أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 114
الفصل 114 : ما هوَ الحُب؟ ¹¹
“لماذا أنتِ غاضبة؟”
“لأنني أشعرُ بالظلم. لقد كنتَ قاسيًا معي للغاية… كما أنكَ رفعتَ سيفكَ بسهولةٍ في وجهِ أخيكَ غيرِ الشقيق نواه أو أيًّا كان اسمُه، ذَلك الأحمق. فلماذا تقفُ عاجزًا أمام الماركيز إينغريون وتكتفي بتلقي الضربات؟”
اهتزَّ صوت كورديليا وهي تتحدثُ، وبسبب ذَلك امتلأت عيناها بالدموع.
“أليس مِن الأفضل أنْ تفقد أعصابكَ وتُحدثَ فوضى كما تفعلُ عادةً؟ لماذا تتحملُ؟ لماذا تتلقى الضربات بشكلٍ غبي؟ ما الذي يُخيفكَ لهَذا الحد مَن هو ذَلك الماركيز العجوز؟”
الآن فهمتْ لماذا كانت غاضبةً بهَذا الشكل.
منظرُ بيلوتشي وهو عاجزٌ ويتلقى الضربات يُشبه تمامًا ما كانت عليهِ كورديليا نفسها قبل بضع سنوات. تلكَ الفتاةُ البائسة التي كانت تستجدي الرحمة أمام قدميّ والدها بوجهٍ شاحبٍ، وكأنها ترى صورتها تلكَ مِن منظورٍ ثالث.
“ماركيز إينغريون رجلٌ قاسٍ.”
بعد أنْ نظر بيلوتشي إلى وجه كورديليا لفترةٍ طويلة، تحركت شفتاهُ ليبدأ بالكلام.
“لا يحتملُ الأمور التي لا تسيرُ وفقًا لرغباتهِ.”
“وما علاقتُكَ بهَذا؟ بيلوتشي مِن أتباع أتيلي، مِن رجاله، أليس كذَلك؟”
لأول مرةٍ، رسم بيلوتشي ابتسامةً باهتة.
“منذُ أنْ علمَ الماركيز رسميًا أنني قد نُصّبت فارسًا تحت راية أتيلي، بدأ يبحثُ عن ثغراتٍ لينتقد أتيلي ويحطّ مِن قدره.”
“…..”
“في البداية، انتقد أصلي، ثم بدأ بتوجيهِ اتهاماتٍ لا أساس لها على الإطلاق. رغم أنْ سيدي أخبرني بألا أهتم لذَلك.”
تابع حديثهُ بعد أنْ أطلق تنهيدةً قصيرة.
“لاحقًا، بدأ إينغريون في جرّ عائلاتٍ أخرى لتضييق الخناق على أتيلي. حتى أعود مرةً أخرى كالكلبٍ تحت قدميهِ وأخفض رأسي.”
“هل مُعلمي يعرفُ ذَلك؟”
“سيدي لديهِ أمورٌ أهم بكثيرٍ مِن أنْ يهتم بمثل هَذهِ الأمور التافهة.”
قال بيلوتشي ذَلك بلا اكتراث وهو يمسحُ الدم الذي يسيل على جبينه بظهر يدهِ.
“أمورٌ تافهة؟ هل تعتقدُ أنْ أتيلي سينهار أمام شخصٍ مثل إينغريون؟”
“لَن ينهار، لكنهُ سيتضرر. وأنا أكرهُ ذَلك بشدة.”
حينها فقط، استطاعت كورديليا فهم السبب وراء صبر بيلوتشي على عُنف الماركيز دوّن رد فعل. لَمْ يكُن بيلوتشي يحتمل أنْ يُلحق بوجوده ضررًا بأتيلي. كان يُفضل أنْ يُضرب كالكلبٍ على يد والدهِ بدلًا مِن ذَلك.
“إنه فقط يحتاجً إلى أحدٍ يًفرّغ غضبهُ فيه.”
“مهما كان السبب، توقف عن التذلُل لذَلك الماركيز. هَذا لا يليقُ بكَ مُطلقًا. وعدني، فورًا.”
