أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 129
الفصل 129 : حياتي الأولى والأخيرة ¹⁰
ترددت لأني وهي تفتحُ شفتيها، ثم فتحت فمها أخيرًا بعد لحظةٍ طويلةٍ مِن التردد.
“هُناك مَن يشككً في نسبكِ يا آنستي.”
“حقًا، هَكذا إذن. ولكن هل وصل الأمر إلى أنْ يبحثَ مُعلمي عنكِ بسبب هَذا؟”
بالطبع، كانت كورديليا قد أشارت سابقًا إلى كلام والدها، لكنها لَمْ تتوقع أنْ يصل الأمرُ إلى أنْ يسأل ليونارد لأني بنفسهِ.
“على ما أظُن، لأنني كنتُ أراقبكِ منذُ ولادتكِ. يبدو أنهُ أراد التأكد مِن حقيقة الأمر مني. لكنني أقسم بالحاكم أنكي وُلدتِ مِن السيدة غريتا وصاحب السمو الكونت فاسكويز.”
“ولكن… هل أنتِ واثقة؟ لقد قال أبي إنْ عينيَّ هُما رمزٌ للخيانة.”
خفضت كورديليا رأسها بابتسامةٍ مريرة. فقفزت لأني فجأةً ولوّحت بيديها.
“رمزٌ للخيانة؟! اختلافُ لون العينين يُمكن أنْ يحدُث بسهولة. كيف يُمكنه الشك فيكِ لمُجرد هَذا السبب؟”
“في الحقيقة، لستُ مُتأكدةً. في الآونة الأخيرة، أفكر أنْ الأمر قد يكون أفضل لو لَمْ أكُن ابنة والدي.”
“ماذا؟”
بدأت كورديليا تروي لـ لأني بهدوءٍ ما حدث. بدءًا مِن بيع والدها لها مُقابل خمسين ألف لينكيت لأبرامز، ثم تدخل مُعلمها لإنقاذها مِن يدهِ عبرَ دفع المال، وصولاً إلى الرسالة الكاذبة التي أرسلها لها والدها لتسليمها إلى دوق إيمبلي.
تغيّر لون وجه لأني بين الأحمرِ والبنفسجي، وحين سمعت عن الحادثة الأخيرة، احمرت غضبًا وكأنها على وشكِ الانفجار.
“كيف يُمكن أنْ يوجد شخصٌ فاسدٌ إلى هَذا الحد؟ حتى الحيوانات لا تفعلُ ذَلك.”
“بصراحةٍ، لَمْ أعد أشعرُ بالأسف لكوني لستُ ابنته. أنْ أكون ابنتهُ الحقيقية هو ما يجعل الأمر أكثر بؤسًا.”
“لابد بأنكِ قد تحملتِ الكثير.”
ربّتت لأني على كتف كورديليا بُلطف. كان ذَلك اللمس مألوفًا ومُريحًا للغاية، مِما جعل كورديليا تشعرُ وكأنها عادت إلى طفولتِها. دوّن أنْ تدري، أغمضت عينيها.
“حتى لو كان دم ذَلك الرجُل الحقير يسري فيكِ، إلا أنه لا شك أنْ دماء فاسكويز تسري أيضًا. لا تُعيري أيَّ اهتمامٍ للكلام عن كونكِ هجينةً بين البشر والشياطين.”
“ماذا؟”
فتحت كورديليا عينيها فجأةً. لكن لأني، دوّن أنْ تُدرك دهشتها، تابعت حديثها بنبرةٍ ودودة.
“صحيح أنْ السيدة غريتا عقدت صفقةً مع الشيطان للحصول عليكِ، لكن هَذا لا يعني أنكِ لستِ بشرية.”
“أمي فعلت ماذا؟ عقدت صفقةً مع الشيطان؟”
“آه، أمم…”
أدركت لأني أخيرًا مدى خطورة تعبيرات كورديليا فأغلقت فمها على الفور. أمسكت كورديليا بذراعها بشدةٍ وهزّتها.
“اشرحي ليّ الأمر بشكلٍ صحيح. ماذا يعني أنْ أمي قد عقدت صفقةً مع الشيطان للحصول عليِّ؟ هجينةٌ مع الشيطان؟”
“لا، بالطبع لا. يبدو بأنني قلتُ شيئًا لا ينبغي قوله.”
أنكرت لأني بشدةٍ وحاولت الامتناع عن الحديث حول الأمر. ولكن عندما أصرّت كورديليا على معرفة الحقيقة، لَمْ يكُن أمامها خيارٌ سوى التحدُث.
“كانت السيدة غريتا امرأةً ضعيفةً جدًا لدرجة أنها كانت تواجهُ صعوبةً في الحمل. في الواقع، مرت بعدة حالات إجهاض.”
“أعلمُ ذَلك.”
“عقدت الصفقةً مع الشيطان بعد الإجهاض الثالث. كانت السيدة غريتا تُعاني نفسيًا بشكلٍ كبير، وابتعدت شيئًا فَشيئًا عن الكونت فاسكويز. في تلكَ الظروف، كانت الصفقة مع الشيطان بمثابة الأمل الأخير.”
