أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 127
الفصل 127 : حياتي الأولى والأخيرة ⁸
“انتظري، كورديليا!”
بسبب غفلتهِ، كانت دفعتُ كورديليا فعالةً للغاية. خرج ليونارد مِن دائرة الضوء، يلوح بيديهِ في الهواء بارتباك. لكن هَذهِ المرة، رفضهُ عمود الضوء.
ضحكت كورديليا بثقةٍ وهي تعتقدُ أنها نجحت في إيقاف الاستدعاء. بالطبع، لَمْ يستمر هَذا طويلاً.
“آه!”
شعرت بألمٍ قوي يضربُ صدرها، فتوقفت عن التنفس للحظة. لَمْ يكُن ذَلك فقط؛ بل شعرت وكأنْ عينيها ستنفجران مِن شدة الألم، وأحشاؤها بدت كأنْها تحترق لدرجة أنها تخشى أنْ يخرُج منها اللهب إذا فتحت فمها.
انحنت تُمسك صدرها بيدها اليسرى. كان مِن حُسن حظها أنْ الألم لَمْ يستمر طويلاً.
“كورديليا!”
كانت النظرةُ القلقة على وجهِ ليونارد آخر شيءٍ تتذكرُه.
***
“هل استيقظتِ؟”
شعرت بيدٍ تمسحُ رأسها. فتحت عينيها، مُتوقعة رؤية ليونارد، لكنها وجدت رجُلاً غريبًا ينظرُ إليّها.
“… ماذا؟”
كانت في حالةٍ مِن ذهول، غيرَ قادرةٍ على التمييز بين الواقع والحلم. خصوصًا أنْ مظهر الرجُل أمامها كان جميلاً إلى حدٍ غيرِ واقعي.
عيناهُ، التي بدت كأنها نسخةٌ طبق الأصل مِن عيني كورديليا، أثارت مشاعر غريبةٍ داخلها.
أدركت مُتأخرة أنها مُستلقية على العُشب. جلست مُنتصبةً، ونظرت حولها، لكنها لَمْ تجد أيَّ أثرٍ لليونارد أو لوتي. لَمْ يكُن هُناك سوى الرجل الغريب أمامها.
“مَن… مَن تكون؟”
“سيرفيت.”
“سيرفيت؟”
بعد عدة محاولاتٍ للسعال بسبب صوتها المَبحوح، تمكنت أخيرًا من التحدُث بشكلٍ طبيعي.
لَمْ تكُن تسألهُ عن اسمه، لكن إجابته الهادئة والمُباشرة جعلتها تشعرُ ببعض الراحة.
لَمْ يكُن السبب فقط في نبرة صوته. كان هُناك شعورٌ غريبٌ وغيرَ مُبررٍ بالإعجاب تجاهه.
“أنتِ مَن استدعيتِني.”
“استدعاء؟ هل أنتَ شيطان؟”
بجانب نازازبوت الذي تلبس جسد ليديا، لَمْ تر كورديليا الشياطين إلا في هيئة كاندياس. لذَلك، كان مِن الصعب عليها تصديق أنْ الرجُل الوسيم الذي أمامها يُمكن أنْ يكون شيطانًا.
“نعم.”
“لكن، هل يُمكن أنْ نكون قد التقينا مِن قبل؟”
“يا للجرأة، تُحاولين مُغازلتي فور لقائنا. مثيرٌ للإعجاب.”
“آه، لا. ليس الأمرُ كذَلك!”
تلعثمت كورديليا ولوّحت بيديها بسرعة، بينما ابتسم سيرفيت ابتسامةً خفيفة. كانت ابتسامةٌ قصيرة، لكنها تركت كورديليا مشدوهةً. كان مظهرهُ صادمًا لها بقدر ما كان عندما رأت ليونارد لأول مرة.
“فقط… عندما رأيتُكَ، شعرتُ بنوعٍ مِن الحنين.”
بعدما تفوهت بهَذا، أدركت كورديليا ماهية مشاعرُها تجاهه.
لكن الحنين؟ لماذا تشعر بذلك تجاه شيطان رأته لأول مرة؟
نظر سيرفيت إليّها بصمت، ثم مد إصبعهُ ليضغط بخفةٍ على جبينها.
“إذن، لماذا استدعيتني؟”
رغم أنْ كلامه كان تغيّرًا واضحًا للموضوع، إلا أنْ كورديليا شعرت بالارتياح لتغيير الموضوع وسارعت بالرد.
“في الواقع، لَمْ أستدعِكَ بنفسي. كان مُعلمي هو مَن فعل ذَلك. لوتي قالت إنْ العالم الآن في حالة انهيار، واستدعاء شيطانٍ رفيعُ المستوى قد يُشكل خطرًا. لذَلك، آه!”
