أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 136
الفصل 136 : سيرفيت وغريتا ²
“أنا… أنا…”
تراجعت كورديليا إلى الوراء بخطواتٍ مُتعثرة عند سماع كلمات لأني. وبِمُجرد أنْ أصبحت بشرتُها شاحبةً في لحظة، اقتربت لاني بقلق.
“ما بكِ يا آنستي؟ هل تشعُرين بتوعك؟”
“لا، ليس الأمرُ كذَلك…”
لَمْ تعرف كورديليا كيف تشرحُ ما تشعر بهِ. فجأةً، عادت أفكارٌ كانت تُحاول نسيانها لتتدفق إلى ذهنِها وتُربكها. خفق قلبُها بسرعةٍ مفرطة.
هل يجبُ أنْ تُخبر لأني بالحقيقة؟ أنها قابلت الشيطان الذي عقدت والدتُها اتفاقًا معه، وأنْ عيني ذَلك الشيطان تًشبهان عينيها تمامًا. وأنهُ مِن الواضح أنْ والدتها أنجبتها بعد اتحادٍ مع ذَلك الشيطان.
“لأني، في الحقيقة…”
رُبما كانت لأني، مُربيتها منذُ أنْ ولدت وحتى بلغت العاشرة مِن عمرها، ستتقبلُ الأمر حتى لو أخبرتُها بأنني نصفُ شيطان.
‘لكن هل ستتقبلُ ذَلك حقًا؟ أليست لأني كاهنةً تابعة للمعبد؟’
حين رأت ثوب الكاهن الأبيض الذي ترتديهِ لأني، اجتاحها الخوفٌ مُجددًا. تخيلت أنْ يُكشف أنها ليست الابنة البيولوجية، أو أنْ تُعرف حقيقة أنها تحملً دماء الشياطين، مِما قد يؤدي إلى خيبة أمل لأني بها أو ابتعادُها عنها، فكان ذَلك الشعور مؤلمًا.
‘وإذا علم مُعلمي بهَذا الأمر…’
كان مُجرد تخيل أنْ الأشخاص الذين تُحبهم سيتركونها كافيًا لجعل أطرافها ترتعش.
“لا أعتقدُ أنْ هَذا ضروري إلى هَذا الحد.”
“ماذا تعنين بذَلك؟ ألَمْ تقولي إنْ السيد فاسكويز يُشكك في أصول ولادتكِ؟ لا يُمكن تجاهل هَذا الأمر المُهم.”
كانت لأني غاضبةً للغاية وشدت قبضتها، وكأنها هي نفسها مَن تم التشكيكُ في ولادتها. لكن كُلما أظهرت لأني غضبها، زاد انكماشُ كورديليا.
“مِن أجل شرف السيدة غريتا، يجبُ أنْ نكشف الحقيقة وندحضَ هَذهِ الإهانة.”
“ماذا لو… كان صحيحًا أنْ أمي كانت على علاقةٍ مع رجُلٍ آخر؟ ماذا سيحدُث حينها؟”
“آنستي.”
“حتى لو كنتِ تعرفين والدتي لفترةٍ طويلة، فَمِن الطبيعي أنْ يكون لدى كُل شخصٍ أسرارهُ الخاصة التي لا يُمكن البوح بها.”
بدت لأني وكأنها أدركت أخيرًا ما تخشاهُ كورديليا. على الفور، أزالت الغضب مِن ملامحها وأمسكت بيدي كورديليا بإحكامٍ، قائلةً بصوت دافئ،
“مِن المُمكن أنْ يكون ذَلك صحيحًا. أنا أثق تمامًا في أنْ السيدة غريتا لَمْ تكُن لتفعل ذَلك، لكن قد أكون مُخطئة. مع ذَلك، هل ستعيشين طوال حياتكِ وأنتِ تحملين هَذا القلق؟ إذا توفي السيد فاسكويز، فَلَن تُعرف الحقيقة أبدًا. هل ستكونين بخيرٍ مع ذَلك؟”
“…..”
