أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 126
الفصل 126 : حياتي الأولى والأخيرة ⁷
كلما فكرت في حقيقة أنها ستموتُ غدًا، شعرت بالحُزن والظلم حتى بكت بحرقةٍ لدرجة أنْ عينيها انتفختا. بعد أنْ أرهقت نفسها بالبكاء، استلقت كورديليا شُبه مًغمى عليها، لكنها سرعان ما استيقظت مِن نومها.
[أجدُكِ تبكين كُلما رأيتُكِ.]
لَمْ تعرف كيف علمت لوتي بوجودها هُنا أو كيف أتت، لكنها لَمْ تهتم لذَلك. كان مُجرد تحمل الوضع الذي ألمّ بها كافيًا لتشعُر بالإنهاك.
رؤية الكلبة الرمادية، التي أصبحت تبدو أكثر صحةٍ الآن، أعادت إلى كوردليا شعورُ الظلم، فبدأت دموعها تتساقط مُجددًا. لقد بكت كثيرًا لدرجة أنْ جفونها أصبحت مُتقرحة ومؤلمة.
“لو… لوتي… أهه… أنا… أنا… سأموت… غدًا… أهه.”
[انهضي وارتدي ملابسكِ. مُعلمكِ ينوي فعل شيءٍ جنوني.]
“أنا سأموت… أهه… ولَن… أستطيع… حتى… إطعامكِ… بعد الآن…”
[أنتِ لَن تموتي بعد. توقفي عن البُكاء وانهضي.]
“ماذا؟ ماذا تقصدين؟”
كورديليا، التي كان وجهها غارقًا بالدموع، توقفت فجأةً عن البكاء بسبب كلمات لوتي. نظرت إليّها لوتي بعينين تحملان الإحباط – رغم أنها كلبةٌ لا يُمكن أنْ تُعبر عن ذَلك – وقالت بنبرةٍ حازمة.
[لا تجعليني أكرر نفس الكلام ثلاث مرات. عليكِ إيقافُ مُعلمكِ.]
“إيقافُه؟ ماذا ينوي مُعلمي أنْ يفعل؟”
[سأشرحُ لكِ ذَلك في الطريق.]
قفزت لوتي بخفةٍ مِن على السرير، وبقيت كورديليا تُحدق بذهول للحظةٍ قبل أنْ تنهرها لوتي مُجددًا للنهوض. مسحت دموعها وارتدت معطفها على عجلٍ، ثم تبعتهُ.
كان الليل هادئًا للغاية باستثناء صوت الحشرات، مِما أضاف شعورًا بالخوف. بينما كانت تسيرُ في الممر المُظلم، قالت لوتي:
[هل تعرفين لماذا يُحظر استدعاء الشياطين؟]
“لا.”
بدأ حديثها فجأةً، وهزّت كورديليا رأسها.
[لأن البشر والشياطين كياناتٌ مُختلفةٌ تمامًا. مُجرد عبور أيٍّ مِنهُما إلى عالم الآخر يتسببُ ذَلك في شقوقٍ في العالم، وإذا اتسعت هَذهِ الشقوق، فإنْ كلا العالمين سيواجهان خطرًا كبيرًا.]
“لكن السحرة يعقدون صفقاتٍ مع الشياطين للحصول على القوة. بل إنْ جزءًا مِن الشياطين يظهرُ في عالم البشر أحيانًا.”
احتجّت كورديليا وهي تتذكرُ العين كاندياس المُعلقة على باب ليونارد.
[ما تحصلين عليهِ مِن الصفقة هو جزءٌ صغيرٌ جدًا مِن قوة الشيطان. هُناك فرقٌ شاسعٌ بين الاستدعاء العادي والظهور الكامل. الظهور يعني تجلي قوة الشيطان الكاملة بشكلٍ تام.]
نزلوا السلالم إلى الطابق الأول، واستمرت لوتي في الحديث بينما تقودها إلى الحديقة.
