أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 133
الفصل 133 : حياتي الأولى والأخيرة ¹⁴
مأساة. وافقت كورديليا على تلكَ الكلمة. راودها افتراضٌ لا معنى لهُ عما كان سيحدُث لو اختارت ليديا خيارًا آخر. لأول مرةٍ شعرت برغبةٍ في التحدُث إلى ليديا.
“لستُ ألوم السيد روزنبلور. الأمرُ فقط كان شيئًا كهَذا حدث وحسب.”
هُناك الكثيرُ مِن الأمور التي تحدثُ في هَذا العالم، أمورٌ هائلةٌ مثلُ القدر، لا يُمكن للإنسان منعُها أو إيقافها مهما حاول. عندما يواجهُ المرء شيئًا كهَذا، فلا مفرَ مِن أنْ يشعُرَ بالعجز.
رغم أنْ موقف روزنبلور تجاه كورديليا كان غيرَ عادلٍ، إلا أنها لَمْ تكُن عاجزةً عن فهمِ مشاعرهِ تمامًا. فَفي مواجهة تلكَ التعاسة الساحقة، يُصبح كُل شخصٍ ضعيفًا وحقيرًا.
لقد شعرت فقط بخيبة أملٍ تجاه روزنبلور. كانت تتوقعُ منهُ استجابةً أكثرَ نُضجًا.
خيبةُ الأمل… أدركت أثناء الحديث ماهية هَذا الشعور المُزعج الذي كانت تشعرُ بهِ تجاهه.
“هُناك أمورٌ تحدثُ في هَذا العالم لا يُمكن فهمُها بالعقل. كما أنْ ليديا، التي تملكُ كل شيء، قد أحرقت جسدها بالكامل للحصول على شيءٍ واحدٍ فقط.”
حاولت كورديليا أنْ تُضيف بعض الكلمات التي قد تبدو كعزاء، لكنها توقفت. أيُّ كلماتٍ قد تقولها لَن تصل إلى أذنيه. مهما كانت الكلمات، لَن تغيّر ما حدث.
“وداعًا.”
بدلاً مِن ذَلك، قدمت لهُ تحية وداع. انحنت باحترام نصف انحناءة. رُبما كانت هَذهِ هي النهاية.
استدارت كورديليا وغادرت.
“هُناك ثلاثة أطباء مُقيمين في قلعة إيمبلي، لكن اثنين منهُم خرجا لعلاج الجنود، والطبيب الآخر برفقة السيد.”
رد كبير الخدم وهو يمسحُ عرقهُ المُتصبب عندما طلبت منهُ كورديليا إرسال طبيبٍ لعلاج إصابتها. كان الحرُ في منطقة هاشيموس، الواقعة جنوب إيرش، يفوقُ التصور، حتى أنْ فصل الخريف كان يقترب، إلا أنْ العرق كان يتصببُ منهُم كالمطر.
“حقًا؟ إذن لا بأس. أخبر أيَّ واحدٍ منهُم إذا كان لديهِ وقت، أنْ يأتي إليّ، آه…”
توقفت عن الكلام فجأةً عندما تذكرت أنْ أنطون قد استعاد وعيّهُ.
“كيف حالُ السيد إيمبلي؟”
“لا يزال يجدُ صعوبةً في الحركة، لكن وعيّهُ صافٍ.”
“هل يُمكنني زيارتُه وإلقاء التحية عليه؟”
“سأذهبُ لأخبرهُ بذَلك.”
لحُسن الحظ، لَمْ يستغرق كبيرُ الخدم وقتًا طويلاً وعاد بوجهٍ مشرق.
“قال بإنه لا بأس أنْ تأتي. بل هو قد سألني أولًا عن حالتكِ الصحية.”
“حقًا؟”
قامت كورديليا مِن على المقعد بسرعةٍ وهي تبدو مُبتهجة. شعرت بوخزٍ في كاحلها مِن الألم، لكنها استطاعت المشي.
قادها كبيرُ الخدم إلى الغرفة التي كان يُقيّم فيها الدوق. لَمْ يكُن المكان بعيدًا، لذا وصلوا بسرعة.
عندما فتح الباب، انبعثت رائحةُ أدويةٍ قوية. تجعدَ أنفُ كورديليا قليلاً وهي تقتربُ مِن السرير الذي كان أنطون مُستلقيًا عليهِ. وعندما رآها، التقت أعينُهما.