“أنا لا أريدُ الضغط عليكِ أو إجباركِ على شيء. القرار يعودُ لكِ بالكامل، وسأتفهم أيَّ خيارٍ تختارينه. إذا كنتِ لا ترغبين في معرفة الحقيقة، فأنا أتفهمُ ذَلك تمامًا.”
خفّت حدةُ الحزم في صوت لأني، الذي بدت وكأنها كانت مُستعدةً للذهاب مُباشرةً إلى والد كورديليا.
كانت هُناك مخاوفٌ غيرُ معروفةٍ تنهشُ في قلب كورديليا، خوفٌ غريب مِن أنْ يُعرفَ أنها ليست بشريةً فيبتعدَ الجميع عنها.
حينها، مدت لأني يدها وأمسكت بيد كورديليا بإحكام.
“لا بأس، لا بأس يا آنستي. أنا دائمًا إلى جانبكِ.”
“حقًا؟”
“بالطبع. لَمْ أنجب أطفالاً مِن قبل، ولكن منذُ أنْ سلمتني السيدة غريتا إياكِ لأول مرة، كنتِ كأبنتي.”
تذكرت كورديليا يد لاني التي كانت تُسرح شعرها بعنايةٍ، وصوتها وهي تقرأ لها القصص قبل النوم، وعينيها المليئتين دائمًا بالحنان.
“حتى لو لَمْ أكُن ابنة والدي؟ حتى لو لَمْ أكُن بشرية؟ هل ستبقين إلى جانبي؟”
“بالطبع. إذا قطع السيد فاسكويز علاقتهُ بكِ بسبب ذَلك، فتعالي إلى إيراتكوس. فكرةُ أنكِ لست بشرية، أو أنكِ نصفُ شيطان، يبدو أنها ما زالت تشغلُكِ. لكن بالنسبة لي، ستبقين دائمًا أنتِ أنتِ. لَن أتخلى عنكِ أبدًا بسبب أمرٍ كهَذا.”
كانت كلمات لأني الدافئة أشبهُ بشعاعٍ مِن الضوء يخترقُ ظلام كورديليا العميق. أمسكت بيد لاني بقوة.
“وعلاوةً على ذَلك، لديكِ الدوق أتيلي بجانبكِ.”
“مُعلمي… هل تعتقدين بأنهُ لَن يبتعد عني إذا عرف الحقيقة؟”
“مَن يدري؟ لكن مَن يستعدُ لإقامة حفل زفافٍ سري مِن أجل شخص ما، هل سيبتعدُ عنه بسبب شيءٍ كهَذا؟”
أجابت لأني وهي تهزّ كتفيها.
“يا إلهي، هل كنتِ تعلمين بشأن هَذا؟”
“لقد زارني قبل أنْ أغادر.”
“لماذا؟”
“طلب مني حضُور الحفل. قال بإنكِ ستفرحين بحضوري وأنْ عليّ أنْ آتي لتهنئتكِ. يبدو بأنهُ يحبُكِ كثيرًا.”
“… نعم.”
لَمْ تستطع إنكار ذَلك. كانت نظراتُ ليونارد الثابتة تبدو وكأنها لَن تنكسر مهما حدث.
“ثقي بالشخص الذي يحبُكِ. ثقتهُ أقوى بكثيرٍ مِما تظُنين. ومعذرةً إذا قلتُ شيئًا غيرَ لائق، لكن حتى لو لَمْ تكُني ابنة السيد فاسكويز، فَما أهميةُ ذَلك؟ تلكَ العائلة لَمْ يتبقَ لها سوى قلعةٌ مُتهالكة. آه، عذرًا على كلامي.”
“لا، ما قلتُهِ صحيح.”
هدأ عقلُ كورديليا المُضطرب والمُشتت تدريجيًا. الكلمات القصيرة والواضحة التي طلبت منها أنْ تثق في الشخص الذي تُحبه كانت كافيةً لتبدد الظلام والشكوك التي سيطرت عليها.
عندها عادت ليلي ومعها الشاي. عندما استنشقت لأني رائحة الشاي، اتسعت عيناها.
“هل هَذا شايٌ بندي؟”
“نعم، صحيح. السيد قد أحضرهُ خصيصًا للسيدة كورديليا. تفضلي وجربيه.”
