أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 117
الفصل 117 : ما هوَ الحُب؟ ¹⁴
“هاه، هل تُحاولين الآن تهديدي بحياتُكِ التافهة؟ حياتُكِ بالفعل مُلكي. يُمكنني قتلكِ في أيِّ لحظة بإشارةٍ مِن إصبعي.”
“إذن اقتلني الآن.”
على عكس ما حدث سابقًا، اقتربت كورديليا أكثر مِن أنطون. عندها عبس أنطون وسحبَ وجههُ إلى الوراء بدلًا مِن الرد.
“لا فائدة مِن الحديث معكِ.”
“لا أعرفُ ما الذي تُخطط لفعلهِ بي، لكن حياتي ضروريةٌ لتحقيق هدفك. لَن تُحقق شيئًا مِن جُثتي حتى لو قدمتها لمُعلمي.”
أطبق شفتيهِ بإحكامٍ، مِما أظهر أنْ كلامها أصاب نُقطةٌ ما.
“إذا قتلتَهما، سأجدُ طريقةً لإنهاء حياتي أيضًا. هُناك الكثير مِن الطُرق، لذا ليس مِن الضروري أنْ أشرح.”
“هل تقولين بإنكِ على استعدادٍ للتخلي عن حياتكِ مِن أجل هؤلاء الفرسان؟”
“أنْ أضحي بنفسي مِن أجل الفرسان الذين يحمونني أفضل مِن أنْ أكون أداةً في يد الدوق إيمبلي. في النهاية، سواء مُتّ الآن أم لاحقًا، لا فرق.”
فكر أنطون للحظة. لَمْ يكُن يعلم ما إذا كانت كورديليا جادةً بشأن التضحية بحياتها، لكن مِن المؤكد أنْ موتها المُسبق سَيُسبب له مشاكل. علاوةً على ذَلك، كان مِن الأفضل له أنْ يمتلكَ وسيلةً أخرى للسيطرة عليها إلى جانب السم.
“حسنًا. سأبقيهما على قيد الحياة. لذا اشربي.”
قدم أنطون الزجاجة كما لو كان يفعلُ ذَلك برحمةٍ. ما زالت يداها مًقيدتين، فَلَم يكُن بإمكانها فعلُ شيء سوى فتح فمها. السائل الذي لامس لسانها كان مُرًا للغاية ومؤلمًا. شربتهُ كورديليا دفعةٌ واحدة.
“آملُ أنْ يحترم إيمبلي الشرفهُ و وعده. فـ باع كل شيء مُقابل ثمنٍ بخس.”
“أيتُها الحقيرة!”
كان صوتُ بابلو الغاضب يملأ المكان لكنهُ تلاشى بسرعة. ما سيطر على كورديليا بعد ذَلك لَمْ يكُن صوته الحقير، بل ألمٌ لا يوصف. شعرت وكأنْ أحشاءها تتمزقُ، وفقدت السيطرة على جسدها. لَمْ تستطع حتى الصراخ، فقط عضّت على أسنانها بإحكام.
كان الألم مُختلفًا تمامًا عما شعرت بهِ عندما تم عرقلةُ استحضار الشيطان في وقتٍ سابق. كان أشبه بضربةٍ قاضيةٍ على مؤخرة رأسها، وكأنها تفقدُ حياتها.
شعر جسدها بأنْ الحبل الواصل بين الألم والجسد قد ارتخى، وفقدت الوعيّ في النهاية.
شعرت وكأنها رأت الكثير مِن الأحلام، لكنها عندما فتحت عينيها لَمْ تستطع تذكرُ أيِّ شيء، وكأنها أُصيبت بالفراغ. حدقت في السقف لفترةٍ طويلة دوّن إدراك ما حولها.
استغرق الأمرُ وقتًا طويلًا لتُدرك أنها في مكانٍ غريب. حتى إحساسُها بأطرافها كان بطيئًا، مِما جعلها تشعرُ بالحيرة حول ما إذا كانت في حُلمٍ أم في واقع.
