أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 113
الفصل 113 : ما هوَ الحُب؟ ¹⁰
“آه، إذا كنتِ مِن عائلة فاسكويز، فأنتِ هي تلميذةُ أتيلي المشهورين.”
“نعم، هَذا صحيح.”
“إلى أين أنتِ مُتوجهة؟”
“نحنُ في طريقنا إلى العاصمة.”
“حقًا؟ يا للصُدفة السعيدة. نحنُ أيضًا في طريقنا إلى العاصمة. لما لا تُرافقيننا في رحلتنا؟ السفر يُصبح مُملاً وحدنا.”
على عكس كورديليا، التي حاولت الحفاظ على نبرةٍ رسميةٍ وجافة، كان ماركيز إينغريون يتحدثُ بلطفٍ وإيجابيةٍ واضحين. لَمْ تكًن كورديليا راغبةً في السفر مع غُرباء، خاصةً إذا كان هَذا الغريب هو ماركيز إينغريون.
“أشكرك على عرضك، لكن حالةُ والدي الصحية قد تدهورت بشكلٍ كبير ونحنُ بحاجةٍ إلى الوصول في أسرع وقتٍ مُمكن.”
كان هَذا رفضًا واضحًا جاء بصيغةٍ دُبلوماسية، ومع ذَلك لَمْ يبدُ أنْ ماركيز إينغريون ينوي التراجع.
“هل يعني هَذا أنْ الكونت فاسكويز في حالةٍ خطيرة؟”
“نعم، للغاية.”
“إذًا، مِن الأفضل أنْ تُرافقينا. إنْ سافرتِ معي، ستصلين إلى العاصمة أسرع مِن أيِّ وقتٍ مضى.”
تململت كورديليا دوّن أنْ تُظهر ذَلك على وجهها. بدا أنهُ قد قرر مُرافقتها بغض النظر عن رأيّها.
نظرت إلى بيلوتشي وجَسيل بحثًا عن المُساعدة. هزَّ جَسيل رأسهُ بهدوء، بينما ظلّ وجه بيلوتشي خاليًا مِن التعبيّر، مِما جعل مِن المُستحيل معرفة ما يُفكر فيه.
عندما كانت كورديليا على وشك رفض العرض مًجددًا، تحدث جَسيل فجأةً.
“سيكون شرفًا لنا أنْ نرافقكم في هَذا الطريق، سيدي الماركيز.”
“هاهاها، سيكون مِن دواعي سروري أنْ أجد مِن يُشاركني الحديث في رحلةٍ مُملةٍ كهَذهِ. بالمُناسبة، هل وجدتم مكانًا للإقامة الليلة؟”
“لا، لَمْ نفعل بعد.”
“حقًا؟ إذًا، ابقوا هُنا. سير جانيس!”
سير جانيس، الذي كان قد تلقى ضرباتٍ مِن نواه في وقتٍ سابق، أسرع نحو ماركيز إينغريون، الذي تحدثَ بنبرةٍ ودودة:
“هؤلاء ضيوفٌ سيكملون الرحلة معنا إلى العاصمة. اعتنِ بهم جيدًا.”
“نعم، سيدي. سأرشدُهم إلى غرفهم.”
“شكرًا على كرمكم، سيدي الماركيز.”
انحنى جَسيل باحترامٍ للماركيز حتى النهاية. أما كورديليا، فقد شعرت بالغضب تجاه جَسيل لتحديدهِ جدول الرحلة دوّن استشارتها، لكنها كتمت استياءها. على الرغم مِن أنها لَمْ تعرفهُ إلا لبضعة أيامٍ، إلا أنها كانت تعلمُ أنه ليس مِن النوع الذي يتصرفُ باندفاع.
قادهم سير جانيس إلى الغرف المُخصصة لهم. وما إنْ غاب عن الأنظار، حتى تحدث جَسيل،
“ماركيز إينغريون شخصٌ قاسٍ، خاصةً مع مَن يًعارضه. لا يًظهر أيِّ تسامحٍ تجاههم.”
