أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 119
الفصل 119 : ما هوَ الحُب؟ ¹⁶
“قالت لي لارا قبل وفاتها’ أرجوك اعتنِ بطفلتنا.’ لَمْ أتمكن مِن حماية زوجتي، فكيف يُمكنني أنْ أفقد طفلتي، روزالين، بهَذهِ البساطة أيضًا؟”
تمتم وهو يضمً كتفيهِ. كان صوتهُ ضعيفًا ومُنهكًا، لدرجة أنه كان مِن الصعب تصديق أنهُ نفس الرجل الذي كان يصرخُ بعينين مُتوهجتين حتى لحظاتٍ قليلةٍ مضت.
لا يزال وجهُ زوجتهِ، الذي رآهُ لآخر مرةٍ، يًظهر أمام عينيهِ كلما أغلقهما.
كانت غرفةُ الولادة المُلطخة بالدماء مكانًا مًرعبًا للغاية حتى بالنسبة لأنطون الذي حصل على لقب الفارسٍ بالفعل. كان يمسحُ على خد زوجتهِ الشاحب وهو يذرفُ دموعه بصمت.
‘أرجوكِ لا تتركيني يا لارا. كيف يُمكنني أنْ أربي الطفلة بمفردي بدونكِ؟’
‘أنطون، الطفلة تُشبهك.’
‘أنتِ أهمُ مِن الطفلة.’
‘تعال وانظر، شعرُها وأنفها يُشبهانكَ تمامًا.’
قادته يدُ زوجتهِ ليحمل روزالين لأول مرة. كانت صغيرةَ جدًا، حمراء ومُتجعدة، ولَمْ يشعر بأيِّ جمال فيها على الإطلاق. بل إنْ التفكير في أنْ هَذهِ الطفلة كانت السبب في وفاة زوجتهِ جعلهُ يغرق في كراهيةٍ لدرجة أنهُ تمنى لو أنْ الطفلة اختفت، حتى وإنْ كان ذَلك قاسيًا.
‘أنا آسفة.’
‘لا تقُلي ذَلك. أرجوكِ لا تقُلي مثل هَذا الكلام. لارا، يا إلهي. أرجوكِ، أرجوكِ.’
أمسك أنطون بيد زوجتهِ التي بدأت تفقدُ قوتها وتوسل إليّها. كان قد وُلد كوريثًا لعائلة إيمبلي وعاش حياةً خالية مِن النقص، ولَمْ يتخيل قط أنهُ قد يضطرُ إلى الركوع أمام شخصٍ ما، لكنهُ كان مُستعدًا لفعل ذَلك دوّن تردد إذا قال أحدهم إنهُ قادرٌ على إنقاذ زوجتهِ.
‘أرجوكَ اعتنِ بطفلتنا.’
كانت هَذهِ آخر كلماتٍ قالتها لارا. عانت زوجتُه لمدة ثلاثة أيامٍ بعد ذَلك قبل أنْ توافيها المنية.
أنهى أنطون ذكرياتهُ الحية كما لو كانت قد حدثت بالأمس، ثم مسحَ وجههُ بقسوةٍ.
“لارا ضحت بحياتها لتُحافظ على هَذهِ الطفلة. بالإضافة إلى ذَلك، روزالين تبلغُ مِن العمر ثمانية عشر عامًا فقط. إنها فتاةٌ لديّها الكثير مِن الأحلام والأشياء التي لَمْ تقُم بها بعد. ولكن، ولكن…”
“أنا مُتأكدةٌ أنْ الآنسة إيمبلي عاشت حياةً سعيدة.”
“وكيف يمكنكِ أنْ تعرفي ذَلك؟ لَمْ تلتقِ روزالين أبدًا.”
“لأنها كانت ابنتك، فَمِن المؤكد بأنها كانت سعيدة.”
“…..”
قالت كورديليا هَذا بإخلاص. رُبما لو أظهر لها بابلو فاسكويز نصف أو حتى رُبع اللطف الذي أبداهُ أنطون لها، لما استطاعت أنْ تتركَ جانب والدها أبدًا.
