أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 128
الفصل 128 : حياتي الأولى والأخيرة ⁹
القدر.
تأمل سيرفيت الكلمة بعد أنْ نطق بها. رُبما لَمْ يكُن سوى قدر: حقيقةُ أنْ غريتا، مُجرد ساحرةٍ عادية، استدعتهُ بالصدفة، أو نزول نازازبوت، أو ظهور ابنة غريتا أمامهُ في هَذا الوقت بالذات.
“لقد مررتِ بالكثير مِن المصاعب.”
[لقد كان ذَلك جزءًا مِن عقدي ليس إلا.]
انحنت لاوستونيو رأسها بأدبٍ أمام سيرفيت. ثم حول سيرفيت نظرهُ عن السماء المُظلمة الخالية مِن النجوم إلى الذئب الرمادي.
“لا تتركِ كورديليا وحدها في الوقت الحالي. هدفُ نازازبوت في النهاية سيكون هي.”
[سأفعل ذَلك.]
***
كان قلبُ ليونارد يحترقُ ببطء.
منذُ اللحظة التي فقد فيها أنطون وعيّهُ على يد ماكسيميليان، لَمْ يغمضَ لهُ جفن. ألَمٌ طاعنٌ، كالإبر التي تخترقُ القلب، كان يُداهمهُ بين الحين والآخر.
لمدة يومين، لَمْ يذق طعامًا أو يُغمض عينًا. كان جَسيل وبيلوتشي قلقين للغاية، وتوسلا إليّهِ أنْ يستريح قليلاً، لكنهُ لَمْ يستطع الاسترخاء. مشاعرُ القلق والخوف كانت تُسيطر عليهِ باستمرار، ولَمْ يكُن يستطيع أنْ يُجبر نفسهُ على الاستلقاء. كان يخشى أنهُ لو غفا ولو للحظة، فإنْ كورديليا قد تفقدُ حياتها، ولَن يستطيع أنْ يغفر لنفسهِ أبدًا.
“أرجوكِ.”
حتى آخرُ أملٍ لهُ، وهو استدعاء الشياطين، انتهى بالفشل. بعد أنْ سُحبت كورديليا إلى دائرة الاستدعاء، حاول مرةً أخرى، لكن لَمْ يستجب أيُّ شيطانٍ لندائهِ. عاد إلى القلعة حاملاً كورديليا الغائبة عن الوعيّ بين ذراعيه.
الآن، كل ما يستطيعُ فعله هو الإمساكُ بيدها والصلاة.
“أرجوكِ، استيقظي.”
كان يخشى أنْ يرحلوا عن بعضهم البعض إلى الأبد. قضى الليل بعيونٌ مُحمرةٍ مليئةٍ بالدموع.
كم كان ذَلك بائسًا وغبيًا.
لَمْ يشعر ليونارد قط بضعفٍ كما يشعرُ الآن.
منذُ ولادتهِ، لَمْ يعرف معنى النقص. اكتشف قدراتهِ السحرية في سنٍ مُبكرة، وُلد بموهبةٍ عظيمةٍ، وتسلقَ بسهولة إلى قمة عالم السحر، حيثُ أصبح سيد عائلة الثعبان الأبيض أتيلي، القوة العظمى.
لكن كل شيء تغيّر منذُ لقائهِ بكورديليا.
“كورديليا… كورديليا…”
ظلَ يُردد اسمها كما لو كان يقرأ تعويذة.
في البداية، كانت مُجرد مصدرِ إزعاجٍ له. عندما قبلها كـ تلميذةٍ له، كان ذَلك مُجرد نزوةٍ عابرة، ولَمْ يكًن يتوقع منها شيئًا أو يحمل لها أيَّ مشاعر.
لكن متى أصبحت كورديليا وجودًا لا غنى عنهُ في حياتهِ؟ حتى عندما حاول تذكُر ذَلك، لَمْ يستطع تحديدَ الوقت أو السبب. الآن، مُجرد تخيُل حياةٍ بدونها كان كافيًا ليشعُرَ بالاختناق.