“كيفَ حالُكَ؟”
“لستُ سيئًا. مُعلمُكِ قد أغرقني بالسحر.”
لَمْ يكُن وجههُ سيئًا بالنسبة لشخصٍ قد عاد مِن حافة الموت، مِما جعل كلماتهِ تبدو صادقة. أشار أنطون بيدهِ إلى شيء ما.
“هل أقدمُ لكَ الماء؟”
“لا، اجلسي على الكرسي بدلًا مِن الوقوف. سمعتُ بأنكِ أصبتِ في كاحلكِ.”
أحضر الخادم الذي كان يقفُ بجانب الجدار كرسيًا بسرعة ووضعهُ خلف كورديليا. لكن لطفُ أنطون لَمْ يتوقف هُنا. بل نادى الطبيب الذي كان يقفُ بعيدًا وأشار إلى كورديليا قائلاً:
“أنا الآن بخير. اهتمَ بهَذهِ الفتاة.”
“حاضر، سيدي.”
انحنى الطبيب، الذي بدا عليهِ الوقار، بتهذيبٍ واستجاب للأمر. ورغم أنْ كورديليا كانت بالفعل بالغة، إلا أنها لَمْ تعترض على وصفهِ لها بالفتاة، بل سمحت للطبيب بمُعاينة حالتها.
فحص الطبيب كاحلها بعنايةٍ واكتشف أنهُ مُجرد التواءٍ بسيط. بعد ذَلك وصف لها مرهمًا وبعض الأدوية.
“سأرسل الأدوية مع أحد الخدم.”
غادر الطبيب والخادم الغرفة بعد أنْ أنهى حديثهُ. الآن، لَمْ يبقَ في الغرفة سوى كورديليا وأنطون.
كان أنطون يُحدق في الشمس الغاربة عبرَ النافذة. لَمْ تقاطعهُ كورديليا، تاركةً لهُ الوقت. وبعد مرور فترةٍ، تحدث أنطون دوّن أنْ يرفعَ نظرهُ عن النافذة.
“رأيتُ لارا في حُلمي.”
تذكرت كورديليا أنْ هَذا الاسم يعود إلى زوجة أنطون. كان وجههُ المُنعكس في النافذة مليئًا بالندم والذكريات والحُزن العميق.
“بعد وفاة لارا، كنتُ دائمًا أفكر في أنني أريدُ الموت. تمنيتُ لو أختفي مِن هَذا العالم عند استيقاظي صباح اليوم التالي. لكن كان لديّ روزالين. كان عليّ حمايتُها، لذَلك استطعتُ أنْ أعيش يومًا بعد يوم بصعوبة.”
“أفهم.”
لَمْ تُحاول كورديليا أنْ تُقدم لهُ كلمات عزاءٍ مُتسرعة، بل اكتفت بإجابةٍ بسيطة ثم صمتت مُجددًا.
“قد يبدو هَذا عذرًا، لكن كلماتُ ماكسيميليان كانت كالأمل الأخير بالنسبة ليّ في ذَلك الوقت. اعتقدتُ أنه إذا استطاع أتيلي إحياء نفسهِ، فقد يكون بإمكانهِ فعل الشيء نفسه لأبنتي. لو لَمْ أصدق ذَلك، لما استطعتُ أنْ أتنفس.”
عندما انتهى مِن اعترافهِ الطويل، التفت أخيرًا لينظُر إلى كورديليا.
“لقد أخبرَ أتيلي مجلس النبلاء بكُل شيء. وعندما أتعافى، سيتمُ تقديمي للمحاكمة.”
“ماذا يعني ذَلك؟”
“لقد ساعدتُ ماكسيميليان في الهرب مِن السجن، وهددتُ أحد النبلاء بالسُم. إنها جرائمٌ خطيرة، ولا أعتقدُ أنْ العقوبة ستكون خفيفةً.”
“الإعدام؟”
“إذا كنتِ تريدينهُ، فَهَذا مُمكن.”
كانت تسألُ ببساطة، لكن الإجابة الجدية أدهشت كورديليا، وجعلتها تشعرُ ببعض الارتباك.
“تتحدثُ وكأنْ الأمر لا يعنيك.”
