أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 120
الفصل 120 : حياتي الأولى والأخيرة ¹
تداخلت الأفكار في رأسها. هَذهِ المرة عليها إما الإمساكُ بمكسيميليان بشكلٍ حاسم أو القضاء عليهِ، لكنها تُدرك أنْ قوتها وحدها لَن تكون كافيةً لتحقيق ذَلك.
أفضل ما يُمكنها فعلُه هو تحريك الدوق إيمبلي…
نهضت كورديليا مِن مقعدها فجأةً بعد أنْ كانت تنقرُ بخفةٍ على ذراع الكرسي بأصابعها. على أيِّ حال، يبدو أنه يجبُ عليها الاجتماع بهِ لحسم الأمر.
“أين الدوق الآن؟”
“عفوًا؟ عادةً يكون في مكتبهِ، لكن قيل إنهُ ذهب إلى البوابة الرئيسية لاستقبال الكهنة الذين سيصلون اليوم.”
“أرشديني إليّه.”
“آه. حسنًا.”
على الرغم مِن أنْ تشيلسي بدت مُترددة، إلا أنها لَمْ تجرؤ على الوقوف في طريق كورديليا. ذَلك لأن موقع كورديليا في قلعة إيمبلي لَمْ يكُن كمُجرد رهينة، بل كضيفةٍ تُعامل بكل احترام.
بينما كانت تسيرُ خلف تشيلسي، وجدت نفسها تصل تدريجيًا إلى أمام بوابة القلعة. لَمْ تكُن قد خرجت إلى هَذا الحد مِن قبل، حيثُ اعتادت فقط التجول في الحدائق القريبة مِن القلعة. لذا، كانت كورديليا تمشي وهي تتفحصُ ما حولها بعينيها.
“إنهُ هُناك.”
عندما تبعت كورديليا إصبع تشيلسي، رأت مجموعةً مِن الأشخاص يرتدون ملابس بيضاء يقفون مع أنطون. رتبت كورديليا مظهرها قليلاً واقتربت منهم.
كان أنطون أول مَن لاحظ وجودها.
“لماذا أتيتِ إلى هُنا؟”
“سمعتُ أنْ ضيوفًا مُهمين قد جاءوا.”
أجابت كورديليا بجرأةٍ وأدارت جسدها لتنحني أمام الكهنة. انحنت وفقًا للطريقة التي تعلمتها مِن مُربيتها في طفولتها.
[لتكُن بركة الحاكم متراكمةً عليكم.]
[يبدو أنكِ لَمْ تنسي التحية التي علمتُها لكِ.]
“ماذا؟”
خرج صوتٌ لا يُمكن نسيانُه مِن بين الكهنة. رفعت كورديليا رأسها بسرعةٍ مُندهشة بعد أنْ كانت مُنحنية نصف انحناءة.
“لا يُمكن… هل هَذهِ أنتِ، لأني؟”
“آنستي، كيف حالُكِ؟”
“لأني!”
رغم مرور عشر سنوات، تعرفت كورديليا على الفور على صاحبة الصوت. وعندما رأت وجه مُربيتها التي كانت تحرسُ طفولتها، ركضت نحو لأني فورًا.
“يا إلهي، لقد كنتِ بالكاد تصلين إلى خصري والآن أصبحتِ سيدةً ناضجة.”
“لأني! هل عُدتِ إلى يراثكوس؟ لماذا لَمْ تُراسليني؟ هل تعرفين كم اشتقتُ إليّكِ؟”
كانت عينا كورديليا قد بدأتا تحمرّان بالفعل. احتضنت لأني بقوةٍ بعد أنْ تأكدت مِن وجهها.
“وأنا أيضًا كنتُ أشتاق إليّكِ كثيرًا.”
ابتسمت لأني بلطفٍ واحتضنت كورديليا بالمثل.
كان أنطون وبقية الكهنة في حالةٍ مِن الارتباك أثناء مُشاهدة لقاءهما العاطفي المليء بالدموع. همس أحدُ الكهنة بلغة فيدوس إلى لأني.
[هممم. ألَن يكون مِن الأفضل تحيةُ الدوق إيمبلي أولاً؟]
“أوه، عذرًا. سموّ الدوق، لَمْ أكُن أتوقع أنْ ألتقي بالآنسة كورديليا هُنا، لذا أعتذر عن الإزعاج.”
“كيف تعرفينها؟”
“عندما كنتُ أعيش في منزل عائلة فاسكويز، عملتُ كمربيةٍ أعتني بالآنسة وبالسيد دينيس.”
“كنتِ مُربيةً في عائلة فاسكويز؟”
نظر أنطون بين كورديليا ولأني، مُظهرًا دهشته.
“نعم، كانت سيدة فاسكويز رحيمةً بما يكفي لتأويني عندما كنتُ أعاني في محنتي. كل هَذا بفضل نعمة الحاكم. ولكن، ماذا تفعلين هُنا عند إيمبلي، آنستي؟”
“آه.”
لَمْ يكُن بالإمكان قول الحقيقة، لذَلك بدا أنطون في موقفٍ مُحرج وهو يُحرك شفتيهِ وكأنهُ يريدُ التحدث. لكن كورديليا أجابت بابتسامةٍ عريضة.