[لكن نازازبوت خالف هَذهِ القاعدة وظهر بشكلٍ كاملٍ، مِما تسبب في شقوقٍ كبيرةٍ في العالم.]
“وما علاقةُ ذَلك بِمُعلمي؟ الشيطان الذي ظهر كان بسبب ليديا.”
[لأنهُ ينوي استدعاء شيطانٍ الآن. مُعلمكِ ساحرٌ قوي. وإذا قرر استدعاء شيطان، فسيكون شيطانًا ذا مرتبةٍ عاليةٍ، مِما سيزيدً مِن الشقوق التي ستتسببُ في زعزعة استقرار العالم، ورُبما يؤدي إلى انهيارهِ بالكامل.]
تنهدت لوتي قليلاً ثم أضافت:
[إذا تفاقمت تلكَ الشقوق إلى درجة لا يُمكن السيطرة عليها، فقد يُدمَّر العالم. لذَلك يجبُ إيقافه قبل فوات الأوان.]
“انتظر، مُعلمي سيستدعي شيطانًا؟ لماذا؟”
[للحصول على ما يُريده.]
“لكن ماذا يُمكن أنْ يُريد مُعلمي؟ لديهِ كُل شيء بالفعل… هل يُمكن أنْ يكون ذَلك بسببي؟”
فكرت كورديليا أنْ ليونارد يملكُ كل شيء، فَما الذي قد يدفعهُ لعقد صفقةٍ مع الشيطان؟ ثم أدركت فجأةً ما الذي كان يُريده. نظرت إليّها لوتي بهدوء وأومأت برأسها.
[نعم، هَذا سببٌ منطقي.]
“لكن كنتُ أظن أنْ الصفقات مع الشياطين تهدُف فقط لاكتساب القوة…”
[الشياطين هي مصدرٌ للسحر. وكلما زادت قوة الشيطان، زادت الأشياء التي يُمكنه تحقيقها. الحقيقة أنْ السحرة عادةً ما يعقدون الصفقاتٍ للحصول على القوة فقط، لذا يبدو الأمر كذَلك.]
بينما كانوا يتحدثون، وصلوا إلى مكانٍ عميق في الحديقة. حتى كورديليا، التي كانت تستمتعُ بالمشي كثيرًا في قصر إيمبلي، لَمْ تكُن قد زارت هَذا المكان مِن قبل.
[علاوةً على ذَلك، الصفقات التي تتضمنُ تقديم الحياة كضمانٍ تتطلب طاقةً هائلة. رُبما كان بإمكانهِ تحمُل ذَلك في الأوقات العادية، لكن الآن الوقت غيرُ مناسبٍ.]
“انتظر، حياتُه؟ هل تقصدين أنْ مُعلمي سيُقدم حياته لضمان الصفقة مع الشيطان؟”
[أعتقد أنْ الشرح كافٍ الآن.]
توقفت لوتي عن المشي، وتوقفت كورديليا خلفها مُباشرةً. كان الظلام الدامس يلّف الحديقة، مِما صعّب التمييز بين الأشياء، لكن كورديليا شعرت بوضوحٍ باضطراب الطاقة السحرية في المكان.
[أسرعي. إذا أردت إنقاذ مُعلمكِ.]
عندما سمعت هَذهِ الكلمات، استيقظ عقلُ كورديليا مِن صدمة الموقف. هرعت باتجاه مصدر الطاقة السحرية. وبعد فترةٍ وجيزة، رأت ليونارد يرفعُ يديهِ إلى السماء ويتمتمُ بشيءٍ ما.
“مُعلمي!”
صاحت بأعلى صوتها بِمُجرد أنْ رأت وجههُ. أنزل ليونارد يديهِ واستدار نحوها.
“كورديليا؟ كيف أتيتِ إلى هُنا في هَذا الوقت؟”
“ما الذي تفعلوهُ الآن؟”
“عيناكِ مُنتفختان. كنتِ تبكين كثيرًا، أليس كذَلك؟”
تحدث ليونارد بهدوء ومسح بلطفٍ على عينيها المُنتفختين. كانت لمستُه دافئةً جدًا لدرجة أنْ الدموع التي ظنت أنها قد جفت كانت على وشك أنْ تنهمر مُجددًا.