تعقدت تعابيّرُ وجه أنطون. بدا وكأنهُ يريدُ قول شيءٍ ما، لكن لَمْ يخرج أيُّ كلامٍ في النهاية.
“لذا أرجوك دعها ترحل. الأحياء والأموات يسلكون طُرقًا مُختلفة.”
“ومَن الذي يُحدد هَذهِ الطرق؟”
خرج صوتٌ غيرُ متوقعٍ، فاستدار أنطون وكورديليا في الوقت ذاتهِ نحو مصدر الصوت. لَمْ يكُن مُفاجئًا، أو رُبما كان كذَلك، أنْ يكون ماكسيميليان واقفًا عند الباب.
كان يسيرُ بخطواتٍ ثقيلة وهو يعرجُ بشكلٍ واضح.
“لا تدع لسان هَذهِ المرأة الخبيث يخدعُكَ، يا صاحب السمو.”
“إذن كان هَذا مِن تدبيرك. أنتَ مَن ألقى بهَذهِ القصص السخيفة في رأس صاحب السمو.”
“ماذا تعرفين أنتِ لتتجرئي على فتح فمكِ؟ يبدو أنْ عائلة فاسكويز المُدمرة، التي لَمْ يتبقَ منها سوى الديون، ليست على درايةٍ بأنْ العائلات الثمانية النبيلة تمتلكُ جميعها أسرارًا تتوارثها الأجيال.”
تخلى ماكسيميليان عن لهجتهِ الرسمية على نحوٍ فظ، واندفعَ نحو كورديليا غاضبًا بأسنانهِ المكشوفة.
على العكس، تأكدت كورديليا مِن أنْ كلامهُ كاذب. بدا عليهِ الذعر بوضوح، على عكس طريقتهِ السابقة في استخدام الكلام المُزيف والتلاعب.
“وهل تقول إنْ هَذهِ الأسرار تتعلقُ بالسحر الذي يُعيد الموتى؟ في الوقت الذي فقدُ فيهِ صاحب السمو ابنته؟ أنتِ الذي وشوشت في أذنهِ بوجود مثل هَذا السحر في أتيلي، وأقنعتهُ باختطافي، ودفعته لتسميمي، أليس كذَلك؟”
“مُستقبل أكيرون يبدو مُظلمًا، بل حالكَ السواد. مِن المؤسف أنْ يكون الوريث الوحيد بهَذا القدر مِن الغباء.”
“دافع عن نفسكَ أولًا قبل أنْ تُدخل أكيرون في الموضوع. ما علاقتُكَ بـ أكيرون مِن الأساس؟ سواء كان مُستقبلها مُظلمًا أو مًشرقًا، فَما شأنُكَ أنتَ؟”
قالت كورديليا وهي تعقدُ ذراعيها وتسخرُ بوضوح مِن ماكسيميليان. بدا على وجههِ تعبيّرٌ غريب ومُضطرب.
“كل ما فعلتُه هو استغلالي وصاحب السمو للانتقام مِن مُعلمي، أليس كذَلك؟”
“كان ليونارد يعلمُ جيدًا أنني سأهربُ إلى آنسين دوّن أنْ أكون برفقة روزالين. ومع ذَلك، أمر بالهجوم على العربة التي كانت تركبُها روزالين! وهَذا ما جعلها تدخلُ في حالة ولادةٍ طارئة وتفقدُ حياتها في النهاية. كل هَذهِ المأساة بدأت بسبب ليونارد أتيلي.”
“لنتحدث بوضوح. وفقًا لكلامكَ، وفاة الآنسة إيمبلي كانت بسبب الولادة العسيرة. وبشكلٍ أكثر دقة، فإنْ اللوم يقع عليكَ أنت، لأنكَ جعلت فتاةً صغيرةً وضعيفة تحملُ بطفلك.”
“لا تتحدثي وكأنكِ تعرفين كُل شيء. كُنا نُحب بعضنا البعض.”