توقفت كورديليا فجأةً وهي تتحدث، وكأنها أدركت شيئًا.
“أنتَ شيطانٌ رفيعُ المستوى؟ إذًا هَذا ليس جيدًا على الإطلاق…”
“لا تقلقي كثيرًا. المكان الذي نحنُ فيهِ الآن ليس العالم الحقيقي.”
“ليس العالم الحقيقي؟”
“بالتحديد، نحنُ في عالمكِ الذهني. رُبما يكون وصفهُ بالحلم أسهل للفهم.”
تابع الشرح بنبرةٍ لطيفة. كُل شيء بدا حقيقيًا للغاية، لذَلك كان مِن الصعب عليها تصديق أنه مُجرد حلم. لكنها أومأت برأسها على مضض.
“لحُسن الحظ، طالما أنْ هَذا لا يؤثر على الواقع، فَهَذا مًطمئن. على أيِّ حال، كنتُ أحاول إيقاف مُعلمي، وبطريقةٍ ما انتهى الأمر بهَذا الشكل…”
“لماذا كان مُعلمكِ يريدُ استدعائي؟”
“في الحقيقة، سأموت غدًا. لذَلك، يبدو أنْ مُعلمي كان يُحاول عقد صفقةٍ معكَ لإنقاذي.”
“ستموتين؟ لماذا؟”
عادةً، كورديليا لا تتحدثُ بسهولة عن أمور شخصية أو الحساسة، حتى مع المُقربين منها. لكن رُبما لأنها أمام غريبٍ تمامًا، أو رُبما بسبب الشعور الغريب بالراحة، وجدت نفسها تروي قصتها بالكامل.
“هُناك رجلٌ سيء جدًا يُدعى ماكسيميليان…”
بدأت القصة بذكر ماكسيميليان، لكنها تطورت إلى حكايةٍ مُفصلة عن حياتها: كيف تعرضت للإساءة مِن والدها في فاسكويز، وكيف عانت مِن الإذلال بعد زواجها من أبرامز، ثم كيف قابلت ليونارد وأصبحت ساحرة.
“آه، آسفة. تحدثتُ كثيرًا، أليس كذَلك؟”
“لا، لقد عشتِ حياةً مُمتعة. لكن ذَلك الرجل أنطون سممكِ، وهو الآن على وشك الموت، وإذا لَمْ تتناولي الترياق بحلول الغد، ستفقدين حياتكِ؟”
“مُمتعة… نعم، هَذا صحيح.”
“على ما يبدو، لقد تناولتِ الترياق بالفعل.”
“ماذا؟”
“يبدو أنْ حالتكِ لا تًشير إلى أنكِ ستموتين غدًا.”
“ماذا؟ تقول إنني تناولت الترياق؟ ولكن، ولكن… متى بالضبط؟”
“هل تسألينني هَذا؟”
نظر إليّها كأنها حمقاء، مِما جعل كورديليا تشعرُ بالارتباك.
نظرت إلى جسدها مرةً أخرى. تبقى يومٌ واحد على المُهلة التي ذكرها أنطون، لكن وضعها الصحي بدا جيدًا جدًا بشكلٍ غريب. إذا كانت كلماتُ سيرفيت صحيحةً، فإنْ لحظات الوداع المؤثرة التي قضتها مع ليونارد والآخرين بدت مُحرجةً قليلاً.
“لكن، حتى لو كان ذَلك صحيحًا، إذا لَمْ يستيقظ الدوق إيمبلي، فسوف أموتُ على أيِّ حال.”
“هممم.”
مسح سيرفيت ذقنهُ بتأمل. بعد لحظةٍ قصيرة مِن التفكير، نظرَ مُباشرةً إلى عيني كورداليا،
“إذن، لنفعل هَذا. سأعيدُ أنطون للحياة، لكن عليكِ مُساعدتي في المُقابل.”
“هل تقصدُ عقدَ اتفاق؟”
“لا. أنتِ لستِ مؤهلةً لعقد اتفاقٍ معي.”
كلماتُ سيرفيت الباردة والصارمة لَمْ تجرح كورديليا بقدر ما أثارت فضولها.
“إذا لَمْ أكُن مؤهلةً لعقد اتفاق، فكيف لي أنْ أساعدكَ؟”
كان سؤالها منطقيًا وحادًا. ابتسم سيرفيت ابتسامةً غامضة يصعُب تفسيرُها.
“لأنه لا يوجد أحدٌ غيرًكِ يمكنه إيقاف نازازبوت.”
“أنا أوقف نازابوت؟ ما الذي تقصدُه؟”
حتى ليونارد، المعروف بأنهُ أقوى ساحرٍ في إيرشيه، واجه صعوبةً في التعامل مع نازازبوت، فكيف يُمكن لكورديليا، التي لا تزال مُجرد ساحرةٍ مُتوسطة المستوى، أنْ توقفه؟
رغم ارتباكها، لَمْ يكُن سيرفيت يبدو مُهتمًا بتوضيح الأمور لها. مد يدهُ بابتسامةٍ متساهلة.
