أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 135
الفصل 135 : سيرفيت وغريتا ¹
شعرت كورديليا بظلامٍ يلُفها. إذا استسلمت قليلًا فقط، فقد يتمُ جرّها مُباشرةً إلى قاعة الزفاف. حاولت أنْ تتلوى لتُفلتَ مِن بين ذراعي مُعلمها. كانت محاولتها شجاعة، لكن قوة هَذل الرجُل كانت تفوق ما تصورت.
“إلى أين تظُنين أنكِ ذاهبة؟”
“أرجو… أرجوك أتركني.”
بالطبع، لَمْ يكترث ليونارد لرجائها. بل أمسكَ بها بكلتا يديهِ مِن الخلف، مُحكمًا ذراعيهِ حولها. وصلت أنفاسُه إلى أذنها، واحمرّت وجنتا كورديليا بشكلٍ ملحوظ.
“ما رأيُكِ أنْ نُنجب ثلاثة أطفالٍ فقط؟”
” يمكنُكَ إنجابُ الأطفال بِمفردكَ”
“لقد اخترتُ بالفعل خمسة عشر اسمًا، يُمكنُكِ أنْ تختاري مِن ضمنِهم لاحقًا.”
“مُباركٌ لك. يبدو أنْ عائلة أتيلي بحاجةٍ ماسة للأطفال، فَمع خمسة عشر طفلًا لَن يكون لديكَ أيُّ مخاوف.”
“المُباركة يجبُ أنْ تكون لزوجتي، وليس لي.”
كان تبادُلهم للحديث بهَذهِ الطريقة يُذكرها بأول مرةٍ قابلت فيها ليونارد. وعندما تذكرت ذَلك، ضحكت ضحكةً قصيرة، فَما كان مِن ليونارد إلا أنْ يُقرب وجههُ نحوها.
“لقد ضحكتِ.”
“لَمْ أفعل.”
أدارت رأسها، لكنها فوجئت بوجههِ القريب جدًا منها. أسرعت كورديليا بوضع ملامح الجدية، ولكن ليونارد لَمْ يترُك هَذهِ الفرصة تفُلت منه.
“لقد ضحكتِ الآن. يبدو أنْ مُجرد التفكير بي يجعلُكِ تبتسمين. ألا تحتاجين إلى زوجٍ قوي يُعتمد عليه؟”
“لماذا أصبحتَ بهَذهِ الوقاحة، مُعلمي؟”
“تعلمتُ كُل ذَلك منكِ.”
“احمم احمم.”
في تلكَ اللحظة، سمعا صوت سعالٍ قويٍ بجانبهُما، بدا وكأنهُ صادرٌ مِن شخصٍ يُعاني مِن مرضٍ صدري. وكما كان متوقعًا، كان البارون واقفًا هًناك، يُغطي فمهُ بقبضته.
“لَمْ تتزوجا رسميًا بعد. هُناك العديد مِن العيون تُراقب.”
نصحهُم البارون بلطف. عندها فقط استطاعت كورديليا الإفلات مِن ذراعي مُعلمها والعودة إلى العربة. كانت لوتي نائمةً في أسفل العربة، وما إنْ فتحت عينيها قليلًا لتتأكد مِن عودة كورديليا حتى عادت للنوم مُجددًا.
نظرًا لتعامُل ليونارد مع كورديليا علنًا كعروسٍ له، أصبح جميعُ المُرافقين والخدم حذرين جدًا في التعامل معها. حتى بيلوتشي، الذي لَمْ يكُن يترددُ في التحدُث بوقاحةٍ معها، امتنع عن ذَلك الآن.
“لقد وصلنا.”
“هل ستستمُر في هَذا الاحترام المُبالغ فيه؟”
قالت لـ بيلوتشي وهو يساعدُها على النزول مِن العربة، رافع حاجبيهُ بسخريةٍ.
“مهما كنتُ ألقب بالكلب المجنون، لا يُمكنني التصرف بهَذهِ الطريقة مع السيدة التي ستكون زوجة الدوق أتيلي المُستقبلية.”
