أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 140
الفصل 140 : سيرفيت وغريتا ⁶
لَمْ يستطع الرجل والمرأة، بعد أنْ أدركا حُبهما، التحكم في مشاعِرهما. لَمْ يطيقا الابتعاد عن بعضهما ولو للحظةٍ، وكان مُجرد النظر إلى وجه الآخر كافيًا ليغرقا في الضحك.
حتى أثناء تناول الطعام، كانا يُمسكان بأيدي بعضهما، مِما جعل بيلوتشي، الذي ضاق ذرعًا بهَذا المشهد، أنْ يُتمتم قائلاً: ‘إذا كنتِ تحبينهُ إلى هَذا الحد، فَلماذا أتعبتِ سيدنا هَكذا؟’ ولو لَمْ يكُن البارون يتابعُهما ويوبخهما باستمرار، رُبما كانا سيتشاركان الغرفة أيضًا.
حتى الآن، كان الاثنان يجلسان مُتلاصقين على أريكةٍ واسعة. كانت كورديليا تُريح رأسها على كتفهِ القوي وهي تهمس:
“عليكَ الذهاب إلى القصر اليوم.”
“هل تُريدين مني أنْ لا أذهب؟”
“أمم… نعم.”
لو أرادت التعبيّر بصراحةٍ أكبر، لقالت إنها لا تُطيق الابتعاد عنهُ ولو للحظةٍ واحدة. سمعت فوق رأسها صوت ضحكةٍ خافتة.
“وأنا أيضًا لا أرغبُ برؤية وجوه أولئك العجائز عديمي الفائدة، لكن لا مفر. لقد أجلتُ الأمر لثلاثة أيامٍ بالفعل.”
“هل ما زال نازازبوت مُثيرًا للمشاكل؟”
“يبدو أنهُ يجوب الجنوب الآن. صحيحٌ أننا قضينا على الكثير مِن الظلال، لكن الأضرار لا تزال جسيمةً. لساراسين تبدو مُنزعجةً جدًا.”
احتضن ليونارد كتف كورديليا بسهولةٍ، ومرّر يدهُ الأخرى على شعرها. ثم نظر إليّها وهي بين ذراعيه.
“هل تستطيعين البقاء بمفردكِ أثناء غيابي؟”
“لا أعتقدُ ذَلك. سأكون مُنهكةً مِن الانتظار وقد أفقدُ الوعيّ.”
في تلكَ اللحظة، التقت عيناها بعيني بيلوتشي، الذي كان يقفُ بعيدًا بوجهٍ عابس، وكأنْ كلامهُ المليء بالاستياء يظهرُ جليًا مِن نظراته. لَمْ تستطع كورديليا منع نفسها مِن الضحك بخفوت.
“ما الذي يُضحكك؟”
“ردةُ فعل بيلوتشي مُمتعة.”
“هل تضحكين الآن بسبب رجل آخر؟”
فجأةً، نهضّ ليونارد و وقف أمامها عمدًا. شعرت كورديليا بالدهشة. كيف يغارُ مِن بيلوتشي؟
“لا يُمكن أنْ تكون تغار مِن بيلوتشي؟”
“أنا أغارُ حتى مِن فنجان الشاي الذي تُمسكينه.”
لَمْ تعرف لماذا بدا لها ذَلك لطيفًا للغاية. دوّن وعيّ، سحبت كورديليا طرف ملابسهِ، فاقترب ليونارد مُباشرةً منها، مائلاً بوجههِ نحوها.
رغم أنْ الوقت كان في وضح النهار، ومع وجود الخدم واقفين بالقرب مِن الجدار، بل وحتى بيلوتشي على مسافةٍ قريبة، لَمْ يكُن هناك ما يمنع عاشقين اكتشفا حبهما للتو.
لو لَمْ تنهض كورديليا وتدفعهُ بعيدًا في اللحظة المناسبة، لما تمكن ليونارد مِن الذهاب إلى القصر اليوم أيضًا.
“لماذا أشعرُ بأني لا أريدُ أنْ أبتعد عنكِ أبدًا؟”
“لكن عليكَ الذهاب. لقد أرسل الملك في طلبكَ ثلاث مراتٍ بالفعل.”
مسح ليونارد شفتي كورديليا بإبهامهِ، وهما تلمعان بفعل قبلته، ونظر إليّها بنظرةٍ عميقة. حاولت كورديليا جاهدةً تجنب عينيهِ، لأنها كانت تعرفُ أنها ستتشبثُ بهِ مِن جديد إنْ لَمْ تفعل.
حبست مشاعرها، ورافقتهُ إلى الخارج.
“بالمُناسبة، ألَمْ يعد السيد روزنبلور بعد؟”
“الماركيز إلفينباوم.”
“ماذا؟”
“لا تنطقي بأسمه. فأنتِ حتى الآن لَمْ تنطقي اسمي.”
“لكن…”
كان هَذا الجدال الوحيد الذي دار بينهما خلال الأيام القليلة الماضية، وكان سخيفًا للغاية.
