أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 137
الفصل 137 : سيرفيت وغريتا ³
“لا أشعرُ بأيِّ ضغينةٍ تجاه السيد دينيس، لكن يجبُ أنْ نتأكد مِن الحقائق بشكلٍ قاطع.”
“أبي، ما الذي يعنيهِ هَذا؟ هل أنا… هل أنا ابن مِن خارج العائلة؟ لستُ ابن أمي؟”
كان صوتُ دينيس يرتجف بسبب التوتر الذي أثارتهُ هَذهِ الحقيقة المروعة.
أخذت كورديليا تنظرُ بتمعن إلى وجه دينيس. رغم أنها سمعت كثيرًا مِن قبل أنْ الشقيقين لا يُشبهان بعضهما، إلا أنها كانت تعتقدُ أنْ ذَلك لأن دينيس يُشبه والده بينما هي تُشبه والدتها.
اشتعل وجهُ بابلو بالغضب وبدأ بالصراخ.
“حقائق؟ حسنًا، بِما أننا نتحدثُ عنها الآن، لنُنهي الأمر هُنا. مهما كان، دينيس ابني. على عكس تلكَ الفتاة الجاحدة!”
“هَذا غيرُ صحيح! السيدة غريتا لا يُمكنها أنْ تفعل ذَلك أبدًا. كورديليا بالفعل مِن دماء عائلة فاسكويز.”
“أنظري إلى تلكَ العينين المُخيفة. هل ما زلتِ تُصرين على نفي الأمر؟ أسرتُنا لديها أعيون سوداء طوال الأجيال! مثل عيناي وعينا دينيس.”
كان بابلو يقفزُ غضبًا ويُشير إلى كورديليا. أما لأني، فوضعت يديها على خصرها وصرخت بدورها دوّن أنْ تستسلم.
“دعني أؤكد لكَ هَذا الآن. ستندمُ على كل الأذى الذي سببتهُ للآنسة!”
“أندم؟! لقد أصبحتِ وقحةً جدًا. كيف تجرئين على التحدُث بهَذا الشكل؟”
اشتعل غضبُ بابلو أكثر لأنه لَمْ يكُن يتوقع مِن لأني، التي كانت خادمةً سابقة، أنْ ترُد عليهِ بهَذهِ الطريقة. لكنهُ لَمْ يكُن يعلم أنْ لأني كانت تتحكمُ بمشاعرها وهي تخطط لخطوةٍ حاسمة.
أخرجت لأني ورقة شجرةٍ مُغلفةً بقطعة قماش مِن جيبها. بدت الورقة وكأنها تشعُ بريقًا ذهبيًا ناعمًا يوحي بقوةٍ خاصة.
“هَذهِ أفان.”
“أفان؟”
مدت كورديليا عُنقها لتُلقي نظرةً أقرب على الشيء الذي أخرجتهُ لأني.
“إنها تحملُ قدرةً على التحقُق مِن النسب. بالطبع، لا يًمكنها إظهار طاقتها الكاملة إلا باستخدام القوة المُقدسة.”
بعد تفسيرها القصير، وضعت لأني الورقة في راحة يدها.
“امسكوا الورقة بأطراف أصابعِكم. إذا كان بينكُما صلةُ دم، سيتحول لون الأفان إلى الذهبي الداكن، وإذا لَمْ يكُن كذَلك، ستتحول إلى اللون الأسود.”
“ما الذي يُمكن أنْ تثبتهُ هَذهِ الورقة؟ وكيف ليّ أنْ أصدق أنْ ما تفعلينهُ حقيقي؟”
كما كان متوقعًا، لَمْ يثق بابلو بكلام لأني. ومع ذَلك، بدت لأني هادئةً، كما لو أنها توقعت رفضهُ. استدعت إحدى الخادمات.
“هل هُناك أخوةٌ خدم في هَذا المنزل؟”
“نعم، ماري وروس هُما أختٌ وأخ.”
“مِن فضلكِ، استدعيهما إلى هُنا.”
“حاضر.”
لَمْ يمُر وقتٌ طويل حتى دخل الأخوان إلى الغرفة، وقد بدت عليهِما الحيرة والخوف مِن الأجواء المتوترة.
“سمعنا بأنكِ استدعيتنا.”
