أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 130
الفصل 130 : حياتي الأولى والأخيرة ¹¹
عندما أفتحُ عيني في الصباح، أول ما يخطرُ ببالي هو ليونارد. دائمًا أتساءل عما يفعلهُ، وأشتاقُ إليّهِ إذا لَمْ يكُن بجانبي.
كلما أصبحت مشاعري نحوهُ أكثرَ وضوحًا، شعرتُ بقناعةٍ غريبة. كأنْ أحدهم يهمسُ لها لتًدرك مدى عدم انسجام دمائها مع أتيلي، وكأنها تسمعُ صوتًا يقول: “اعرفي حدودكِ.”
“أنْ آخذ شخصًا جديدًا كتلميذٍ لي؟ هل هَذا هو ما يجبُ أنْ تُخبريني بهِ الآن؟”
عضّ ليونارد شفتهِ السُفلى بابتسامةٍ ساخرة، فتضاءل صوتُ كورديليا قليلاً.
“رُبما ستُدرك أنْ المشاعر التي تكُنها لي ليست ذات أهمية.”
“ليست ذات أهمية؟ كيفَ تحكُمين على مشاعري كما يحلو لكِ؟”
تفوه ليونارد بكلماتهِ كما لو كان يقذفُها نحوها، وملأ الإصرار الثابت عينيهِ اللتين تواجهانِها مُباشرةً.
“لقد فكرتُ في الأمر عشرات، بل مئات المرات قبل أنْ أصل إلى هَذا القرار. لا تستخفي بمشاعري.”
“أنا مُرهقة…”
“لا تتهربي مِن الموضوع.”
عندما استدارت كورديليا بعيدًا، أمسك ليونارد بكتفِها بإحكامٍ ليوقفها. حاولت التخلُص منه، لكن قبضتُه كانت أقوى مِما توقعت.
“انظريّ في عيني وقولي الحقيقة.”
“أيُّ حقيقة؟”
“هل ترفُضين الزواج مني؟”
“……”
“لا. فَلنتزوج. أعلم أنْ زواجكِ الأول كان بائسًا. لكنني لستُ كزوجكِ السابق. إذا تزوجنا ورزقنا بطفل، سأكون شخصًا مُخلصًا أكثر مِن أيِّ أحد.”
أعلمُ ذَلك.
تمتمت كورديليا بداخلها. رغم برودهِ الظاهر، كان ليونارد شخصًا حنونًا ولطيفًا للغاية مع أحبائهِ. كان يتحلى بمسؤوليةٍ عالية، ولَمْ يكُن مثل كريج، لَن يخونها أبدًا. كانت تعرفُ ذَلك أكثرَ مِن أيِّ أحد.
ولهَذا السبب شعرت بالخوف أكثر.
إذا أخبرتهُ بالحقيقة، قد يقول إنه لا يهُمه، وإنه لا يهتم إذا كان دم الشيطان يجري في عروقها أم لا.
لكن كورديليا لَمْ تكُن تستطيع أنْ تضمن أنْ دماء الشيطان في جسدها لَن تضُر بهِ، أو أنْ الطفل الذي قد يولد مِنهما لَن يجلب كارثة.
“لا، رُبما لَن أتمكن مِن إنجاب الأطفال أبدًا، مثل أمي.”
أيًا يكًن، فَلَن يكون في ذَلك أيُّ فائدةٍ لأتيلي. بعد وفاة ماكسيميليان، لَمْ يبقَ مِن نسل أتيلي المًباشر سوى ليونارد. سيكون مِن الأفضل له أنْ يتزوج امرأةً عاديةً ويؤسس أسرة طبيعية بدلاً مِن البقاء مع إنسانةِ ناقصةٍ مثلها.
عندما طال صمتُها، كان ليونارد أول مَن تكلم. ارتسمت خطوطُ الألم على جبينهِ.
“قولي أيَّ شيء.”
“إجابتي لَمْ تتغيّر.”