“يبدو كذَلك. لقد رأيتُ كيف صفع ابنهُ أمام حاشيتهِ دوّن تردد.”
“أعتذر لقبولي عرض الماركيز دوّن استشارتكِ. لكن…”
“جَسيل مُحق. إذا رفضنا، فَمِن المُحتمل أنْ ينتقم منا بطريقةٍ ما. إنهُ شخصٌ حقود.”
للمرة الأولى، دافع بيلوتشي عن جَسيل. نظرت كورديليا إلى بيلوتشي مطولاً، مُتذكّرةً أجزاء مِن طفولتهِ التي حكى عنها سابقًا، مِما أثار قلقها عليه.
“هل أنتَ بخير، بيلوتشي؟”
“لماذا تسألين؟”
“أقصدُ ماركيز إينغريون. علاقتكُما ليست ودية، أليس كذَلك؟ وكذَلك إخوتك…”
“اعتبريهم مُجرد كلابٍ تنبح.”
أجابها ببرودٍ. شعرت كورديليا ببعض الانزعاج، لكنها اقتنعت بعدما أدلى كلا الرجُلين، اللذين يعرفان الماركيز جيدًا، بآرائهما.
وهَكذا، انضم الماركيز إينغريون إلى رحلتِهم إلى العاصمة بشكلٍ غيرِ مُتوقع.
***
مرت ثلاثةُ أيامٍ منذُ أنْ بدأوا رحلتهم مع ماركيز إينغريون. وعلى عكس توقعاتهم بأنْ الرحلة ستكون مزعجةً، لَمْ تكُن كذَلك.
الأمر الأكثر أهميةً هو أنْ الماركيز أبدى احترامًا كبيرًا لكورديليا، مِما جعل الجميع، بما في ذَلك حراسها جَسيل وبيلوتشي، بمنأى عن أيِّ إزعاج. حتى نواه إينغريون، الذي رأوه في اليوم الأول، كان يكتفي بإطلاق نظراتٍ كريهةٍ نحو بيلوتشي دوّن أنْ يجرؤ على معارضة والده.
“يا للعجب، إنهُ لأمرٌ عجيبٌ أنْ تخرُج موهبةٌ كهَذهِ مِن عائلة فاسكويز.”
“هَذا لطفٌ منك.”
“هاهاها، أعرفُ الدوق أتيلي جيدًا. إنهُ شخصٌ شديدُ الدقة في اختياراتهِ. إذا كنتِ تلميذتهُ، فلا شك أنْ مهاراتكِ استثنائية.”
مع استمرار الحديث، بدأت كورديليا تُدرك أنْ السبب الرئيسي وراء لطف الماركيز معها هو اعتقادهُ بأنها حلقةُ وصلٍ سياسية مع أتيلي. في البداية، شعرت بالضغط، لكنها بعد أيام بدأت ترى أنْ استغلال هَذهِ العلاقة ليس أمرًا سيئًا.
ازدادت جرأتُها تدريجيًا، حتى أنها في اليوم الثالث نُقلت إلى غرفةٍ فاخرة توازي تلكَ التي يُقيم فيها الماركيز.
لَمْ يتبقَّ سوى يومين للوصول إلى العاصمة. وأثناء ذَلك، كانت كوردليا تراجعُ في ذهنها ما ستقولهُ لوالدها عندما تراهُ. لَمْ تكُن تنوي البكاء. بل شعرت أنها قد تُفرغ عليهِ كل غضبها.
لا تزال الحادثة التي قبل فيها والدها المال مِن ليونارد مُقابل الامتناع عن رؤية ابنتهِ جرحًا عميقًا في قلبها.
رغبت بشدةٍ في مواجهة والدها بما عانتهُ، لكن فكرة أنْ أيامهُ معدودةٌ جعلتها لا ترغب في قضاء آخر لحظاتهما في شجار. ليس لأجلهِ، بل لأجلها هي.
عندها، سمعت صوتًا غريبًا عبرَ النافذة المفتوحة.