“هل أنتما شقيقان بالفعل؟”
“نعم، نحنُ كذَلك.”
لَمْ يكُن هُناك حاجةٌ إلى التحقق؛ فقد كان الشبهُ بينهما واضحًا. طلبت لأني منهما أنْ يُمسكا بطرفي الورقة، ثم بدأت تُتمتم بصلاةٍ أو تعويذة. فجأةً، أضاءت الورقة بضوءٍ ذهبي ساطع وجميل.
“واو.”
دُهش الخدم مِن هَذا المشهد غيرِ المألوف، وكادوا أنْ يسقطوا الورقة مِن أيديهم. سارعت لأني إلى استعادتها.
“كما ترون، الأفان هو أثرٌ مُقدس نادرٌ في إيراثكوس. ولأنهُ يتفاعل فقط مع الطاقة المقدسة، فلا يُمكن التلاعب بهِ أو تزوير نتائجه.”
“همف.”
“والآن، امسك الورقة. حان وقت التحقق مِن الحقيقة.”
قدمت لأني طرف الورقة إلى بابلو. ظل يقضمُ شفتيهِ لفترةٍ طويلة، وكأنهُ يتخذُ قرارًا عظيمًا، ثم أمسك الورقة بيدهِ بتعبيرٍ يُشير إلى أنه يعتقدُ نفسه كريمًا.
“حسنًا، بما أنكِ تُريدين الحقيقة إلى هَذا الحد، سأريكِ. كنتُ أحاول أنْ أحمي شرف والدتكِ وألتزم الصمت، لكن اليوم سيعرفُ جميعًا كم كانت غريتا مانسون امرأةً قذرة.”
نظر بابلو إلى كورديليا مُباشرةً بابتسامةٍ ساخرة وهو يتحدث.
كانت لأني على وشك الرد، لكن مشاعرُها المُشتعلة أجبرتها على التزام الصمت. كانت تنتظرُ لحظة الحقيقة بفارغ الصبر.
على العكس، بدت كورديليا هادئةً تمامًا. تلاشى القلق الذي كان يُطاردها في الأيام الأخيرة، وكأنهُ أمواجٌ هدأت على شاطئ البحر.
حين فكرت في الأمر، أدركت أنْ مخاوفها كانت تافهة.
سواء كانت نصف شيطانٍ أم تحملُ دماء عائلة فاسكويز المقيتة، فإنْ ذَلك لَن يُغيّر شيئًا. لَن تُمحى حياتها السابقة، ولَن يبتعد عنها أولئك الذين ظلوا بجانبها طوال الوقت.
فقط عندما أدركت ذَلك، زال عنها الخوف مِن النتائج.
أمسكت كورديليا الطرف الآخر مِن الورقة. ومع بدأت لأني في قراءة التعويذة، أغمضت كورديليا عينيها.
“ماذا، ماذا؟”
كان صوت بابلو المليء بالدهشة هو أول ما كسر الصمت. فتحت كورديليا عينيها.
“أرأيتم؟ لقد كنتُ مُحقة! قلت لكم إنْ السيدة غريتا مِن مُستحيل أنْ تفعل شيئًا كهَذا!”
كانت الورقة تشعُ ببريقٍ ذهبيٍ مًذهل. حدقت كورديليا بها بهدوء.
كانت المشاعر تتدفقُ في داخلها، بحيث لَمْ تكًن قادرةً على تحديد ما تشعرُ به.
هل هي سعيدة؟ أم حزينة؟ أم غاضبة؟ أم مُرتاحة؟
لَمْ تستطع التمييز بين أيِّ شيء. كل ما فعلتهُ هو أنْ تُحدق في الورقة وهي تومض أمامها.
بدأت لأني بالبكاء، وقد خانتها مشاعرُها أخيرًا، بينما ظلّ بابلو يُحدق بالورقة الذهبية غيرَ مُصدق. ارتبك وأخذ ينظرُ إلى كورديليا ولأني بالتناوب وهو يتلعثم،
“هَذا… مُستحيل. لا يُمكن أنْ يكون حقيقيًا. كُل هَذا كذب! لا بُد أنكم تلاعبتُم بهَذهِ الورقة!”