“يا لها مِن سخافة.”
فتحت كورديليا عينيها وواصلت إلحاحها عليه. ضحك بيلوتشي بسخريةٍ مِن بين شفتيه، لكنها لَمْ تكُن سخريةً حادة أو مليئةً بالاستهزاء كما في السابق.
“لقد اجتزتُ بالفعل اختبار السحرة المتوسطين مِن المحاولة الأولى. وسرعان ما سأصبحُ ساحرةً مِن الدرجة العُليا. أخبرني سيدي إنهُ سيجعلُني أرثُ كل شيء، لذَلك مهما فعل ماركيز إينغريون، سأتمكنُ مِن التصدي له.”
“أنتِ التي لَمْ تكُن تعرف حتى ما هو السحر تتفاخرين الآن؟”
ضحك بيلوتشي بسخريةٍ مِن مُباهاتها غيرِ الموفقة.
في تلكَ اللحظة، جاء جَسيل ورأى الاثنين في المَمر. وعندما لاحظ عن قرب حالة بيلوتشي السيئة، سأل:
“ما الذي حدث هنا؟”
“هَذا فعل ماركيز إنغريون.”
بادرت كورديليا بالإجابة بسرعة قبل أنْ يتمكن بيلوتشي مِن منعها. أطلق جَسيل تنهيدةً قصيرة بوجهٍ بلا تعبير.
“هل فعلها الماركيز مُجددًا؟”
“مُجددًا؟ هل كنتَ تعرفُ ذَلك يا جَسيل؟”
“كل مرةٍ يعود فيها بيلوتشي مِن لقاء ماركيز إينغريون يكون في هَذهِ الحالة. سيكون مِن الغريب ألا أعرف. لحُسن الحظ، يبدو أنْ السيد لَمْ يُلحظ ذَلك بعد.”
“هل كنتَ تعرف؟”
سأل بيلوتشي جَسيل بدهشةٍ. بقي وجهُ جَسيل بلا تعبيّر.
“هل تعتقدُ بأنني أعمى؟”
“لكن لماذا لَمْ تقُل شيئًا؟”
“لأنكَ لَمْ تكُن تريدني أنْ أقول شيئًا، أليس كذَلك؟”
بدت على شفتي بيلوتشي ابتسامةٌ مُلتوية. قالت كورديليا:
“لقد هدّدتُ الماركيز، لذا لَن يتكرر هَذا الأمر مرةً أخرى. كما أنْ بيلوتشي وعدني بألا يكون أحمقًا ويتلقى الضربات هَكذا بعد الآن.”
“متى وعدتُكِ بذَلك؟”
“هدّدتِ الماركيز؟”
تجاهلت كورديليا اعتراض بيلوتشي وأجابت على سؤال جَسيل. شرحت لهُ كيف أكتشفت المشهد العنيف، وما دار بينها وبين الماركيز بالتفصيل.
“هممم.”
بعد التفكير قليلاً، نظر جَسيل إلى الاثنين وقال:
“مِن الأفضل أنْ تحزموا أمتعتكم. فَمع شخصية ماركيز إينغريون، لَن يترك الأمور تسيرُ ببساطةٍ.”
“كنتُ أفكر بالفعل في عدم البقاء مع الماركيز، لكن… هل هو بِهَذا الخطر؟”
“رُبما لا تعرفين، فقد مضت سنواتٌ على الحادثة. كان هُناك بارون يُدعى أوشر كان مُقربًا مِن ماركيز إينغريون. قتلهُ بعد أنْ أصاب ثعلبًا قبلهُ في رحلة صيد، حيثُ أطلق عليهِ مئات الأسهُم. ثم أحضر جثتهُ بدل الثعلب واحتسبها كصيد.”
“…يا إلهي.”
“وليس هَذا فَحسب. لديهِ ابنٌ ثانٍ يُدعى رينالد إينغريون. عندما رفضت ابنةُ الكونت أرادوني خطبتهُ، جعلها مشلولةً بالكامل. وانتهى بها الأمر بإلقاء نفسها في النهر.”