“حُب؟ لو كنتَ تُحب الآنسة إيمبلي حقًا، لما كنتَ لتجرؤ على إقامة علاقةٍ معها دوّن زواج وتُسبب في الحمل. أنتَ تعلم جيدًا مدى خطورة هَذا على نساء إيرشيه. لذا لا تتحدث عن الحُب بشفتيكَ القذرتين. ما كان ذَلك سوى شهوةٍ أنانيةٍ ومُقززة، خاليةٌ مِن أيِّ مسؤولية.”
أطلقت كورديليا كلماتها كالسيلٍ الجارفٍ نحو ماكسيميليان، دوّن أنْ تأخذ نفسًا. كلما تحدثت أكثر، زاد غضبُها. كان الأمر مُثيرًا للاشمئزاز، ليس فقط لأنهُ استغل فتاةً صغيرة وجعلها تحمل، بل أيضًا لأنه استخدم وفاتها كوسيلةٍ للسيطرة على والدها وتحقيق مآربه.
“لو كنتَ تعرفُ معنى الشرف، لكنتَ علقت نفسكَ بحبلٍ في زنزانة القصر الملكي.”
“كيفَ تجرؤ على التفكير في دخول إيمبلي؟”
“أنتِ وقحةٌ للغاية.”
“أهَذا كُل ما يمكنكَ انتقادُه؟ يبدو أنهُ لا شيء مُقارنةً بالأفعال الفظيعة التي ارتكبتها.”
سخرت كورديليا، فاحمرّ وجهُ ماكسيميليان بشكلٍ نادر مِن شدة الغضب. وبينما كان يُحاول كبت غضبه ولَمْ يتمكن مِن بلعهِ تمامًا، وضع يدهُ على السيف المُعلق في خصرهِ الأيسر. وكان أنطون أول مَن لاحظ ذَلك، فأطلق تحذيرًا.
“لا تُظهر هَذا السلوك المُشين أمام ابنتي. الأسباب التي تجعلُني أبقيكَ على قيد الحياة تتضاءلُ باستمرار.”
“……أعتذر، يا صاحب السمو.”
عضّ ماكسيميليان على أسنانهِ بقوةٍ وأخذ نفسًا عميقًا. كان عليهِ أنْ يتحمل الآن. لَمْ يتبق سوى القليل مِن الوقت قبل أنْ يتمكن مِن تحطيم وجهِ كورديليا فاسكويز الوقح.
“أرجو منكَ أنْ تغفر ليّ هَذهِ التصرفات. ومع ذَلك، أرجو أنْ تدركوا أنْ الاوراق التي قدمتُها لكَ يا صاحب السمو هي الحقيقة المُطلقة بلا أدنى كذب.”
“غادر. وإذا دخلتَ غرفة ابنتي مرةً أخرى دوّن إذن، فَلَن أغفر لك.”
أمر أنطون، بنبرةٍ صارمة، ماكسيميليان بالخروج مِن الغرفة. وفي الوقت الذي غادر فيه ماكسيميليان، كان قد تخلص مِن وجههِ المُحمر وكأنهُ لَمْ يكُن كذَلك، وغادر بانحناءةٍ مُهذبة.
وبعد أنْ تأكدت كورديليا مِن رحيلهِ تمامًا، قالت لأنطون:
“ماكسيميليان يستخدمكَ كوسيلةٍ للانتقام، كما استغل الآنسة إيمبلي لإشباع شهواته.”
“أنتقي كلامكِ.”
عَبُس أنطون بعد أنْ بدا عليهِ الانزعاج مِن كلماتها. في الظروف العادية، كانت كورديليا ستُعبر بطريقةٍ أكثر ليونة، لكن لَمْ يكُن هُناك وقت.
“روزالين إيمبلي ماتت أثناء ولادتها لطفل. مِن والدُ الطفل؟ لماذا اضطرت الآنسة إيمبلي، التي كانت صغيرةً وضعيفة، للهروب إلى آنسين والموت أثناء الولادة؟ ولماذا، بعد وفاتها، تحدثَ ماكسيميليان عن وجود سحرٍ يُعيد الموتى إلى الحياة؟”
“……توقفي.”
“أليس مِن الأفضل البحث عن طريقةٍ أخرى لتجنُب الصدام بدلاً مِن إجبار تلميذة ليونارد أتيلي الوحيد على تناول السم كوسيلةٍ لأبزازه؟”
“قلتُ توقفي!”
