أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 141
الفصل 141 : سيرفيت وغريتا ⁷
كان صوتهُ وهو ينادي اسم والدتها مليئًا باللطف، مِما جعل مِن الصعب اعتبار العلاقة بينهما مًجرد علاقةٍ تعاقُدية بسيطة. لَمْ تستطع كورديليا كبحَ فضولها.
“هل العلاقة بين الشياطين والمُتعاقدين تكون وديةً بهَذا الشكل عادة؟”
بالنظر إلى ليونارد وكاندياس، لَمْ يكُن يبدو أنْ هُناك أيَّ مودةٍ بينهما. ولكن بِما أنْ معرفتها بالشياطين تقتصرً على ذَلك، فقد يكون الوضع مًختلفًا مع الآخرين.
“حسنًا، علاقتي مع غريتا تعتبرُ خاصةً نوعًا ما. غريتا… همم، إلى أيِّ مدى تعلمين بالأمر؟”
رغم أنْ السؤال بدا غامضًا، إلا أنْ كورديليا أدركت فورًا ما كان يقصدًه.
“أعلم فقط أنْ والدتي كانت تواجه صعوبة ًفي إنجاب الأطفال، وأنها تعاقدت معكَ مِن أجل أنْ تُنجبني.”
“إذًا، علي أنْ أشرح لكِ الأمر مِن البداية.”
رفع سيرفيت أصابعهُ البيضاء والطويلة وربّت بخفةٍ على جبين كورديليا. كانت اللمسة بالكاد محسوسةً، وكأنْ فراشةً هبطت على جبينها، لكن كورديليا شعرت بفقدان توازنها وكادت تسقًط.
لَمْ يكُن الأمر مؤلمًا، لكن شعورًا يُشبه السقوط مِن مكانٍ مرتفع جعل أحشاءها تنقبض، وكان ذَلك الإحساس الغريب كافيًا لجعلها تصرخ.
عندما استعادت وعيّها ونظرت إلى الأمام، كانت المناظر أمامها قد تغيّرت فجأةً. كانت في الغرفة منذُ لحظات، لكنها الآن تجدُ نفسها في غابة.
نظرت كورديليا حولها بارتباكٍ. لحًسن الحظ، رأت سيرفيت يقفُ على مسافةٍ قريبة.
“سيـ… سيرفيت…!”
كانت على وشك الركض نحوه، لكنها توقفت فجأةً. كانت هُناك امرأةٌ ذات وجهٍ مألوف تقفُ أمام سيرفيت مُرتجفة.
“يا إلهي، شـ… شيطان… هييكك. لقد استدعيتُ شيطانًا.”
“مُثيرٌ للدهشة. مُجرد ظلٍ بسيط، ومع ذَلك تمكنت هَذهِ الطفلة الصغيرة مِن استدعائي. كم عمرُكِ؟”
“خـ… خمسة عشر.”
“يا للعجب. خمسة عشر عامًا يعني أنكِ قد وُلدتِ بالأمس.”
“خمسة عشر عامًا تعني أنني قد وُلدتُ قبل خمسة عشر عامًا. يبدو بأنكَ ضعيفٌ في الحساب.”
رغم أنها كانت ترتجف بشدة ولَمْ تستطع حتى النظر إليّه، إلا أنْ المرأة فجأةً قامت بتصحيح خطأه في الحساب بوجهٍ جاد. مِما جعل سيرفيت ينفجرُ ضاحكًا.
“بالنسبة لي، خمسة عشر عامًا تُعادل يومًا واحدًا. حسنًا، ما اسمُكِ؟”
“غريتا. غريتا مانسون.”
“أمي…”
اتسعت عينا كورديليا بعدما تأكدت مِن هوية المرأة. غريتا، التي كانت أصغر منها الآن، لَمْ تكُن قادرةً على النظر إلى سيرفيت بشكلٍ مُباشر.