“هل أنتَ تستدعي شيطانًا الآن؟”
“كيف عرفتِ ذَلك؟”
“توقف عن هَذا.”
أمسكت كورديليا ذراعهُ بشدةٍ. نظر ليونارد إليّها بصمت.
“أنا بخير. لا، لأكون صادقةً، أنا لستُ بخير. لكنني لا أريدُ أنْ أعيش بثمن حياتك.”
“لماذا ترتدين ملابس خفيفةً جدًا؟ ستُصابين بنزلة برد.”
قال ليونارد ذَلك بهدوء بينما خلع معطفهُ ووضعه على كتفيها.
كان الدفء المُتبقي في المعطف مُريحًا للغاية، لكن هُناك ما هو أكثر أهمية. أمسكت كورديليا بقميص ليونارد وسحبتهُ نحوها.
“سأموت غدًا، فَما أهمية الإصابة بنزلة برد؟ بدلاً مِن ذَلك، توقف فورًا عن مراسم الاستدعاء.”
“أكيرون… أنشأتُ هَذهِ المدرسة لأنني لَمْ أرغب في الانحناء لا سيدٍ آخر مٍن السيرياس. لا تشعري بالضغط وواصلي العمل. إذا واجهتِ أيَّ شيءٍ غيرُ مفهومٍ، يُمكنكِ سؤال السيرياس الآخرين.”
“أجل. بِما أنكَ قد أنشأته، عليكَ أنْ تتحمل المسؤولية حتى النهاية.”
“فكّري في ذَلك على أنهُ وصيتي الأخيرة.”
“وأنتَ أيضًا، استمع إلى وصيتي. إذا متُّ، فاحزنُ عليّ لمُدة ثلاث سنوات تقريبًا، ثم ابحث عن تلميذٍ جديد تدريجيًا. وعندما تجدُ تلميذًا جديدًا، لا تسخر منهُ بقولك أشياء مثل أنْ رأسهُ صخرةٌ ثقيلةٌ على عُنقه. لقد تحملتُ ذَلك لأنني أنا، لكن هُناك قليلون سيتحملون شخصيتكَ الفظة.”
“هل هَذهِ وصيةٌ أم إهانة؟”
ظهرت ابتسامةٌ غيرُ ملائمةٍ للموقف على وجهِ ليونارد.
“إهانة؟ إنها نصيحةٌ ستُفيدكَ. إذا لَمْ تتبع كلامي، فَلَن تجد أيَّ تلميذٍ يعتني بكَ عندما تشيخ، لأنهم جميعًا سيهربون منكَ.”
“هاهاها.”
ضحك ليونارد بصوتٍ عالٍ، ثم فجأةً سحبها بقوةٍ بين ذراعيهِ.
“هل أخبرتُك مِن قبل كم أحبُكِ؟”
“… لا.”
“لقد أحببتُكِ لدرجة أنني اخترتُ عشرة أسماءٍ لأطفالنا سرًا وبدأتُ التخطيط لحفل الزفاف في قصرنا.”
“ألَمْ تُفكر أبدًا في أنْ عليكَ الحصول على موافقة العروس قبل أنْ تُخطط لحفل الزفاف؟”
“وافقي. بسرعة.”
“هل يُمكن أنْ يكون هَذا الآن عرضًا للزواج؟”
سألت كورديليا وهي تدفعُ كتفهِ بتعبيرٍ غاضب. نظر ليونارد إلى وجهِها كما لو كان ينظرُ إلى شيءٍ ثمينٍ للغاية.
عينها النابضة بالحياة مثل العنب الأخضر، شفاهُها المُمتلئة قليلاً، شعرُها البُني المُتموج، وخديها الناعمين.
أمسك بذقنها وجذبها بلطفٍ. ثم مال برأسهً بزاويةٍ، مُقتربًا لدرجة أنْ أنفاسهً كادت تلامسُ طرف أنفها.