“لِمْ أدرك ما فعلتُه إلا بعد أنْ انتهى كُل شيء. أنا آسف لما سببتُه لكِ.”
“ولكن، مهما كان جرمُكَ كبيرًا، هل يُمكن حقًا تنفيذ الإعدام بحق الدوق؟ ألا تقول هَذا فقط لتكسبَ تعاطُفي؟”
عندما شككت كورديليا بنظرةٍ مُرتابة، ضحك أنطون بهدوء.
“هاهاها، يبدو أنكِ لا تُدركين مدى قوة أتيلي بعد. إذا أراد، بإمكانهِ حتى خلعُ ملك إيرشيه.”
كورديليا كانت تنسى أحيانًا أنْ ليونارد هو رئيس عائلة أتيلي العظيمة، لكنها في مثل هَذهِ اللحظات كانت تُدرك مدى عظمة مُعلمها.
“إذا كنتِ تُريدين الانتقام، فقط أخبري مُعلمكِ. فَهو شخصٌ يستطيعُ إحضار رأسي إليّكِ.”
“لا أريدُ ذَلك.”
“ماذا؟”
“لا أريدُ قتل شخصٍ يتوق إلى الموت.”
“…….”
تساءلت كورديليا في سرها، لماذا ذكر أنطون الإعدام أولاً، مِن بين جميع العقوبات؟ وكأنهُ يريدُ منها أنْ تختار له هَذا المصير.
“العقوبة الحقيقية هي أنْ تُعاني وأنتَ على قيد الحياة. لذا، عش حياتك.”
“حياتي لَمْ يعُد لها أيُّ معنى.”
لأول مرة، ظهر الاضطرابُ على وجه أنطون الذي بدا خاليًا مِن أيِّ مشاعر حتى الآن. نهضت كورديليا مِن مكانها.
“مع ذَلك، عش حياتك. بسبكَ، عليّ تناول الترياق كُل عشرة أيام لبقية حياتي. إذا فوتُ يومًا واحدًا، سأموتُ في ألمٍ مروع. أردتُ أنْ أجعلكَ تشعرُ بالخوف نفسه مِن خلال إعطائك السُم، لكنكَ ستفرح ُبالموت، لذَلك لَن أفعل.”
كانت تتمنى أنْ يعيش أنطون حياتهُ الباقية نادم ليدفعَ ثمن ذنوبهِ. الموت الذي يجلبُ له السلام سيكون تساهُلًا كبيرًا معه.
“إذا كانت الحياة عقابًا، فعشها لدفع ثمن ما فعلت.”
“هل هَذهِ هي العقوبة التي اخترتِها لي؟”
“نعم.”
هزّت كورديليا رأسها بقوةٍ بالغة.
“حسنًا، إذًا……”
تمتم أنطون بينما كان ينظرُ إلى شرشف السرير، ثم فجأةً رفعَ رأسهُ وتحدث إلى كورديليا التي كانت على وشك المُغادرة.
“هل هُناك شيء تريدينه؟”
“ماذا تعني؟”
“بسبب طَمَعي الأحمق، حدث كُل هَذا. قولي ما تُريدينهُ، وسأحققهُ باسم عائلة إيمبلي.”
“لا أعرف. لا يخطرُ ببالي شيءٌ الآن.”
“ماذا عن المهر؟”
“ماذا؟ أتعني… هل جُننت؟ هل تقترحُ أنْ أتزوجكَ؟”
عندما ارتدت كورديليا إلى الخلف بصدمةٍ، تغيّرت ملامح أنطون فجأةً.
“لا تقولي شيئًا كهَذا. بالنسبة ليّ، كانت لارا الزوجة الوحيدة.”
“إذاً، لماذا ذكرتَ المهر فجأةً؟”
“ألا تُخططين للزواج مِن أتيلي؟ لا أعتقدُ أنْ عائلة فاسكويز الفقيرة ستوفر مهرًا مُناسبًا.”
“ماذا؟ لا، لا. أنا مُجرد تلميذةٍ لديه، هَذا كل شيء.”
هزّت كورديليا رأسها بسرعةٍ لنفي كلامهِ. بدا أنطون مُشككًا وسأل مُجددًا.
