أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 138
الفصل 138 : سيرفيت وغريتا ⁴
بعد ذَلك الوداع القصير، أدارت ظهرها تمامًا وجلست على الأريكة. لاحظت ليلي نوايا كورديليا وأومأت للخدم الذين كانوا يمسكون بابلو. أخذت صرخاتُ بابلو تتلاشى تدريجيًا.
“كورديليا! كورديليا!”
بعد أنْ أُغلِق الباب تمامًا، اقتربت لأني وأمسكت بيد كورديليا.
“آنستي، هل أنتِ بخير؟”
“بصراحة، لَمْ أكُن أثقُ بأمي أيضًا.”
“أتفهم ذَلك. فوالدكِ البيولوجي، الكونت فاسكويز، كان يؤمن بذَلك بشدة. أيُّ شخصٍ كان سيشعرُ بالشك.”
أومأت لأني بهدوء.
“لا، الحقيقة أنني كنتُ أشك في الشيطان الذي تعاقدت معهُ أمي…”
“الشيطان الذي تعاقدت معهُ السيدة غريتا؟”
حاولت أنْ تشرح عن لقاءها مع سيرفيت، لكنها شعرت وكأنْ صوتها محجوب، كما لو أنْ شيئًا ما يمنعُها مِن الحديث. أدركت فجأةً أنْ سيرفيت قد وضع قيدًا عليها. قررت أنْ تتجنب الموضوع.
“أوه، هُناك شياطين كهَذهِ، لذا شعرتُ بالشك. كنتُ أتساءل إذا ما كنتُ قد ورثت دماء هَذا الشيطان.”
“هَذا أمرٌ مُستحيل. على أيِّ حال، سألتُ الكاهن الأعظم عن ذَلك، وأخبرني أنْ البشر والشياطين كائناتٌ مُختلفة تمامًا، وبالتالي لا يُمكن أنْ يولد أيُّ نصف بشري ونصف شيطان.”
“فهمت، إذًا هَذا هو الأمر.”
كان شعورها وكأنْ حجرًا ثقيلًا وُضع على كتفيها، لكنها شعرت بالراحة بشكلٍ كبير بعد سماع ذَلك. رغم أنها كانت تخُبر نفسها أنْ الأمر لا يهُم، إلا أنها كانت ستظلّ تشعرُ بالريبة لو كانت تحملُ دماء شيطان.
“كل الفضل يعود لكِ يا لأني. بفضل شجاعتكِ التي منحتني إياها، تمكنتُ مِن المضي قدمًا. لولاكِ لكنتً قد قضيتُ حياتي محبوسةً في ذَلك النفق المُظلم.”
“يُشرفني أنني تمكنتُ مِن مُساعدتكِ. لكن كما قُلت، حتى لو لَمْ تكوني ابنة الكونت، فإنْ حُبي واهتمامي بكِ لَن يتغيرا.”
“شكرًا لكِ، شكرًا جزيلاً.”
شعرت كورديليا بوخزٍ في أنفها. ابتسمت لأني بإشراقةٍ ووضعت يدها على كورديليا كما كانت تفعل في طفولتها.
دفنت كورديليا وجهها في حضن لأني وانفجرت في البكاء. تدفقت المشاعر التي كبتتها لفترةٍ طويلة كما لو أنْ السد قد انهار. مسحت لأني ظهر كورديليا بصمت.
“لأني، أرجوكِ، تأكدي مِن حضوركِ زفافي. وعد؟”
“بالطبع، مهما كان الأمر، سأكون هُناك. هاهاها، يبدو أنكِ قررت قبول عرض الدوق أتيلي.”
“نعم.”
بعد البكاء لفترةٍ طويلة، شعرت كورديليا براحةٍ في رأسها. والآن كان كُل ما يشغل أفكارها هو شخصٌ واحد.
بعد أنْ أرشدت لأني إلى غرفة الضيوف، بدأت كورديليا تتجول أمام بوابة القصر. اقترب منها أليكس، كبير الخدم، وسألها بأدب،
“هل تحتاجين شيئًا يا سيدتي؟”
“متى سيعود مُعلمي؟”
“لستُ مُتأكدًا تمامًا مِن موعد عودتهِ. هل تُريدين أنْ أرسل رسالةً إلى القصر الملكي؟”
“لا، لا داعي. سأنتظر فقط.”
