أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 115
الفصل 115 : ما هوَ الحُب؟ ¹²
بِمُجرد أنْ شمّت كورديليا تلكَ الرائحة النفاذة، توقفت في مكانها. دوّن أنْ ترى، كان بإمكانها أنْ تُخمن بشكلٍ غامض ما يحدُث أو ما قد حدث هُنا. التفتت إلى الوراء وقالت لبيلوتشي وجَسيل:
“سأدخلُ وحدي.”
“حسنًا. مفهوم. سننتظركِ هُنا.”
رُبما لأنهما كانا يعرفان أنها جاءت لتشهد الحظات الأخيرة لوالدها، لَمْ يشك الرجُلان وانتظرا خارج الباب. دخلت وأغلقت الباب بإحكام حتى لا يتسرب أيُّ صوت، ثم أخذت نفسًا عميقًا.
كان المكان الذي يُقيّم فيهِ والدها ضيقًا وقذرًا لدرجة أنه بالكاد يُمكن تسميتُه منزلًا.
على الرغم مِن أنْ مجد عائلة فاسكويز قد تضاءل مقارنةً بالماضي، إلا أنْ والدها لَمْ يكُن ليسمح لنفسهِ بقضاء لحظاتهِ الأخيرة في مكانٍ يُناسب عامة الناس. بعبارةٍ أخرى، لَمْ يكُن هَذا مكانًا قد يختارُه بابلو فاسكويز لنفسهِ ليمضي لحظاتهِ الأخيرة.
“والدي.”
“أهه-أهه.”
تقدمت كورديليا ببطء نحو والدها المُمدد على السرير. كان السرير قديمًا وقذرًا لدرجة أنه. كان يُخرج الغبار عند كل حركة. رفعَ والدها ظهرهُ بعد أنْ أزاح الغطاء عنه.
“وصلتني رسالتُكَ. سمعتُ أنْ حالتكَ سيئةٌ للغاية.”
“أجل… يبدو أنْ أيامي أصبحت معدودةً.”
انحنى بابلو كالقريدس وهو يسعُل بعنف. نظرت إليّه كورديليا بلا مُبالاة وبوجهٍ خالٍ مِن التعبير.
“لا تقلق. سأقيّم جنازةً فخمةً لكَ. سيبكي جميع سكان العاصمة أمام نعشكَ ويلقون الزهور الزرقاء عليه.”
بِمُجرد أنْ أنهت كلامها، بدأ بابلو يتحركُ بعُنف. كانت حركتهُ نشيطةً بشكلٍ غيرِ متوقع بالنسبة لشخصٍ يحتَضِر.
“جنازة؟ أنا لا أزال أتنفس، وأنتِ تُفكرين في دفني؟”
“بحسب الطبيب، فأنتَ على وشك الموت، وتجدُ حتى التنفسَ صعبًا. يبدو بأنكَ تعافيتَ بسرعةٍ. هل اشتريتَ دواءً جيدًا؟”
لو كان يحتَضِر حقًا، لما شرب الخمر بهَذهِ الكمية التي تملأ الغرفة برائحتها.
ظهرت على وجهِ كوردليا ابتسامةٌ ساخرة. لَمْ تكُن لتتخيل أنْ والدها سيكذبُ بشأن حياتهِ. كان الأمر سخيفًا لدرجة أنْها لَمْ تشعر حتى بالغضب.
“حتى أنني أحضرتُ معي ثياب الحداد. لكن يبدو بأنها لَن تكون ضرورية.”
“ثيابُ الحداد؟ لماذا لا تُصلين في المعبد حتى أموت بسرعة؟”
“يبدو بأنكَ نسيت أنكَ قد كذبت عليَّ بأنكَ على وشكِ الموت. جئتً مسرعةً مِن ويلآس وأنا أحملُ معي ثياب الحداد للقيام بواجبي كابنةٍ وأقيمُ لكَ جنازة. آه!”
ما هَذا الشعور؟
شعرت كورديليا بحكةٍ غريبةٍ داخلها، لدرجة أنها لَمْ تستطع تجاهُلها. لَمْ يكُن الأمر مُجرد كراهيةٍ أو اشمئزاز؛ بل كان أعمق مِن ذَلك بكثير. وكأنها تواجهُ بئرًا لا ينضبُ مِن الكراهية.
“كذبت؟!”
“هل نفذت أموالكَ؟ سمعتُ مِن مُعلمي بأنكَ قد حصلتَ على ما يُقارب مئة ألف لينكيت. هل أنفقت كل تلكَ الأموال بالفعل؟”
“يالكِ مِن وقحة”
لوّح بابلو بيدهِ كما اعتاد كلما كان غاضبًا. لكن هَذهِ المرة، لَمْ تكُن كورديليا ضعيفةً كما كانت في الحفلة.
“آه!”
