أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 116
الفصل 116 : ما هوَ الحُب؟ ¹³
“غريبان؟ تقول بإننا غريبان الآن؟”
لَمْ تكُن مصدومةً مِن كلمة “غريبان” في حد ذاتها. بل على العكس، تلاشت تمامًا مشاعرُ الذنب الطفيفة التي شعرت بها تجاه والدها، وكأنها لَمْ تكُن موجودة.
بالنسبة لبابلو، كانت كورديليا لا تُساوي شيئًا. وعندما أدركت ذَلك، شعرت بعقلها يبردُ تمامًا.
“تتحدثُ وكأنني كنتُ يومًا ابنتك. بالنسبة لكَ، الابنُ الوحيد كان دائمًا دينيس، أليس كذَلك؟”
“كيف تجرؤين على مقارنة نفسكِ بدينيس؟ إنهُ الابن الحقيقي لـ عائلة فاسكويز. على عكسكِ.”
كانت عينا بابلو تمتلئ بازدراء لا يُمكن إخفاؤه. دفعت كورديليا ذراعهُ بقوة، وهي الذراع التي كانت تُمسك بكتفها بإحكام.
“عندما بعتني لعائلة إبرامز، اخبرتني إنْ هَذا مِن واجبي كعضوةٍ في عائلة فاسكويز. والآن، بعد أنْ انتهيت مِن استغلالي، تقول إنني لَمْ أعد ابنتك؟”
“ذَلك كان معروفًا عليكِ ردهُ إنْ كنتِ إنسانة.”
“هاهاها. معروف؟ أتقول بإنهُ معروف؟”
ضحكت بسخريةٍ، وكأنْ ما قاله كان مضحكًا للغاية.
في تلكَ اللحظة، اخترق سيفٌ قوي الباب الخشبي المُتآكل. التفتت أنظار كورديليا وبابلو في نفس الوقت إلى ذَلك المشهد. وانطلق صوتُ بيلوتشي المُستعجل مِن خلال فتحة الباب.
“الفُرسان يقتربون!”
في الوقت ذاته، بدأ تحركٌ غريب للطاقة السحرية داخل الغرفة. لَمْ تكُن كورديليا تعرفُ ما نوع هَذا السحر، ولكنهُ بدا مشؤومًا للغاية.
“لا يُمكن أنْ يكون…”
استدارت كورديليا بسرعةٍ نحو بابلو.
إذا كان الفرسان قد اقتحموا المكان بمحض الصُدفة، فقد يُعتبر ذَلك نتيجةً تعقُبهم لها. لكن وجود هَذهِ الطاقة السحرية في غرفة بابلو يعني أنهُ كان يعلم مُسبقًا بأنها ستأتي، وأنْ هَذا كان فخًا مُعدًا لها.
تراجعت كورديليا خطوتين للخلف ونظرت إلى بابلو بنظراتٍ مليئةٍ بالاحتقار.
“هَذهِ المرة بعتني لماكسيميليان، أليس كذَلك؟”
“عن ماذا تتحدثين الآن؟”
أنكر بابلو الأمر بشكلٍ قاطع، لكنهُ كان واضحًا للجميع أنهُ يكذب.
حاليًا، الشخص الوحيد الذي يُمكن أنْ يُشكل تهديدًا لها هو ماكسيميليان، ومِن الواضح أنهُ استغل عائلة فاسكويز لاستدراجها إلى العاصمة بحجة زيارة والدها المُحتَضِر.
أنْ يبيع ابنتهِ غيرَ البيولوجية ثلاث مرات… شعرت كورديليا بمشاعرٍ لا يُمكن وصفها تجاه بابلو. للمرة الأولى، اجتاحتها رغبةٌ قاسيةٌ ومليئة بالكراهية لقطع رأسهِ وتعليقه فوق بوابة قصر فاسكويز المُنهار.
انكسر الباب الخشبي المُتآكل تمامًا بعد أنْ تلقى عدة ضرباتٍ أخرى. ظهر جَسيل، وهو يحملُ سيفًا مُغطى بالدماء، وكان يلّهث بشدة.
“يجبُ أنْ تهربي الآن.”
“استخدمي جوهرة إيفرارد!”
صرخ بيلوتشي بينما كان يُصد الهجمات القادمة. بدأت كورديليا تفحصُ المكان بسرعةٍ لتُقييم الوضع. كان بيلوتشي وجَسيل يصدان الرجال الذين يقتحمون الغرفة مِن خلال الباب الضيق، ولكن مِن الواضح أنهما لَن يتمكنا مِن الصمود طويلًا.
كانت تعلمُ بأنها مصدرُ الخطر، ورُبما مِن الأفضل لها أنْ تهرب هي كي يتوقف الهجوم عنهما.