“ما نوعُ الصفقة التي عقدتها أمي بالضبط؟”
“كل ما أعرفهُ أنها عقدت الصفقةً للحصول على طفل. لَمْ تُخبرني بالتفاصيل، ولكنني أتذكرُ بوضوحٍ أنْ الشيطان الذي استدعتْهُ كان قويًا جدًا، مِما أدى إلى حدوث انهيارٍ كبير.”
“ما مدى قوة رتبتهِ لكي يتسببَ في ذَلك الانهيار؟”
“سمعتُ أنهُ يحتل المرتبة الثانية عشرة.”
تجمدت كورديليا في تلكَ اللحظة. مرت أمامها صورة عيني سيرفيت الخضراء، التي تُشبه عينيها كثيرًا. في الوقت نفسهِ، ترددت في ذهنها بوضوحٍ كلماتُ ماكسيميليان الحادة.
‘هل تعرفين لماذا ترين السحر؟ ذَلك بسبب الدماء القذرة التي تجري في عروقكِ.’
‘أنتِ ابنةُ الشيطان. وحشٌ ورث دماء الشيطان.’
يا إلهي.
كل شيءٍ يترابطُ الآن.
لَمْ يعُد يهم كيف عرفَ ماكسيميليان هَذا الأمر. شعرت كورديليا فجأةً بالغثيان مِن الدماء التي تسري في جسدها، ووضعت يدها بسرعةٍ على فمها. هرعت لأني نحوها وبدأت تُربت على ظهرها بقلق.
“هل أنتِ بخير؟ هل أحضرُ الطبيب؟”
“لا، أريدُ البقاء بمفردي.”
“حسنًا، أتفهمُكِ.”
ترددت لأني قليلاً قبل أنْ تُغادر. ولكن قبل أنْ تُغادر تمامًا، نادتها كورديليا.
“هل يعرفُ مُعلمي كُل هَذا؟”
“نعم. لقد سألني أولاً عن ذَلك.”
“فهمت.”
“لكن لا تقلقي. لقد أكدتُ له أنْ الأمر غيرَ صحيح، وقد غادر الدوق أتيلي بعد أنْ اطمأن.”
بقيت كورديليا تُحدق في الفراغ بعد مُغادرة لأني. شعرت بصداعّ يكادُ يشطرُ رأسها وبغثيانٍ يضجُ في أعماقِها.
هل يُمكن أنْ يكون سيرفيت هو والدي؟
حتى لو حاولتُ إنكار ذَلك، كانت عينيه الواضحتين بمثابة دليلٍ دامغ.
حتى ليونارد العظيم لَمْ يستطع رؤية السحر. لكنها رأت ذَلك منذُ ولادتها. هل يُمكن أنْ يكون ذَلك بسبب دماء الشيطان التي تسري بداخلها؟ أهو السبب في أنْ الشياطين تشعرُ بالودِ تجاهها، وكونها الوحيدة القادرة على فهم كلام لوتي؟
عندما فكرت في الأمر، أدركت أنْ هُناك العديدُ مِن الأدلة التي تُشير إلى أنها ليست بشرية.
الإنسان كائنٌ غريب الأطوار. قبل لحظاتٍ فقط، شعرت بالراحة لعدم كونها مِن نسل فاسكويز، لكن سماعُها أنها رُبما تكون هجينةً بين البشر والشياطين جعلها ترغبُ في أنْ تكون إنسانةً بالكامل مرةً أخرى.
“كورديليا!”
فُتِحَ الباب، ودخل ليونارد بوجهٍ مُشرقٍ للغاية. ركض نحوها على الفور وأمسك بيدها بإحكام.
“الدوق إيمبلي قد استعاد وعيّهُ. لقد تعلمتُ منهُ كيفية صُنع الترياق، لذا يُمكنكِ أنْ تطمئني الآن.”
“حقًا؟”
“إذا كنتِ قلقةً مِن أنهً قد فات الأوان، فلا تقلقي. كما قلتِ، أوضح الدوق إيمبلي أنهُ أعطاكِ جرعةً مِن الترياق مُسبقًا. لذَلك، عليكِ فقط أنْ تتحملي حتى الجرعة التالية.”
“هَذا مُطمئن.”
لكن وجهُ كورديليا لَمْ يكُن مُشرقًا كما كان ينبغي لشخصٍ عاد مِن حافة الموت. بدا وجهُها أكثر ظلمةً مِما كان عليهِ قبل سماع الأخبار.
لاحظ ليونارد ذَلك، لكنهُ لَمْ يأخذ الأمر على محمل الجد. نظرَ مُباشرةً إلى عينيها،
“كورديليا.”
“نعم.”
“البارون سيأتي إلى هُنا قريبًا ومعهُ الخاتم.”
“……”
“عندما يصل، سأطلبُ منكِ رسميًا…”
امتلأت عينا ليونارد بالفرح وتطلُعات المستقبل. لكن قبل أنْ يُكمل كلامه، قاطعتهُ كورديليا بسرعة.
“مُعلمي.”
“نعم؟”
“بخصوص الزواج… أعتقدُ بأننا يجبُ علينا إعادةُ النظر في الأمر.”
