أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 132
الفصل 132 : حياتي الأولى والأخيرة ¹³
كلما تفوهَ روزنبلور بكلمة، شعرت كورديليا وكأنْ أشواكًا حادةً تخترقُ صدرها.
كانت تعلمُ أنْ ليديا تكرهُها. ولكن أنْ يكون هَذا الكُره بهَذهِ الصراحة والعدائية؟ كانت مُجرد كلماتٍ سمعتها بشكلٍ غيرِ مُباشر، لكنها جعلت قلبها يخفُق بألم.
كان ألمُ قلبها أشدّ مِن الألم الذي شعرت بهِ في كاحلها المُلتوي. ليديا، التي اعتبرتها صديقةً ولو لفترةٍ قصيرة، جعلتها كراهيتُها وحقدُها تُعاني كثيرًا.
لكن ما كان يؤلم كورديليا أكثرَ مِن أيِّ شيءٍ آخر هو روزنبلور. لَمْ يكُن يُعبر عن مشاعرهِ بشكلٍ صريح، ولكنهُ بدا وكأنهُ يريدُ أنْ يقول إنْ كورديليا هي السبب في كل ما حدث.
“هل تُريدني أنْ أموت؟”
أمسكت كورديليا بيد روزنبلور التي كانت على خدها. اندهش روزنبلور مِن جرأة تلكَ الحركة وحاول سحب يدهِ، لكنها لَمْ تترُكها.
“هل تُريد أنْ تقول أن بسبب ظهوري تعاونت ليديا مع ماكسيميليان لاستدعاء الشيطان؟ هل تودُ أنْ تُلقي اللوم عليَّ في قرارِها؟”
“هَذا…”
على عكس حديثهِ الانسيابي قبل قليل عندما كان يتلو محتوى مذكرات أختهِ، بدا روزنبلور وكأنهُ يضعُ عسلاً على شفتيهِ ولَمْ يستطع النُطق.
“قُلها.”
لَمْ تتجنب كورديليا عينيهِ. لَمْ تكُن تعرف مِن أين أتت هَذهِ الشجاعة. لكن اتهاماتُ روزنبلور الظالمة أشعلت نارًا داخلها. كان الغضبُ المُتراكم يحترق بهدوءٍ في قلبها.
“هل هَذا ما تُريده حقًا؟”
“… لا.”
“إذن لماذا تُخبرني بالكلام الموجود في مُذكرات ليديا؟ ماذا تُريد مني؟ أنْ اعتذار؟ أنْ أموت؟ أنْ أشعرَ بالذنب؟”
لَمْ يكُن صوتُ كورديليا عاليًا. بل إنهُ انخفض كثيرًا مُقارنةً ببدايتهِ. ومع ذَلك، وصلت كلماتُها بوضوحٍ إلى أذني روزنبلور.
حاول مُجددًا سحبَ يدهِ التي كانت تُمسك بها كورديليا، لكن الأمر لَمْ يكُن سهلاً وكأنْ مغناطيسًا كان يمنعُه. مَن سحَب تلكَ اليد في النهاية كان شخصًا ثالثًا.
“ماذا تفعلان؟”
“مُعلمي.”
ظهرَ ليونارد فجأةً بوجهٍ غاضبٍ وأمسك بيد كورديليا. لَمْ يكُن يبدو مسرورًا، رُبما بسبب سوء فهمهِ للوضع.
أمسك ليونارد بمعصمِ كورديليا بإحكامٍ. وقف الاثنان في صمتِ وهُما ينظران لبعضِهما البعض بشكلٍ غامض.
“سألتُكِ ماذا تفعلان؟”
“لا شيء.”
“لا شيء؟ هل رفضتِ عرض زواجي بسبب روزنبلور؟”
شعرت كورديليا بعدم الارتياح في هَذا الموقف. إذا اكتشف ليونارد ما قاله روزينبلور للتو، فَمِن المؤكد بأنهُ لَن يترك الأمر يمرُ بهدوء.