في البداية، اعتقدت أنْ حيوانًا بريًا قد اقترب، لكنها سمعت أصوات بشرٍ مُختلطةٍ معه.
“كيف… يُمكن أنْ تكون… أحمقًا هَكذا…؟”
“أعتذر.”
كان مِن الواضح أنْ أحد تلكَ الأصوات ينتمي إلى بيلوتشي. كانت كورديليا على وشك إغلاق النافذة، لكنها توقفت عندما تعرفت على صوتهِ، وقررت الاستماع.
“هاه، قُمامةٌ مثلكَ لا يُمكن التعامل معها بالكلام فقط.”
“أعتذر.”
“كان يجبُ ألا تُولد. هَذا الوغد المُتكبر، مَن تظنُ نفسكَ حتى تجرؤ على النظر بتلكَ الطريقة!”
رفع الماركيز إنغريون صوتهُ غاضبًا للغاية، مِما جعل كورديليا تتبعُ الصوت وتجد الرجلين.
عينَا كورديليا تجمدتا ببرودٍ بينما شعرت بحرارةٍ تغلي في رأسها. كان بيلوتشي مُلقى على الأرض يُضرب كأنهُ كلبٌ على يد الماركيز.
دوّن أنْ تُفكر مرتين، فتحت الباب وخرجت على الفور. نزلت الدرج بسرعة خطوتين في كُل مرة واندفعت نحو الفناء الخلفي. ركضت بسرعةٍ لدرجة أنها شعرت بضيقٍ في التنفُس رغم قِصر المسافة.
“ماركيز إنغريون، هاه.”
“ما الأمر يا آنسة فاسكويز؟”
كان يبدو هادئًا للغاية، لكن الدم المُلطخ على السيف الخشبي الذي يحملهُ كشف كُل شيء. شعرت كورديليا بالاشمئزاز مِن تصرفه.
أخذت نفسًا عميقًا واقتربت مِن بيلوتشي، الذي كان مُستلقيًا على الأرض، وأمسكت ذراعهِ المُغطاة بالدم لينهض. نظر إليّها بيلوتشي للحظةٍ واحدة فقط، ثم ترنح وهو ينهض.
حرك الماركيز إنغريون حاجبيهِ قليلاً.
“لِمْ أنتهِ بعد مِن الحديث مع هَذا الشيء.”
“شيء؟ إنهُ تعبيرٌ قاسٍ لوصف ابنكَ.”
“إبني؟ هاهاها. لا تقولي مثل هِذا الكلام. أخشى أنْ يسمعهُ أحد.”
“هل هُناك أحدٌ لا يعلم أنْ بيلوتشي هو الابنُ الفخور لعائلة إينغريون؟”
لَمْ تعرف كورديليا لماذا كانت غاضبةً بهَذا الشكل. كانت تشدُ على أسنانها مع كل كلمةٍ تقولها. كان الغضب المتأجج داخلها يجعلُ جسدها بالكامل يرتجف لدرجة أنْ يديها كانت ترتعشان.
توقف الماركيز فجأةً عن الحديث بلطف واستخدم نبرةً حادة.
“انتقي كلماتكِ بعناية. لَمْ أمنح هَذا الوغد لقب إينغريون قط.”
“ما لَمْ تكُن والدةُ بيلوتشي قد حملت بإرادةٍ إلهية، فإنْ الأب معروفٌ بوضوح. هل يُمكن للإنكار أنْ يمحو علاقة الدم؟”
“الخطأ كان في الاقتراب مِن تلكَ العاهرة الحقيرة، وكان ذَلك وصمة عارٍ في حياتي! وهَذا الشيء ليس سوى قذارةٍ ناتجةٍ عنها!”
صرخ الماركيز بغضبٍ، وكلما زاد إنكارهُ لوجود بيلوتشي، زاد اشتعال الغضبُ في قلب كورديليا. نظرت في عيني الماركيز وتحدثت بحزم.
“إذا وصفتَ بيلوتشي مرةً أخرى بأنهُ وغدٌ أو بالقذارة، فَلَن ألتزم الصمت بعد الآن.”
