أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 139
الفصل 139 : سيرفيت وغريتا ⁵
كانت تتوقع بأنه عندما يسمعُ اعترافها الحار، سيذرفُ دموع على الأقل. حسنًا، حتى إنْ لَمْ يصل الأمر إلى هَذا الحد، توقعت أنه سيُعانقها ويشاركها حضنًا دافئًا، لكن رد فعل ليونارد كان فاترًا. بل كان مشغولاً برفع ذقن كورديليا لتفحُص وجهها بتمعُن.
“هل مِن المُمكن أنْ يكون شطانًا قد دخل جسدكِ؟”
“آه، مُعلمي! أنا أعتذر لكَ بكُل جدية، ثم تتحدثُ عن الشياطين الآن؟”
تذمرت كورديليا وهي تزُم شفتيها.
كان هَذا الرد المُمل بعد أنْ نقلت إليّه مشاعرها بصدق. كانت كورديليا متوترةً للغاية، لكنها شعرت فجأةً بفقدان كل قوتها.
اقترب ليونارد مِن وجهها بشدة. لا يزال هُناك شكٌ واضح في عينيه.
“لماذا؟”
“ماذا؟”
“لماذا تغيّرتِ فجأة؟”
“هل لا يُعجبكَ بأنني قد غيرتُ رأيي؟”
ردت كورديليا بابتسامةٍ ساخرة، بينما كان ليونارد يُمرر يدهُ على شعرهِ المبلل.
“هل تُريدين الحقيقة؟”
“نعم.”
“أعرفُ أنْ ما سأقولهُ يبدو سخيفًا، لكنني لا أستطيعُ تصديقكِ.”
“……”
عجزت كورديليا عن الكلام. لَمْ تكُن تستطيع التعبير عن مشاعرها بكلمات.
أول ما شعرت بهِ كان الخجل والاعتذار. لأنها فهمت سبب قولهِ ذَلك.
“كيف لي أنْ أعرف أنكِ لَن تُغيّري رأيكِ غدًا بعد أنْ قلتِ بإنكِ تُحبينني اليوم؟”
“هَذا… أنا آسفة. أنا حقًا آسفة. كنتُ… كنتُ…”
لَمْ يهدأ احمرّار وجنتيها. وبينما كانت تُحاول التغلب على شعورها بالخجل، رفعت رأسها ونظرت إلى ليونارد. كان ذَلك نتيجةً تجنُبها المواجهة معهُ لفترةٍ طويلة.
“كنتُ أعتقدُ بأنني شيطانة.”
“ماذا؟ مَن؟”
“أنا. في ذَلك اليوم، عندما غادرتَ لأنكَ سمعت بخبر استيقاظ الدوق، جاءت لأني. وعرفتُ حينها أنْ هُناك مَن يشك في كوني شيطانة.”
تحدثت كورديليا ببطء وهدوء عما حدث لها. وضع ليونارد يدهُ على جبينه وزفر تنهيدةً طويلة.
“يا إلهي…”
“أليس ذَلك غبيًا؟ وقتها كنتُ حقًا خائفة.”
“لا. كانت غلطتي مِن الأساس. ما كان عليّ أنْ أخبر لأني إيفيو بذَلك.”
عندما تنهد ليونارد بأسى، لوّحت كورديليا بيدها مُستعجلة.
“لا. لقد كنتَ واثقًا بأن ذَلك لَمْ يكُن صحيحًا، أليس كذلك؟ ولأني لَمْ تقصد قول ذَلك عمدًا، لقد كان زلة لسان.”
تشجعت كورديليا قليلاً وأمسكت بإحدى أصابع ليونارد. لَمْ يكُن ليونارد قادرًا على دفع هَذهِ اللمسة الخفيفة بعيدًا. تمامًا كما حدث في اللحظة التي أدرك فيها لأول مرة أنهُ يحبها.
“على أيِّ حال، لهَذا السبب اعتقدتُ أنني لستُ مُناسبةً لكَ. شعرت بالخوف فجأةً، وظننتُ بأنني رُبما أسبب لكَ المشاكل.”
“أيُّ مشاكل التي يُمكن أنْ تسببينها لي؟”
“ماذا؟”
“حتى لو كنتِ شيطانة، هل تعتقدين أنْ ذَلك سيؤثر على سمعتي؟”
“حسنًا، رُبما لا.”
هزّت كورديليا رأسها موافقة، بينما واصل ليونارد حديثهُ.
“ما أعنيهِ هو أنْ أتيلي أكبر مِما تتخيلين، لذا حتى لو كان في عروقكِ دماءٌ شيطانية، فلا يهُم. أيُّ شخصٍ يجرؤ على الحديث عنكِ سأقطعُ رأسه وأعلقهُ على بوابة القصر.”
“تقطعُ رأسهُ لمُجرد أنه تحدث عني؟”
“كيف لي أنْ أتجاهل مَن يُهين السيدة أتيلي؟”
كانت تلكَ الكلمات العنيفة التي قالها بلا مُبالاة بدت لها حلوةً على نحوٍ غريب. ورغم علمها بأنها واقعةٌ في حبٍ أعمى، لَمْ تكُن ترغب في التخلص منه.