“لهَذا السبب، قمتُ باستدعاء هؤلاء الخدم مًسبقًا للتحقق. إذا كنتَ لا تزال تشكّ، فجرّب الأمر مع السيد دينيس. النتيجة ستكون نفسها، وستتوهج الورقة باللون الذهبي.”
قالت لأني بابتسامةٍ واثقة وهي تُسلم الورقة مُجددًا لبابلو. أمسك دينيس بالجانب الذي كانت كورديليا قد أمسكتهُ. وبينما كانت لأني تبتسمُ بخبث، قامت باستخدام القوة المقدسة.
“حسنًا، انظروا. تمامًا كما حدث مِن قبل…”
“أرأيت! قلتُ إنْ هَذهِ كذبة! مِن أين أحضرتِ هَذهِ القُمامة لتزعُمي مثل هَذهِ الأمور؟”
الورقة التي أمسك بها دينيس تحولت إلى سواد. وبالعكس، استغل بابلو هَذا الموقف ورفعَ صوتهُ بشدة. لاني، التي بدت في البداية مُرتبكةً قليلاً، أطلقت ضحكةً ساخرة.
“هل تتظاهرُ بالجهل أم أنكَ لا تعرف؟ ورقة الأفان لا تكذُب أبدًا. إذا اسودّت الورقة، فَهَذا يعني أنْ السيد دينيس والسيد فاسكويز ليس بينهما أيُّ صلة دم.”
“ما هَذا الكلام اللامعقول؟ دينيس هو ابني! إنهُ يُشبهني تمامًا مِن رأسهِ حتى أخمص قدميه.”
“الشعر الأسود والعينان السوداء ألوان شائعة. لا يًمكن اعتبارها سمةً خاصةً بعائلة فاسكويز. علاوةً على ذَلك، أليست والدة السيد دينيس الحقيقية امرأةً سيئة السمعة؟ لا أحد يعلمُ لِمَن يعود نسبهُ الحقيقي.”
حاولت لأني أنْ تُخفي ضحكتها بينما تتحدث بنبرةٍ توحي بالهيبة.
كان بابلو على وشك إنكار الأمر بقوة، ولكنهُ فجأةً نظر إلى ابنهِ. وعندما بدأ في التدقيق، وجد أنْ هًناك بعض النُقاط الغريبة. عائلة فاسكويز معروفة بطول القامة ومهارتها القتالية، ولكن دينيس كان قصير القامة وغيرَ بارعٍ في التعامل مع جسدهِ، وبالطبع كان ضعيفًا في فنون السيف.
“هل يُعقل أنْ دينيس…؟”
“لا، يا أبي! هَذا مُستحيل. أنا ابنُكَ، أنا حقًا ابنُكَ!”
كان الاضطراب واضحًا في عيني بابلو، وكلما زاد اضطرابُه، تمسك دينيس بذراعهِ بقوةٍ أكبر. ولكن بابلو، الذي بدأ يفقدُ توازنه، أبعد ذراع دينيس عنه. ثم تحدث بنبرةٍ أقل حدة إلى لأني.
“أريدُ تجربة هَذا مُجددًا. على كل الموجودين في الغرفة.”
“كما تشاء.”
وافقت لاني برحابة صدر على طلبهِ. وحتى أنْ بابلو أمر بإحضار ليلي، التي كانت تقفُ صامتةً بجانب الحائط، لتُشارك في التجربة. بالطبع، اسودّت الورقة التي أمسكت بها.
أعاد بابلو التجربة مع دينيس للمرة الثانية، ولكن النتيجة لَمْ تتغيّر. الوحيدة التي جعلت الورقة تتوهج باللون الذهبي كانت كورديليا.
وقف بابلو في حيرةٍ شديدة، ولَمْ يستطع إكمال جملةٍ واحدةٍ بشكل صحيح.
“كورديليا هي ابنتي؟ وغريتا أنجبتها؟ إذاً ماذا عن عينيها؟ ولماذا؟”
“لقد توسلتُ إليّكِ منذُ عشر سنوات مرارًا وتكرارًا. ليس كل الأطفال يرثون لون عينا أو شعر آبائهم. هُناك حالاتٌ نادرة، يولدون بلونٍ مُختلفٍ تمامًا، كما لو كان طفرة. ولكن رغم ذَلك، أهنتَ السيدة غريتا وابنتها مرارًا بسبب هَذا. الآن عليكَ أنْ تعتذر. فورًا!”