ابتسمت ليلي بحماسٍ وهي تُقدم الشاي إلى كورديليا.
“هل هو شايٌ مُميز؟”
“بكل تأكيد. إنهُ مصنوعٌ مِن زهرةٍ لا تتفتحُ سوى لمدة أسبوعٍ واحد فقط في صحراء أستام كُل عام. تحضيرُه والحصول عليه أمرٌ صعبٌ للغاية. يبدو أنْ أتيلي مختلفٌ حقًا.”
“بالطبع. عندما تذهبين إلى القصر الرئيسي، ستتمتعين بأشياء أكثرَ قيمةً مِن هَذا بكثير.”
كانت عينا ليلي تلمعُ بشدةٍ، وعندما أدركت كورديليا المغزى، ارتسمت ابتسامةٌ ساخرةٌ على شفتيها.
“ليلي.”
“آه، أعتذر. أنا فقط… الأمر أنْ سيدنا يبدو مُتحمسًا جدًا للتودد لكِ، أو بالأحرى لخُطبتكِ، أو… للزفاف؟”
بينما كانت ليلي مُرتبكةً وتبحثُ عن الكلمات المُناسبة، سُمع صوت صراخٍ عبرَ النافذة المفتوحة جزئيًا.
كان صوتًا مليئًا بالغضب، وهو أمرٌ غيرُ مألوفٍ سماعهُ في منزل أتيلي.
“مَن هَذا؟”
“آه.”
يبدو أنْ ليلي تعرفُ صاحبهُ بالفعل، إذ أغلقت النافذة بسرعةٍ وبوجهٍ مُرتبك.
“لا شيء. الهواء باردٌ لذا مِن الأفضل إغلاق النافذة.”
“مَن الذي يصرُخ هُنا في منزل أتيلي؟”
“هَذا…”
بدت ليلي مُترددةً في البداية، لكنها لَمْ تستطع الهروب مِن استجواب كورديليا وأجابت أخيرًا.
“إنهُ الكونت فاسكويز، ومعهُ السيد الشاب فاسكويز.”
“…حقًا.”
“أعتذر. سأتصرفُ على الفور.”
لَمْ تكُن كورديليا مهتمةً بما جاء بهِ والدها إلى هُنا. في الواقع، كانت تعرفُ السبب جيدًا. بما أنْ حتى ليلي، الخادمة، علمت بخبر زواجها الوشيك، فَمِن المؤكد أنْ والدها قد علم بذَلك أيضًا.
“أحضريهُما إلى هُنا. كلاهما.”
“ماذا؟ أدخُلهما؟ ولكن السيد أمرَ بعدم السماح لهُما بمُقابلتكِ بأيِّ حالٍ مِن الأحوال.”
“لا بأس. سأشرحُ الأمر لمُعامي بنفسي. أحضريهُما.”
“نعم، حاضر.”
انحنت ليلي بأدب وغادرت. ثم التفتت لأني إلى كورديليا.
“آنستي.”
“سأنهي هَذا الأمر.”
أخذت كورديليا نفسًا عميقًا وزفرتهُ. لَمْ تعُد تستطيع التهرب إلى ما لا نهاية. حتى لو لَمْ تكُن إنسانة، وحتى لو كانت خليطًا مِن دماءٍ شيطانية، هُناك الكثير مِمَن يحبونها، لذا لا يهُم.
“لأني، كنتِ محقة. مِن الأفضل مواجهة الحقيقة بدلًا مِن العيش مع هَذا القلق إلى الأبد.”
“إذا كانت هَذهِ هي إرادتكِ، فسأدعمُكِ.”
لَمْ يمُر وقتٌ طويل حتى عادت ليلي برفقة رجُلين مألوفين. وقفت كورديليا لاستقبالهُما.
“مرحبًا بكم في منزل أتيلي، كونت فاسكويز.”
“كونت فاسكويز؟”
يبدو أنْ بابلو لَمْ تُعجبه هَذهِ الطريقة، حيثُ ظهرت عليهِ علاماتُ الانزعاج. بينما أضاف دينيس تعليقهُ على الفور.
