أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 134
الفصل 134 : حياتي الأولى والأخيرة ¹⁵
كلماتُه كلما استمرت كانت أكثر استغرابًا. لَمْ تعرف كورديليا مِن أين تبدأ أو أين قد تنتهي في انتقادها له، فبقيت فقط تفتحُ فمها بلا كلام.
وعندما لَمْ تستطع قول شيء وبقيت شفتاها مفتوحتين، سألها ليونارد بنبرةٍ شديدة البرود.
“لماذا؟ لديكِ الكثير مِن الضيوف لتدعيهم؟ حسنًا، ادعيهم جميعًا. هُناك مساحةٌ كافية.”
“ما الذي تفعلهُ الآن؟”
“أستعدُ للزفاف.”
“متى قلتُ بإني سأتزوج؟ أم أنكَ قد وجدتَ عروسًا أخرى غيريّ في هَذهِ الأثناء؟”
ردةُ فعل كورديليا الساخرة جعلت طرف شفتي ليونارد يرتفعُ مِن جهةٍ واحدة، وهو دليلٌ واضح على أنهُ غاضبٌ للغاية.
“عندما فكرتُ في الأمر جيدًا، هل سبق وأنْ أخذتُ برأيكِ؟ سواء كان الأمرُ يتعلق بالعاصمة أو عندما ذهبنا إلى أراضي ديلوانا، كُل شيء تمَ وفقًا لإرادتي.”
“إذن هل تنوي أنْ تفرضَ عليَّ الزواج منكَ أيضًا؟”
“يبدو بأنكَ قد نسيت، هَذا زواجي أيضًا. وما المانع؟ على أيِّ حال، ليس عليكِ الاستعداد لأيِّ شيء. فقط أمسكي يدي وادخلي معي يوم الزفاف، وهَذا كُل شيء.”
في البداية، ظنت بأنهُ يمزح، لكن ملامحُ وجهِ ليونارد كانت جادةً للغاية. فَهو ليس مِن النوع الذي يُطلق النكات. لذا قررت كورديليا أنْ تتحدث معهُ بجديةٍ أيضًا.
“لا أريدُ الزواج منك.”
“لماذا؟”
“هل يجبُ أنْ أشرح الأسباب؟ فقط لا أريدُ. قلتُ لا.”
شعرت كورديليا وكأنها طفلةٌ تشتكي مِن أخذ الدواء، لكنها أصرت على موقفها.
“هل تكرهينني أنا أم تكرهين فكرة الزواج؟ تكلمي بوضوح.”
لو كان ليونارد شخصًا عاديًا، لتراجع عند هَذهِ النقطة، لكنهُ لَمْ يترُك أيَّ كلمةٍ تَمُر دوّن نقاش. ولأن كورديليا لَمْ يكُن لديها سببٌ واضح، بدأت تقدمُ أعذارًا واهية.
“فقط لأن فكرة الزواج قد أصبحت مُزعجةً بالنسبة لي…”
“وماذا بعد؟ أكملي الحديث.”
ليونارد كان يضغطُ عليها، فأجابت بترددٍ أخيرًا:
“وأنتَ أيضًا…”
“آه، حقًا؟ تكرهينني أيضًا؟ أتجدينني مُزعجًا؟”
“لا، هَذا… ما أعنيهِ هو… نعم.”
الاعتراف لشخصٍ تُحبه بأنهُ مُزعج كان يتطلبُ شجاعة. كورديليا قبضت يدها بإحكام ووجهت نظرها إلى الأرض وهي تتحدث.
حينها، وكأنه كان ينتظرُ ذَلك، رد ليونارد بحدةٍ، وكأنهُ جاء إلى هُنا خصيصًا ليقول هَذهِ الكلمات.
“إذن ماذا؟ إذا كنتِ تكرهينني، فَما الذي سيحدُث؟ أنا أحبُكِ أكثر بكثيرٍ مِما تكرهينني. لا، أنا أحبُكِ. لذا، لا يهُم. حتى لو كنتِ مُصرةً على أنكِ لَن تتزوجيني، سأنتظرُكِ خمس سنوات أو حتى عشر سنوات.”