“هاهاها!”
انفجر الماركيز إينغريون ضاحكًا بصوتٍ عالٍ، وقال بنبرةٍ تهكميةٍ بينما عينيهِ السوداوين تتلألآن:
“لَن تلتزمي الصمت؟ وماذا يُمكن لفتاةٍ مثلكِ أنْ تفعل؟ عائلةُ فاسكويز أوشكت على الانهيار.”
“رُبما لَن أستطيع فعل شيءٍ الآن. لكن عندما أصبح ساحرةً عُليا، وأكون سيريوس أكيرون، وأحصل على منصب ساحرةٍ في البلاط الملكي، لَن أنسى الإهانات التي وجهتها إلى بيلوتشي اليوم، وسأنتقمُ منكَ بالدم.”
كانت نبرتُها وعينيها تعكسان عزمًا لا يُمكن كسره. بدا أنْ الماركيز فوجئ للحظة، ثم حدق في كورديليا وبيلوتشي قبل أنْ يتحدث مُجددًا.
“لأجل هَذا الشيء، قررتِ مُعاداتي؟ أنتِ ترتكبين خطأً فادحًا.”
“بيلوتشي إينغريون هو الشخص الذي أنقذ حياتي. يبدو أنكَ لا تعرفُ هَذا، لكن الإنسان لديهِ مبادئٌ يجبُ أنْ يحترمها.”
احمرَّ وجهُ الماركيز بالغضب. كانت كلماتُها بمثابة اتهامٍ صريح بعدم احترامهِ لتلكَ المبادئ. ألقى بالسيف الخشبي على الأرض بغضب.
“هَذا الشيء الذي تُقررين الدفاع عنهُ هو من قتل أمهُ بنفسهِ. ومع ذَلك، ترغبين في الوقوف إلى جانبهِ؟ يبدو بأنكِ حقًا تلميذةُ أتيلي.”
ارتعش بيلوتشي عند سماع تلكَ الكلمات. نظرت كورديليا إليّهِ للحظةٍ قصيرة، ثم عادت لتواجه الماركيز بابتسامةٍ مُشرقة.
“حتى لو كان هو مَن قتل والدي، سأقبلهُ بكل سرور. ماركيز إينغريون.”
“… سأتأكد بأنكِ ستندمين على هَذهِ الكلمات.”
“للأسف، يبدو أنْ رحلتنا المُشتركة تنتهي هُنا.”
استدارت كورديليا على الفور وأمسكت بذراع بيلوتشي المُرتعشة بينما قادتهُ إلى داخل النزل. تمتم بيلوتشي بصوتٍ مُنخفض:
“ما فعلتهِ كان غيرَ ضروري. ذَلك العجوز انتقاميٌ وحاقد، سيجدُ حتمًا أيَّ عُذرٍ ليؤذيكِ…”
“لماذا تركت نفسكَ تُضرب هَكذا؟”
“…..”
“لقد كنتَ تُهاجمني بسهولةٍ وتكسر يدي وتخنقني. لماذا تتلقى الضربات مِن وحش كهَذا؟ لماذا؟”
بدأ الغضبُ الذي اعتقدت أنهُ قد تلاشى يتأججُ مرةً أخرى كالنار داخل صدرها. لو أنْ ما رأتهُ كان مُجرد صفعةٍ بسيطة، لما شعرت بهَذا الكم مِن الغضب. ولكن ما رأتهُ لَمْ يكُن بشريًا.
وحش، أو رُبما حشرة.
لَمْ يكُن هُناك أيُّ كرامةٍ تُذكر في بيلوتشي، الذي كان يُضرب بالسيف الخشبي. والأسوأ مِن ذَلك، أنْ بيلوتشي بدا مُعتادًا جدًا على هَذا، وكأنهُ اعتاد على ذَلك لدرجة عدم وجود أيِّ مُقاومةٍ، وكأنْ ايَّ مُقاومة ستكون بلا معنى.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》