بينما كانت كورديليا ترمشُ عدة مراتٍ، اختفى الاثنان مِن أمامها.
وتغيّرت المشاهد مرةً أخرى، حيثُ وجدت نفسها في مكتبةٍ مُظلّمة. كانت غريتا جالسةً على بساط، مًستندةً إلى رف كتب، ويدُها المُتسخة بالحبر تُمسك بكتابٍ ثقيل. بجانبها، كما لو كان وجودهُ طبيعيًا، كان سيرفيت.
“لو علمت السيدة ماتيلدا أنني استدعيتُ شيطانًا، ستكون مذهولةً بهَذا.”
“الأمر ليس كذَلك. لَمْ تستدعيني رسميًا، فقط كنتِ على نفس التردد معي، لذا تمكنا مِن التحدث.”
“إذًا، تعاقد معي. لا بد بأنكَ شيطانٌ قويٌ للغاية، أليس كذَلك؟”
غريتا، التي بدت أكثر نضجًا بعض الشيء، كانت تنظرُ إلى سيرفيت بعينين لامعتين كأنهما نجمتان. لكنهُ اكتفى بالنظر إليّها بتعبيرٍ غامض قبل أنْ يدفع جبينها برفقٍ بإصبعهِ.
“أنا لا أتعاقدُ مع البشر الذين ولدوا بالأمس.”
“أنا الآن في السابعة عشرة. وُلدتُ قبل سبعة عشر عامًا كما قلتُ سابقًا.”
نفخت غريتا وجنتيها بامتعاضٍ. بينما اكتفى سيرفيت بالابتسام.
“هَذا أفضلُ لكِ. في الوضع الطبيعي، كان مِن المُستحيل أنْ أتحدث معكِ بهَذا الشكل.”
“أنتَ تظهرُ أمامي فقط، لذا أشعرُ وكأنني أتحدثُ إلى شبح. لو استدعيتُكَ بشكلٍ صحيح، كنتُ سأفخرُ بكَ أمام السيدة ماتيلدا.”
بعد مشاهدة هَذا المشهد، أدركت كورديليا أنها تُشاهد لحظاتٍ مِن الماضي.
وتغيّر المشهد مرةً أخرى.
“زواج؟”
“نعم. والدي قال بإنهُ حان الوقت للتوقف عن اللعب بالسحر والزواج. ويعتقدُ بأنني قد أنجزتُ ما يكفي…”
كانت عينا غريتا مًنتفختين مِن البكاء. مدّ سيرفيت يدهُ بحذرٍ ومسح دموعها عن خدها المُبلل. لكنها، وسط دموعها الغزيرة التي جعلّت رؤيتها ضبابية، لَمْ تتمكن مِن رؤية تعبيّره.
“تزوجيني…”
“مـ… ماذا قُلت؟”
“لا شيء.”
مِن مكانها كـ مراقبةٍ ثالثة، شعرت كورديليا بأنها ترى بوضوحٍ المشاعر الدقيقة التي كانت في تلكَ اللحظة. لكن قبل أنْ تتمكن مِن تأكيد حقيقتها، تغيّرت المشاهد مرةً أخرى.
“ما رأيُكَ؟ هل يُناسبني؟”
“جميلة.”
كانت غريتا مُذهلةً بجمالها في فستان زفافها. بينما كانت الغرفة مملوءةً برائحة الزهور، شعر سيرفيت بالاختناق لكنهُ ابتسم مِن أجلها.
“هل أنتِ سعيدة؟”
“نعم. أعتقدُ أنْ بابلو شخصٌ جيد. لقد أخبرني بأنهُ لا يُمانع عدم قدرتي على الإنجاب. قال إنْ وجودي فقط يكفيه.”
“هَذا جيد.”
لَمْ يكُن واضحًا إذا كان يقصدُ سعادتها أم زواجها بشخصٍ جيد. كان سيرفيت يُراقب غريتا وهي تسيرُ في ممر الزفاف بصمت.