“لكني قلتُ بإنني لَن أتزوج، لماذا لا يُصدقني أحد؟”
” مهما قلتِ، كورديليا، فإنْ سيدنا سيفعل ما يُريد. لا تحلُمي بأشياء مستحيلة.”
بعد عشرة أيامٍ مِن السفر المُستمر في العربة، كانت إصابةُ كاحلها قد شُفيت تقريبًا.
ما إنْ عبروا بوابة العاصمة حتى شعرت كورديليا بتغيّرٍ غريب في الأجواء. ورغم أنْ المكان كان مليئًا بالمارة كما في السابق، إلا أنْ آثار الحريق على بعض المباني ورُكام النافورات المُدمرة أضافت إحساسًا بالتوتر.
“سأذهبُ إلى القصر الملكي مُباشرةً، لذا عليكِ الذهاب إلى المنزل.”
“نعم، فهمت.”
“وإذا فكرتِ في الهرب…”
“لا تقلق، يا سيدي. سأحرصُ على تقييدها بكُل الوسائل المُمكنة.”
“رائع. أستطيعُ الاعتماد عليكَ.”
قال بيلوتشي بحزمٍ شديد، لدرجة أنْ مِن يسمعُه قد يظُن بأنه تتحدث عن نقل مُجرمٍ خطير.
“أنا هُنا، كما ترون. لماذا تظنون بأنني سأهرب؟”
قالت كورديليا مُتذمرةً، بينما دفعَ ليونارد جبينها بخفةٍ.
“لو كان الأمر بيدي، لأخذتُكِ معي إلى القصر، لكن الوضع حساسٌ للغاية. لذا، مِن فضلكِ كوني هادئة.”
“حسنًا، حسنًا. إلى اللقاء.”
لوّحت لهُ بيدها بلا مُبالاة، تركها ليونارد وأتجه الى القصر برفقة البارون.
كانت عرباتٌ تحملُ شعارات العائلات الثمانية مُصطفةً بالفعل أمام القصر. وما إنْ توقفت العربة التي تحملُ شعار الثُعبان الأبيض، حتى هرع أحدُ الخدم لفتح الباب.
“أهلاً بك، سمو الدوق. تفضل بالدخول.”
“مَن وصل بالفعل؟”
“الجميع هُنا ما عدا الدوق إيمبلي و ماركيز إلفينباوم.”
كما قال الخادم، ما إنْ دخل ليونارد قاعة الاجتماعات حتى قابلتهُ خمسة أزواجٍ مِن العيون.
“أخيرًا وصلت. كم انتظرتُكَ!”
“يبدو أنْ الأمور لَمْ تُحسم بين الحاضرين هُنا، أليس كذَلك؟”
ألقى ليونارد نظرةٍ مُتعجرفة بنبرتهِ المُعتادة على الحاضرين في القاعة. لَمْ يُعجب ذَلك غابرييل، ملك إيرشيه، لكنهُ اضطر إلى كبتِ غضبه، فَهو بحاجةٍ إلى ليونارد.
“هاهاها. كيف يُمكننا اتخاذُ قراراتٍ بدون ساحر إيرشيه العظيم؟ تفضل بالجلوس.”
“قبل ذَلك، هُناك أمرٌ أود توضيحه.”
ثبت ليونارد نظرهُ على الكونت فاسكويز الجالس في أقصى القاعة. وتوجهت أنظارُ الجميع نحوه.
“يبدو أنْ شخصًا لا يملكُ الحق في الحضور يجلس هُنا.”
نظر بابلو نحو ليونارد ثم تجاهل نظراتهِ، مُتظاهرًا بالانشغال. ولكن عيني ليونارد كانت قد أصبحت باردةً كالثلج.
“ما الذي يفعلهُ فاسكويز، الذي لا يستطيعُ حتى تدبُر أمورهِ الشخصية أو توفير جنود، جالسًا هُنا؟ كان مِن الأفضل أنْ تُجلسوا أيَّ فارسٍ مِن الخارج.”
“دوق أتيلي.”