“……”
“وسأقتلعُ عينا أيِّ رجلٌ يقتربُ منكِ، وأقطعُ لسان أيِّ شخصٍ يتحدثُ إليّكِ.”
كانت نظرتهُ مُرعبةً للغاية لدرجة أنها لَمْ تستطع حتى أنْ تسألهُ إنْ كان يمزح.
“بالإضافة إلى ذَلك، أنتِ تلميذتي على أيِّ حال، أليس كذَلك؟ لذَلك، سواء أحببتِ أم لا، عليكِ البقاء معي طوال حياتكِ. لذا استسلمي. أنا لَن اترككِ أبدًا.”
“أنا…”
“إذا لَمْ يكُن لديكِ سببٌ مُقنعٌ لرفض الزواج، فلا تتكلمي، لا أحتاجُ إلى إجابتكِ.”
كان مِن الواضح أنه لَن يتراجع مهما حدث، ومع ذَلك، جاء ليُخبرها شخصيًا. لو كان حقًا لا يهتمُ بمشاعِرها، لما جاء وأخبرها، بل كان سيسحبُها إلى الزفاف مُباشرةً. بدا الأمر وكأنهُ يُحاول أنْ يطلبَ منها الاهتمام بمشاعرهِ، ممِا جعلها تشعرُ بالمزيدٍ مِن الذنب. انخفض صوتُ كورديليا أكثر فأكثر.
“لا تُضيّع وقتكَ معي.”
“وقتي مُلكي. سأبذلُ حياتي كُلها مِن أجلكِ، سواء أحببتِ ذَلك أم لا. هل فهمتِ؟”
قال ذَلك وهو يتنفسُ بغضبٍ، ثم استدار ومشى بعيدًا. ظلّت كورديليا تُراقبهُ بصمت.
لكن فجأةً، استدار ليونارد مرةً أخرى وعاد إليّها.
“قدمُكِ.”
ثم قال بصوتٍ جافٍ للغاية.
“ماذا؟”
“قدمُكِ. هل أريتِها للطبيب؟”
“آه، نعم. قال بإنها ليست مُشكلةً كبيرة.”
“لا تتجولي هُنا وهُناك بلا هدف، وابقَي في غرفتكِ بهدوء. بعد يومين، سنترُك هَذا المكان المُزعج.”
وضع تركيزًا خاصًا على كلمة “المزعج”، ثم اختفى تمامًا في نهاية الممر. كانت مشاعرُ كورديليا مُعقدةً للغاية، حتى إنها لَمْ تستطع تحديد ما تشعرُ بهِ بعد الآن.
***
“اعتني بنفسكِ جيدًا.”
في اليوم الذي غادرت فيه هاشيموس، جاءت لأني وأمسكت بيد كورديليا بقوةٍ، ودموعها تملأ عينيها.
“سأكتبُ لكِ.”
“سأعود إلى يراتكوس بعد أيامٍ قليلة، لكنني سأعودُ قريبًا جدًا. وسأكشفُ حتمًا أنكِ الابنةُ الحقيقية للسيد فاسكويز، لذا فقط انتظري قليلًا.”
“… حسنًا، شكرًا لكِ، لأني.”
كانت كورديليا على وشك أنْ تقول إنْ كونها الابنة الحقيقية لوالدها لَمْ يعُد يهمها، لكنها ابتلعت الكلمات في حلقها. لَمْ يكُن هُناك حاجةٌ لقول أشياء لا ضرورة لها.
ودّعت لأني بالبكاء وصعدت إلى العربة. كان روزنبلور قد غادر هاشيموس بالفعل لمُطاردة ظلّ أخر مرةً أخرى.
أما أنطون، الذي كان لا يزال يُعاني مِن صعوبةٍ في الحركة، فَلَمْ يظهر. وعندما سألت كورديليا عن مصيرهِ، تغيّرت ملامحُ ليونارد إلى البرود فجأةً.