أمسكت كورديليا بالسوار حول معصمها الأيسر وركزت كل قوتها العقلية عليه. حاولت تذكر وجه ليونارد ومختبرهِ داخل برج السحر.
لكن، مهما حاولت بكل ما أوتيت مِن قوة، كانت الطاقة السحرية تنقطعُ وكأنْ شيئًا ما يمنعُها مِن العمل.
“أرجوك… أرجوك.”
بدت الطاقة السحرية تحت قدميها وكأنها تُعيق قدرات جوهرة إيفرارد.
بصوتٍ مكتوم، أُسقط جَسيل أرضًا. شعرت كورديليا بصدمةٍ كبيرة، وركضت نحوه، ولكن بيلوتشي كان يترنحُ أيضًا، وسرعان ما سقط على ركبتيهِ بسبب إصاباتهِ العديدة. كان الدم يُغطي الأرض.
امتلأت الغرفة الضيقة تمامًا بالرجال المُسلحين. حاول جَسيل الوقوف لحماية كورديليا مرةً أخرى، لكنهُ بدا وكأنه سيسقط مُجددًا في أيِّ لحظة.
“ألَمْ تنتهوا مِن أمساكها عليها بعد؟”
دخل شخصٌ غيرُ متوقعٍ مِن خلال الباب المُحطم. توقعت أنْ يكون ماكسيميليان، لكنهُ كان رجلاً في أواخر الثلاثينيات، ذو شعرٍ أحمر. كان يشقُ طريقه عبر الفرسان حتى وقف أمامهم.
صاح بيلوتشي بصوتٍ مُنخفضٍ بين أسنانه المطبقة، “إيمبلي…”
“إيمبلي؟ الدوق إيمبلي؟”
تذكرت كورديليا حديثًا قديمًا مع ليونارد. أخبرها أنْ ماكسيميليان استغل ابنة إيمبلي وأنجب منها طفلًا، مِما دفع إيمبلي إلى دعمهِ.
لكن عند مواجهتهِ الآن، بدا إمبلي شابًا جدًا بالنسبة لرجُلٍ لديهِ ابنةٌ بالغة.
وعلى عكس بابلو الذي كان غارقًا في الكحول والتبغ، كان جسدُ إيمبلي متينًا ووجههُ مُفعمًا بالحيوية.
“كيف لَمْ تتمكنوا مِن القضاء على فارسين فقط؟ ماذا تنتظرون؟ خذوا تلكَ المرأة فورًا.”
“أمرك، سيدي.”
ظهرَ فرسانٌ جدد خلف الدوق إيمبلي. أمسك ييلوتشي وجَسيل بسيوفهم بإحكام أكبر، مُحاولين حماية كورديليا. رغم المقاومة، كان مِن الواضح أنْ النتيجة محسومة.
وسرعان ما تحقق هَذا التوقع. استطاع الفارسان الصمود لبعض الوقت، لكن جَسيل كان أول مَن سقط، والدماء تنزف منهُ بغزارةٍ. في النهاية، سيطر الفرسان الآخرون تمامًا على بيلوتشي.
“بيلوتشي!”
“أغغه…”
“سمعتُ أنْ الابن الأكبر والأوسط لعائلة إينغريون كانا دائمًا فاشلان، لكن الابنُ الأصغر مُختلفٌ عنهم. لقد فزتَ بمسابقة الفرسان العام الماضي، أليس كذَلك؟”
نظر أنطون إلى بيلوتشي، الذي تمكن أربعة فرسان من السيطرة عليه بصعوبة، بنظرةٍ شُبه إيجابية. أما بيلوتشي، فقد كان يتحركُ كفرسٍ بري لَمْ يُروض بعد.
“همم، حسنًا. عائلة إينغريون لديّها أبناء كُثر، لذا قد لا يهم إنْ فقدوا واحدًا منهم.”
تفوه أنطون بهَذهِ الكلمات المُرعبة وكأنْها أمرٌ عادي، ثم حول نظرهُ بعيدًا. وعندما التقت عيناهُ بعيني كورديليا، تصلب جسدُها بالكامل.
“خذوها.”
“اتركوني!”
في النهاية، أُمسكت كورديليا أيضًا مِن قبل الفرسان. حاولت استدعاء طاقتها لاستخدام تعويذة الحاجز، لكنها، كما كان الحال مِن قبل، قُطعت وكأنْ شيئًا يمنعُها.
اقتيدت كورديليا بالقوة إلى أنطون وأُجبرت على الركوع أمامه. أمسك أنطون بذقنها ورفع رأسها. عيناهُ الزرقاوان الداكنتان، اللتان رأتهُما عن قرب، لَمْ تحتوي على أيِّ مشاعر.