كانت الأحداث التي تلّت ذَلك صادمةً ومروعة. عندها فقط فهمت كورديليا سبب انحناء جَسيل الشديد لأول مرة أمام ماركيز إينغريون.
“لذَلك مِن الأفضل أنْ نُغادر بسرعة.”
“حسنًا، لنلتقِ عند الباب الخلفي للنزل بعد عشر دقائق.”
أومأت كورديليا برأسها عدة مراتٍ بوجهٍ مُصمم. اختفى جَسيل أولًا، بينما ظلّ بيلوتشي مُترددًا في مكانهِ دوّن أنْ يتحرك. ضربت كورديليا ذراعهُ بلطفٍ وقالت:
“ما الذي تفعلُه؟ لا تقف هَكذا بلا حراك، اذهب وأحضر أمتعتك.”
“آه، فهمت.”
دفعت كورديليا ظهرَ بيلوتشي المُتباطئ قبل أنْ تركض تقريبًا إلى غرفتها. لَمْ يكُن لديّها أشياء كثيرة لتجمعها. أعادت الملابس التي كانت قد أخرجتها لارتدائها غدًا إلى حقيبة السفر، وأخذت كتب السحر التي كانت تدرسُها بين الحين والآخر، وهَكذا انتهت مِن استعداداتها.
كان النُزل لا يزال هادئًا، مِما يدُل على أنْ الماركيز إينغريون لَمْ يتخذ أيَّ إجراء بعد. مشت كورديليا بهدوء باتجاه الباب الخلفي. ولكن على الرغم منِ مرور عشر دقائق، لَمْ يظهر الرجلان.
“هل حدث شيءٌ ما؟”
مدت رقبتها كالغزال الذي نزل إلى النهر للشُرب، تتفقد المكان بحذر، لكن النُزل ظلّ ساكنًا في مُنتصف الليل.
“ما الذي تفعلينهُ هُنا؟”
“آه!”
فوجئت كورديليا بشخصٍ يُربت على كتفها بلطف مِن الظلام. ارتجفت بشدةٍ وكأنها صُعقت بالبرق، لكنها شعرت بالراحة عندما أدركت أنْ اليد كانت لبيلوتشي.
“لقد أخفتني!”
“تخافين؟ كنتِ تردين بجرأةٍ على ذَلك الماركيز!”
“لَمْ أكن أعلم أنهُ شخصٌ مجنونٌ إلى هَذا الحد.”
“حتى الآن، لَمْ يفُت الأوان. تجاهلي الأمر وكأنكِ لَمْ تعرفي. أنتِ تلميذةُ السيد ولَن يؤذيكِ مُباشرةً.”
كان صوتهُ هَذهِ المرة ضعيفًا كأنهُ زهرة هندباء، على غير عادتهِ. كانت عيناهُ، التي لَمْ تُظهر الخوف أمام الوحوش، تحملان الآن استسلامًا خفيًا.
“إذن، هل ستذهبُ لتُضرَب بدلًا عني؟”
“على أيِّ حال، ذَلك الرجل العجوز لَمْ يعًد يملك قوةً كبيرةً في ضرباتهِ.”
“لا أريد.”
نظرت كورديليا مُباشرةً في عيني بيلوتشي، كانت عيناهُ تُشبهان عيني الماركيز لكنها شعرت بالفرق.
“لا أريدُ أنْ أراك تُضرَب بشكلٍ أحمق مِن ذَلك الرجل.”
“وما شأنكِ أنتِ إنْ كنتُ أتعرض للضرب أم لا؟”
“لأن هَذا يُذكرني بنفسي.”
“…..”
“يُذكرني بالوقت الذي كنتُ أطلب فيهِ الرحمة مِن والدي. هَذا يثيرُ غضبي. لذَلك، لذَلك…”
لَمْ تستطع كورديليا إكمال كلماتها. اجتاحت مشاعرٌ كثيرةٌ قلبها وكادت دموعها تنهمر. ولتجنُب البكاء، سارعت لتغيّر الموضوع.