أبدى ليونارد تذمره ُقائلاً: “إلى متى ستستمرين في مُناداتي بـ’مُعلمي’؟”، لكن كورديليا وجدت صعوبةً في التخلي عن هَذا اللقب. فَمنذُ لقائها الأول بهِ، وهي تُناديه بهَذا الشكل، ولَمْ يكُن سهلاً عليها تغيّره.
“يمكنكِ مُناداتي هَكذا في روبال. لكن قريبًا سيتغيّر اسمُ عائلتكِ، ومِن الغريب أنْ تُنادي زوجكِ بـ’مُعلمي’.”
زوجها.
كانت كورديليا تشعرُ بسعادةٍ غامرة لمُجرد تكرار هَذهِ الكلمة في عقلها.
أثناء سيرهما، وصلا إلى العربة التي كانت بانتظاره.
“… حسنًا، سأحاولُ التدرب على ذَلك.”
“إذًا، ناديني بـ ليو.”
“لا أريد.”
هزّت كورديليا رأسها بسرعةٍ وباشمئزاز.
“كل مَن يعرفُكَ يناديك ليو.”
في الواقع، لَمْ يكُن هُناك سوى اثنين فقط، لكن كان يكفي أنْ يشعرها ذَلك بالضيق لأن الأشقاء إلفينباوم ينادونهُ بهَذا الاسم.
“وما المشكلة في ذَلك؟”
“لا شيء… لكنني لا أحبُ ذَلك. أريدُ أنْ أناديك بطريقةٍ مُختلفة. مثلاً… ليونارد.”
“كما تشائين.”
يبدو أنه لاحظ غيرتها الخفية. ابتسم ليونارد وطبع قبلةً خفيفة على جبينها وخديها.
كانت العربة قد فُتحت أبوابها بالفعل. وقفا أمامها، يتبادلان وداعًا عاطفيًا وكأنهما لَن يلتقيا لعدة أشهر.
حتى الحارس، الذي كان عادةً صارمًا، قال لهُ بلهجةٍ مُهذبة: “عليكَ أنْ تذهب الآن يا سيدي”، لكنهُ أكمل كلامهُ بنبرةٍ مُتذمرة: “ألَن تعود في غضون ثلاث ساعات؟”.
وأخيرًا، ودعت كورديليا ليونارد، حابسةً شعورها بالحزن. وعندما عادت إلى الداخل، هرعت ليلي نحوها بابتسامةٍ مشرقة.
“سيدتي، اليوم موعد قياس فستانكِ.”
“سيدتي؟”
“أوه، أعتذر. لقد أخطأتُ مُجددًا. أرجوكِ سامحيني.”
بالطبع، كان هَذا خطأً مُتعمدًا لتحسين علاقتها بكورديليا. وعلى الرغم مِن أنها أدركت ذَلك، إلا أنها تجاهلته.
“لا بأس. قد يحدُث ذَلك. لكن هل الموعد هو اليوم؟ يبدو أنكم أرهقتم الخياطين كثيرًا.”
“نعم، رُبما نصف الخياطين الذي في العاصمة يعملون على صنع فستان كورديليا.”
عندما وصلت إلى غرفة الخياطين، انحنوا لها بطريقةٍ مُهذبةٍ للغاية. بعد مناقشة التفاصيل حول الأحجار الكريمة الإضافية التي يُمكن إضافتها والدانتيل الذي يُمكن استخدامه، ارتدت فستانًا كان قد اكتمل نصفُه تقريبًا.
“أنتِ جميلةٌ للغاية، سيدتي.”
“ستكونين أجمل عروسٍ في إيرشيه.”
كانت تعلم أنهم سيقولون الشيء نفسه حتى لو كانوا عميانًا، لكن الاستماع إلى المديح المُستمر جعلها تشعرُ بالسعادة. تساءلت ما الذي كانت ستقوله لأني لو كانت بجانبها لترى هَذا المشهد.
فجأةً، تذكرت لأني التي غادرت مُبكرًا كانت تريد بشدةٍ أنْ تطلب منها البقاء حتى حفل الزفاف، لكنها لَمْ تستطع أنْ تحتجز شخصًا سيُصبح رئيس الكهنة في يراثكوس لفترةٍ طويلة.
“لابد أنْ أمي كانت ستكون سعيدةً أيضًا.”
في زواجها الأول، شعرت بالراحة لأن والدتها قد توفيت قبل ذَلك، لكنها الآن شعرت بالندم. يُمكنها أنْ تتخيل مدى دهشة وسعادة والدتها إذا عرفت بأنها ستتزوج مِن ليونارد.
بعد الانتهاء تقريبًا مِن القياسات، وبينما كانت تستعدُ لخلع الفستان، ظهر كلبٌ رمادي فجأةً. وقفت كورديليا على المنصة ونظرت إليّه مِن فوق.