“آه…”
رغم أنْ الصوتَ كان خافتًا للغاية، إلا أنهُ بدا لليونارد كأنهُ رعد. تفحص وجهَ كورديليا بعنايةٍ. كانت جفونُها ترتعشُ قليلاً.
“هل استعدتِ وعيّكِ؟”
“مُـ… مُعلمي؟”
بدأت تلكَ العيون الخضراء المُحبوبة تستعيّدُ تركيزها تدريجيًا. انحنى ليونارد ومسح على خدها برفق.
“أجل، أنا هُنا.”
“لماذا… لماذا أنت هنا؟”
“هل تتذكرين بأنكِ قفزتِ إلى دائرة الاستدعاء؟ بعد ذَلك فقدتِ وعيّكِ، فأحضرتُكِ إلى هُنا.”
بدت كورديليا وكأنها لَمْ تستيقظ تمامًا بعد. نظرت حولها بارتباكٍ. حتى عندما نظرت إلى ليونارد، كانت تتفوهُ بكلماتٍ غيرِ مفهومةٍ.
“آه… العمود… سيرفيت… طلبَ…”
“ماذا؟ ماذا قلتِ؟ سيرفيت؟”
“طلبَ… بدلاً منهُ… آه…”
فتحت فمها مرةً أخرى كأنها تُريد التحدُث، لكنها لَمْ تستطع إصدار أيِّ صوت. مسح ليونارد على ظهرها بلطفٍ بعينين قلقين.
حاولت كورديليا التحدُث مراتٍ عديدة، لكنها فشلت في كل مرة.
“لا، ليس هُناك شيء.”
يبدو أنْ سيرفيت ألقى تعويذةً تمنعُها مِن الكلام عنه. كلما حاولت التحدُث عنه، شعرت وكأنْ فمها مُغلق.
“لكن، مُعلمي، هل كنتَ بجانبي طوال الوقت؟ هل نمتَ قليلاً؟”
“أنا بخير.”
رغم أنه تحدث وكأنْ الأمر ليس مُهمًا، إلا أنْ عينيه كانتا مُحمرتين تمامًا. جلست كورديليا ورفعت جسدها.
“بخير؟ تبدو مُتعبًا جدًا.”
مدت يدها إلى وجههِ، فأغلق ليونارد عينيهِ بهدوء.
بينما كانت تلمسُ صدغيهُ بأطراف أصابعِها، شعرت بشيءٍ غريب. تذكرت قبلة ليونارد لها قبل طقوس الاستدعاء، وبدأت وجنتاها تُحمران دوّن وعيّ. عندما التقيا لأول مرةٍ، لَمْ تكُن تتخيل أبدًا أنها ستنظرُ إليّه بهَذهِ العاطفة.
“لماذا تبتسمين؟”
بينما كانت تسترجعُ تلكَ اللحظة، يبدو أنها ابتسمت دوّن وعيّ. فتح ليونارد عينيهِ ببطء.
“فقط… تذكرتُ عندما التقينا لأول مرة.”
“عندما التقينا لأول مرة؟”
“ألا تتذكر؟ ألقيتَ كرةً نارية عليّ فجأةً وحاولتَ قتلي.”
“متى فعلتُ ذَلك؟”
“أوه؟ أنتَ تتظاهرُ الآن. لقد فعلتَ ذَلك. قلتَ بإنني جاسوسٌ زرعهُ ماكسيميليان، وقلتَ أيضاً: ‘لَمْ أتوقع أنْ تصل يدهِ إلى هُنا’.”
“لا أتذكرُ ذَلك.”
بالطبع، ليونارد يتذكرُ كل شيء، لكنهُ اختار أنْ ينظرَ بعيدًا وكأنهُ لا يعرف. ضحكت كورديليا بصوتٍ عالٍ.
ليونارد حدّق بهدوءٍ في وجهها المُبتسم، ثم قال بنبرةٍ مُنخفضة.