“متى سيأتي جَسيل؟”
وكأنْ الشياطين تأتي عند ذكرِها، ظهر جَسيل فجأةً مِن الظلام، ورائحةُ الزيت تفوحُ مِنه.
“لننطلق.”
“حريق!”
اخترقت كلمتان أذني كورديليا في الوقت نفسهِ. بالطبع، جذبت الكلمةُ الأخيرة انتباهها بالكامل.
بدأ النزل الذي كان هادئًا يتحركُ بفوضى مع أصوات الذُعر. لكن جَسيل لَمْ يُظهر أيَّ اهتمامٍ بالضجة. كان يقود حصانًا جاء بهِ بيلوتشي، واقترب مِن كورديليا.
“هل تحتاجين إلى مُساعدة؟”
“لا، يًمكنني الصعود بنفسي. ولكن، جَسيل، هل…”
لمحت الرائحة الغريبة التي تفوحُ مِن جَسيل، ثم اشتعال النيران في النزل، وهو ما بدا مُريبًا جدًا. نظرت إليّه بعينين ضيقتين وهي تركبُ الحصان.
“أنتَ مَن فعل هَذا، أليس كذَلك؟”
“نعم. أشعلتُ النار في العربة التي تحتوي على الإمدادات الغذائية، لذا لَن يكون لديهم وقت للالتفات إليّنا.”
اعترف جَسيل بذَلك دوّن تردد. لَمْ تكُن تتوقع أنْ يقوم شخصٌ هادئٌ ومُتحفظ بمثل هَذا الفعل الجريء بإشعال النيران في عربات الماركيز.
ركب الثلاثة على ظهور خيولهم وابتعدوا سريعًا عن القرية. على الرغم مِن الظلام الذي منعهم مِن الإسراع، وصلوا إلى قريةٍ جديدةٍ عند شروق الشمس.
بعد يومين مِن السفر دوّن راحة، ظهرت أسوار العاصمو أمامهم.
“لا بد أنْ السفر كان مُرهقًا، شكرًا لتحملكم المشقة.”
قال جَسيل عند بوابة المدينة. كانت كورديليا قد شعرت بالقلق طوال الطريق، خشية أنْ يُرسل الماركيز أحدًا لمُلاحقتهم، لكن يبدو أنْ خُطته قد نجحت، ولَمْ يكُن هُناك أثرٌ لأيِّ مطاردة.
“كانا يومين فقط، لذا تمكنتُ مِن التحمل. لكن لا بد أنكما أيضًا مُتعبان، لذا دعونا نذهب إلى قصر أتيلي. سأذهب للقاء والدي الآن.”
“نحنُ بخير.”
رفض بيلوتشي وجَسيل تركها بِمُفردها، مِما جعلها تضطرُ إلى مرافقتهم إلى العنوان المكتوب على الرسالة. كان السبب الحقيقي وراء قبولها هو أنها لَمْ ترغب في كشف مشاعرها الداخلية المُحرجة.
‘أتمنى فقط أنْ يكون هَذا الوداع سلميًا.’
كان هَذا هو كل ما تأمل فيه.
عند وصولهم إلى العنوان المكتوب على الظرف، وجدوا قصرًا قديمًا مُتداعيًا. ولَمْ يكُن القصر كُله مستعملًا، بل كانت الغرفة العلوية بالطابق الثالث هي المأهولة.
طرقت كورديليا الباب الخشبي القديم، فَفتح لها خادمٌ صغير، ينظرُ بحذرٍ مِن الباب.
“مَن أنتِ؟”
“جئتُ لمقابلة الكونت فاسكويز.”
“آه، لحظةٌ مِن فضلكِ!”
تصرف الخادم بوقاحةٍ وتركها تنتظرُ عند الباب دوّن السماح لها بالدخول. سمعت أصواتًا فوضويةً مِن الداخل، وفي تلكَ اللحظة شعرت كوردليا بشعورٍ غريبٍ يجتاحُها.
“تفضلي بالدخول.”
بعد حوالي خمس دقائق، فُتح الباب مُجددًا. عندما دخلت، شمّت رائحة الكحول المُعتادة التي كانت تفوحُ دائمًا مِن والدها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》