“يبدو أنهُ قد لعب دور الضحية أمامكِ، لكنهُ في الحقيقة الشخص الذي اختطفكِ وأجبركِ على شُرب السم مِن أجل ابنتهِ الميتة. كما أنهُ جعلكِ تعيشين بقية حياتكِ مُعتمدة على الترياق. إنهُ عجوزٌ أنانيٌ بالفعل.”
“بالكاد كتمتُ رغبتي في قتلهِ بيدي.”
“أنا أيضًا لا أنوي مُسامحته. ولكن…”
“ولكن ماذا؟”
نظر إليّها ليونارد، الذي كان جالسًا مُقابلها، بعينين غاضبتين. كان يبدو مُصممًا على عدم التسامُح أو تخفيف الحُكم عليه.
“لا تدفعهُ إلى زاويةٍ لا مخرج منها. إذا قرر فجأةً إنهاء حياته، سيكون ذَلك مُزعجًا. عليهِ أنْ يدفع ثمن جريمتهِ بشكلٍ صحيح.”
“همف.”
تأفف ليونارد وهو يعقدُ ذراعيه. لَمْ يكُن جوابهُا كما توقعت.
“افتحي الكتاب. الطريق إلى لانشا سيستغرقُ عشرة أيام، لذا استغلي الوقت في الدراسة.”
“هل سأتعلمُ أخيرًا السحر الهجومي؟”
“أنتِ بالكاد تستطيعين إشعال شرارةٍ صغيرة، فَما بالُكِ بالسحر الهجومي؟ هل تظُنين أنهُ شيء يستطيع أيُّ شخصٍ القيام به؟”
“لكني الآن أستطيعُ إشعال النيران بشكلٍ جيد.”
فور أنْ أنهت كورديليا حديثها، أشعلت نارًا خافتةً فوق راحة يدها. وسألها ليونارد بدهشةٍ.
“متى تعلمتِ ذلك؟”
“أثناء وجودي في هاشيموس، لَمْ يكُن لديّ ما أفعلُه، لذا درستُ السحر. وأنا الآن أستطيعُ إشعال نيران في كلتا يديّ في آنٍ واحد.”
شعرت كورديليا بالفخر عندما رأت وجهَ مُعلمها المُندهش. مدت راحتيها وأظهرت لهُ النيران التي كانت تتدربُ عليها بجد.
“إذا كنتِ تعرفين كيف تفعلين ذَلك، فَلماذا لَمْ تقولي شيئًا؟”
“لأن هَذا هو كل ما أستطيعً فعله. فقط إشعال النيران فوق يديّ.”
أظهر ليونارد تعبيرًا واضحًا عن الإحباط دوّن مُحاولة إخفائه.
على مدى الأيام العشرة التالية، كرّسا وقتهُما لدراسة السحر دوّن تبادل الأحاديث الجانبية. على الرغم مِن أنها لَمْ تتمكن بعد مِن استدعاء رُمحٍ جليدي مثل ليونارد أو طائرٍ مُشتعل مثل روزنبلور، إلا أنها بدأت تُقلد هَذهِ المهارات بشكلٍ جيد.
وكأنهما اتفقا ضمنيًا، لَمْ يتحدثا عن موضوع “الزواج” طوال هَذهِ الفترة. وحتى عندما كان الموضوع يظهُر بطريقةٍ غيرِ مُباشرة، كان ليونارد دائمًا يُحاول تغيير الموضوع.
قبل وقتٍ قصيرٍ مِن وصولهما إلى لانشا، وصل طائرٌ يحملُ رسالةً مُشفرة، وكان عليها رسمُ لغزالٍ فضي. قرأ ليونارد الرسالة، وظهرت علاماتُ الانزعاج على وجههِ على الفور.
اقترب بارون، الذي انضم إليّهما قبل يومين، وسأله:
“هل حدث شيء في القصر الملكي؟”
“لقد ظهرَ نازازبوت في العاصمة.”
“ماذا؟ يا إلهي. في العاصمة، لا يوجد سوى الحرس الملكي في العاصمة لحمايتِها.”