لَمْ يكُن بابلو هو مَن رد، بل كان الدُب الرمادي لوبيز. وضع الرجُل الضخم يدهُ السميكة على الطاولة وتحدثَ بنبرةٍ هادئة:
“هَذا مكانٌ مُقدس يُمكن لأيِّ شخصٍ مِن العائلات الثمانية أنْ يحضُره.”
“ألا يزالُ لديهِ الجرأة لاستعمال هَذا الاسم بينما لَمْ يتبقَ منهً سوى مجدٌ باهت؟”
ظلّ ليونارد يُحدق في بابلو بنظرةٍ مليئةٍ بالاحتقار. تنهدت ساراسين تنهُدًا قصيرًا وتدخلت بينهما.
“ما سببُ هَذا العداء؟ أليس مِن المُفترض بأنكَ ستتزوجُ ابنتهُ كورديليا؟ فَلماذا تُظهر هَذهِ الحدة؟”
“زواج؟”
كان أكثر مَن تفاعل مع تلكَ الكلمة هو بابلو نفسه.
“دوق أتيلي سيتزوجُ ابنتي؟ ماذا؟!”
في تلكَ اللحظة، اخترقت رمحٌ جليدية، بحجم ذراع رجُلٍ بالغ، الطاولة أمام بابلو مُباشرة. تراجع بابلو مُتعثرًا مِن شدة الصدمة.
“لا تستعمل كلمة ‘ابنتي’. إنها مُقززة. قبل أنْ أفقد أعصابي وأقتُلكَ حقًا.”
“……”
كان تهديدُ الموت واضحًا لدرجة أنْ الجميع لاحظوه. ارتجف بابلو كالفأرٍ أمام قطة، غيرُ قادرٍ على التحكُم بجسدهِ. أشار ليونارد إلى الباب وقال:
“اخرُج. إذا استمررتُ في رؤية وجهك، فقد أفقدُ سيطرتي على يدي. مع أنني كنتُ متُعمدًا تمامًا في ضرب النقطة التي أصبتُها قبل قليل.”
كان تهديدُ ليونارد واضحًا وصريحًا. ورغم أنها كانت وقاحةً لا تُصدق، لَمْ يكًن هُناك أحدٌ في هَذا المكان يجرؤ على مُعارضته.
نظر بابلو حوله، وكأنهُ يبحث عن شخصٍ يدعمُه، لكن لَمْ يجرؤ أحد على النظر إليّه. في النهاية، بوجهِ مملوءٍ بالذُل، فتح بابلو باب قاعة الاجتماعات بنفسهِ وغادر.
“حقًا، طباعُكَ لا تُحتمل.”
بعد أنْ تأكد غابرييل مِن خروج بابلو، نقرَ لسانهُ بإيجاز. كانت تلكَ كل ملاحظاتهُ حول ما حدث للتو. جلس ليونارد ببرودٍ في مكانهِ المُخصص وتحدثَ إلى غابرييل.
“أين توقفتُم في النقاش؟”
“أيُّ نقاش؟ لقد أتيتَ للتو وطردتَ فاسكويز ولَمْ نُناقش شيئًا. على أيِّ حال، وجودهُ لَمْ يكُن ليُغيّر شيئًا. ما يهُم الآن هو أنْ الشيطان نازازبوت، أو أيًّا كان اسمُه، يعيثُ فسادًا في العاصمة.”
“ماذا كانت تفعلُ فرقة صيد الشياطين؟”
“قسموا أنفسهُم إلى فريقين. أحدهُما يُطارد الظلال، والآخر يُلاحق الجسد الرئيسي. وفي النهاية، أولئك الذين لاحقوا الجسد الرئيسي واجهوا نازازبوت، لكن النتيجة كما تعرف.”
“الظلال؟”
عند سماع كلمة لَمْ يكُن يعرفها، سأل لوبيز. أجاب غابرييل بنبرةٍ مغرورةٍ، موضحًا عن الظلال التي يخلُقها الشيطان.