الصُراخ الذي أطلقهُ دليلٌ على مدى الألم الذي أصابه نتيجة قوة الدرع التي صدت هجومه. تلقى بابلو الصدمة التي أرسلها بنفسهِ، وراح يُمسك ذراعهُ اليمنى وهو يصرخ كأنهُ يحتَضِر.
كان صوتهُ مرتفعًا لدرجة أنه بدا وكأنهُ خنزيرٌ يُذبح. تراجعت كورديليا قليلًا وهي تعقدُ حاجبيها.
“يبدو أنْ حلقكَ قد شُفي. لَمْ تعد تسعل. هَذا رائع، يا والدي.”
“يا لكِ مِن ابنةٍ عاقة! كيف تتصرفين بهَذا الجفاء مع والدكِ المريض؟ هل تعلمين كم أنفقتُ عليكِ؟ الملابس التي ترتدينها والطعام الذي تأكُلينه، كُل ذَلك مِن جيبي!”
“أتُذِّلني بجميلكَ الآن؟ أوه، ألا تريدُ أيضًا أنْ أُسدّد لكَ ثمن إنجابي؟”
انفجرت كورديليا بالضحك. كان صوتها عاليًا لدرجة أنها لَمْ تعد تشعرُ بالقلق مِن سماع الحراس الواقفين خارج الباب. كُل ما شعرت بهِ هو الاحتقار لهَذا الرجل الجالس أمامها.
“كنتُ أعتقد بأنه لَمْ يعُد هناك مجالٌ لأصاب بخيبة أملٍ منك، لكنكَ أثبتَ أنني كنتُ مخطئةً.”
“راقبي كلامكِ!”
“فقط قُل الحقيقة. دعوتني هُنا لأنكَ لَمْ يعُد لديكَ مالٌ لشراء الخمر، أليس كذَلك؟ أردتَ أنْ تختلق سببًا لتحصُل على المال. لو قلت ذَلك منذُ البداية، لكنتُ قد جلبتُ معي المزيد مِن المال.”
حين سخرت منهُ علنًا، عضّ بابلو على أسنانهِ وأخذ نفسًا عميقًا، ثم بدت عليهِ ملامحُ اتخاذ قرار.
“مهما كان ذَلك، لا يُمكنني أنْ أطلب ثمن إنجابكِ.”
“حقًا؟ حسنًا، حتى لو كان هُناك ثمنٌ لذَلك، فإنه يجبُ أنْ يُدفع لأمي وليس لكَ.”
“لا. لا يُمكنني أنْ أطلب ذَلك لأنكِ لستِ ابنتي البيولوجية.”
“ماذا؟”
للحظة، شكّت كورديليا في أذنيها، إذ كان هُناك كلمةٌ لَمْ تتوقعها أبدًا. لأول مرةٍ، وقفت عاجزةً عن الكلام، بينما استعاد بابلو ثقتهُ ورفع صوته.
“عيناكِ… تلكَ العينان الخضراوان المُزعجتان، هل تعلمين ما الذي كنتُ أشعر بهِ كلما نظرتُ إليّهما؟”
“ماذا تقصد؟”
“عائلة فاسكويز لطالما امتلكت عيونًا سوداء. أبي، جدي، وحتى ابني، جميعُهم!”
كانت والدة كورديليا، غريتا، تمتلكُ عيونًا بنيةً فاتحة. وعلى الرغم مِن أنْ كورديليا شعرت أحيانًا بالكراهية لعينيها المُختلفتين، إلا أنها لَمْ تشك يومًا في نسبها.
عندما كانت طفلةً، كانت والدتُها، غريتا، تحتضنها وتخبرها.
“جدتي… جدتي قالت إنْ لديّها عيونًا خضراء. أمي أخبرتني أنني أشبهُ جدتي، ولهَذا السبب لديّ عينان خضراوان.”
“هراء. السيدة مانسون المُتوفاة كانت لديّها نفس عينا أمكِ البنية.”
“…..”
“هل تعرفين مدى مًعاناتي طوال العشرين عامًا مِن النظر إلى عينيكِ، وهما الدليلٌ الحي على الخيانة؟”
كان يُشير بإصبعهِ إلى كورديليا، مُتظاهرًا بمشاعر مليئةٍ بالحزن الشديد.
“خيانة؟ لا يُمكن أنْ يكون ذَلك صحيحًا بِمُجرد هَذا. لا يُمكن الحكم على شيءٍ كهَذا بناءً على لون العين فقط… لا يُمكن…”
نفت كورديليا الحقيقة بكُل كيانها. كانت الكلمات التي هزّت جذورها تتدفقُ كالأمواج. نسيت كيفية التنفس، وظلت تحبسُ أنفاسها لفترةٍ طويلة قبل أنْ تُخرجها بشق الأنفس.
