أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 123
الفصل 123 : حياتي الأولى والأخيرة ⁴
سمعَ بيلوتشي صرخة كورديليا فاستدار خلفهُ، لكنهُ لَمْ يتمكن مِن رؤية القوة السحرية، حيثً كان ينظر في الاتجاه الخاطئ فقط.
“احذر!”
أسرعت كورديليا تركضُ نحوه، وجذبت عباءتهُ بقوة، فتراجع بيلوتشي عدة خطواتٍ إلى الخلف مُتمايلًا. تُرك في المكان الذي كان يقفُ فيه آثارُ احتراقٍ سوداء.
“ما، ما هَذا؟”
لَمْ يكُن هُناك وقتٌ للتفكير. تحركت القوة السحرية وكأنها كائنٌ حي وحطمت الباب. ومع ذَلك، كانت النُقطة الإيجابية الوحيدة أنْ مَن يقفُ وراء تلكَ القوة قد ظهر أمامهم.
“كنتِ في الداخل إذًا؟”
أطل ماكسيميليان مِن بين حُطام الباب. كانت ملامحهُ مُرعبةً للغاية لدرجة أنْ قشعريرةً قد سرت في ظهر كورديليا.
“لكن لماذا لَمْ تُجيبيني؟”
مع كُل خطوةٍ كان يخطوها، كانت الطاقة السحرية السوداء تتساقطُ مِن جسده كأنْها قطراتُ ماء. لَمْ يكُن يُسيطر عليها بقدر ما كانت تفيضُ منهُ بشكلٍ لا يُمكن احتواؤه.
شعرت كورديليا بالغرابةٍ عندما رأت ذَلك. لقد سمعتُ بأنه قد أصبح غيرَ قادرٍ على استخدام السحر بسبب ليونارد، فَلماذا إذًا؟
“كيفَ تستطيعُ استخدام السحر؟”
“وكيفَ تعرفين هَذا؟ هَذهِ القوة السحرية لا تُرى إلا بعيونٍ شيطانية… آه. إذًا تستطيعين رؤيتها.”
ابتسم ابتسامةً غامضةً وكأنهُ قد أدرك شيئًا للتو، وبدأ يتقدمُ نحوها بخطواتٍ مُترنحة. كانت حركاتُه مُختلفةً عن المُعتاد؛ رغم أنه كان يعرج على ساقٍ واحدة، كان مُحافظًا على وضعيةٍ مُستقيمة. لكنهُ الآن بدا كأنه رجلٌ مخمور، غيرُ قادرٍ على التحكم بجسده.
“ولكن أين أخي؟ أخي! أنا هُنا!”
لَمْ يتوقف عند ذَلك، بل رفع صوتهُ فجأةً وصاح كأنهُ يبحثُ عن شخصٍ وسط صخبٍ لا معنى له. رغم بأنهُ رأى كورديليا والفارسين في الغرفة، لَمْ يتوقف عن الالتفات هُنا وهُناك بحثًا عن ليونارد.
“يبدو بأنهُ ليسَ في وعيّه.”
تمتم بيلوتشي الذي اقترب مِن كورديليا دوّن أنْ يُلاحظه أحد. وافقت كورديليا بصمت. لَمْ يكُن ماكسيميليان عدوانيًا كما كان حينما كسر الباب، بل كان فقط مُنشغلًا بالصراخ والبحث عن أخيه.
“لكن كيفَ عرف أنْ مُعلمي هًنا؟”
“ربما وشى الدوق إيمبلي بنا.”
أجاب جَسيل وهو يُمسك مقبض سيفهِ بإحكام. عندها تذكرت كورديليا كلمات ليونارد.
‘ظاهريًا يبدو بأنهُ يتعاون معي، لكن مَن يدري أيُّ مؤامراتٍ يًدبرها مع ماكسيليان؟’
للأسف، بدا أنْ كلمات مُعلمها كانت صحيحةً. يبدو أنْ أنطون لَمْ يستطع التخلي عن ابنتهِ في النهاية.
“سألفتُ أنا وجَسيل انتباه ماكسيميليان، وأنتِ اذهبي إلى السيد.”
“وأين هو المُعلم؟”
“قال بإنهُ سيذهب إلى الجناح الشرقي.”