“أوه.”
حينها، دخلت امرأةٌ ترتدي زي خادمة إلى الغُرفة والتقت عيناها بعيني كورديليا.
“هل استيقظتِ؟ كنتِ غائبةً عن الوعيّ لفترة أطول مِما توقعنا، حتى أنْ السيد جاء ليتفقدُكِ عدة مرات.”
“مـ… مَن؟”
حاولت أنْ تتحدثَ، لكنها اضطرت إلى السعال لتحرير صوتها الذي لَمْ يُستخدم منذُ فترةٍ طويلة. انحنت الخادمة ذاتُ الشعر البني والانطباع الهادئ تحيةً لها.
“أنا تشيلسي. سأكون في خدمتكِ خلال إقامتكِ هُنا.”
“أين أنا؟”
“هاشيموس.”
“هاشيموس؟ هل هَذهِ إحدى أراضي إيمبلي؟”
“نعم. إنها منطقةٌ مشهورة بجمال ورود شهر مايو.”
لَمْ تستوعب كورديليا هَذا الحديث العادي بسهولة. توقعت أنْ تُحتجز في زنزانةٍ تحت الأرض كأحد السجناء، لكنها وُضعت في غرفةُ ضيافةٍ فاخرةٍ مع خادمةٍ لخدمتها. كان الأمر غريبًا.
“لحظة، سأبلغُ السيد بأنكِ قد استيقظتِ. لقد أوصاني أنْ أخبرهُ فورًا.”
انحنت تشيلسي وغادرت الغرفة.
حاولت كورديليا رفعَ جسدها. مُجرد النهوض جعل رأسها يدور، وكأنها كانت تركضُ بكامل قوتها. كانت تتنفسُ بصعوبةٍ، ويدها وقدماها كانتا ترتجفان بشدة.
بصعوبة، تمكنت مِن الإمساك بعمود السرير لتنهض، وعندها سمعت صوتًا ذكوريًا عميقًا.
“ما شربتِه هو سمٌ يُدعى تارسيا.”
رفعت كورديليا رأسها بصعوبةٍ وهي تتنفسُ بصعوبة، لتجد أنطون وتشيلسي يقفان عند باب الغرفة.
“لا يجبُ أنْ تتحركي الآن، سيدتي.”
اقتربت تشيلسي منها برفق وأمسكت بها لدعمها. سألت كورديليا بينما كانت تتكئ على تشيلسي:
“تارسيا؟”
“سمٌ يُذيب الأحشاء ويميتكُ إذا لَمْ تتناولي الترياق كل عشرة أيام.”
شعرت كورديليا أنْ كلامه غيرُ واقعي. نظرت إلى جسدها ثم عادت لتنظر إلى أنطون.
“ماذا عن بيلوتشي وجَسيل؟”
“ألستِ مُهتمةً بمعرفة المزيد عن السُم الذي شربتِه؟”
“لقد قدمتَ شرحًا كافيًا. الترياق بحوزة الدوق فقط، والهروب يعني الموت، لذا وفرتم لي هَذهِ الغرفة الفاخرة بدلًا مِن زنزانةٍ تحت الأرض، صحيح؟”
ضغط أنطون شفتيه. منذُ البداية، شعر بأنها ليست شخصية عادية. كيف يُمكنها أن ْتظل بلا تعبيرٍ حتى بعد معرفة أنها قد شربت سمًا قاتلًا؟ كانت شجاعتُها استثنائية.
“هل هُما بخير؟”
“هرب مَيرفان في مُنتصف الطريق. لَمْ أمسك به، لذا مِن المُحتمل بأنه قد عاد إلى سيدهِ بنفسه. أما بيلوتشي إينغريون، فقد تم تقييدهُ بكرةٍ حديدية في قدميهِ لأنه استمر في تحطيم السجون التي يُحبس فيها.”
“يبدو بأنهُ لا يزال على ما يرام.”
