أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 118
الفصل 118 : ما هوَ الحُب؟ ¹⁵
كان ليونارد يفتقدُها بشدةٍ. عندما تُفكر في الأمر، لَمْ يسبق لهُما أنْ انفصلا عن بعضهما لفترةٍ طويلةٍ كهَذهِ، باستثناء ذهابهما إلى أبرامز لإقامة جنازة كريج.
“أحبُكِ.”
تذكرت عينيهِ عندما نطق بتلكَ الكلمات بهدوء. كانت عينيه مليئتين بثقةٍ مُطلقة خاليةٌ مِن أيِّ شك. بالنسبة لكورديليا، كان ذَلك أمرًا مُدهشًا ومُثيرًا للدهشة في آنٍ واحد.
“لماذا يُحبني؟”
عند مُقارنتها بليونارد، لَمْ يكًن لديّها شيء يُذكر. لَمْ تكُن تمتلك جمالًا استثنائيًا مثل ليديا، ولَمْ تكُن حياتُها خاليةً مِن التعقيدات، فقد سبق لها أنْ خاضت تجربة زواج مِن قبل. كيف انتهى بهِ الحال ليقع في حُبها؟
“الحُب… ما هو الحُب؟”
تمتمت كورديليا بالكلمة كما لو كانت تسمعُها للمرة الأولى.
بالطبع، كانت تكنّ معزةً خاصة لـ مُعلمها. فهو مِن انتشلها مِن ذَلك المُستنقع الجحيمي وجعلها تعيشُ كإنسانة. كان شخصًا مُميزًا وغاليًا بالنسبة لها أكثرُ مِن أيِّ أحدٍ آخر في العالم.
كلما طالت فترةُ انفصالهما، اشتاقت إليّه أكثر. كان أول مَن يخطرُ في بالها كل صباح. ومع ذَلك، لَمْ تكُن متأكدةً إنْ كان ما تشعرُ بهِ هو ما يُسمى بـ الحب كما قال ليونارد.
كان مِن الأسهل عليها لو أنْها واجهتهُ. رُبما كانت ستجدُ إجابة.
“كان عليَّ تجاهل رسالة والدي.”
لو أنها تجاهلت الرسالة، كما كانت تفعل دائمًا، بغض النظر عن محتواها، لما كانت في هَذا الموقف البائس الآن.
أخذت كورديليا تلمسُ الخاتم الذي أهداهُ لها ليونارد وبدأت تلومُ نفسها. على الرغم مِن تعرُضها لحادث اختطاف في وقتٍ قريب، إلا أنها لَمْ تكُن حذرةً بما يكفي. لَمْ تتخيل أنْ يقوم أنطون برشوة والدها ليوقع بها ويمنعها مِن استخدام السحر.
بدأت تتساءل إذا ما كان حادث الاختطاف الأول قد أُدير بشكلٍ مُتعمد للكشف عن قدراتِها.
تأخرت تشيلسي في العودة. ملّت كورديليا مِن الانتظار وبدأت تتجول حول الفناء. كانت الشمس قويةً، لكنها لَمْ تكًن غيرَ مُحتملة.
فجأةً، أمسك أحدهُم كتفها بقوة.
“هاه؟”
“كيف تتجولين وحدكِ هُنا دوّن مرافقة؟ ماذا لو أُصبتِ بشيء؟”
كان أنطون قد ركض مِن بعيد، ووجههُ احمرّ كالدم. كان يحمل في يدهِ الأخرى المظلة التي تركتها تشيلسي.
وضع أنطون المظلة فوق رأس كورديليا. لكنها لَمْ تكُن سعيدةً بلطفهِ الغريب. بالإضافة إلى ذَلك، فإنْ طريقتهُ في الحديث كانت تُظهر بوضوح أنهُ يُسقط مشاعرهُ الأبوية عليها، مِما زاد مِن شعورها بالغرابة.
“لنذهب إلى هُناك.”
“أيُها الدوق أنطون.”
أزاحت كورديليا يدهُ عن كتفها بلطف وتراجعت خطوةً للخلف.
“يبدو أنكَ نسيت بأنكَ قد خطفتني وأطعمتني سُمًّا قاتلًا يذيبُ الأعضاء الداخلية.”
“…..”
“لستُ ابنتك، سموّك.”
“أعلم… لستِ ابنتي روزي. روزي…”
توقف عن الحديث فجأةً، ثم نظر إليّها مرةً أخرى بصمت. لاحظت كورديليا المشاعر المُختلطةً في عينيه: الحنين، الغضب، الحُزن… لكنها لَمْ تستطع تمييز ما يطغى منها.
“لو كانت روزي بصحةٍ جيدة، لكانت قادرةً على التجول تحت الشمس مثلكِ.”