أجاب جَسيل. أومأت كورديليا برأسها بترددٍ بينما تراجعت بضع خطواتٍ إلى الخلف. صرخ بيلوتشي بصوتٍ عالٍ عن قصد واندفع نحو ماكسيميليان.
“سأقطعُ رأسكَ وأقدمهُ لسيدي!”
” كيفِ يجرؤ لقيط إينغريون…!”
كانت نبرةُ ماكسيميليان مليئةً بالتلعثُم وكأنهُ قد عضّ لسانهُ أثناء حديثه. هجم بيلوتشي عليهِ ووجه إليّهِ ضربةً بسيفهِ. ولكن بخلاف التوتر الذي شعر بهِ الجميع، انهار ماكسيميليان بسهولةٍ وهو ينزف.
“آه، آه!”
“ما هَذا؟ يبدو وكأنهُ أحمقٌ تافه!”
كان ماكسيميليان مُلقى على الأرض يتلوى كالحشرة، مُرتعشًا بجسدهِ بالكامل. سخر بيلوتشي مِن منظرهِ وهو يرفعُ سيفهُ مُجددًا مُحاولًا غرسهُ في بطن ماكسيميليان.
ولكن قبل أنْ يتمكن مِن فعل ذَلك…
“آآآآه!”
صرخ ماكسيميليان بصوتِ يُشبه الرعد عندما اقترب السيفُ مِن بطنهِ. وفجأةً انفجرت طاقةٌ سحرية مِن جسده. لَمْ تكُن فقط كورديليا، بل حتى بيلوتشي وجَسيل تمكنوا مِن رؤية الموجة السوداء تتراقصً بوضوح.
شعر بيلوتشي بالغرابةٍ وتراجع عدة خطواتٍ، لكن الوقت كان قد فات.
“آغخ!”
ظهرت كتلةٌ سوداء مِن جسد ماكسيميليان فجأةً وضربت بيلوتشي بقوةٍ. كانت الضربة قويةً لدرجة أنْ بيلوتشي، رغم كونهِ رجُلًا بالغًا، طار وارتطم بالجدار البعيد.
سرعان ما أحاطت الكُتلة السوداء بجسد ماكسيميليان مشكّلةً غلافًا مُستديرًا حوله. وبعد لحظاتٍ، بدأ الغلاف يختلجُ وكأنْ شيئًا ما يُحاول الخروج منه. كان المشهد أشبه بثعبانٍ يُحاول كسر قشرته.
“سأًقابل… أخي… ها…”
بدأ جسدُ ماكسيميليان بالتشوه شيئًا فَشيئًا. انحنى ظهرهُ بشكلٍ مُتزايد، ومال عنقهُ بزوايا غريبة، وأصبحت أظافرهُ أطول بشكلٍ مُرعب، مِما جعلهً يبدو كأنهُ يتحول إلى وحش.
“ما الذي يجري؟”
تراجعت كورديليا بدهشةٍ وهي تنظر إليّه. لكن جَسيل لَمْ يتمكن مِن تقديم أيِّ إجابةٍ.
“تراجعي للخلف. مع كُل هَذا الضجيج، لا بد أنْ السيد سيصلُ قريبًا.”
قال جَسيل وهو يلتقطُ أنفاسه، مُستعدًا للقتال. امتثلت كورديليا لتعليماتهِ وتراجعت بهدوءٍ إلى الوراء.
أما بيلوتشي، فقد بدا بأنهُ لَمْ يتعرض لإصاباتٍ خطيرة، حيثً نهض وهو يركلُ الحطام حولهُ بغضبٍ.
“حسنًا. الموت السريع ليس مُمتعًا. لقد تسبب لسيدي بالكثير مِن المُعاناة، فكيف ينتهي الأمر بهَذهِ السهولة؟ جَسيل!”
مُجرد ذكر اسمهِ جعلهُ هو وجَسيل يتحركان بشكلٍ مُتناغم نحو ماكسيميليان.
“اهجم على الجهة اليُمنى!”
صرخ جَسيل، وتبُع بيلوتشي تعليماتهِ، موجهًا سيفهُ نحو الجانب الأيمن مِن ماكسيميليان.