“مهلاً، عرضُ زواج؟ هل طلبت يد كورديليا للزواج؟”
اتسعت عينا روزنبلور عند سماع كلمةٍ غيرِ متوقعة. كان مصدومَا لأن هَذا الكلام لَمْ يكُن مِن المفترض أنْ يصدُر عن صديقٍ يعرفهُ منذُ عقود.
“نعم. لذا، مِن الأفضل أنْ تبقى بعيدًا عنها.”
تحدث ليونارد بهدوء لكنهُ رسم حدودًا واضحةً. أسرعت كورديليا في النفي.
“أنا والسيد روزنبلور لسنا كذَلك. لا أعلم ما الذي تُفكر فيه الآن، ولكن…”
حاولت كورديليا إقناع ليونارد بنبرةٍ لطيفة وهي تنظرُ إليّه. لكن يبدو أنْ كلماتها كانت بمثابة شرارةٍ د أشعلت المشاعر المكبوتة داخل ليونارد، والتي انفجرت على الفور.
“هل تريدين أنْ أخبركِ بِما أفكر؟ عندما رأيتُكما تمسكان بأيدي بعضكما البعض، فكرتُ في قطع معصمهِ ورميهِ في النهر.”
“مُعلمي…”
“هل تضحكين وتمرحين مع رجلٍ آخر بعد ساعاتٍ قليلةٍ فقط مِن رفضكِ عرض زواجي؟”
كانت عيناهُ البنفسجيتان تشتعلان بشدة، لدرجة أنْ حرارتهُا كانت محسوسة. شعرت كورديليا بالارتباك لكنها في الوقت ذاتهِ شعرت بالرضا.
“أخبريني، هل لديكِ أيُّ اتفاقٍ مُسبق مع روزنبلور؟”
“لا. أنتَ تعرفُ ذَلك بالفعل. لَمْ أمضِ وقتًا طويلاً معه، ولَمْ أتحدث معهُ سوى قليلاً…”
“لا يتطلبُ الأمر وقتًا طويلاً لكي تبدأ المشاعر في النمو. ماذا كنتُما تقولان لبعضكُما حتى تُمسكا بأيدي بعضكما هَكذا؟ لو تأخرتُ قليلاً لكنتما تعانقتُما.”
لَمْ تفهم لماذا كانت تغمرُها سعادة خفيةً بسبب غيرتهِ الطفولية. حاولت كورديليا كتم ابتسامتها.
قبل لحظاتٍ فقط، كانت كلمات روزنبلور المؤلمة تجرحُ قلبها، ولكن الآن، بنظرةٍ واحدة إلى وجهِ ليونارد، نسيت كُل شيء. لَمْ يكُن في ذهنها سوى عينيه.
“نازازبوت زرع ظلاً. كنتُ أنا وكورديليا في طريقنا للقضاء عليهِ والعودة.”
“ظلّ؟”
تحدث روزنبلور بصوتٍ هادئ وشرحَ الأحداث التي وقعت. أضافت كورديليا بعض التفاصيل كما لو كانت إيقاعاتٍ جانبية.
“كان هُناك ظلٌ لنازازبوت داخل جسد خادمتكِ؟”
“نعم. دخلت تشيلسي بعد فترةٍ وجيزةٍ مِن مُغادرتكَ، لكن صوتها تغيّر فجأةً. ثم حدث ما شرحهُ السيد روزنبلور تمامًا.”
“ولكن لماذا كنتُما تُمسكان بأيديّ بعضكُما؟”
“لقد التوت قدمي، وكان يُساعدني على المشي.”
نظرَ روزنبلور إلى وجه كورديليا ثم أبعد نظرهُ سريعًا. يبدو أنْ كلماتها كانت مؤثرةً. أنتقل اهتمامُ ليونارد مِن روزنبلور إلى قدم كورديليا.
“هل أصبتِ قدمكِ؟ دعيني أراها. إنها القدم التي أُصيبت سابقًا، أليس كذَلك؟ لقد طلبتُ منكِ توخي الحذر.”