“لقد دعاني الدوق إيمبلي إلى هُنا. صحيح، لأني، أصبحتُ ساحرةً الآن. مثل أمي.”
“ساحرة؟ يبدو أنْ الكثير قد حدث بعد أنْ غادرت.”
“دعونا ندخلُ.”
تدخل أنطون بهدوء بينهما. عندها فقط بدأ الكهنة بالسير نحو القلعة.
كانت كورديليا مُلتصقةً بلأني، تتحدثُ معها بحماسةٍ كطفلةٍ صغيرة. ولَمْ تستطع لاني أيضًا إخفاء فرحتها وسرورها وهي تُمسك بيد كورديليا بإحكام. لاحظ أنطون ذَلك بهدوء.
“كنت أظن أنْ زيارتكِ هَذا العام ستكون صعبةً، لكنهُ أمرٌ غير مُتوقع. أليس يوم إختيار رئيس الكهنة قريبًا؟”
“ما الذي سيختلفُ بوجودي هُناك؟ كل شيء سيتحقق حسب إرادة الحاكم.”
تركت لأني ابتسامةً غامضة وكلماتٍ مُبهمة. لَمْ تفهم كورديليا حديثهُما، لكنها مشيت بصمتٍ بجوارهما. وعند نقطة الانفصال، توقفت لاني.
“سأقيّم في الجناح الشرقي. يمكنكِ المجيء متى شئتِ.”
“الجناح الشرقي؟ آه، حسنًا.”
أومأت كورديليا برأسها ولوّحت بيدها حتى اختفت لأني والكهنة الآخرون عن الأنظار. كان أنطون ينتظرُها ولَمْ يُغادر. وعندما تلاشى الجميع تمامًا عن مدى رؤيتها، أسدلت يدها ونظرت إلى أنطون.
“هل استدعيت الكهنة مِن أجل الآنسة إيمبلي؟”
“…نعم.”
“مِن أجل الصلاة على روحها؟”
ظل أنطون صامتًا وشفتيهِ مُغلقتين بإحكام، ولَمْ تستطع كورديليا قراءة أفكارهِ الثقيلة. حاولت أنْ تصبرَ دوّن أنْ تضغط عليه.
بعد صمتٍ طويل، فتح أنطون شفتيهِ أخيرًا، لكن كلماتهُ كانت غيرَ متوقعة.
“لأني إيفيو واحدةٌ مِن أقوى المرشحين لمنصب رئيس الكهنة.”
“لأني؟”
في يراثكوس، حيثُ الدين هو كل شيء في الحياة، يعتبرُ رئيس الكهنة شخصيةً سلطوية تُعادل الملك. شعرت كورديليا ببعض الدهشة وعَبُست.
لأني التي كانت مُربيةً قبل عشر سنوات تُصبح الآن مرشحةً لمنصب رئيس الكهنة؟ يبدو أنْ عشر سنواتٍ كانت مدةً طويلة للغاية.
“كنتُ أعلم أنها كانت كاهنةً عليا مِن قبل، لكن لَمْ أتوقع أنْ تُصبح مرشحةً لمنصب رئيس الكهنة.”
“……إنْ كانت هي، يُمكننا الوثوق بها.”
“بالطبع، لأني شخصٌ مخلصٌ وصادق للغاية. أستطيعُ أنْ أضمنَ ذَلك.”
قالت كورديليا وهي تضربُ صدرها بثقة. عندها نظرَ أنطون إليّها بهدوء، ثم مدّ يدهُ ليلمس كتفها بخفةٍ، كما لو أنْ غبارًا قد استقر عليه.
“لو كانت روزالين قويةً مثلكِ، لكان الوضع سيكون أفضل.”
“على الرغم مِن أنني لَمْ أرها، أعتقد أنها كانت امرأةً قويةً بما يكفي. لقد حمت طفلها حتى النهاية قبل أنْ ترحل.”
“صحيح، هَذا صحيح.”
ابتسم أنطون بهدوء، ولَمْ يعُد يظهرُ في ابتسامتهِ أيُّ ألمٍ أو ندم. بدت ملامحهُ وكأنها ستتلاشى في أيِّ لحظة، مِما جعل كورديليا تشعرُ بالخوف دوّن أنْ تدري. أمسكت بطرف ردائهِ بإحكام.
“لا يجبُ أنْ تموت.”
“ماذا؟”
“ألا تتذكرُ أنكَ أعطيتني السُم؟ قلتَ بإنهُ عليّ تناول الترياق كل عشرة أيام. إذا متّ، فسأموتُ أنا أيضًا. وأيضًا، سمعتُ أنْ الآنسة إيمبلي تركت ابنًا يُدعى دانيال. عليكَ أنْ تعيش لترى حفيدكَ يكبُر. بالإضافة إلى ذَلك، حتى لو كانت الحياة أشبه بالجحيم، فإنْ الصبر والتحمُل يجعل الأمور تتحسن في النهاية.”