لكن قوةُ ماكسيميليان، الذي تخلى الآن تمامًا عن شكلهِ البشري، كانت تتجاوز الخيال. كانت هجماتُ بيلوتشي وجَسيل تُصد باستمرار، ومع مرور الوقت أصبحا مُنشغلين فقط بتجنب ضرباتهِ. في كل مرةٍ يلوّح ماكسيميليان بيدهِ، كان الأثاث يتناثر ويتحطم.
“هاه، هاه… أيُها الحشرةُ الحقيرة.”
على الرغم مِن أنْ جسدهُ لَمْ يعُد بشريًا، إلا أنْ نطقهُ أصبح واضحًا جدًا مُقارنةً بالسابق. جسدهً الذي كان يتمايل وكأنهُ مخمورٌ، وقف الآن مُستقيمًا وثابتًا.
وسرعان ما سُمِع صوتُ تكسر العظام مِن جانبي ماكسيميليان، وخرجت أطرافٌ تُشبه أرجل الحشرات. عند رؤية ذَلك، لَمْ يتردد بيلوتشي في السخرية علنًا.
“هاهاها، مِن الواضح أنكَ أنتَ الحشرة هُنا، لديكِ الآن ستُ أرجل!”
“سأسحقُ رأسكَ وأقتلُكَ، أيُها الوغد!”
“حسنًا، حاول إنْ استطعت.”
لَمْ يتراجع بيلوتشي ولو بكلمة. أما جَسيل، فبقي صامتًا وانقضّ على ماكسيميليان.
وقبيل اقتراب الاثنين منهُ، خفض ماكسيميليان جسدهُ ثم تحرك بسرعةٍ. تلكَ الحركة كانت أشبه بحركة الحشرات، وكانت مُقززةً حقًا. وضعت كورديليا يدها على شفتيها لتمنع نفسها مِن التقيؤ.
لحُسن الحظ، تمكن سيفُ جَسيل مِن قطع أحد الأرجل الجانبية لماكسيميليان. ومع ذَلك، لَمْ يُظهر ماكسيميليان سوى عُبوسٍ طفيف على وجههِ، وسرعان ما شُفي الجزء المقطوع بشكلٍ مذهل.
“و… وحش! إنهُ وحش!”
“آه!”
وسط هَذهِ الفوضى، اقترب بعضُ جنود إيمبلي، ولكن بِمُجرد أنْ رأوا هيئة ماكسيميليان الغريبة، أصيبوا بالذُعر وهربوا. وبعد عدة مُحاولاتٍ، ظهر أخيرًا سيدُ القلعة.
“ما الذي يجري هُنا؟ هل هَذا وحش؟”
“إنهُ ماكسيميليان أتيلي.”
تقدمت كورديليا نحو أنطون وأجابتهُ. كان أنطون يُحدق بغضبٍ في ماكسيميليان، الذي لَمْ يعُد بالإمكان تسميتُه إنسانًا.
“ذَلك؟”
“نعم، لا أعلم كيفَ انتهى بهِ الحال هَكذا.”
توقفت كورديليا عن الكلام لفترةٍ وهي تنظرُ إلى أنطون مطولاً. وخلال هَذا الوقت، كان فرسان إيمبلي يُحاولون مساعدة بيلوتشي وجَسيل في صد ماكسيميليان.
“هل كان الدوق يعلم؟”
“ما الذي تعنينه؟”
“يبدو أنْ ماكسيميليان كان يعلمُ بالفعل بوجود مُعلمي هُنا.”
“كان يعلم؟ كيف ذَلك؟”
تساءل أنطون بدهشةٍ وهو ينظرُ إلى كورديليا. نظرت كورديليا إليّه مُباشرةً، وكان بإمكانه قراءة اللوم في عينيها.
“تظُنين بأنني مَن أخبره، أليس كذَلك؟ لكنني لَمْ أفعل. لقد اتفقت بالفعل مع الدوق أتيلي على تسليم ماكسيميليان فور وصولهِ إلى هاشيموس.”
“ولكنكَ لَمْ تمنحني الترياق بعد. هَذا يعني أنْ لديكَ مطالبٌ إضافيةٌ مِن مُعلمي، أليس كذَلك؟”
“هَذا…”
“كورديليا!”