أغلقت كورديليا شفتيها بعنادٍ وتجنبت النظرَ في عينيه. سمعت تنهيدةً عميقة مِن فوق رأسها.
“لا أستطيعُ أنْ أقتنع. قبل أنْ أخرج مِن هَذهِ الغرفة، طلبتِ مني أنْ أطلب يدكِ مرةً أخرى. ما الذي تغيّر في علاقتنا خلال هَذا الوقت القصير؟”
“أعتقد بأنني كنتُ مُتسرعةً في قراري. عندما فكرتُ في الزواج منكَ بجدية، شعرتُ بالخوف.”
“ما الذي يُخيفكِ لهَذا الحد؟”
“كُل شيء.”
أخشى أنْ أدمركَ.
“إذا كنتِ تخشين نظرات الآخرين، يُمكننا إقامة حفل زفافٍ بيننا فقط. وإذا كان اسمُ أتيلي عبئًا عليكِ، فَلَن يكون عليكِ تحمُل أيِّ مسؤولية. أعدُكِ.”
استمرت توسلات ليونارد ومُحاولاتهِ لإقناعها. ومع ذَلك، بقيت كورديليا صامتةً كالصخرة، تهزُّ رأسها نفيًا فقط. حاول ليونارد أنْ يغضب ويثور، لكنهُ استسلم في النهاية.
“لنتحدث لاحقًا، عندما تكونين قد استعدتِ عافيتكِ.”
“إذا أردت… يُمكنكَ طردي.”
“طردُكِ؟ هل تعلمين ما تعنيهِ تلكَ الكلمة؟”
عاد ليونارد الذي كان على وشك مُغادرة الغرفة إليّها. لَمْ تستطع كورديليا مواجهة نظراتهِ الحادة وخفضت عينيها مُجددًا.
“أعلم أنها بمثابة حُكمٍ بالإعدام على ساحر.”
“إذا كنتِ تعرفين، كيفَ تجرؤين على قول ذَلك؟ هل تُريدين قطعَ علاقتكِ بي تمامًا؟”
“لا، ليس كذَلك.”
كانت تعني أنه لَن يكون لديها ما تقولهُ حتى لو طردها ليونارد مِن شدة غضبهِ منها. ولكن ليونارد فسرَ كلماتِها بطريقةٍ مُختلفة. فجأةً أمسك بمعصمِها بقوةٍ وقال بصوتٍ مُنخفض:
“تظُنين أنني سأسمحُ لكِ بالهرب؟”
“أنا لا أحاول الهرب… أنا فقط.”
“فقط ماذا؟”
كانت نظراتُه مُميتةً كأنها تحملُ سكينًا غيرَ مرئي. عندما عجزت كورديليا عن الرد، ألقى ليونارد بمعصمها جانبًا.
“سواء أردتِ ذَلك أم لا، ستبقين بجانبي حتى الموت. حتى لو لَمْ نتزوج.”
“أعلم.”
“لذا، لا تُفكري في أشياء سخيفة، وابقِ هادئة. بِمُجرد أنْ أصنع الترياق، سنذهبُ إلى ويلاس على الفور. وبعدها، سأ…”
توقف ليونارد عن الكلام فجأةً ومسح وجههُ بعنفٍ بيديه. تمتم قائلًا: “أعتقدُ بأنني أصبتُ بالجنون أخيرًا.” ثم أدار ظهرهُ وغادر الغرفة تاركًا كورديليا.
ظلّت كورديليا تُحدق في الباب الذي خرجَ منهُ ليونارد، ثم جلست ولفت جسدها.
راودتها أفكارٌ كثيرة.
ماذا لو ولدت في مكانٍ آخر غيرِ فاسكويز؟ ماذا لو ولدت في عائلةٍ طبيعية، حيثُ لَمْ تكُن أمها بحاجةٍ لعقد صفقةٍ مع الشيطان؟ هل كان سيختلفُ شيء؟
هل يجبُ أنْ تعتذر لليونارد الآن وتخبره بالحقيقة؟ أم أنها يجبُ أنْ تتظاهر بأنها لا تعرفُ شيئًا وترتدي الخاتم الذي قدمهُ لها؟
“آنستي.”