هَذهِ المرة، كان المشهد مليئًا بالواقعية. صوت المطر والرعد كان يضربُ أذني كورديليا. الأرض الرطبة تحت قدميها كانت تهتزُّ قليلاً. رغم معرفتها بأنها مُجرد ذكرى، إلا أنْ كورديليا شعرت بالخوف ونظرت حولها.
كان سيرفيت يُمسك بكتفي غريتا بقوةٍ ويصرخ. كان وجههُ غاضبًا بطريقةٍ لَمْ ترها كورديليا مِن قبل.
“أنْ تستدعيني رسميًا، هل فقدتِ عقلكِ؟ أنا الشيطان الثاني عشر. مُجرد استدعائي يتسببُ في حدوث شقوقٍ في العالم البشري. ما الذي كنتِ تفكرين فيه؟”
“تعاقد معي.”
“لا تُثرثري بالهراء.”
“أرجوك، تعاقد معي، سيرفيت.”
رفض سيرفيت طلب غريتا بوجهٍ أكثر برودًا مِن أيِّ وقتٍ مضى. عندها بدأت غريتا ترتجفُ وتكبحُ دموعها وهي تُحرك شفتيها المرتجفتين.
“أريدُ أنْ أنجب طفلًا مِن بابلو.”
“…..”
“إذا أنجبت ُطفلًا، سيعود إليّ مرةً أخرى.”
“…غريتا.”
نظرّ سيرفيت إلى غريتا بعينين تحملان مشاعر مُعقدة، وقد خفت حدةُ صوتهِ مُقارنةً بما كان عليهِ منذُ لحظات.
“سيدة غريتا!”
مِن الجهة الأخرى، كانت لأني تُنادي غريتا بلهفةٍ. نظرت غريتا إلى ذَلك الاتجاه للحظة، ثم أمسكت بذراع سيرفيت بإحكام.
“سيرفيت، تعاقد معي. أريدُ حقًا أنْ أنجب طفلًا.”
“أنتِ تعلمين أنْ التعاقُد معي يتطلبُ حياتكِ.”
“لا يهمُني.”
“لا يهمُكِ؟ أتقولين بأنْ ذَلك لا يهمُكِ؟ كيف يمكنكِ أنْ تقولي ذَلك الآن؟!”
رغم أنها كانت مُجرد ذكرى، شعرت كورديليا برغبةٍ جامحة في الركض لمنع والدتها. لَمْ تكُن تريدُ أنْ تولد على حساب حياة والدتها.
لكن مهما مدت يدها، لَمْ تستطع لمس والدتها في تلكَ الذكرى.
“البشر حقًا حمقى.”
صرخ سيرفيت بصوتٍ غيرِ مُعتادٍ عليه، لكنهُ سرعان ما استعاد أنفاسهُ وأطلق تنهيدةً غيرَ مفهومة. ثم همس وهو يبعدُ خصلات الشعر المُبتلة عن خد غريتا الذي كان مُبللًا إما بماء المطر و بالدموع.
“ولكنني دائمًا ما أحبُ ذَلك.”
ما إنْ انتهى مِن كلامهِ حتى انفجر ضوءٌ قوي. كان الضوء ساطعًا لدرجة أنْ كورديليا لَمْ تستطع فتحَ عينيها أو النظر للأمام. رفعت ذراعيها لتُغطي عينيها مُنتظرةً اختفاء الضوء.
أخيرًا، هدأ كُل شيء.
فتحت عينيها لتجد نفسها في منزل أتيلي، جالسةً أمام سيرفيت. بدت كُل تلكَ الأحداث كأنها حُلم.
“لماذا تبكين؟”
“أنا؟”
تلمست كورديليا وجهها المُرتبك ووجدتهُ مُبللًا بالدموع. تردد سيرفيت للحظةٍ قبل أنْ يُخرج مِن جيبهِ منديلًا ويقدمهُ لها.