كانت كورديليا تتعمدُ إبقاء مسافةٍ بينها وبين ماكسيميليان، ولكن فجأةً أصبح قريبًا جدًا منها. رغم محاولات بيلوتشي وجَسيل، وحتى فرسان إيمبلي، لوقفهِ، إلا أنهم لَمْ يُفلحوا. زحف ماكسيميليان كالثعبان مُتجاوزًا الجميع لينقض عليها.
“احذري!”
دفعَ أنطون كورديليا بعيدًا بسرعة. تراجعت كورديليا مُتعثرةً، مِما جعلها تتجنبُ بصعوبةٍ الضربة التي وجهها ماكسيميليان، والتي كانت عبارةً عن ذراعٍ أو ساق مجهولة الشكل. لكن ماكسيميليان استجمع طاقتهِ المُظلمة ليُهاجمها مرةً أخرى.
“موتي، موتي، موتي!”
حدث كُل هَذا بسرعةٍ فائقة، فَلَم تتمكن كورديليا حتى مِن تشكيل حاجزٍ دفاعي. توقعت الألم القادم، ولكن بدلًا مِن ذَلك، ارتد ماكسيميليان بعيدًا فجأةً. في نفس اللحظة، فقد الخاتم الذي منحها إياهُ ليونارد بريقه وتحطم.
“هاه، هاه…”
استغلت كورديليا الفُرصة بسرعة وشكلت حاجزًا دفاعيًا. لكن ماكسيميليان سُرعان ما قفز فوقها. عندما نظرت إلى عينيهِ مِن مسافة قريبة، رأت أنْ حدقتيهِ أصبحتا طويلتين تمامًا.
“أتدرين لماذا يُمكنكِ رؤية الطاقة السحرية؟ لأن دماءً قذرةً تسري في عروقكِ.”
“ماذا… ماذا تعني؟”
“كيفَ تجرؤين على الاقتراب مِن أتيلي؟ أنتِ ابنةُ الشيطان! وحشٌ يحملُ دماءً شيطانية!”
صرخ ماكسيميليان بكلماتٍ لَمْ تستطع كورديليا فهمها، وهو يلوح بذراعيهِ بشكلٍ عشوائي. بالكاد تمكنت مِن صد ضرباتهِ، ولكن أنفاسُها كانت تلهث بشدة.
“كُل شيء انقلب رأسًا على عقب منذُ قدومكِ إلى أبرامز. لو لَمْ تكوني هُناك، لو لَمْ تأتِ إلى أبرامز!”
هَذهِ المرة، أصبح صوتُ ماكسيميليان رفيعًا وكأنهُ صوت امرأة. ثم نطق فجأةً بكلماتٍ لا يُمكن أنْ يقولها سوى هيلينا، التي قالتها ذات مرةٍ لكورديليا. كانت كورديليا مصدومةً لدرجة أنها بقيت فاغرةً فمها دوّن كلام.
لكن المُفاجأة لَمْ تتوقف عند هَذا الحد. في اللحظة التالية، استخدم ماكسيميليان صوتًا خشنًا يشبهُ صوت رجُل ليستهزئ بكورديليا.
“فاسكويز؟ هاهاها، أنتِ فاسكويز؟ عيناكِ هُما رمزٌ للخيانة!”
“لا… لا!”
صرخت كورديليا وهي تُحاول إنكار ذَلك بكل ما أوتيت مِن قوة، وكأنها لا تستطيعُ التنفس إنْ لَمْ تفعل. كان حاجزها الدفاعي يتمايل بشدةٍ، وبدا هشًا لدرجة أنهُ قد يتحطم عند أيِّ لمسة. في تلكَ اللحظة، فتح ماكسيميليان فمهُ على مصراعيه، كاشفًا عن أنيابٍ طويلةٍ لا يُمكن اعتبارها للبشر.
وعندما انقض على رأس كورديليا، تعرض لضربةٍ مُفاجئةٍ أطلق صرخةً حادة منه.
“كراااااه!”
“أنتَ حقًا تفعلُ كل شيء مُمكن، أليس كذَلك؟”
“مُعلمي!”
أخيرًا، ظهر الشخص الذي كانت تنتظرهُ كورديليا بفارغ الصبر. قام ليونارد بإبعاد شقيقهِ، الذي أصبح بين وحشٍ وحيوانٍ وإنسان، عن جسد كورديليا، ثم ساعدها على الوقوف.
“هل أنتِ بخير؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》