جلس ليونارد على ركبتيهِ أمامها دوّن تردد. كان كلامهُ مليئاً بالتأنيب، لكن يدهِ التي أمسكت بقدمها تحت تنورتها كانت شديدة الحذر.
أستندت كورديليا على كتفهِ ووقفت على ساقٍ واحدة.
“آغخ!”
“هُنا؟ ستتورم مُجددًا. كيفَ تتسببين في المشاكل بِمُجرد أنْ أبتعد عنكِ للحظةٍ واحدة؟”
أحاطت تعويذةُ شفائهِ بكاحلها بطريقةٍ مُريحة.
“لَمْ أتسبب بها. لقد تورطتُ فيها فقط. كيف لي أنْ أعرف أنْ نازازبوت كان داخل جسد تشيلسي؟”
تذمرت كورديليا وهي تبرزُ شفتها السفلى. كان الحديث بشكلٍ عادي هَكذا يجعلُ ما حدث قبل ساعاتٍ قليلةٍ يبدو وكأنهُ ماضٍ بعيدٌ جدًا.
وقف ليونارد بشكلٍ طبيعي وأمسك بخصر كورديليا ليُساعدها على الوقوف. نظرت كورديليا إلى يدهِ بصمتٍ. كانت يدُه قويةً ودافئة.
هل أتظاهرُ بعدم معرفة أيِّ شيء؟ ماذا لو أنكرتُ كل شيء، سواء دمُ الشيطان أو أيَّ شيءٍ آخر، وقلتُ بإنني لَمْ أكُن أعلم شيئًا؟
أغلقت كورديليا عينيها وتخيلت حفل زفافها معه. تمشي على مَمرٍ مُزين بالزهور، تُقسم قسم الأبدية أمام الكاهن، تقضي الليل بجوارهِ، تتناولُ الإفطار معهُ في الصباح، ثم يومًا ما… تحملُ بطفلٍ يُشبهُه، طفل…
ولكن عندما وصلت إلى هَذهِ الفكرة، أظلم وجهُها فجأة.
‘أنتِ ابنة شيطان. وحشٌ يحملُ دم الشيطان.’
‘طفلكِ سيكون أيضًا شيطانًا.’
‘كيف تجرؤين حتى على التفكير في إنجاب طفل؟’
كانت تلكَ كلمات بصوت ماكسيميليان تتردد بصدى عالٍ، تُطارد كورديليا دوّن توقف. حاولت بكُل قوتها نفي تلكَ الأفكار، ولكن الصوت ازداد وضوحًا مع مرور الوقت. وفي النهاية، دفعت يد ليونارد بعيدًا وابتعدت عن حُضنهِ.
“أريدُ أنْ أكون بمفردي.”
“ماذا تعنيّن بذَلك؟ تعويذة الشفاء لا تُعالج كل شيء. على الطبيب فحصُكِ. جسمُكِ ليسَ بحالةٍ جيدة بسبب السُم، أليس كذَلك؟”
“سأتدبرُ أمري.”
“… هل وجودي يُزعجكِ؟”
“الأمرُ ليس كذَلك.”
تعمدت كورديليا أنْ تترُك كلماتِها مُبهمةً. ومع ذَلك، كان ما أرادت قولهُ واضحًا بما يكفي. تنهد ليونارد وابتعد عنها قليلاً. شعرت كورديليا بالذنب كلما نظرت في عينيهِ المجروحتين، فخفضت رأسها.
“سأصطحبُها إلى الطبيب، ليونارد.”
تدخل روزنبلور بينهما. حاول ليونارد أنْ يصرخ قائلاً: “مَن تظُن نفسكَ؟”، لكنهُ كبحَ نفسهُ. كان الأهم بالنسبة لهُ الآن هو صحة كورديليا وسلامتُها.
“حسنًا، أرجو أنْ تهتم بها.”
ابتعد ليونارد قليلاً، وملأ روزنبلور الفراغ. أمسكت كورديليا يد روزنبلور وسارت معه.