جذب ليونارد يد كورديليا المُمسكة بإصبعهِ، وتشابكت أصابعهما معًا.
“بخلاف هَذا القلق السخيف، ما الأسباب الأخرى؟”
“ماذا؟”
“ما الأسباب الأخرى التي دفعتكِ لرفضي؟”
“لا شيء.”
“لا شيء؟”
“نعم.”
“لا شيء حقًا؟”
أومأت كورديليا برأسها بوجهٍ بريء، كان وجهُ ليونارد يزدادُ عبوسًا حتى بدت عليهِ علامات الإحباط.
“إذًا، هل رفضتني لهَذا السبب فقط؟ لقد فكرتُ في أسبابٍ كثيرة، لكن… فقط لأنكِ تعتقدين أنني قد أرفضُكِ بسبب ذَلك؟”
“كان ذلك مشكلةً كبيرة بالنسبة لي. كما أنْ كلمات ماكسيميليان قبل وفاتهِ كانت تُراودني باستمرار.”
“وما الذي قاله؟”
مرت عدةُ أيامٍ، لكن الكلمات التي تركها كانت لا تزالُ محفورةً في ذهنها بوضوح. عندما أوضحت كورديليا ما قالهُ لها، تجهم وجهُ ليونارد بشدة.
“أنتِ لا تُصغين إلى ما أقوله، لكنكِ تتذكرين حرفيًا ما قالهُ ذَلك الأحمق ماكسيميليان؟”
“هَذا…”
“لماذا لا تستمعين إلى كلام مَن يحبُكِ، بينما تتذكرين كلام مَن يكرهكِ؟”
نظرت كورديليا إليّه بدهشةٍ، واشتدت قبضتُها على يدهِ المُتشابكة مع يدها.
“… كلامُكَ صحيح، مُعلمي.”
بالفعل، كان مُحقًا. لكنها حاولت البحث عن السبب وراء ذَلك. وتوصلت إلى جواب.
“لطالما كنتُ أشعر بعدم الثقة في نفسي. أنتَ شخصٌ يسطعُ كالشمس بِمُفرده، بينما أنا لا أملكُ أيَّ قيمةٍ. عندما وافقت على قبولي كـ تلميذةٍ لديك، وعندما اعترفتَ لي بحبُكَ، لَمْ أستطع تصديق ذَلك. كنتُ أظن دائمًا أنني لا أستحقُ ذَلك، وأنني فقيرةٌ وبلهاء لدرجة أنْ أحدًا مثلكَ لا يُمكن أنْ يحبني.”
بينما كانت تتحدث، أدركت أنْ القلق الذي كان يُعذبها لَمْ يكُن سوى شيءٍ تافه للغاية. استمع ليونارد لكلماتها دوّن أنْ يُقاطعها.
“دوّن أنْ أدرك، تراكم هَذا القلق شيئًا فَشيئًا، لكن عندما سمعتُ كلمات ماكسيميليان، شعرتُ وكأنْ الأمور أصبحت أكثر وضوحًا.”
“لماذا؟”
“لقد قدم لي السبب الذي يجعلُني لا أستحق أنْ أكون بجانبكَ، وأكد لي أنني لستُ الشخص المُناسب لكَ. لذَلك، رُبما كنتُ عالقةً في هَذا الشعور أكثر.”
إذا فكرت في الأمر، فإنْ تلكَ الكلمات كانت مُجرد لعناتٍ غيرَ منطقية، لكنها شعرت حينها وكأنها الإجابةُ الصحيحة التي تُفسر قلقها.
“هل تخلصتِ مِن تلكَ الأفكار الآن؟”
“ليس تمامًا، لكن بصراحة، ما زلتُ أعتقدُ بأنني ناقصةٌ للغاية، ومع ذَلك، ومع ذَلك…”
“ومع ذَلك؟”
“قد يبدو هَذا طمعًا، لكنني أريدُ أنْ أظل بجانبكَ إلى الأبد. أريدُ أنْ أشيخ معك، وأنْ أربي أطفالنا معًا، وأنْ أكون أول مَن أراك عندما أستيقظ صباحًا.”
أرخى يدهُ المُتشابكة مع يدها. شعرت كورديليا بالدهشة وحاولت الإمساك بيدهِ مُجددًا، لكنها توقفت عندما رأت يدهُ تتجه إلى خدها.
“إذًا، أخبريني.”
“بماذا؟”
“أخبريني كم تُحبينني، بكُل ما لديكِ مِن مشاعر.”
كان طلبهُ هَذا سخيفًا لدرجة أنها لَمْ تستطع إلا أنْ تضحك بسخرية، لكن ليونارد بدا جادًا للغاية. شعرت كورديليا بالحرج، فخفضت رأسها.
“…أنتَ الأفضل في العالم.”
“ماذا؟ لَمْ أسمعكِ. قوليها بصوتٍ أعلى.”
“حقًا؟ هل أصبحتَ أصمًا بالفعل؟”
“نعم، أنا أصم، لذا أعيدي قولها.”