“أختي، كيف تتحدثين مع والدكِ هَكذا؟ هل غيرتِ موقفكِ لأنكِ ستتزوجين أتيلي؟ إذا كان الأمر كذَلك، فَهَذا مُحبط حقًا.”
“أنا لَن أناديهِ بأبي لأنهُ هو مَن تخلى عني أولًا. باعني إلى الدوق إيمبلي مُقابل عشرة آلاف لينكيت. ونتيجةً لذَلك، اضطررتُ إلى شرب السم.”
نظرت كورديليا مُباشرةً إلى بابلو وهي تتحدث. بدا أنهُ قد نسي بالفعل الأحداث التي وقعت قبل أقل مِن شهر.
“همم. لماذا تفتحين جروح الماضي؟ دعينا نتركُ الأمور تمر بسلام. في ذَلك الوقت كنتُ بحاجةٍ ماسة للمال. آه، إذا لَمْ تقولي أيَّ شيءٍ غريب لأتيلي، كان سيستمرُ في دفع المال بانتظام. حينها لَمْ أكُن بحاجةٍ إلى المال مِن الدوق إيمبلي، أليس كذَلك؟”
بدأ في إلقاء اللوم على كورديليا بدلًا مِن ذَلك. لَمْ تشعرُ كورديليا بأيِّ ألمٍ مِن كلماته. توقعت أنْ يتصرف بهَذا الشكل، لذا كان الأمرُ مضحكًا فقط.
“أختي، هل ستتزوجين حقًا مِن الدوق أتيلي؟ ها. يبدو أنني محظوظٌ بوجود أختٍ مثلكِ. لكن هل يُمكنكِ أنْ تطلبي مِن زوجكِ المُستقبلي أنْ يساعدني في العودة إلى فرقة الفرسان؟”
“اهلا بك، كونت فاسكويز والسيد الشاب.”
عندها، ظهرت لأني التي كانت تستمعُ بصمتٍ إلى الحديث بين أفراد الأسرة. وعندما تعرف عليها دينيس، اتسعت عيناهُ دهشة.
“أوه؟ هل يُعقل أنكِ لأني؟”
“نعم، إنها أنا.”
“كيفَ عرفتي بهَذا المكان؟ ألَمْ تذهبي إلى موطنكِ منذُ عشر سنوات وتركتِنا؟”
“يسعدني أنْ أراكَ وقد أصبحتَ رجُلاً ناضجًا. لكنني هُنا لأحل التساؤلات التي يحملُها الكونت فاسكويز في قلبه.”
“ماذا تقصدين؟”
سأل بابلو بوجهٍ عابس، بينما ألقت كورديليا قنبلة الكلام مُباشرةً.
“لقد قلتَ بإنني ابنةٌ غيرُ شرعية أنجبتها والدتي مِن علاقةٍ غيرِ شرعية، أليس كذَلك؟”
“همم. قلتُ إنني سأغضُ النظر عن الأمر!”
“ماذا؟ أمي أنجبتكِ مِن علاقة غيرِ شرعية؟”
“في الواقع، الابنُ غير الشرعي هو السيد الشاب وليس الآنسة كورديليا. فقد وُلدتَ مِن امرأة مِن العامة.”
“انتظري، هل يعني هَذا أنْ دينيس ليس ابن أمي؟”
كان الجو مليئًا بالارتباك والفوضى. لَمْ يتمكن كل مِن كورديليا ودينيس مِن الكلام بعد الحقائق التي كُشفت فجأةً. صرخ بابلو بغضبٍ نحو لأني.
“كيف تجرؤين على التدخُل في شؤوننا؟”
“لديّ كُل الحق لفعل ذَلك. قريبًا سأصبحُ رئيسة كنهة إيراتكوس.”
“ماذا؟ رئيسة كاهنة؟”
“أعتقدُ أنه مِن الطموح أنْ أتوقع منكَ الاحترام، أليس كذَلك؟”
قالت لأني وهي تُحدق في بابلو بنظرةٍ مليئةٍ بالازدراء.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》