“ماذا؟ ماذا تقصدين؟ ألَمْ توافقي على ذَلك بالفعل؟”
“لقد غيّرتُ رأيي. يبدو بأنني قلتُ أيَّ شيءٍ في ذَلك الحين لأنني كنتُ أعتقدُ بأنني سأموت.”
سحبت كورديليا يدها مِن قبضتهِ وأخفتها تحت الغطاء، ثم قبضت يدها بشدةٍ وتحدثت بأكبر قدرٍ مِن الهدوء.
“أيُّ شيء؟ هل كان ذَلك مُجرد كلامٍ بالنسبة لكِ؟”
“أنا آسفة.”
قدمت اعتذارًا باردًا وبلا معنى. كان مِن الواضح بأنهُ قد جُرح.
كانت تُريد أنْ تخبرهُ إنْ ما قالتهُ لَمْ يكُن حقيقيًا، وإنها تحلمُ هي أيضًا بالزواج منه، لكنها اعتقدت أنْ هَذا سيكون أفضل له. كورديليا كانت تؤمن بذَلك.
لَمْ تكُن تنتمي إلى عالم أتيلي المتألق. لَمْ يكُن لها الحق في التطلع إليّه منذُ البداية. والأسوأ مِن ذَلك، أنْ تكون امرأةً تحمل دماء الشياطين.
“أعيديّ قول ذَلك. هل أنتِ جادة؟ إذن كيفَ تشعرين تجاهي؟”
“كيفَ أشعُر؟ أنتَ مُعلمي العظيم.”
“هَذا كُل شيء؟ ألا يوجد أيُّ شعورٍ آخر؟”
“قلتُ ذَلك فقط لأنكَ قلت بإنكَ تحبني. أردتُ أنْ أواكب رغبتكَ قبل أنْ أموت. لا تُعطِ الأمر أكثرَ مِما يستحق.”
“هل تعتقدين أنني أواكب رغبتكِ؟ هل تعتقدين بأنني أقول هَذا فقط بسبب ذَلك؟”
“هل قلتُ يومًا إنني أحببتُكَ؟ لماذا تتصرفُ هَكذا؟”
كان هَذا هو أفضل.
فكرت كورديليا في ذَلك بينما شعرت بأظافرها تنغرسُ في كفها. حتى لو لَمْ تكُن دماء الشياطين تسري فيها، فإن زواج ليونارد منها وهي امرأةٌ مُطلقةُ مِن عائلة فاسكويز المُنهارة لَن يكون مُناسبًا له.
كانت تُكرر هَذا في نفسها.
“هَكذا إذن؟ حسنًا.”
وقف ليونارد فجأةً. كان الاستياء وخيبةُ الأمل واضحين في عينيهِ. شعرت كورديليا بالارتباك، لكنها تحملت ذَلك. ثم أكدت كلامها بمزيدٍ مِن الحزم.
“لَمْ أشعرُ أبدًا بأيِّ مشاعر رومانسية تجاهكَ. وافقتُ فقط على رغبتِكَ لأنكَ أردتَ ذَلك.”
“إذن لماذا تغيّرتِ؟ لماذا غيّرتِ رأيكِ؟”
“لأنكَ تعلمتَ كيفية صُنع الترياق. لَمْ أعد بحاجةٍ إلى إرضائكَ. لَن ترفُض إعطائي الترياق فقط لأنني رفضتُ الزواج، أليس كذَلك؟”
“… إرضائي؟”
“إذا كان هَذا هو الأمر، فسأتزوجُكَ. لأنني أريدُ أنْ أعيش.”
“انسِ الأمر. لَن أستخدم حياتكِ للضغط عليكِ. كًل ما أردتهُ هو قلبًكِ. أردت أنْ أتقدم في العمر معكِ، أنْ أمسك يدكِ ونسيرُ معًا تحت ضوء القمر. أردتُ أنْ أكون معكِ… ومعكِ فقط.”
لَمْ يستطع إكمال كلامهِ. بدا وكأن صوتهُ قد أصبح رطبًا، كما لو كان على وشك البكاء.
“أنا أحبُكِ. أحبُكِ بصدق. لَمْ أحب أيَّ شخصٍ مِن قبل، لذا كنتً غيرَ واثقٍ مِن مشاعري لفترةٍ طويلة. لكن الآن، أعرفُ بوضوح. أول ما أفكرُ فيهِ عندما أستيقظ هو أنتِ. وعندما لا تكونين بجانبي، أتساءل أين أنتِ وماذا تفعلين. أفتقدُكِ وأريدُ أنْ أراكِ.”
“… لأنني أولُ تلميذةٍ لكَ. يُقال إنْ المُعلمين عادةً ما يكون لديّهم تعلقٌ خاص بتلاميذهم الأوائل. جرب أنْ تأخذ تلميذًا آخر.”
تمتمت كورديليا بينما تجنبت النظر إليّه. كانت كلمةُ “أحبُكِ” قد حُفرت في أعماق قلبها. وبينما كانت تستمع إلى كلامهِ، أدركت.
أحبُكَ أيضًا. أنا أحبُكَ.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》