ابتسمت كورديليا بخفةٍ عندما سمعت أخبار بيلوتشي. شعرت بالارتياح لأنهما على الأقل بخير.
كانت ابتسامتها غيرَ مُتناسبة مع الوضع. تقدم أنطون خطوةً نحوها بتعابير مُتعجبة.
“كم عمركِ؟”
“لماذا تسأل؟”
“لأنكِ لا تبدين كفتاةٍ في مثل عمركِ.”
“ما أهميةُ العمر؟ عندما أكبرُ تحت رعاية أبٍ قد باع ابنتهُ ثلاث مراتٍ، سـ أصبحُ هَكذا.”
ردت كورديليا بجفافٍ. تذكر أنطون ابنتهُ روزالين. كانت كورديليا أشبهَ بزهرةٍ برية تنمو وحيدةً دوّن رعاية، على عكس ابنتهِ الضعيفة كزهرةٍ زجاجية يُمكن أنْ تتحطم عند لمسها.
في تلكَ اللحظة، انحنت ركبة كورديليا قليلاً، وكادت أنْ تسقط. تردد أنطون في مد يدهُ لمُساعدتها. أنْ تمد يدكَ لشخصٍ أجبرتهُ على شُرب السُم هو تصرفٌ منافق.
“استلقي بسرعة. لَمْ تتناولي سوى حساءٍ خفيف أثناء نومكِ، وهَذا غيرُ كافٍ. سأخبرُ الطاهي أنْ يُعد حساءً آخر.”
قادتها تشيلسي إلى السرير. استجابت كورديليا لأوامر الخادمة واستلقت بهدوء. كان حتى المشي بضع خطواتٍ صعبًا عليها الآن، لذا كان استعادة عافيتها أولوية.
كان أنطون يدور حولها بنظراتٍ غريبة. تحدثت كورديليا بصوتٍ مُتهكم:
“ما الأمر؟”
“…ماذا؟”
“لماذا لا تزال واقفًا هُناك؟ هل لديكَ شيءٌ لتقوله؟”
“.….”
شعر أنطون وكأنْ الأدوار بين السيد والضيف قد انقلبت. كان هَذا الموقف مألوفًا ولكنهُ غريبٌ أيضًا.
“ألا تُريدين أنْ تسألي عن سبب جعلي لكِ تشربين السُم؟”
“أعتقدُ بأنكَ تنوي استخدام حياتي كوسيلةٍ للضغط على مُعلمي لتحقيق هدفكَ. لا أعلم ما هو هَذا الهدف، لكنهُ لا يهمني.”
أثارت طريقتُها اللامبالية في الحديث دهشة أنطون أكثر مِن غضبه. لو كان أيُّ شخصٍ آخر يتحدثُ معهُ بهَذا الشكل، لكان أمر بسحبهِ فورًا وتركهُ يموتُ عطشًا. لكن فتاةٌ في مثل عمر روزالين، مريضٌة وغير قادرةٍ على الحركة، أعادت إليّه مشاعر مِن الماضي.
“أنا مُتعبة. كم تنوي البقاء هُنا؟ لا تخبرني بأنكَ ستظل واقفًا لمُراقبتي طوال الوقت.”
“آه، حسنًا. ارتاحي. لكن لا تُفكري بالهرب.”
تركَ أنطون تحذيرًا ضعيفًا قبل أنْ يُغادر. لكن حتى هو أدرك أنْ تحذيرهُ لَمْ يكُن مُقنعًا.
لَمْ تُجبه كورديليا، فقط لوحت بيدها وكأنها تطردُه. غادر أنطون الغرفة وهو ينظرُ إليّها بنظراتٍ مُعقدة.
على نحوٍ مُفاجئ، لَمْ تكُن الحياة في قلعة إيمبلي سيئةً للغاية. بسبب تأثير السم، كانت حركاتُها أضعف بكثيرٍ مِما سبق، مِما اضطرها إلى الاعتماد على الخدم المُحيطين بها. لكنهم كانوا يعتبرون مُساعدتها أمرًا طبيعيًا. في الواقع، عندما كانت تُحاول القيام بشيء بنفسها، كانوا يشعرون بالقلق وكأنْهم يُراقبون طفلاً في الخامسة.