في البداية، انتظرت كورديليا داخل القصر، لكنها أصبحت متوترةً وخرجت إلى خارج البوابة.
بدت السماء الرمادية وكأنها ستُمطر قريبًا. لهَذا السبب، لَمْ تستطع تحديد الوقت.
بعد فترةٍ طويلة مِن المشي أمام القصر، بدأت قطراتُ المطر تتساقط. بينما كانت تُحدق في المطر، ظهرَ ظلٌ كبير فوق رأسها.
عندما رفعت رأسها، وجدت بيلوتشي يحملُ مظلة.
“ما الذي تفعلينهُ هُنا؟ تبدين بائسة.”
“أنتظرُ مُعلمي.”
“متى أصبحتِ تنتظرينهُ بشوقٍ هكذا؟”
“أنا بخير. ادخل أنتَ، لا يوجد شيء خطر هُنا.”
“كورديليا، توقفي عن العناد وادخلي. لقد مضى وقتٌ قصيرٌ فقط منذُ أنْ تناولتِ السم وتعرضتِ للإغماء.”
رغم صوتهِ الجاف، استطاعت كورديليا تمييز القلق بين كلماتهِ، فابتسمت.
لَمْ تكُن تعرف كم مِن الوقت قد مضى. ازداد المطر غزارةً، ورغم أنْ بيلوتشي كرر مرارًا وتكرارًا طلبهُ منها الدخول، إلا أنها أصرّت بعنادٍ على البقاء.
لحُسن الحظ، لَمْ يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى رأت عربةً تحمل شعار أتيلي قادمةٌ مِن بعيد. بِمُجرد أنْ رأتها، ركضت كورديليا بسرعة نحوها. صرخ بيلوتشي مِن خلفها يُنادي اسمها، لكنها لَمْ تكترث.
كانت تشتاقُ لرؤية ليونارد بشدة. أرادت أنْ تُخبره بنفسها مُباشرةً. أنْ ترى عينيهِ بينما تقول ما في قلبها.
تعرف عليها السائق وأبطأ مِن سرعة العربة. استمرت كورديليا في الركض بكل ما أوتيت مِن قوة. لَمْ تهتم بالمطر الذي بلل شعرها وملابسها بالكامل.
فُتِح باب العربة فجأةً، ونزل منها البارون ثم ليونارد.
“لماذا أنتِ هنا؟ المطر يهطُل.”
“لديّ شيءٌ لأقوله.”
“ما هَذا الشيء الذي… حسناً، ادخلي أولاً.”
مسح ليونارد شعرها المُبتل بالمطر وهو يتحدث.
لكن كورديليا لَمْ تستطع كتم مشاعرها بعد أنْ نظرت في عيني ليونارد. أرادت أنْ تعترف لهُ بمشاعرها التي ظلّت مخفيةً لفترةٍ طويلة.
في تلكَ اللحظة، جاء بيلوتشي يحملُ مظلة.
“أعتذر، سيدي.”
“لا بأس، فَهي لَن تستمع لكَ. هي لا تستمعُ لي حتى، فما بالُكَ بك.”
أخذ ليونارد المظلة مِن بيلوتشي ثم أشار لهُ وللبارون بالدخول. ترك الرجُلان كورديليا وليونارد تحت المطر ودخلا القصر.
شعرت كورديليا أنْ ليونارد غاضب، لذا انخفض صوتها تلقائيًا.
“أنا آسفة، مُعلمي.”
“ما الذي يدعوكِ للاعتذار؟”
كانت على وشك أنْ تقول إنها أرادت فقط رؤيتهُ بسرعة، لكنه مرّر يدهُ بعصبيةٍ على شعرهِ.
“ما الذي يجبُ أنْ أفعله أيضًا؟”
“ماذا؟”
“هل عليّ أنْ أركع وأتوسل حتى يهدأ بالكِ؟ هل هَذا ما سيشعرُكِ بالراحة؟”
“ماذا تقصد…؟”
لَمْ تكُن تتوقع أنْ يتحدث ليونارد بهَذهِ النبرة اللاذعة فجأةً، ولَمْ تفهم سبب قولهِ هَذا. ارتبكت كورديليا وبدأت تُحرك شفتيها دوّن أنْ تُخرج الكلمات. لكن ليونارد تحدث قبل أنْ تستطيع التبرير.
“أعلم أنكِ لا تُريدين الزواج مني. أعلمُ ذَلك. وأنا أيضًا أريدُ التوقف عن التعلق بكِ بشكلٍ يائس، لكني لا أستطيع.”