“كورديليا.”
“نعم؟”
“هل نموتُ معًا؟”
“……”
“مِن المُخيف أنْ أبقى بمفردي.”
نظرت كورديليا إليّهِ دوّن أنْ تستطيع إيجاد الكلمات. لَمْ يبدو كلامهُ كمزحةٍ أو مواساة. بل كان أكثرَ رُعبًا، وكأنهُ سيُحقّق ما قالهُ لو ماتت بالفعل.
“ماذا… ماذا تعني؟”
“لقد فكرتُ في الأمر، ووجدتُ بأنني حققتُ كُل شيء. وصلتُ إلى القمة كـ ساحر، وعشتُ كـ رئيسٍ لعائلة أتيلي. لا يوجد عائلةُ ستُحزن إذا مُتّ.”
“……لا تقول أشياء سخيفة. لماذا قد تموت؟”
“ما زال لديَّ ندمٌ صغير لعدم الزواج.”
كان يبدو هادئًا بشكلٍ مُريب، وكأنهُ لا يتحدثُ عن الموت.
شعرت كورديليا بغصةٍ في حلقها. لَمْ يكُن كلامًا عشوائيًا. كانت تعرفُ أنه ليس شخصًا مُتهورًا. فكرت في الألم الذي مرّ بهِ وهو ينتظرُ أنْ تستيقظ ليقول لها ذَلك. كان الأمر مؤلمًا.
مدت يدها وأمسكت بملابسهِ بإحكام، ثم جذبتهُ بقوةٍ نحوها. ليونارد لَمْ يُقاوم، استجاب لحركتها.
“لَن أموت.”
“……حسنًا.”
“أنا جادة. أعتقدُ أنْ الدوق إيمبلي قد أعطاني الترياق دوّن علمي.”
“ماذا؟”
“اليوم هو اليوم العاشر، لكنني على ما يُرام.”
نظر ليونارد إلى كورديليا بتمعُن، يتحقق مِن حالتها. ورغم أنها لَمْ تستطع أنْ تبوح بما عرفتهُ عن سيرفيت، كانت تعرف أنْ بإمكانها أنْ تُبدد قلقه.
“انظُر، هل أبدو وكأنني مريضة؟”
“لا، لا تبدين كذَلك… ولكن…”
“وحلمتُ أيضًا أنْ الدوق إيمبلي قد استيقظ وأعطاني الترياق بنفسهِ.”
“حسنًا، حسنًا.”
لَمْ يبدُ بأنهُ يُصدق. أجابها بلامُبالاةٍ، وكأنها فقط تتجاهل الواقع القاسي القريب مِن الموت.
“لديّ طلبُ صغير.”
“ما هو؟ أخبريني.”
“اعرض عليَّ الزواج مُجددًا.”
“……”
“لَمْ أتلق عرض زواجٍ مُناسب في المرة الأولى. أريدُ أنْ أتلقى عرضًا لائقًا في هَذهِ.”
عند سماع مطلبِها الجريء، غطّى ليونارد وجههُ بإحدى يديهِ. ورغم شجاعتِها في فتح الموضوع، لَمْ ينطق بكلمة، فاستمرت في استجوابهِ.
“لماذا لا تقول شيئًا؟ لا تُخبرني بأنكَ تُفكر في إنهاء الأمر هَكذا؟”
“ليس الأمر كذَلك، أنا فقط… أعني…”
“حتى أنكَ قد أعددتَ حفل الزفاف بدوّن علمي، واخترت أسماءً للأطفال مُسبقًا.”
“……صحيح.”
“أتمنى أنْ تشبهَ وجوه الأطفال وجهكَ فقط.”
آه، ورُبما مِن الأفضل أنْ يرثوا شعركَ أيضًا. تخيلت كورديليا طفلًا بشعرٍ بلاتيني يُشبه ليونارد، وابتسمت وحدها. كان ليونارد يُحدّق بها بنظرةٍ غريبة.