“هَذهِ مشكلةٌ كبيرة. إذا لَمْ يتم القضاءُ على الظلال بالكامل، فإنْ قتل الجسد الرئيسي لنازازبوت لَن يكون لهُ أيُّ فائدةٍ، أليس كذَلك؟”
“مِن الأفضل أنْ نستدعي سيريوس مِن مدرسة تريسكا للحصول على تفاصيل أوفى حول هَذا الأمر.”
“هل السبب في عدم تمكُننا مِن القضاء على الشيطان حتى الآن هو تلكَ الظلال؟”
“هَذا جزءٌ مِن السبب، لكن نازازبوت نفسُه…”
واصل رؤساء العائلات الثمانية، بِما فيهم ليونارد، اجتماعهم بتركيز.
***
“قلتُ لا تُلاحقني بهَذهِ الطريقة! إنهُ أمرٌ مُزعج!”
“هل هَذا يكفي الآن؟”
“خطوةٌ واحدةٌ للخلف فقط وتتصرفُ وكأنكَ قد قُمت بإنجاز.”
كان ييلوتشي يُبالغ في حراسة كورديليا لدرجة أنها شعرت بثقلٍ في وجوده. حتى عندما حاولت شُرب كوبٍ مِن الشاي، كان يُحدق في الخادمة وكأنهُ يتهمُها بالتسميم، بل وأخذ الكوب منها وشربهُ دوّن استئذان.
“يُمكنني تمييزُ السموم بنفسي.”
“أنتِ تدّعين ذَلك، كيف تناولتي تارشيا مِن قبل؟”
“هَذا لأنني لَمْ أتناولهُ عن قصد، بل أُجبرتُ على ذَلك، وأنتَ تعرفُ هَذا جيدًا.”
بينما كانت كورديليا تتجادلُ مع بيلوتشي، اقتربت ليلى، التي لَمْ ترها منذُ فترةٍ طويلة.
“لديكِ زائر.”
“زائر؟ لكن مُعلمي في القصر الملكي الآن. مَن يكون؟”
“إنها ليست هُنا للبحث عن السيد، بل جاءت للبحث عنكِ، سيدة كورديليا.”
“جاءت مِن أجلي؟”
“نعم. إنها امرأةٌ متوسطة العُمر ترتدي زي الكهنة، وبشرتُها سمراء كأهل الجنوب.”
“أوه، أيُمكن أنْ تكون… لأني؟”
وقفت كورديليا فجأةً، وطلبت مِن ليلى بسرعة أنْ تُحضرها. كان مِن المُفترض أنْ تعود لأني إلى يراتكوس قبل أسبوعين، فكيف وصلت إلى العاصمة؟
“سيدتي.”
كما توقعت، كان الزائر هو لأني. عانقت كورديليا كما لو أنهُما لَمْ تلتقيا منذُ سنوات. بينما وقف بيلوتشي على بعد خطواتٍ قليلة، كأنهُ حجر.
“ما الذي جاء بكِ إلى هُنا؟”
“لدي أخبارٌ سارة. أثناء عودتي إلى يراتكوس، حصلتُ على إذنّ مِن رئيس الكهنة.”
“إذن؟”
“إذن باستخدام القوى المُقدسة. وعندما سمعتُ أنْ دوق أتيلي متجهٌ إلى العاصمة، سارعتُ للحاق بهِ.”
كان على وجه لأني مزيجٌ مِن الفرح والحماس.
لكن كورديليا لَمْ تتمكن مِن فهم ما تعنيهِ بسهولة. كانت تعرفُ أنْ هُناك كهنةً في المعبد يمتلكون قوى خاصة، لكنها لَمْ تفهم لماذا تبعتها لاني إلى هُنا بسبب ذَلك.
“ما الفائدة مِن هَذهِ القوى؟”
“يُمكنني بفضلِها التحقق مِن النسب بدقة، وبالتحديد إثبات الأبوة. سمعتُ أنْ السيد فاسكويز أيضًا موجودٌ في العاصمة. باستخدام قوتي، يُمكننا كشفُ الحقيقة بالكامل.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》