وضحكت بصوتٍ عالٍ.
“كان يجبُ أنْ أناديكِ باسمكَ منذً البداية. ليونارد. ليونارد. يبدو جميلًا.”
“هل تعتقدين أنْ هَذا سيجعلًني أوافق؟”
قال ليونارد وهو يُحدق بها مًمسكًا بيدها بإحكامٍ. لكنها اكتفت بالابتسام بهدوء.
“نازازبوت استطاع النزول إلى هَذا العالم لأن والدتي تعاقدت مع سيرفيت.”
“ماذا تقصدين؟”
أخبرتهُ كورديليا بِما أظهرهُ لها سيرفيت مِن ذكريات الماضي وما حدث بينهُ وبين غريتا.
“مًجرد أنني وُلدتُ بسبب التضحية بحياة والدتي، وأيضًا كوني سببًا في احتمال انهيار هَذا العالم، يجعلُني أشعرُ بالثقل.”
“هِذا ليس ذنبكِ أو مسؤوليتكِ. أنتِ مًجرد شخصٍ وُلد. لا يحقُ لأحدٍ أنْ يُحمّلكِ هَذا العبء.”
“أعلم ذَلك. لكنني أنا مَن يعرفً الحقيقة.”
كانت نظرتُها مليئةً بالعزم. هزّ ليونارد رأسهُ مرةً أخرى.
“لا تحتاجين للمًخاطرة بنفسكِ. اليوم، تم تشكيلُ فرقةٍ الصيد الرابعة. حتى ساراسين أحضرت جميع قواتها. هَذهِ المرة، سيتمُ القضاء على نازازبوت بالتأكيد.”
“قال سيرفيت بإنهُ يزدادُ قوةً كُلما قتل البشر. أليس كذَلك؟”
لَمْ يرُد ليونارد، لكن صمتُه كان كافيًا لتأكيد كلامها.
“لستُ أقول بإنني سأذهب لقتل نازازبوت غدًا. هَذا مًستحيلٍ بالطبع.”
“حسنًا، سأشارك في فرقة الصيد. ابقي أنتِ هُنا.”
“لو كان بِمقدور البشر القضاء على نازازبوت، لما اختارني سيرفيت مِن الأساس.”
تسببت كلماتُ كورديليا المنطقية في توقف ليونارد قليلًا قبل أنْ يُعارضها مُجددًا.
“أتُريدين مني أنْ أثق بكلام شيطانٍ لَمْ تريهِ سوى مرةٍ واحدة؟ رُبما كان يستغلُكِ.”
“قد يكون ذَلك صحيحًا. لكن الحقيقة هي أنني على قيد الحياة الآن بفضل سيرفيت.”
لَمْ تكُن المُحادثة شجارًا، لكنها لَمْ تكُن حوارًا عاديًا أيضًا. لَمْ تكُن كورديليا تتوقع أنْ يقتنع ليونارد ويوافق مُباشرةً، ولَمْ تشعر بخيبة أمل. بل كانت مُتأكدةً أنها لو كانت في مكانهِ، لتصرفت بالطريقة ذاتها.
كسر الصمت صوتُ طرقٍ مُهذب على الباب.
“لقد وصل الماركيز إلفينباوم.”
“لماذا أتى روزنبلور إلى هُنا؟ لَمْ يمضِ وقتٌ طويل منذُ غادرنا القصر. أدخله.”
وقف ليونارد مِن مكانه، ووقفت كورديليا خلفهُ لاستقبال الضيف. بعد لحظاتٍ، فُتح الباب وظهر وجهٌ مألوف.
“ما سببُ عودتكَ مُجددًا؟”
“مرحبًا، السيد روزنبلور.”
“أخبرتُكِ ألا تًنادي باسمي.”
“لكني الآن أنادي ليونارد باسمهِ، أليس كذَلك؟”
“ناديني أنا فقط.”
أثناء مُشاهدتهما يتجادلان، ضحك روزينبلر.
“إذن، أنتَ زوجُ كورديليا؟”
كانت نبرتهُ مألوفةً لكنها غريبة. حولت كورديليا نظرها مِن ليونارد إلى روزنبلور.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