“إذا كنتَ تفتقدُ ابنتك، فلماذا لا تذهبُ إلى أنسين بدلاً مِن مُضايقتي؟”
عندما سألت كورديليا تشيلسي عن مكان روزالين، أجابت بابتسامة غامضة: “لقد ذهبت إلى أنسين لتتعافى بسبب مرضها.”
اعتقدت كورديليا أنْ روزالين كانت تُخفي نفسها لأنها حملت بطفلٍ دوّن زواج.
“روزي.”
همس أنطون باسمها كما لو كان يتذوقه قبل أنْ يبتلعه. بقيت كورديليا تُراقبه بصمت. لَمْ تستطع فهم سبب تصرفاتهِ المُتناقضة، رغم كونهِ المسؤول عن اختطافها وتسميمها.
بدت عينا أنطون وكأنهما تنتميان لرجلٍ يبلغُ مِن العمر ستين عامًا، على الرغم مِن أنهُ لَمْ يصل الأربعين بعد.
دوّن سابق إنذار، أمسك بمعصمها وسحبها معهُ. سقطت المظلة مِن يدهِ وتدحرجت على الأرض.
“انتظر! إلى أين تأخذني؟”
“إلى روزي.”
“لكنها في أنسين، أليس كذَلك؟”
حاولت كورديليا استخدام سحر الحماية، لكنها لَمْ تكُن قادرةً على تنفيذ تعويذتها بسبب ضُعفها، فانهارت بسهولة.
“يا إلهي، سيدتي.”
كانت تشيلسي عائدةً مع شاي مُثلج عندما رأتهما. خفضت خادمة عينيها عندما رأت أنطون يُمسك بكورديليا.
لَمْ يهتم أنطون بنظرات الخدم الفضولية. دخل القصر وتوجه مُباشرةً إلى الطابق العلوي، الذي لَمْ يُسمح لكورديليا بدخولهِ. بدأت رائحة زهور القوية تعبقُ في الجو مع اقترابهما.
توقف أنطون أمام بابٍ مُعين، وأخذ نفسًا عميقًا. شعرت كورديليا بأنْ ما يوجد خلف هَذا الباب قد يكون شيئًا يتجاوزُ تخيلها.
“أوه…”
بِمُجرد أنْ فتح أنطون الباب، اجتاحتها رائحةُ الزهور القوية لدرجة أنها عبُست بشكلٍ غريزي. كانت الرائحة أشبه حديقةٍ مليئةٍ بالورود.
ما رأتهُ أكد شكوكها. كانت الغرفة مليئة بالورود ذات الألوان المُختلفة. لكن أكثر ما لفت انتباهها كان السرير. كانت امرأةٌ مُغطاة بتلات الورد مُستلقيةٌ عليه.
“يا إلهي…”
ترك أنطون معصم كورديليا وهو يترنحُ نحو السرير. مدّ يدهُ بغاية الطبيعية ليلمس وجهَ ابنتهِ برفق. كان السحر المُلقى على جسدها مِن نوع التجميد، حتى أنْ أطراف أصابعهِ شعرت ببرودةٍ قارسة، لكنهُ لَمْ يكترث لذَلك.
“روزي، روزي…”
مهما كانت مساحيقُ التجميل مُتقنةً ومهما غُطّيَت رائحةُ التحلل برائحة الورد القوية، فإنْ شكل الأحياء والأموات يختلف بلا شك.
نظرًا لأنها قضت شهورًا بجانب جثة كريج، أدركت أنْ حالة روزالين لَمْ تكُن نتيجة يومٍ أو يومين مِن الوفاة.
“بِمُجرد أنْ يسمع أتيلي أنكِ هُنا، سيأتي إلى هَذا المكان بسرعة.”
وضع أنطون قبلةً قصيرةً على جبين ابنتهِ ثم وقف. كان الحُزن على فقدان ابنتهِ يفيضُ مِن داخله لدرجة أنهُ بدا وكأنه يغمرهُ بالكامل.
عندها فقط فهمت كورديليا لماذا لَمْ تكُن عينا أنطون تعكسان أيَّ مشاعرٍ في السابق. لقد تمزق قلبهُ بالكامل، ولَمْ يعُد قادرًا على الاحتفاظ بأيِّ شيء.
“مُعلمي هو أقوى ساحر ٍفي إيرشيه، لكن حتى هو لا يمكنهُ إحياء الموتى.”
ابتلعت ريقها وفتحت فمها بحذرٍ لتتحدث.
“لقد عاد للحياة، أليس كذَلك؟”
“نعم؟”
“مُعلمكِ. عاد مِن الموت، أليس كذَلك؟ لماذا لا يُمكن فعل الشيء نفسهِ لابنتي؟”
“ماذا تعني بذَلك؟ أستاذي لَمْ يمُت أبدًا. نقل الروح شيءٌ مُختلفٌ تمامًا عن الإحياء.”
“إذًا، لماذا لا ننقلُ روح ابنتي أيضًا؟”
كانت حجتهُ غيرَ منطقية. على الأقل، هَكذا شعرت كوردليا.