“علينا تغيٍر وجهتنا. تم إرسال استدعاءٍ طارئ لجميع العائلات الثماني.”
وعلى هَذا، غيّروا وجهتهم مِن الغرب إلى الشرق. بدا الوضعُ خطيرًا للغاية لدرجة أنه لَمْ تكُن هُناك أيُّ اعتراضات. في الطريق إلى العاصمة، التقوا بالعائلات الثماني الأخرى.
“أتيلي.”
“ساراسين.”
ألقى ليونارد التحية. كانت دايانا، زعيمةُ عائلة الأسد الذهبي ساراسين، قد التقاها سابقًا. نزلت مِن عربتِها بشعرها الذهبي المربوط بإحكام، واقتربت للتحدُث معه.
“يبدو أنكَ تلقيت أيضًا أمر الاستدعاء. وفقًا لما قالتهُ فرقة الصيد، يبدو أنْ قوة ذَلك الشيطان تزدادُ تدريجيًا. والأسوأ أنهُ تجسدٌ فعليًا، وكُل هَذا نتيجةٌ لما فعلتهُ ابنةُ إلفينباوم، أليس كذَلك؟”
“بسبب ماكسيميليان، الذي أغرى ليديا إلفينباوم، تقعُ بعض المسؤولية على أتيلي. هل جئتِ لتُناقشي هَذا الأمر معي؟”
“آه، لَمْ أفتح الموضوع لمناقشة مَن يجبُ عليّهِ تحمُل المسؤولية.”
تراجعت دايانا خطوةٍ إلى الوراء بينما كان ليونارد يتحدثُ بوجهٍ خالٍ مِن التعبيّر. وبينما كانت تتبادلُ معه بعض الأحاديث المُختلفة، لاحظت أخيرًا وجود كورديليا ورحبت بها بحرارة.
“كورديليا. أو هل يجبُ أنْ أناديكِ الآن بسيدة أتيلي؟”
“لَمْ نتزوج رسميًا بعد.”
كم كان حديثُ زواجهم مُنتشرًا لدرجة أنْ ساراسين، التي لَمْ تلتق بها سوى مرتين، كانت تعلمُ بشأنه؟ شعرت كورديليا بعدم التصديق، لكنها لَمْ ترغب في إحراج مُعلمها أمام دايانا بقولها إنها لَمْ توافق على الزواج بعد.
“هاهاها. سمعتً أنه سيتم في الخريف، إذًا لَمْ يتبقَ الكثير. يبدو كأنه بالأمس فقط عندما سمعتُ أنْ ليونارد قرر أنْ يأخذ تلميذة، والآن لديهِ زوجةٌ أيضًا. هَذا أمرٌ يستحقُ التهنئة.”
“نعم، رُبما.”
أجابت كورديليا بابتسامةٍ مُتوترة. وضع ليونارد يدهُ بهدوء على كتفها وجذبها نحو جانبه.
“ستحضُرين حفل الزفاف، أليس كذَلك؟”
“بالطبع. خاصة أنْ أتيلي بحاجةٍ إلى عائلة بأسرع وقت.”
حتى أنهم تبادلوا التهاني. لَمْ تستطع كورديليا إبعاد يد مُعلمها، وبقيت بينهما تبتسم حتى شعرت أنْ شفتيها قد تتشنجان.
لَمْ تترك دايانا إلا عندما عادت إلى عربتها، وعندها قبضت كورديليا على يد ليونارد التي كانت لا تزال على كتفها بشدة.
“كيف علمت السيدة ساراسين أيضًا بأمر زواجنا؟”
“رُبما قد علمت العائلات الثماني كلها. لقد أخبرتكِ أنني أرسلتُ رسالةً إلى القصر الملكي، أليس كذَلك؟ يبدو أنْ جلالة ملك إيرشيه مهتمٌ للغاية بزواجي. لا بُد بأنهُ قد أرسل رسائل إلى الآخرين بِمُجرد رؤية رسالتي.”
“يا إلهي!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》