“لوتي، هل يُمكنكِ الخروج قليلاً؟ هُناك الكثير مِن الأشخاص هُنا، لذا المكان مزدحم…”
[السيد سيرفيت يطلُبكِ.]
“ماذا؟”
جرّها ذَلك الاسم الذي نُطق فجأةً كما لو أنها سقطت مِن فوق السحاب. استعادت كورديليا تركيزها فجأةَ.
على الفور، طلبت مِن جميع الخياطين ومساعديهم الذين كانوا يملأون الغرفة أنْ يخرجوا.
“ما الذي تعنيّه؟ كيف تعرفين سيرفيت؟”
[كيف أعرفُه؟ لقد أرسلني إليّكِ السيد سيرفيت بنفسه.]
“إذن العقد الذي تحدثتي عنهُ كان مع سيرفيت؟ متى بدأ ذَلك؟ لا تُخبرني أنهُ كان منذُ البداية؟”
عندما بدت كورديليا مذهولةً وعاجزة عن الكلام، ردت بصوتٍ هادئ.
[بالطبع، منذُ البداية. هل اعتقدتِ بأنني مُجرد كلبٍ ضال؟]
“لكن لماذا؟ ما السبب الذي دفع سيرفيت ليأمركِ بحمايتي؟”
[لأنكِ ابنةُ السيدة غريتا. الآن وقد أوضحتُ كل شيء، لنذهب.]
“انتظر، ما علاقة كوني ابنة أمي بهَذا؟ هل يتعلقُ ذَلك بالعقد الذي أبرمتهُ أمي مع سيرفيت؟…”
دفعهتا لوتي مِن الخلف وكأنها تُضايقها. رغم أنْ حجمها لَمْ يكُن كبيرًا جدًا، إلا أنْ القوة التي كان تضغطُ بها على فخذ كورديليا بقدمها جعلتها تترنح إلى الأمام.
“توقفي عن دفعي! أين هو سيرفيت؟”
[أين سيكون؟ بالطبع، في عالم الشياطين.]
“وكيف يُمكنني مُقابلته؟”
[اجلسي على أيِّ كرسي هُنا.]
أشارت لوتي بأنفها إلى كرسيٍ قريب. رغم أنها لَمْ تفهم تماماً ما يجري، أطاعت كورديليا وجلست.
بدأ الكلب الرمادي بالدوران حولها، يهمهم بكلماتٍ غيرِ مفهومة. لَمْ تكُن تفهم أيِّ كلمةٍ مِما كان يقوله.
“ماذا تفعلين الآن؟”
[إنها طقس لاستدعاء الشيطان. ركزي جيدًا.]
“ماذا؟ انتظري لحظة. ألا يتعلق الأمر برؤيتهِ فقط؟ يجبُ أنْ أخبر سيدي أولاً…”
[كل ما أفعلهُ هو فتح الباب. هو لَن يظهر هُنا بنفسه، لذا لا تقلقي كثيرًا.]
عندما طمأنتها لوتي، شعرت كورديليا ببعض الراحة. بدا الأمر وكأنهُ مُجرد لقاءٌ آخر كما في أحلامها السابقة.
[أغمضي عينيكِ.]
أطاعت كورديليا وأغلقت عينيها. مثلما حدث عندما استدعى ليونارد الشيطان، بدأت الرياح تهُب مِن الأرض، وتفجرت الأضواء. كانت شدة ذَلك كافيةً لجعل كورديليا تعقدُ حاجبيها.
شعرت وكأنها أغمضت عينيها لفترةٍ طويلة، لكنها لَمْ تسمع أيِّ صوت.
“لوتي، هل يُمكنني فتحُ عيني الآن؟”
“كيف حالكِ؟”
“ماذا؟”
لَمْ يتغيّر شيءٌ في المكان. كانت كورديليا لا تزال ترتدي فستان الزفاف الذي لَمْ يكتمل بعد، وكانت أشعة شمس الخريف الدافئة تدخل عبر النافذة كما هي. الشيء الوحيد الذي تغيّر هو اختفاء لوتي وظهور سيرفيت مكانه.
“يبدو بأنكِ تستعدين للزفاف.”
“مرحباً، آه… ليس الآن، رُبما بعد شهرين أو ثلاثة. كنت فقط أجربُ الفستان مُسبقًا.”
“يبدو رائعًا عليكِ. حتى غريتا كانت جميلةً جدًا في يوم زفافها. كانت أزهار الكوبية تتفتحُ بكثرةٍ، وكانت تسيرُ بين الأزهار…”
نظر إليّها سيرفيت بنظرةٍ تجمعُ بين الحنان والحب.
“ألَمْ يكُن العقد مع أمي بعد زواجها؟”
“صحيح.”
“إذن كيف تعرفُ ما حدث قبل ذَلك؟”
“لأن غريتا استدعتني قبل ذَلك بكثيرٍ. العقد الرسمي أُبرم بعد زفافها.”
نظر سيرفيت حولهُ، ثم سحب كرسيًا وجلس أمام كورديليا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