“تفضلي، امسحي دموعكِ.”
أخذت المنديل وترددت لبعض الوقت. كان لديها الكثير مِن الأسئلة، لكنها لِمْ تعرف مِن أين تبدأ. فَتجاوزت ما شاهدتهُ وسألت السؤال الأكثر بساطة.
“كنتُ أظُن بأنني نصفُ إنسان ونصف شيطان.”
“لا يُمكن للإنسان والشيطان أنْ يكونا معًا.”
بدت كلماتُ سيرفيت وكأنها موجهةٌ لنفسهِ أكثرُ مِما كانت موجهةً لها. وبينما كانت كورديليا تنظرُ إلى عينيهِ الخضراوين، مسحت دموعها بالمنديل الذي أعطاهُ إياها.
“لكن عينيّ لا تُشبهان عيني والدتي أو والدي. بل تًشبه عينيكَ.”
“حين كانت غريتا تحملُكِ، طلبت أنْ تكون عيناكِ مثل عيناي.”
“لماذا؟”
“لا أدري. لَمْ أسألها عن السبب.”
شعرت كورديليا أنْ تعبيّرهُ بدا حزينًا، لذا لَمْ تطرح عليهِ مزيدًا مِن الأسئلة حول ذَلك.
“رُبما بسبب تأثيري عليها أثناء حملها، يُمكن أنْ يكون لديكِ القدرة على رؤية الطاقة السحرية. كنتُ بجانب غريتا طوال فترة الحمل. لكن لا تقلقي، أنتِ إنسانةٌ كاملة. فقط تملكين موهبةً خاصة.”
“هاه؟ كيف عرفت بأنني أستطيعُ رؤية الطاقة السحرية؟”
“كنتُ أعرف ذَلك منذُ لحظة ولادتكِ، كورديليا.”
حركت كورديليا شفتيها كما لو أنها تُريد قول شيء.
هل أحببتَ أمي؟ وهل أحبتكَ أمي؟
لكن قبل أنْ تتمكن مِن النُطق، وكأنهُ يقرأ أفكارها ويتجنبُ الإجابة، غيرَ سيرفيت الموضوع.
“السبب الذي جعلني أدعوكِ هُنا هو نازازبوت. لا يًمكنني أنْ أسمح لهُ بمواصلة جنونهِ، لذا يجبً أنْ أتصرف. سمعتِ عن السبب مِن لاوستونيو، أليس كذَلك؟”
شعرت بالدهشة للحظة قبل أنْ تتذكر أنْ لاوستونيو هو الاسم الحقيقي لروتي.
“لقد أنقذت حياتي، لذا سأساعدكِ بالتأكيد. لكن لديّ سؤال.”
“كيف يُمكنكِ مواجهة نازازبوت، أليس كذَلك؟”
“لا، لماذا تتحمل عناء القضاء عليهِ بنفسك؟ الأمرُ ليس خطأك.”
بدا أنه لَمْ يتوقع هَذا السؤال، فِتوقف قليلاً قبل أنْ يتحدث.
“في الحقيقة، نازازبوت استطاع النزول إلى هَذا العالم بسببي.”
“ماذا؟ كيف؟”
“قوتي تخلقُ شقوقًا كبيرة في هَذا العالم. مِن المُفترض أنْ شياطين مثلي لا تتدخل ولا تتعامل مع العالم البشري. لكنني خالفتُ هَذهِ القاعدة، وهَذا الخرق هو الذي سمح لنازازبوت بالنزول مِن خلال تلكَ الشقوق.”
“هل يعني هَذا أنْ كل ما حدث كان بسبب تعاقُدكَ مع أمي؟”
“لا أستطيعُ القول بإنهُ لا علاقة لهُ بالأمر على الإطلاق.”
مرر يدهُ على شعرهِ وغيرَ وضع ساقيه.
“لهَذا أحتاجُ مساعدتكِ، كورديليا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