لَمْ تكُن تعرف لماذا خرجت هَذهِ الكلمات فجأةً. لكنها شعرت أنْ عليها أنْ تقول أيَّ شيء يمنحهُ سببًا للعيش، لأنهُ بدا وكأنه على وشك رمي نفسهِ مِن على حافة الهاوية.
تراجع أنطون خطوةً إلى الوراء وأبعد يدهُ عن كتفها.
“عودي إلى غرفتكِ.”
“لا…. فهمتُ.”
ظنت كورديليا أنْ بإمكانها الحصول على إجابةٍ واضحة اليوم، لكنهُ على ما يبدو ما زال بحاجةٍ إلى وقت ليُرتب أفكاره. عادت كورديليا إلى غرفتها بخطواتٍ مُتثاقلة.
لكن عندما فتحت الباب ودخلت، كانت الغرفة مُظلمةً تمامًا لأن الستائر كانت مُسدلة.
“هاه؟ تشيلسي؟ لا يوجد أحدُ هُنا؟”
بدأت كورديليا تتلمس طريقها باتجاه النافذة لتفتح الستائر. فجأةً، أمسك أحدُهم بكتفها بشدةٍ وسحبها.
“ماذا، ماذا يحدث؟”
لَمْ تكُن تتوقع أنْ يكون هًناك أحد مختبئًا في الظلام، فشعرت بقلبها يتسارعُ مِن الذعر. رغم أنْ الناس في قلعة إيمبلي كانوا لطفاء معها، إلا أنْ مكسيميليان كان هُنا أيضًا. لذَلك، أطلقت فورًا تعويذة درع حولها وقاومت بكُل قوتها.
“اتركني!”
“أصبحتِ أسرع في ردود فعلكِ الآن.”
“ماذا؟ مُعلمي؟”
لَمْ تكُن عيناها قد تأقلمتا تمامًا مع الظلام، فَلَم تستطع رؤية وجههِ بوضوح، لكنها تعرفت على الفور إلى صوت ليونارد. وما إنْ أدركت ذَلك حتى قفزت إليّه واحتضنتهُ بشدةٍ، ودفنت وجهها في صدرهِ.
“مُعلمي! لماذا أتيتَ الآن؟ لقد انتظرتكَ طويلاً. اشتقتُ إليّكَ كثيرًا، لدرجة أنني رأيتُكَ في أحلامي كل ليلة.”
أنفجرت مشاعرُ الشوق التي كانت مكبوتةً بداخلها فجأةً. وما إنْ شعرت بوجود ليونارد بجانبها حتى غلبتها الدموع.
سمعت ضحكةً مُنخفضة فوق رأسها.
“كان مِن الجيد أنني بقيتُ بعيداً، لتخبريني بإنكَ قد اشتقتِ إليّ.”
“كيف يُمكنكَ قول ذَلك؟ كنتُ أكثر مَن اشتقتُ إليّهِ في هَذا العالم.”
“وأنا أيضًا اشتقتُ إليّكِ، أيتُها التلميذةُ الحمقاء.”
كانت حرارةُ عناقهِ أدفأ مِما توقعت، فتدحرجت دموعها على وجنتيها دوّن توقفٍ. وبينما كانت تشهقُ بالبكاء، شدّت ذراعيها حوله أكثر.
ما الذي يُمكن أنْ أسمّي هَذا الشعور؟
هَذا الاشتياق الذي لا يُمكن تحمُله عندما لا يكون بجانبي، والفرحة الغامرة التي تجعل قلبي ينبضُ عندما أراه، هل هَذا لأنهُ الشخص الذي أنقذ حياتي؟
“هل تعتقدين أنٌ مُعلمكِ لا يستطيعُ فعل شيءٍ بسيطٍ كهَذا؟”
“آه!”
تفاجأت كورديليا لدرجة أنها كادت أنْ يُغشى عليها. كانت تعتقدُ بالطبع أنهُما وحدهما في الغرفة، لكنها شعرت وكأنْ شخصًا غريبًا قد اقتحم المكان.
قفزت وأخذت تتفحصُ المكان مِن حولها. بدأت عيناها تتأقلمان مع الظلام، فاستطاعت تمييز الأشكال.
“بيلوتشي؟ لحظة، هُناك شخصٌ آخر أيضًا….”
فتحت عينيها على وسعهما ونظرت حولها، لتجد حتى جَسيل في الغرفة.
عندما أدركت أنْ الآخرين شاهدوا بكاءها كطفلة وهي تشتكي لليونارد عن مدى اشتياقها له، شعرت بالإحراج يغمرُها فجأةً. حاولت الإفلات مِن عناقهِ بسرعة، لكنهُ لَمْ يتحرك مُطلقًا.
“دعني، أرجوك.”
“قلتِ إنكِ اشتقتِ إليّ، لذا ابقي هَكذا. وبالمُناسبة، الوحيد الذي يعلم بوجودي هُنا هو الدوق إمبلي. ولهَذا السبب أُسدلَت الستائر.”
” الدوق يعلمُ بوجودكَ هُنا؟”
نسيت كورديليا أنها كانت تُحاول الإفلات، ونظرت إلى ليونارد بدهشةٍ.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》