بالطبع، لَمْ يعترف بابلو بخطأهِ أو يعتذر لكورديليا. بل قام فقط بتوجيه كراهيتهِ إلى شخص آخر.
“كيف لي أنْ أعتبر ابن أمرأةٍ وضيعةٍ كأبني؟”
“يا أبي، أنتَ لا تُصدق هَذا، أليس كذَلك؟ كُل هَذا كذب. إنها مُجرد خدعةٍ لإيقاع الفتنة بيني وبينك. يا أبي، أرجوك، صدقني!”
“لا تقترب مني. سأعود إلى فاسكويز فورًا. لا، سأتوجه إلى المحكمة وأحذفُ اسمكَ مِن عائلتنا! كيف تجرؤ على خداعي بهَذا الشكل؟”
في تلكَ اللحظة، تخلى بابلو عن ابنهِ الذي كان يُحبه للغاية وبلا تردد. لَمْ يستطع دينيس، الذي صدمهُ هَذا التغيّر المُفاجئ في موقف والده، أنْ يسيطر على نفسه.
“ابنتي… الآن فقط قد أزيلت الغشاوة عن عيني.”
تحرك بابلو سريعًا نحو كورديليا وأمسك بيدها.
نظرت كورديليا إلى بابلو بلا مُبالاة. كانت التجاعيد حول عينيهِ وشعرهِ الأبيض يُظهران كم أنهُ قد شاخ.
“كورديليا، ابنتي الوحيدة. لا تقلقي. كل ما يخص فاسكويز سيكون لكِ بالكامل. لَن أترك شيئًا لذَلك الوغد.”
“هَذا مُطمئن. لأنكَ تخلّيت عني ثلاث مرات، فَلَن أشعر بأيِّ ندم في التخلي عنك.”
“تتخلين عني؟! كيف يُمكن لابنتي أنْ تتحدث معي هَكذا؟”
بينما كان بابلو ينظرُ إليّها بوجهٍ يائس مليء بالرجاء، انفجرت كورديليا ضاحكة. لَمْ تكُن تلكَ الضحكة لأنها كانت مُتأكدةً مِن إنسانيتها. بل لأن هَذهِ المرة، كانت هي مَن ستتخلى عنهُ أولاً. لقد انتهى الأمر أخيرًا.
“في المرة الأولى، تفهمتُ الأمر. ولكن عندما بعتني للمرة الثانية، شعرتُ بالحُزن والخيانة. وأخيرًا، عندما بعتني لدوق إيمبلي مُقابل عشرة آلاف لينكيت، شعرتُ بالألم فقط.”
“كان ذَلك لأنني كنتُ بحاجةٍ إلى المال. أنتِ تعرفين وضعي، أليس كذَلك؟”
“أتمنى أنْ تشعر بِما شعرتُ بهِ مِن يأس.”
قالت كورديليا ذَلك وهي تنظرُ إلى بابلو بنظرةٍ مليئة بالصدق. كانت تتمنى لو أنهُ شعر ولو قليلاً بالخيانة والحُزن الذي عاشتهُ طوال حياتها.
سحبت يدها بلا ترددٍ مِن بين يديه. ثم التفتت نحو ليلي،
“أخرجي الضيوف. ودّعيهم جيدًا.”
“كما تأمرين.”
استدعت ليلي خدمًا أقوياء يبدو أنهم كانوا ينتظرون ذَلك، وطردوا دينيس وبابلو مِن الغرفة. لَمْ يكُن دينيس، الذي اكتشفَ سر ولادته، قادرًا على المُقاومة، بينما استمر بابلو، بصوتهِ العالي وجسدهِ النحيل، بالصراخ والمُقاومة.
“كورديليا! أنا والدكِ! كيف تعاملينني بهَذهِ القسوة؟ الآن، لَمْ يبقَ في عائلة فاسكويز سواي وسواكِ!”
“إذا أخبرني عندما تموت. آه، لكن إذا مُتَ، لَن تستطيع ذَلك.”
قالت كورديليا بابتسامةٍ وهي تلوّح لهُ بيدها بخفة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》