صرخ أنطون، ملوحًا بيديهِ وكأنه يُحاول طرد الأفكار المؤلمة. توقفت كورديليا مؤقتًا لتأخذ نفسًا.
“افتح عينيكَ يا صاحب السمو. أيُّ شخصٍ يُمكنه معرفة الحقيقة إذا نظر إليّها بعينه.”
لا أحد يعرفُ ما إذا كانت كلمات كورديليا الصادقة قد أثرت على أنطون أم لا. بعد ذَلك اليوم، بدا أنْ أنطون يتجنبُ كورديليا بشكلٍ ملحوظ. ورغم أنْ تصرفهِ كان يُثير إحباطها، إلا أنها اعترفت بأنهُ يحتاجُ إلى الوقت.
علاوةً على ذَلك، كانت الأجواء داخل القصر مشحونةً بسبب الأخبار السيئة التي تنتشرُ تدريجيًا.
“يُقال إنْ الناس يأتون مِن الشمال.”
“هل تعتقدين أنْ ذَلك الشيطان، سيأتي الى هُنا أيضًا؟”
نزل نازابوت، الذي تلبس جسد ليديا، يجتاحُ جميع أنحاء إيرشيه ويقتلُ العديد مِن الأبرياء. وكان الشمال يُعاني بشكلٍ خاص مِن أفعاله، لدرجة أنْ سكان الشمال فروا جنوبًا بحثًا عن الأمان.
ورغم أنْ ملك إيرشيه تعاون مع جمعية السحرة وأرسلوا قواتٍ للقضاء على الشيطان، إلا أنْ النتائج لَمْ تكُن مُشجعةً حتى الآن.
عندما سمعت تشيلسي بذَلك، ارتجفت الخادمة الصغيرة التي كانت تُمشط شعر كورديليا. فتحت عينيها الكبيرتين وهمست:
“هل يُمكن أنْ يكون الشيطان هو مَن هاجم الآنسة روزالين؟”
“ماذا قلتِ؟”
“لا، لا شيء.”
هزّت الخادمة رأسها بسرعةٍ. وعندما حاولت كورديليا الاستفسار أكثر، بدأت تشيلسي تتحدثُ بحماس.
“بالمُناسبة، سيدتي. الكهنة سيصلون إلى القصر اليوم.”
“الكهنة؟ تقصدين كهنة ييراتكوس؟”
“نعم. السيد هو مؤمنٌ ومُتدين، وهو يدعوهم إلى القصر في مثل هَذا الوقت مِن كُل عام.”
على عكس شعب إيرشيه، الذين لا يذهبون إلى المعبد إلا في حفلات الزفاف والجنازات، فإنْ ييراتكوس دولةٌ ثيوقراطية، حيثُ يؤمن جميع سكانها بحاكمهم ويعتمدون عليهِ، ويملك الكاهن الأعظم سلطة كافية لتقرير مصير البلاد.
“هَذا غريب. كنتُ أعتقد أنْ عدد المؤمنين في إيرشيه قليل.”
“السيدة الراحلة جاءت مِن ييراتكوس. وعندما كانت الآنسة روزالين مريضة، كان كهنة يؤدون صلوات التقديس بشكلٍ مًتكرر مِن أجلها.”
تجاهلت كورديليا تلكَ التفاصيل بشكلٍ غيرِ مُبالٍ وهي تهزّ قدميها. كانت صحتُها قد تعافت تقريبًا. ورغم أنها لَمْ تحصُل على الترياق بعد، مِما يعني أنها لا تستطيع مُغادرة إيمبلي، إلا أنها كانت ترى أنْ هَذا الوضع قد يكون فرصةً إذا تمكنت مِن إقناع أنطون.
“يجبُ أنْ أمسك بماكسيميليان قبل أنْ يصل مُعلمي.”
حسبت كورديليا الأيام. لقد مضى أسبوعٌ منذُ وصولها إلى هُما. وإذا كان ليونارد قد انطلق فور سماعهِ الخبر، فَمِن المُتوقع أنْ يصل إلى إيمبلي غدًا أو بعد غد.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》