رفعت رأسها قليلًا لتجد عينيهِ مُنحنيةٌ بسخرية. عندما رأت وجههُ المُبتسم، لَمْ تستطع منع نفسها مِن الضحك أيضًا.
“يا لها مِن كارثة! مُعلمي الشاب قد أُصيب بالصمم وهو لا يزالُ صغيرًا.”
“أذًا عليكِ أنْ تعتني بي جيدًا. والآن، ماذا قلتِ؟”
“يا إلهي، لماذا تُصر على سماعها مُجددًا؟ لقد قلتها سابقًا.”
“لأنها تبدو كذبة.”
رغم أنها شعرت بأنْ وجههُ قريبٌ جدًا، لَمْ تستطع قول شيء. المطر لَمْ يتوقف عن الهطول بعد. وكأنها تحت تأثير سحرٍ ما، لَمْ تستطع كورديليا أنْ تُبعد نظرها عن عينيه.
“إذًا، أخبريني متى بدأتِ تُحبينني؟”
“لا أعرف….”
حاولت كورديليا تذكُر اللحظة التي وقعت فيها في حُبه، لكنها لَمْ تستطع تذكُر أيِّ شيءٍ مُحدد.
“إذًا، أخبريني لماذا تُحبينني؟”
“لا أعرف ذَلك أيضًا.”
“إذًا، ما الذي تعرفينه؟”
كانت نبرةُ صوتهِ تبدو وكأنها توبيخ رغم أنها لَمْ تُناسب الوضع الحالي، مِما جعل كورديليا تضحك دوّن قصد. وضعت يدها فوق يدهِ التي تُمسك بخدها، ثم همست بخجل بينما عيناها نصف مغمضتين.
“لا أعلم. كيف وقعتُ في حبك؟ مع أنكَ ذو طبعٍ سيء وتوبخني طوال الوقت.”
“لا تقولي طوال الوقت. كانت مُجرد بضع كلماتٍ عابرة.”
همهم ليونارد وهو يُحاول تجنب النظر في عينيها. لَمْ يكُن بينهما أيُّ مسافةٍ تقريبًا، لكن كورديليا لَمْ تكُن ترغب في ترك أيِّ فراغٍ بينهما. لذا، اقتربت أكثر.
“لكنني أحبُكَ رغم كُل شيء. لا أعرف متى بدأت أحبُكَ أو لماذا، لكن مشاعري صادقة.”
رفعت كعبها وقربت شفتيها منه. فكرت في إغلاق عينيها، فَفعلت. لكن الشعور على شفتيها لَمْ يكُن كما توقعت، وعندما فتحت عينيها مُجددًا، وجدت ليونارد يضحكُ بخفةٍ وكتفيهِ يهتزان.
كان ذَلك منطقيًا. فقد لامست شفتيها أسفل شفتيه.
شعرت كورديليا بحرج شديد، وحاولت التراجع، لكن هَذهِ المرة كان ليونارد هو مَن اقترب منها.
“اغمضي عينيكِ.”
وأخيرًا، تلامست شفاههما. كان الشعور أنعم مِما تخيلت، وكأنها تتذوقُ الحلوى التي تناولتها لأول مرةٍ في منزل أتيلي. كان طعمًا حلوًا للغاية. حتى أنها فكرت مازحة أنْ مُعلمها مصنوعٌ مِن السكر.
أرادت كورديليا بشدةٍ أن تُمسك بكتفيهِ، فيما كانت قطراتُ المطر تُبلل خدها مِن حينٍ لآخر، لكنها لَمْ تشعر بأيِّ شيءٍ سوى دفء شفتيه.
“هاه.”
عندما شعرت بضيقٍ في التنفس، ابتعد ليونارد عنها بابتسامة.
“تنفسي مِن أنفكِ.”
شعرت كورديليا بالإحباط مِن مدى خبرتهِ، وأخذت تُهمهم وهي تلوّح بأنفها.
“كيفَ تُجيد ذَلك إلى هَذا الحد؟ هل لديكَ خبرةٌ سابقة؟”
“أنا جيدٌ في كل شيء بطبعي. أغمضي عينيكِ مُجددًا.”
اقترب منها مرةً أخرى بزاويةٍ مُختلفة. أغمضت عينيها، وأحكمت قبضتها على كتفيهِ.
وقبل أنْ تلتقي شفاههما مجددًا، همس لها بينما كانت عيناهُ مُغلقتين.
“لا يهمُني مَن تكونين. سواء فقدتِ ذراعيكِ، أو كنتِ عمياء، أو لا تستطيعين المشي، أو كنتِ بثلاثة أصابع فقط، أو حتى إذا كنتِ تحملين دماء شيطان، أو لَمْ تكوني مِن عائلة فاسكويز.”
كانت تلكَ الكلمات أعمق مِن أيِّ اعترافٍ بالحب. قولهُ بإنهُ لا يهمهُ أيُّ شيء كان أشبه بخلاصٍ لكورديليا.
بدلًا مِن الرد، عانقتهُ بقوةٍ وبدأت تقبّله.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》