“سمعت أنْ عائلة أتيلي تمتلكُ سحرًا يمكنهُ إحياء الموتى.”
“ماذا؟ لا يُمكن! لا وجود لمثل هَذا السحر. علاوةً على ذَلك، سحر الإحياء هو مِن المُحرمات المُطلقة. مُجرد محاولة ممارستهِ تُعرضكَ للطرد. أنتَ تعلمُ ذَلك جيدًا، أليس كذَلك؟”
“لستُ متأكدًا. ما الفرق الكبير بين نقل الروح والعودة مِن الموت؟”
“الفرق كبيرٌ للغاية. يا إلهي، إذًا هَذا هو سبب تسميمي واستدعاء مُعلمي؟ لكي تُحاول إحياء الآنسة إيمبلي؟”
“إنْ كان أتيلي قادرًا، فسوف يعيدُ ابنتي كاملةً. روزي تنتظرني بالتأكيد.”
لَمْ يكُن الحوار مُجديًا. كان أنطون قد استسلم تمامًا لما يريد تصديقه، مهما حاولت كورديليا إقناعه، فَلَن يُجدي ذَلك نفعًا.
أنطون، الذي كان يلمس ذراع روزالين برفق، وجه نظرهُ أخيرًا إلى كورديليا منذُ أنْ دخلا هَذهِ الغرفة.
“لا ضغينة لي تجاهكِ. إذا تعاون مُعلمكِ معي طوعًا، فسأخبركِ بمكان الترياق. إذا تناولتِه في الوقت المُناسب، يمكنكِ عيش حياةٍ طبيعية.”
“لكن، كما قُلت، الإحياء مُستحيل. صحيح أنْ وفاة الآنسة إيمبلي في هَذا العمر أمرٌ مأساوي، لكن…”
“ابنتي لَمْ تمت بعد! روحها لا تزال هُنا، قريبة، تُرافقني!”
صرخ أنطون قبل أنْ تُكمل كورديليا كلامها. كان صوتهُ مليئًا بالهيمنة، على عكس لطفهِ المُعتاد معها، وكأنه يواجه قاتل ابنتهِ. ومع ذَلك، لَمْ تُظهر كورديليا أيَّ خوفٍ أو تراجع.
“لا تتخذ قراراتٍ طائشة. ما الذي ستجنيهِ مِن مُعاداة عائلة أتيلي؟”
“إذا عادت ابنتي إلى الحياة، فَلَن أحتاج لأيِّ شيء آخر. لو كنتِ تفهمين حتى جزءًا بسيطًا مِما أشعرُ بهِ، لما تجرأتِ على انتقادي.”
كان أنطون يصرخ، وكان صوتهُ يحملُ ألمًا يائسًا أكثر مِن كونهِ غضبًا. احمرت عيناهُ وامتلأت بالدموع.
“كيف ربيتُها وحميتُها؟ إنها الابنة الوحيدة التي تركتها ليّ لارا بعد موتها. ابنتي، كنزي، وقلبي…”
“يا صاحب السمو.”
اقتربت كورديليا منهُ بخطوةٍ حذرة وأمسكت بيدهِ. ارتبك أنطون للحظة، لكنهُ لَمْ يسحب يدهُ مِن لمستها الضعيفة.
“لا يُمكن إحياء الموتى.”
“وما الذي تعرفينهُ أنتِ؟ إذا كان أتيلي يعرفُ الطريقة، فلا شك بأنهُ قادرٌ على إعادة ابنتي كما كانت.”
“رُبما أنا صغيرةٌ ولا أعرف الكثير، لكنني أعلم أنْ هناك قوانين لا يُمكن تغييرها. الموتى لا يعودون أبدًا.”
“……”
شددت كورديليا قبضتها على يدهِ. رغم أنها كانت أصغر حجمًا وأقل قوةً، إلا أنها شعرت بارتجافهِ.
“مُعلمي لَمْ يعُد مِن جسدٍ ميت إلى الحياة. لقد فصل روحهُ عن جسدهِ وعاد إليّه بإرادتهِ. كنتُ شاهدةً على كل شيء بجانبهِ. ولتنفيذ ذِلك السحر، كان يجبُ أنْ تكون الآنسة إيمبلي ساحرةً عظيمة مثل مُعلمي.”
“لا، أنتِ مُخطئة.”
“صحيح أنني لَمْ أنجب أطفالًا ولَمْ أفقدهم، لذَلك لا أستطيعُ فهم شعورك تمامًا. لكنني أعلم أنهُ عندما يرحل مَن نُحب، يجبُ أنْ نتركهُ يذهب. لقد فقدتُ والدتي بعد مرضٍ طويل.”
استمرت في حديثها بهدوء. ومع مرور الوقت، بدأت عينا أنطون، اللتان كانتا مليئتين بالغضب والحزن، تهدآن تدريجيًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》