في تلكَ اللحظة، دخل شخصٌ ما إلى الغرفة بحذر. كانت تشيلسي، الخادمة التي كانت تعتني بكوردليا في قلعة إيمبلي. اقتربت تشيلسي بابتسامةٍ ودودة.
“استيقظتِ؟ هل ترغبين في تناول الطعام؟”
“ليس لديّ أيُّ رغبةٍ في ذَلك.”
“يا للأسف، لقد وصلت الشمس إلى مُنتصف السماء. إذا لَمْ يكُن لديكِ شهية، هل أحضر لكِ بعض البسكويت؟”
“قلتُ لا أريدُ أن أتناول أيَّ شيئًا.”
تنهدت كورديليا بعمُق وأعادت تُغطية نفسها بالبطانية. لَمْ تكُن قادرة على ابتلاع حتى رشفة ماء، ناهيك عن تناول الطعام.
“مهما كان الأمرُ صعبًا، عليكِ تناول الطعام. لكن، بِما أنكِ ستموتين على أيِّ حال، رُبما لا داعي لتناول شيء؟”
“ماذا… ماذا قُلتِ؟”
شعرت كورديليا بقشعريرة تسري في جسدها. في لحظة، انخفض صوتُ تشيلسي وتحول إلى صوت رجُل. وبردة فعلٍ شُبه غريزية، أحاطت كورديليا نفسها بحاجزٍ سحري.
“يا للأسف.”
قُطعت البطانية التي كانت تُغطيها بشكلٍ نظيف. تراجعت كورديليا بسرعةٍ إلى الخلف.
عندما رفعت رأسها لتنظُر إلى تشيلسي، كان وجهُها ملتويًا بشكلٍ غريب. أصبحت أظافرُها طويلةً، تمامًا كأظافر نازازبوت.
“تشيلسي؟”
“لقد ماتت بالفعل.”
ابتسم نازازبوت الذي كان داخل جسد تشيلسي ابتسامةً باردة. كان الوجه الذي بدا مألوفًا ومُطمئنًا قبل لحظاتٍ يبعثُ الآن على القشعريرة.
“كيف وصلتَ إلى هُنا؟ وأين ليديا؟”
“هاهاها. حتى في هَذا الموقف تُفكرين في ليديا؟ لا تقلقي، مُضيفتي نائمةٌ الآن في مكانٍ جيد.”
أخذت كورديليا نفسًا عميقًا. كانت الغُرفة التي تُقيم بها في نهاية الطابق الثالث، أعمق نقطةٍ في القصر. لَمْ تكُن تعتقد أنْ أحدًا سيهرعُ لسماع صراخها.
حاولت كورديليا أنْ تكسب بعض الوقت بالتحدُث، لكن نازازبوت أدرك نواياها واقترب مُترنحًا. تقلصت أظافرُه وعادت إلى شكلها الطبيعي، وبدأ يتحدثُ كما لو كان يلتقي بصديقٍ قديم.
“مرّ وقتٌ طويل، أليس كذَلك؟”
“لا أعتقدُ ذَلك. رأيتُكَ قبل شهر، أليس كذَلك؟”
“هاهاها، أنتِ قاسيةٌ جدًا. لقد اشتقتُ إليّكِ كثيرًا. كان مِن الصعب جدًا الوصول إلى هًنا بسبب ذَلك الكلب الملعون، لكننا التقينا الآن، وهَذا هو المهم.”
“الكلب الملعون؟ هل تقصد لوتي؟”
بدأت كورديليا تتراجع بهدوءٍ نحو النافذة. لحُسن الحظ، كانت النافذة مفتوحة. رغم أنْ الارتفاع كان كبيرًا، إلا أنهُ كان الخيار الأفضل للهرب مِن الشيطان.