“…..”
“ما أعنيه، لماذا كان عليكِ أنْ تركضي تحت المطر فقط لتقولي إنكِ لا تُريدينني؟”
كان عطرُ العشب المُبلل يملأ الأجواء. أدركت كورديليا حينها فقط سوء الفهم الذي وقع فيه.
“هَذا ليس ما أردتُ قوله. أردتُ فقط أنْ أخبركَ بشيء، مُعلمي.”
“لا تقولي.”
أمسك ليونارد خدها بقوةٍ بيدهِ التي لا تحملُ المظلة. كانت نظراتُه حادةً للغاية لدرجة أنها لَمْ تستطع سوى أنْ تُدير عينيها بعيدًا. لكنهُ أجبرها على رفع وجهها لتلتقي عينيهِ مرةً أخرى.
“لا أريدُ سماع رفضكِ، لذا فقط لا تقولي أيَّ شيء. قد تظُنين أنني لا أتأثر، لكنني إنسان. أشعرُ بالإهانة في كل مرةٍ ترفضينني. أتصرفُ وكأنْ الأمر لا يهُم، لكن غي الحقيقة أنهُ يؤذيني.”
“أنا آسفة.”
“لا تعتذري أيضًا. فقط لا تقولي أيَّ شيء، ولا تذهبي إلى أيِّ مكان، وابقِ بجانبي دائمًا… بجانبي…”
بدأ صوتهُ ينخفض تدريجيًا حتى اختفى وسط صوت المطر. ساد الصمت بينهما.
نظرت كورديليا بهدوء إلى عينيهِ. هَذهِ المرة، كان ليونارد هو مَن أدار نظرهِ بعيدًا أولاً.
“لستُ أطلب منكِ أنْ تُحبيني بالمقابل. فقط أنْ تبقي بجانبي. هل هَذا طلب صعبٌ للغاية؟”
لاحظت كورديليا فجأةً أنْ المظلة مائلة بشدةٍ نحوها، مِما جعل كتف ليونارد مُبللًا بالكامل. لَمْ يكُن عليها أنْ ترى ظهرهُ لتعرف لأنهُ مُبلل أيضًا. شعرت بوخز في قلبها عندما رأت ذَلك.
ضعفت قبضة ليونارد تدريجيًا على خدها حتى ترك يدهُ تسقط بلا حول. زفر أنفاسهُ بصوتٍ عالٍ.
“اللعنة، لَمْ أتوقع أنْ أفهم شعور ليديا إلفينباوم.”
“مُعلمي…”
“أخبرتُكِ ألا تقولي شيئًا.”
“كم عدد الأطفال الذي تُفضله؟”
أمسكت كورديليا بحذرٍ بيدهِ التي كانت تتأرجح في الهواء. سألها ليونارد بنبرةٍ متذمرة:
“لماذا تسألين؟ هَذا أمرٌ سأناقشهُ فقط مع زوجتي، السيدة أتيلي.”
“إذًا يجبُ أنْ أصبح السيدة أتيلي. بالمُناسبة، أحبُ أنْ يكون لدينا عددٌ كبير.”
“… ماذا تقصدين؟”
رد فعلهِ كان مُختلفًا تمامًا عن توقعاتها. رُبما كانت قد ألمحت كثيرًا، لذا نظرت كورديليا مُباشرةً إلى عينيهِ.
“أعني أنا أحبُكَ كثيرًا، مُعلمي.”
“ما هَذا الكلام؟”
“ما هَذا الكلام؟ أحبُكَ، مُعلمي. أممم، أح…”
كان مِن الصعب عليها أنْ تقول هَذهِ الكلمات، وشعرت وكأنْ أطراف أصابعها تتجعد مِن الإحراج. جمعت شجاعتها مِن أعماقها وحاولت جاهدةً أنْ تُخرج الكلمات. ومع ذَلك، أكمل ليونارد عبارتها بعينيهِ المليئتين بالشك.
“أحبُكَ.”
“نعم، هَذا صحيح. أحبُكَ. هاه… قول هَذا يبدو مُحرجًا للغاية.”
ابتسمت كورديليا بخجلٍ وخطت خطوةً نحو ليونارد. ورغم أنهما كانا بالفعل قريبين، إلا أنْ المسافة بينهما الآن أصبحت لا تتعدى شبرًا واحدًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》