“لومي أباكِ الذي باعكِ بعشرة آلاف لينكيت فقط.”
“عشرةُ آلاف فقط؟”
أدارت كورديليا رأسها لتُحدق في بابلو، الذي كان يتجمدُ في الزاوية. وعلى شفتيها ابتسامةٌ ساخرة،
“لَن تتمكنَ مِن جني المال مِن بيع ابنتكَ مرةً أخرى، فيلماذا لَمْ تطلُب المزيد؟ كان يجبُ عليكَ استغلالُ الفرصة هَذهِ المرة وجمعُ مبلغٍ أكبر.”
“هل أنتِ شجاعةٌ أم غبية؟”
كان ردُ فعلها غيرُ متوقع. حتى لو لَمْ تبكِ، كان يتوقعُ مِنها أنْ تكون خائفةً وغيرَ قادرةٍ على النظر في عينيهِ.
لكونها فتاةً في سن ابنتهِ، اعتقد أنْ رد فعلها سيكون مُشابهًا لرد فعل روزالين. ولكن كورديليا لَمْ ترف لها عين.
“هل لا تُدركين وضعكِ الحالي؟”
“أعلمُ جيدًا. أنتَ، الدوق إيمبلي، الذي تحالف مع ماكسيميليان، تستخدمُ والدي لاستدراجي واختطافي، أليس كذَلك؟”
“تعرفين ذَلك، ولكنكِ ما زلتِ جريئةً للغاية.”
“لو كنتَ تُريد قتلي، لكنتَ قد فعلتَ ذَلك بالفعل بدلًا مِن إضاعة الوقت هَكذا.”
ردت كورديليا بنبرةٍ ساخرة إلى حدٍ ما. كان خطأها الوحيد هو ثقتُها المُفرطة في السوار الذي ترتديه. لَمْ تتوقع أبدًا أنْ يتم وضع سحرٌ يمنع حتى الخاتم الذي أعطاها إياه مُعلمها.
“لا أعرفُ ما الذي تأمل في تحقيقه مِن خلال اختطافي، لكن مُعلمي لَن ينصاع بسهولةٍ لما تُريده.”
“سنرى ذَلك.”
أخرج أنطون زجاجةً صغيرةً مِن جيبهِ. كانت تحتوي على سائلٍ أرجواني يتلألأ بشكلٍ مشبوه. كان واضحًا أنها ليست شيئًا عاديًا. عضّت كورديليا باطن فمها مِن الداخل. لَمْ يكُن هَذا الاختطاف عملًا مُتهورًا.
“نظفوا المكان.”
لَمْ يكُن أمر أنطون بتنظيف المكان يُشير فقط إلى إزالة الفوضى. كان أحدُ فرسان إيمبلي قد داس على رأس جَسيل المُغمى عليه، وسحب سيفهُ. وكان الوضع نفسه ينطبق على بيلوتشي. أصبحت كورديليا تشعرُ بالقلق الشديد.
“مهلا! انتظر لحظة!”
ولكن لَمْ يكُن لديّها وقتٌ كافٍ للقلق بشأن بيلوتشي وجَسيل. وعندما أومأ أنطون برأسهِ للفارس الذي كان يُمسك بذراعها، أجبرها الفارس على فتح فمها.
“كفّي عن المقاومة، لحظة…”
اقترب أنطون، وهو يفتحُ غطاء الزجاجة. قاومت كورديليا بعنفٍ، وسحبت جسدها إلى الوراء بأقصى ما تستطيع عندما اقتربت الزجاجة مِن شفتيها. ضجر أنطون وأمسك برأسها بشدةٍ أكبر، ثم جذبها نحوه.
“إنْ كنتِ لا تُريدين أنْ يتم إطعامكِ بالقوة وأنتِ فاقدةٌ للوعي، افتحي فمكِ بهدوء.”
“دعنا… نتفاوض.”
“نتفاوض؟ هاهاها. ما الذي تملكينهُ لتقدميهِ لي؟”
ضحك بسخريةٍ، وكان لديهِ كل الحق في ذَلك. فكل شيء كان ضد كورديليا، وبدا أنْها لا تملكُ أيَّ شيءٍ تُقدمه له.
“لا أملكُ شيئًا، لكن يُمكنني أنْ أمنعكَ مِن الحصول على ما تُريده.”
“ماذا؟”
أخرجت كورديليا لسانها وأدخلته بين أسنانها. ثم نظرت مُباشرةً إلى عيني أنطون وقالت:
“اترك الرجلين. إذا فعلت، سأتناول ما تُريدني أنْ أتناوله دوّن مقاومة.”
“ولماذا عليّ فعل ذَلك؟”
“لأنكَ لو لمست أحدهما بأذى، سأقتلُ نفسي على الفور.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》