“ألَمْ يتقدم أتيلي لخطبتُكِ بعد؟”
“كيف عرفتَ ذَلك؟ هل أخبركَ مُعلمي؟”
“الشخص الذي يُحب لا يُمكنه إخفاء ذَلك.”
رد بجوابٍ غامض. بدأت كورديليا تُفكر في كلماتهِ. كانت كلمة “الحُب” ثقيلةً على لسانها.
لاحظ أنطون أنْ تعبيّرها لَمْ يكُن سعيدًا.
“يبدو أنكِ لديكِ مشاعرٌ لهُ أيضًا. إذاً، ما المُشكلة؟ ألَمْ يعرض عليكِ الزواج بالفعل؟”
“لستُ كفؤة لهُ. أنا لا أستحقُه.”
“ما الذي يجعلُكِ غيرَ كفؤة؟”
“ماذا؟”
“ما الذي يجعلُكِ غيرَ كفؤة؟ أليستِ فاسكويز واحدةٌ مِن العائلات المُقدسة الثمانية؟”
“لكن… لقد كنتُ متزوجةً سابقًا.”
“ولكنكِ الآن لستِ كذَلك. سمعتُ أنْ زوجكِ قد مات.”
في تلكَ اللحظة، استعاد أنطون زمام الحوار. ومع كُل كلمة كان ينطقُها، كانت كورديليا تُكافح للرد عليه.
“عائلتي ستلتصقُ بي كالمصاصين إذا تزوجتُ مِن عائلة أتيلي. بالإضافة إلى ذَلك، عائلة فاسكويز فقيرة، ولَن تتمكن مِن تقديم مهر.”
“إذا كانت عائلتُكِ عقبة، اقتُليهم. لا تخبريني بأنكِ ما زلتِ تحنين إليّهم بعد كُل ما حدث.”
“يا إلهي، شخصُ دفع عشرة آلاف لينكيت لعائلتي يقول هَذا الكلام؟”
“لا داعي لأن تتمسكي بالعائلة إذا كانت بلا فائدة. بعض العائلات يكون وجودها أسوأ مِن عدمها.”
لكن كورديليا أصرّت بعناد ورفضت كلامه. فهم أنطون أنها تُخفي سببًا آخر لكنها لَمْ تقُله، ومع حكمتهِ كشخص أكبر سنًا، لَمْ يضغط عليها.
“لا تفتعلي حماقة.”
“…….”
“الأشياء التي تُقلقكِ الآن، ستُدركين لاحقًا أنها ليست شيئًا على الإطلاق. لا تخسري الشخص الذي تُحبينه بسبب أمورٍ تافهة.”
“أنا… أنا…”
في تلكَ اللحظة، انفتح الباب فجأةً بصوتٍ عالٍ، كما لو كان الطارق غاضبًا. تنهد أنطون.
“اذهبي. يبدو أنْ شخصًا ما ينتظرُكِ في الخارج.”
في هَذا القصر، هُناك شخصٌ واحد فقط يُمكن أنْ يكون في انتظارها. وكما توقعت، كان ليونارد واقفًا بالخارج.
وقفت كورديليا في الممر ونظرت إلى ليونارد.
“مُعلمي. كيفَ أتيت إلى هُنا؟”
“أخبرني الخادم بأنكِ هُنا.”
“نعم. أردتُ التحدُث إلى الدوق إيمبلي.”
“حقًا؟ بالمُناسبة، لديّ ما أقوله لكِ.”
قبل أنْ تسأل عن الأمر، بدأ ليونارد يتحدثُ بسرعة:
“سيكون الزفاف في الخريف. لانشا في أجمل ما تكون في هَذا الفصل.”
“لانشا؟”
“الإقطاعية التي يوجد بها قصر أتيلي. أما الخاتم، فسنستخدمُ خاتم الألماس الذي تتوارثهُ عائلتُنا. بالنسبة للملابس، سنأخذُ قياساتكِ، وشهرٌ سيكون كافيًا.”
“انتظر، مهلاً! مُعلمي، ماذا تعني؟”
“لقد أرسلتُ بالفعل رسالةً إلى الملك نُعلمه بزواجنا.”
“أرسلت ماذا؟”
“لَن تكون هُناك دعواتٌ كثيرة. لا أنا ولا أنتِ لدينا علاقاتٌ كثير.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》