عندما لَمْ يعد ليونارد يُحدق في ظهرها بنظراتهِ الحارقة، وعندها فقط فتح روزنبلور فمه.
“هل رفضتِ عرض زواج ليونارد؟”
“نعم.”
كانت كورديليا تنظرُ للأمام بينما تسير. كان هناك ألمٌ طفيفٌ في كل خطوةٍ تخطوها، لكنهُ لَمْ يكُن غيرَ مُحتمل.
“هل كان بسبب ليديا؟”
“لا. الأمر ليس لهُ علاقةٌ بليديا.”
دخلت الآن تمامًا إلى القلعة. سحبت كورديليا يدها مِن فوق يد روزنبلور.
“سأذهبُ إلى الطبيب بمفردي. شكرًا على المُساعدة.”
“مهلاً.”
“هل لديكَ شيءٌ آخر لتقوله؟”
“يبدو أنْ هُناك سوء فهم. أنا لا أكرهُكِ، ولا أشعرُ باللوم نحوكِ.”
ضحكت كورديليا مِن هَذا العُذر المُبتذل. حدّق روزنبلور في وجهِها بصمت.
“لقد قلتَ بأنكَ لَن تتمكن مِن التنفس إلا إذا اختفيتُ. أعتقدُ بأنكَ عبّرتَ بالفعل بما يكفي عن كرهكَ لي.”
“هَذا لَمْ يكُن مني بل مِن ليديا.”
“هل كنتَ تنقلُ لي ما أرادت ليديا قوله؟”
قاطعت كورديليا كلامهُ وربطتهُ بموضوعٍ آخر. كانت تلكَ حركةً وقحة، لكنه لَمْ يُفكر حتى في الإشارة إليّها. بدلاً مِن ذَلك، لَمْ يستطع أنْ يُبعد نظرهُ عن عينيها الخضراء.
“لا أريدُ أنْ أعرف ما تُفكر فيهِ ليديا. ما زلتُ لا أفهم لماذا يجبُ أنْ أتحمل كراهيتها لمُجرد أنني أصبحتُ تلميذة مُعلمي. وبصراحةٍ، لا أريدُ حتى أنْ أفهم.”
“..…”
“سمعتُ أنْ مُعلمي قد رفضَ اعتراف ليديا بالفعل. ومع ذَلك، لَمْ تستسلم ليديا واستمرت في مُحاولة امتلاك ما لا يُمكنها الحصول عليهِ، حتى ألقت بنفسها في الجحيم.”
كان روزنبلور يريدُ الرد، لكنهُ في النهاية لَمْ يقُل شيئًا.
“لا أعتقدُ أنْ الأمور كانت ستتحسن لو أنني لَمْ أكُن موجودة.”
ظل صامتًا. لَمْ يكُن هَذا كلامًا يُنتظر ردًا عليه. حاولت كورديليا المُضي قدمًا وتركهُ خلفها.
لكن روزنبلور أمسك بمعصمها الأيسر فجأةً وبصوتٍ مُضطرب قال:
“أنا آسف.”
أخذ نفسًا عميقًا وانحنى ليعتذر بكُل احترام. بدا غيرَ مُعتادٍ على التحدُث هَكذا، وتلعثم قبل أنْ يتمكن أخيرًا مِن نُطق الكلمات.
“أعتقدُ أنني كنتُ بحاجةٍ إلى شخصٍ ألومه. كنتُ أرغب في تصديق أنْ كل ما حدث كان بسببكِ. رغم أنني أعرفُ أكثر مِن أيِّ شخصٍ آخر أنْ هَذا ليس صحيحًا. كلامُكِ صحيح.”
بدت ملامح روزنبلور وكأنها مُشوهةٌ بالألم. استمعت لهُ كورديليا بصمت.
“عندما توفي والدانا، طلبا مني أنْ أعتني بليديا جيدًا. لذا، كنتُ أضع كل ما تًريده وتطلُبه عند قدميها. رُبما كان هَذا هو أساس كل هَذهِ المأساة.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》