“ألَمْ تشتاقي إليَّ حقًا؟”
“لماذا تستهدفُني؟”
“لماذا؟ لأنني إذا التهمتُكِ، سأصبحُ كاملًا.”
“ماذا تعني؟ هل بسبب دمي؟”
“دمُكِ؟ دمُ الإنسان ليسَ لذيذًا جدًا.”
رفعَ نازازبوت كتفيهِ ونظرَ حوله قليلًا.
“ليس لديّ هوايةُ شرب الدم، لكن إنْ كنتِ تُريدين ذَلك…”
لَمْ تُفوت كورديليا اللحظة التي انشغل فيها بنظرهِ في المكان. بتركيزٍ كامل، عززت الحاجز السحري بقوة وقفزت عبرَ النافذة المفتوحة. كانت تخشى الارتفاع، لكنها لَمْ تستطع التخلي عن إرادة الحياة.
“توقفي، كورديليا!”
“آه!”
رغم الحاجز السحري، لَمْ يكُن مِن المُمكن ألا تشعرَ بالصدمة جراء السقوط مِن الطابق الثالث. شعرت بألمٍ حاد يسري عبر عمودها الفقري بِمُجرد أنْ لامست الأرض. لحُسن الحظ، كانت قد قفزت إلى منطقةٍ عُشبية، مِما خفف مِن الإصابات الكبيرة. لكنها أصابت كاحلها ولَمْ تستطع المشي بشكلٍ صحيح.
“هاهاها.”
سمعت صوتَ ضحكٍ غريب، لا ينتمي لرجلٍ ولا لامرأة. قفز نازازبوت عبرَ النافذة بسهولةٍ ونظرَ إلى كورديليا التي تُحاول الهرب وهي تعرج.
“هل تُريدين لعب لُعبة مُطاردة؟ أحبُ ذَلك.”
“تشيلسي؟ أنتِ تشيلسي، أليس كذَلك؟”
صاح أحدُ الفرسان، الذي هرع بعد سماع الضجة. لَمْ يستطع إغلاق فمهِ مِن الصدمة عندما رأى خادمة تقفزُ بسهولةٍ مِن الطابق الثالث. صاحت كورديليا إليّه بسرعة.
“اهرُب! وأسرع بإحضار الدوق أتيلي!”
“ماذا؟ ماذا تقولين فجأةً…؟”
للأسف، كانت تلكَ آخر كلمات الفارس. نمت مخالبُ نازازبوت فجأةً وطعنت عُنق الفارس.
“أوه!”
تدحرج رأس الفارس وسقط عند قدمي كورديليا. ظلّت عينيه مفتوحتين، كما لو لَمْ يُدرك وفاته حتى اللحظة الأخيرة. شعرت كورديليا بالغثيان عندما تلاقت عيناها مع عيني الجثة.
لكنها لَمْ تستطع الاستسلام هُنا. بذلت جُهدها للركض في الاتجاه المُعاكس لنازازبوت، رغم عرجها. لكن سرعتها كانت بطيئةً للغاية، مِما جعل نازازبوت يتبعُها ببُطء وكأنهُ يسخرً منها.
“كورديليا، إلى أين تهرُبين؟ دعينا نلعبُ معًا.”
كان السبب في أنهُ لَمْ يقتُلها على الفور واضحًا. أراد أنْ يلهو بها كما يلهو القطُ بفريسته.
كانت كورديليا غارقةً في الخوف. رغم الضجيج الذي أحدثتهُ، لَمْ يظهر أحدٌ سوى الفارس الأول.
“ما الأمر؟ لا تُريدين التحدُث معي؟ مُمل. رُبما عليّ قتلُكِ الآن.”
“مَن سمح لكَ بذَلك؟”
“ماذا؟”
بصوتٌ قوي، قُذفَ نازازبوت بعيدًا. رفعت كورديليا رأسها ورأت شخصًا لَمْ تكُن تتوقع أنْ تراه هُنا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》