“مُـ…”
لامست شفاهُه اليابسة شفتيها. اتسعت عينا كورديليا لوهلةٍ ثم أغمضتهما بهدوء.
لَمْ تكُن القبلةً طويلة. في الواقع، بالكاد يُمكن وصفها بقبلة حتى. كانت مُجرد لمسةٍ سريعةٍ للشفاه.
“وداعًا. أنتِ البداية والنهاية بالنسبة لي.”
دفعَ ليونارد كورديليا برفقٍ على كتفيها. في نفس الوقت، انفجر الضوء مِن الأرض التي وقف عليها. ارتفع عمودٌ مِن الضوء إلى السماء.
[يا للجنون.]
ركضت لوتي، التي كانت تقف بعيدًا، بسرعة واقتربت وهي تصرُخ على عجل.
[يجب أن توقفيه بأي ثمن! بسرعة!]
“كيف؟”
سألت كورديليا بارتباكٍ وهي تنظرُ بين لوتي وليونارد.
اندفع لوتي نحو ليونارد، لكنهُ ارتد كما لو اصطدم بجدار عندما اقترب مِن حلقة الضوء. تكرر الأمر عدة مراتٍ وكانت النتيجة واحدة.
[اللعنة. هَذا يعني أنْ الشيطان في ترتيبٍ أعلى مِن المئة.]
بدأت الأرض تهتز، وظهرت الغيوم في السماء. السماء، التي كانت مليئةً بالنجوم، أصبحت مُظلمةً تمامًا، ولَمْ يُكن هُناك أيُّ نورٍ سوى عمود الضوء الذي أنشأهُ ليونارد.
حاولت كورديليا، كما فعل لوتي، الاقتراب مِن ليونارد. لكنها بطريقةٍ ما استطاعت عبور دائرة الضوء بسهولة والإمساك بيد مُعلمها. اتسعت عينا لوتي وهي تراقب هَذا المشهد.
“مُعلمي، توقف. إذا عشتُ بفضل تضحية بحياتك، فسيصبحُ ما تبقى مِن حياتي جحيمًا. لذا أرجوك، أوقف هَذا!”
“كورديليا.”
كان صوتُ ليونارد مشوشًا كما لو كان ينقسمُ إلى صوتين أو ثلاثة. شعرت كورديليا بالخوف، وكأنهُ سيختفي في أيِّ لحظة. أمسكتهُ بكل يأس.
“مُعلمي!”
في تلكَ اللحظة، شعرت كورديليا بأنها بدأت تطفو. كان الضوء المُنبعث مِن أسفل قد أحاط بها أيضًا، جنبًا إلى جنب مع ليونارد.
بدأ ليونارد يعبُس مُحاولًا دفعها خارج دائرة الضوء. لكنها تمسكت بهِ بشدةٍ أكثر.
“تحركي. إذا استمررتِ هَكذا، ستنجرين إلى طقوس الاستدعاء.”
“إذا كنتَ تكرهُ أنْ أتدخل، فتوقف عن هَذا.”
“كيف يُمكنني التوقف؟ هل تطلبين مني أنْ أشاهدكِ تموتين وأنا مكتوف اليدين؟”
أمسك ليونارد بكتفيها وهزّها بلطف، وصوتُه المُهتز يعكسُ مشاعرهُ العميقة.
“وماذا عني؟ هل يُعقل أنْ أعيش بفضلكَ؟ هل تريدُ أنْ أمضي حياتي المُتبقية وأنا غارقةٌ في الشعور بالذنب؟”
“إذا أردتِ، يُمكنني أنْ أمحو نفسي مِن ذاكرتكِ.”
“ماذا؟ إذا فعلتَ ذَلك، سأطاردُكَ حتى الجحيم!”
فتحت كورديليا عينيها على مصراعيهما وصرخت بغضب. بدا أنْ ليونارد استرخى للحظة، مِما أتاح لكورديليا فرصةٌ لدفعهِ بكل قوتها خارج دائرة الضوء.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》