حتى أنها كانت تتناولُ الطعام مع أنطون أحيانًا.
في إحدى المرات، عندما قُدم لها حلوى تحتوي على الفول السوداني،
“لا أستطيعُ أكل هَذا. لديّ حساسيةٌ مِن الفول السوداني.”
بعد أنْ أبعدت الطبق، حدق أنطون بها لفترةٍ وجيزة،
“حتى روزي، ابنتي، لَمْ تكُن تستطيع أكل المُكسرات. ولا حتى المأكولات البحرية أو الخوخ.”
“حقًا؟”
أجابت كورديليا ببرود. لكن بعد تلكَ المُحادثة القصيرة، تغيّرت مُعاملة أنطون لها بشكلٍ ملحوظ وأصبحت أكثرَ ودية.
بحلول ذَلك الوقت، لَمْ تكُن تُعامل كرهينةٍ، بل كضيفة.
“هل تُريدين الخروج إلى الحديقة؟”
“نعم، البقاء في الغرفة طوال اليوم يُسبب ليّ الملل.”
“لكن الشمس لا تزال في مُنتصف السماء. ماذا لو انتظرتِ حتى تغيب الشمس قليلاً؟”
رفضت كورديليا اقتراح تشيلسي وأصرت على رأيّها. لَمْ يكُن أمام الخادمة خيارٌ سوى مُساعدتها في الاستعداد للخروج. جميعُ الفساتين التي أحضروها كانت صغيرةً جدًا، لذا تطلب الأمر تعديلها عدة مراتٍ لتناسب كورديليا.
بعد أنْ ارتدت قُفازاتٍ وحملت مظلة، استطاعت أخيرًا مُغادرة الغرفة.
كانت الحديقة التي تفاخروا بها مليئة بالورود التي تلاشت، مِما جعل مِن المُستحيل الاستمتاع بها. ومع ذَلك، كان يُمكن الشعور بالتاريخ العريق الذي يليقُ بعائلةٍ مِن ثماني عائلات عظيمة.
“هُناك فناءٌ صغيرٌ أمامنا. كان مكانًا تُفضله الآنسة دائمًا.”
“إذن، دعينا نذهب إلى هُناك.”
توقفت تشيلسي عن الحديث فجأةً وأغلقت فمها بسرعة. كورديليا تجاهلت الأمر وتابعت السير بخطى أسرع. كانت تشيلسي تلهثُ وهي تُحاول اللحاق بها.
لامس نسيمٌ باردٌ وجنتيها. كما ذكرت تشيلسي، لَمْ يكُن الفناء بعيدًا. كان مُرتبًا بشكلٍ جميل. جلست كورديليا في أحد المقاعد هُناك.
“الجو حار. هل نعود إلى الداخل؟”
“الحرارة جيدة. آه، أودُ شرب شاي بارد مع قطع ثلج.”
لمحت كورديليا بطلبها. استجابت تشيلسي بسرعةٍ ووضعت المظلة جانبًا قبل أنْ تُدير ظهرها.
“سأعود قريبًا. انتظريني هُنا.”
“حسنًا.”
بِمُجرد اختفاء المُراقب، شعرت ببعض الحرية.
لحظة استرخائها جعلتها تتذكرُ ليونارد. لا بد أنهُ علم الآن بأنها أُسرت مِن قبل إيمبلي. لَمْ تستطع سوى تخيُل مدى قلقه.
“أفتقدكَ يا مُعلمي…”
قالت كورديليا ذَلك دوّن وعيّ، ثم تفاجأت بنفسها وسارعت لتُغطية فمها. لكن مُجرد نطق تلكَ الكلمات جعل الشوق الذي كانت تُحاول كتمانهُ يغمرها دفعةً واحدة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》