“الرجُل الذي قابلتهُ أمكِ قبل زواجنا كان لديهِ نفس لون عينيكِ تمامًا. وكونكِ قد وُلدتِ بعد ثمانية أشهر فقط مِن الزواج، هل تعتقدين أنْ كُل هَذا مُجرد صدفة؟ هاهاها، حتى الكلاب لَن تصدق هَذا.”
كان بابلو يتحدثُ بلا ترددٍ وكأنه كان ينتظرُ هَذهِ اللحظة. قد انتزع الحقيقة وألقاها أمام الفتاة التي كانت ابنتهُ طوال عشرين عامًا. أصبح وجهُ كورديليا شاحبًا، وكأنها على وشك الانهيار.
“هل فهمتِ الآن؟ مدى فضلي عليكِ لأنني ربيتُكِ؟ حتى أنني منحتُكِ اسم عائلة فاسكويز، على الرغم مِن أنكِ مُجرد بذرةٍ لا نعرفُ مصدرها. وبعد كل ذَلك، ماذا تقولين؟ جنازة؟ أموالٌ مِن أجل الخمر؟”
“…..”
“حتى عندما حاولتُ بالكاد استرداد ما أنفقتهُ عليكِ مِن أتيلي، ذهبتِ إلى النُزل الذي كان يُقيّم فيهِ شقيقُكِ وصِحتِ بلا تهذيب، أليس كذَلك؟ ثم غيرَ أتيلي رأيهُ ورفض إعطائي المال المُتفق عليه. كل ذَلك بسببكِ، أليس كذَلك؟”
“…..”
“لا تقفي هَكذا كالبلهاء! أجيبي! ما الذي قُلتهِ لأتيلي ليُطرد دينيس مِن فرقة الفرسان، وليقرر أتيلي فجأةَ أنهُ لَن يدفع المال الذي وعد بهِ؟”
توقف بابلو عن التظاهر بأنهُ مريض، وقفز مِن السرير.
كان عقلُ كورديليا فارغًا. لَمْ تشعر بالحُزن أو الغضب، بل كان الوضع يفوق قُدرتها على التحمل. كما لو أنْ ذاكرتها أعادتها إلى الماضي، ظهرت أمامُها مشاهدٌ غامضة مِن شجارٍ بين والدها ووالدتها عندما كانت صغيرةً جدًا.
“كيف تبررين هَذا، عيناها الخضراء هي الدليلٌ القاطع على خيانتكِ؟”
“لا، كورديليا هي ابنتي وابنتًكَ. أستطيع أنْ أقسم بذَلك. أرجوك، صدقني.”
“تُقسمين؟ كيف تجرؤين على قول ذَلك وأنتِ تنظُرين إلى تلكَ العينين البشعتين؟”
في ذَلك الوقت، كانت صغيرةً جدًا لدرجة أنها لَمْ تفهم سبب الشجار. وعندما كبرت، توقف والدها عن الحديث مُباشرةً عن الموضوع، وكأنْ شيئًا لَمْ يكُن.
أو رُبما كانت هي التي أغلقت أذنيها، رافضةً تصديق أنْ عينيها المُختلفتين عن والديها يُمكن أنْ تكونا دليلًا على خيانة والدتها.
قال بابلو وهو ينظر مُباشرةً إلى عينيها: “لقد فعلتُ كل شيء من أجلكِ. أطعمْتُكِ، ربيتُكِ، وأردتُ أنْ أزوجكِ في مكانٍ جيد.”
“آه…”
لَمْ تستطع أنْ مُنادتهُ بـ والدي. كانت تفتحُ فمها وكأنها تريدُ التحدث، لكنها لَمْ تقُل شيئًا. بدا بابلو وكأنهُ يبحث عن شيء ما، أو رُبما كان ينتظر. كان يهمسُ بكلماتٍ غيرِ مفهومةٍ.
“لو أنكِ لَمْ تفعلي ما فعلتهِ مع دينيس، ولو أنْ أتيلي استمر في إرسال المال كما وعد، لما وصلت الأمور إلى هَذا الحد.”
كانت كورديليا في حالةٍ مِن الصدمة لدرجة أنها لَمْ تستطع فهم ما كان يقوله بابلو.
في تلكَ اللحظة، سُمع صوتُ شجارٍ عنيف خلف الباب. استدارت كورديليا بسرعةٍ نحو الصوت، لكن بابلو استغل الفرصة وأمسك بكتفها بخشونةٍ. كانت قبضتهُ عنيفةً لدرجة أنْ كورديليا قد عبُست مِن الألم.
“استمعي جيدًا. أنتِ لَمْ تعودي واحدةً مِن عائلة فاسكويز.”
“والدي!”
عادت كورديليا إلى وعيّها بعد أنْ كانت غارقةً في الصدمة، وحدقت في والدها. لكن كلماتهُ التالية كانت أكثر قسوة.
“لَن أرسل لكِ رسائل أتوسل فيها مُجددًا، لذا لا تقلقي. مِن الآن فصاعدًا، أنا وأنتِ غريبان تمامًا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》