“سيدي!”
في تلكَ اللحظة، فتح أحدُهم الباب بقوةٍ ودخل. بدا الغضب ُواضحًا على وجهِ ليونارد، إذ كان اقتحامُ غرفة النوم دوّن استئذان قمةً في الوقاحة. وكان مَن دخل بالطبع هو بيلوتشي، أكثرُ شخصٍ وقاحةً في القصر.
“بيلوتشي، أنتَ…”
ركض بيلوتشي نحو ليونارد وهمس بشيءٍ في أذنهِ بسرعةٍ. فنهضَ ليونارد فجأةً.
“هل هَذا صحيح؟”
“نعم! لكنهُ لَمْ يستعد وعيّهُ بالكامل بعد…”
نظر بيلوتشي إلى كورديليا بحذرٍ وهو يُقلّل مِن حديثهِ. أدركت كورداليا أنْ أنطون قد استعاد وعيّهُ كما وعدها سيرفيت، لكنهُ لَمْ يتمكن بعد مِن استعادة كامل قواه. لذا كان بيلوتشي حذرًا بشأن إعطائها أملًا كاذبًا.
كانت كورديليا تعرفُ ما يجري، لكنها تظاهرت بعدم الفهم.
“ما الأمر؟ هل حدث شيء؟”
“لا، لا شيء. سأخرجُ قليلًا، انتظريني.”
“حسنًا. عُد سريعًا.”
ابتسمت كورديليا بابتسامةً مُشرقة وهي تودّع الاثنين. كان ذهنُها الآن مشغولًا بتخيّل زفافها الوردي مع ليونارد.
“رُبما طفلان سيكونان عددًا مُناسبًا. أتمنى ألا يُحاول والديّ الالتصاق بنا إذا سمعَ بخبر الزواج.”
في تلكَ اللحظة، سُمع طرقٌ مؤدب على الباب. وعندما طلبت منه الدخول، ظهر شخصٌ غيرُ متوقع.
“لأني.”
نهضت كورديليا بسرورٍ مِن سريرها لرؤيتها، لكن لأني أسرعت إليّها تمنعها مِن النهوض.
“أرجوكِ، ابقي مُستلقية. سمعتُ أنْ صحتكِ ليست على ما يُرام.”
رغم أنْ كورديليا لَمْ تتحدث معها عن حالتها بشكلٍ مُباشر، بدا أنْ لأني قد سمعت الأخبار، وكان القلقُ واضحًا على وجهِها.
“أنا بخير. شكرًا لقدومكِ، لأني.”
“لَمْ أكُن أعتقد أنْ الدوق إيمبلي سيقومُ بمثل هَذا العمل. يقولون إنهُ فعل ذَلك بسبب الآنسة روزالين، أليس كذَلك؟”
“نعم. هل رأيتِ الآنسة إيمبلي؟”
“كنتُ عائدةً للتو بعد أنْ تحققتُ مِن حالها. يبدو أنْها كانت في هَذهِ الحالة منذً أكثر مِن شهر.”
تنهدت لأني بخفةٍ. وعلى الرغم مِن علاقتها الطويلة بالدوق إيمبلي، لَمْ تتوقع أنْ يختار مثل هَذا الخيار الخطير.
“لا أنكر أنني أشعرُ بالاستياء، لكن في نفس الوقت، شعرتُ ببعض الغيرة. كم هي محظوظةٌ الآنسة إيمبلي أنْ يكون لديها أبٌ كهَذا.”
“يا عزيزتي.”
“أنتِ تعرفين ما كان عليهِ والدي. بل رُبما لا يُمكنني أنْ أطلق عليهِ لقب والديّ بعد الآن.”
“ماذا تقصدين؟ هل يشكُ الكونت فاسكويز في نسبكِ؟”
“كيفَ عرفتِ ذَلك؟”
“في الحقيقة، زارني مؤخرًا الدوق أتيلي.”
ازدادت كآبةُ ملامح لأني.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》