“إذًا. ما قراركِ؟”
“هل مُساعدتُكَ أمرٌ خطير؟”
“مَن يعلم؟ قد تكون كذَلك، أو قد لا تكون.”
رغم الغموض الذي أحاط بكلامهِ، لَمْ تكن أمام كورديليا خياراتٌ حقيقية.
“سأفعل.”
بعد لحظةٍ مِن التردد، أمسكت كورديليا بيد الشيطان المُمتدة نحوها. مُقارنةً بالتضحية بحياة ليونارد لإنقاذها، بدا القتال ضد نازازبوت أمرًا بسيطًا.
أمسك سيرفيت بيد كورديليا بإحكام. وفي اللحظة نفسها، بدأ العالم يدور حولها بسرعة، وشيئًا فَشيئًا أصبحت الرؤية مِن حولها ضبابية. كان الأمرُ غيرَ واقعيٍ تمامًا لدرجة أنها أدركت أخيرًا أنْ كُل هَذا كان مُجرد حلم.
“حتى يحين الوقت المُناسب، سأغلق فمكِ قليلاً.”
مرر سيرفيت إصبعهُ بخفةٍ على شفتي كورديليا.
اختفى المكان تمامًا وتحول إلى ضباب. شعرت كورديليا بأنْ وقت رحيلها قد حان. وبسبب الشعور الغريب بالأسى، طرحت سؤالاً سريعًا.
“بالمُناسبة، ما ترتيبُكَ بين الشياطين؟”
“أنا الثاني عشر، كورديليا.”
“ماذا؟ الثاني عشر؟”
تذكرت أنْ نازازبوت قال إنهُ الشيطان رقم تسعةٍ وتسعين. إذا كان سيرفيت هو الثاني عشر، فهَذا يعني أنهُ ذو مرتبةٍ عاليةٍ جدًا… أم أنهُ الثاني عشر مِن الخلف؟
لَمْ تًدرك كورديليا بأنها لَمْ تُخبره باسمها، بينما كانت مذهولةً مِن جوابه.
“إذاً، متى سنلتقي مجددًا…؟”
مدت كورديليا يدها بسرعةٍ نحو سيرفيت، لكنها لَمْ تستطع لمسهُ قبل أنْ يختفي تمامًا. أغلق سيرفيت عينيهِ ببطء وفتحهما.
[عذراً.]
ظهر ذئبٌ ذو فروٍ رمادي لامع فجأةً وانحنى تحت قدمي سيرفيت.
[أعتذر لأنكَ اضطررت للقدوم إلى هُنا.]
“لا بأس. كان لا بد أنْ نلتقي في النهاية.”
[إنها تُشبه السيدة غريتا كثيرًا.]
“أجل، كذلك.”
تذكر سيرفيت الماضي للحظات.
عندما استُدعي لأول مرةٍ، كانت غريتا ترتجفُ بشدةٍ، ولَمْ تستطع حتى أنْ تنظر في عينيهِ مُباشرةً. لكنها رغم ذِلك كانت صريحةً في التعبير عن رغباتها. لقد كانت مُستدعيةً مُحببةً إلى قلبهِ.
مرت لحظةٌ وجيزةٌ فقط بالنسبة للشيطان، لكنها كانت كافية لرحيل غريتا مِن هَذا العالم، ولَمْ يتبقَ منها سوى ابنتها.
[نازازبوت الآن يتقدمُ جنوبًا مِن الشمال. عددُ البشر الذين قتلهم بالفعل وصل إلى المئات.]
“هَذا أمرٌ خطير. كلما زاد نازازبوت في التدمير، زادت التصدُعات في العالم.”
[لكن إذا استمر في استنزاف طاقتهِ بهَذا الشكل، فإنْ الجسد البشري الذي يسكنهُ سينهار أولاً، أليس كذَلك؟]
“في الحالات العادية، هَذا صحيح. لكن نازازبوت لديهِ قدرةٌ على تحويل الطاقة الحيوية للبشر إلى قوتهِ الخاصة. هَذا هو السبب في أنهُ يقتلُ البشر بلا توقف.”
[يا للأسف…]
أطلق لاوستونيو، الذي يُعرف لدى كورديليا باسم “لوتي”، تنهيدةً قصيرة.
بالنسبة له، لَمْ يكُن موت البشر مشكلةً كبيرة. لكن التصدُعات التي تحدث بسبب ذَلك كانت شيئًا آخر تمامًا.
“رُبما، كل هَذا جزءٌ مِن القدر.”
تمتم سيرفيت بينما كان ينظرُ إلى السماء.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》