أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 111
الفصل 111 : ما هوَ الحُب؟ ⁸
بسبب انشغال ليونارد الشديد، لَمْ يتمكنا مِن التحدُث بشأن ذَلك الأمر…
لا، بصراحة، حاولت كورديليا عمدًا تجنُب الخوض في ذَلك الموضوع. سواء كان ليونارد قد لاحظ تلكَ المحاولة الخرقاء أم أنهً كان يراعيها، فإنهً تصرف وكأنْ شيئًا لَمْ يكُن.
كان في داخل كورديليا مشاعرٌ مُتضاربة. في بعض الأحيان، كان مِن الصعب عليها حتى النظرُ مُباشرةً إلى وجه ليونارد. وكان هُناك أيامٌ تقضيها مُستيقظةً طوال الليل لأنها لَمْ تكُن قادرةً على معرفة مصدر هَذهِ المشاعر المُزعجة.
“لا. لا شيء.”
“ماذا؟ لماذا تتوقفين عن الحديث فجأةً؟ تُثيرين فضولي ثم تَصمُتين.”
على الرغم مِن أنْ كورديليا أغلقت فمها كالمحار، إلا أنْ إيلياس لَمْ يتوقف عن إلحاحهِ. لكن لَمْ يكُن مِن المنطقي أنْ تقول لشخصٍ قابلتهُ مراتٍ معدودةٍ ‘أشعرُ وكأنْ مُعامي يعتبرُني شخصًا مُميزًا’.
“فقط، كنتُ أتساءل ما هو الحُب.”
“حقاً؟ أهَذا سؤال فتاةٍ في الثانية عشرة مِن عُمرها؟ لا بد أنْ لديكِ على الأقل حُب أول.”
“ليس لديّ.”
“ليس لديكِ؟ ألَمْ يكُن هُناك أيُّ رجلٍ مُناسب حولكِ؟”
نظر إليّها إيلياس بنظرةٍ غريبة، وشعرت كورديليا بأنْ تلكَ النظرة لا معنى لها.
“حتى قبل بلوغي سن الرشد، لَمْ أتحدث قط مع أيِّ رجُل بِمُفردي. في المكان الذي ولدتُ ونشأتُ فيه، كان ذَلك أمرًا طبيعيًا.”
“ماذا؟ أين كنتُ تعيشين؟ آه، صحيح، أنتِ مِن فاسكويز. سمعتُ أنْ الشمال مُحافظٌ جدًا، لكن هَذا يبدو مُتطرفًا جدًا.”
“أعتقدُ بأنكَ أكثر تطرفًا. بالنظر إلى أنكَ قد تقترحُ إقامة علاقةٍ جيدة مع شخصٍ تراهُ لأول مرة.”
ردت كورديليا بوجهٍ خالٍ مِن التعبير، مِما جعل إيلياس يضحكُ على استحياء.
“حسنًا. أعتذرُ عن ذَلك. أنا مِن النوع الذي يتقدمُ فورًا عندما أجدُ شخصًا يُعجبني.”
“أجل، تبدو كذَلك.”
بعد تبادُل بضع كلمات غير جدية، نهضت كورديليا مِن مكانها. وبيدٍ مُتكئةٍ على ذقنه، خاطبها إيلياس بينما كانت تغادر.
“عن الحُب. بالنسبة لي، يبدو وكأنْ هَذا الشخص كان هو الوحيد المُلون في عالمٍ رمادي.”
“ملون؟ ماذا تقصد؟”
“في عالمٍ مليء باللونين الأسود والأبيض، كان ذَلك الشخص الوحيد الذي يلمع.”
“هل كنتُ تعاني مِن مشكلةٍ في البصر؟”
سألت وهي تُشكك، فضحكَ إيلياس بصوتٍ عالٍ.
“أنتِ مُجرد مُبتدئة لا تعرفين شيئًا عن الحُب.”
“مُبتدئة؟ أنا بالغة. علاوةً على ذَلك، كنتُ مُتزوجة وقد فقدتُ زوجي.”
ردت كورديليا بشدةٍ على كلامهِ، لكن إيلياس رفع ذقنهُ وهزَّ إصبعهُ إلى اليمين واليسار بتعبيرٍ مُتغطرس.
“التقدُم في العمر لا يجعلُ الإنسان بالغًا. ونفسُ الشيء، الزواج لا يعني أنكِ تعرفين الحُب.”
“حقًا؟”
“وأنتِ الدليلٌ على ذَلك.”
عادت كورديليا إلى المُختبر وهي تُفكر في كلمات إيلياس. وظلّت مشاعرُها المُعقدة مُستمرة.
الحُب. ما هو الحُب؟
بالنسبة لها، كان هَذا سؤالاً صعبًا للغاية. كانت تعتقد أنْ الحُب شيءٌ خاص ببعض الأشخاص فقط. وأنهُ أمرٌ مُستحيل الحدوث في حياتها، مُجرد شيء في عالمٍ الخيال.
“كورديليا!”
“نعم؟”
رفعت رأسها عند سماع أحدِهم يُناديها. بخلاف العادة، كان كاندياس يقفُ عند الباب ينظرُ إليّها بعينٍ واحدة.
“ما الأمر؟ هل هُناك شيء؟”
“لديكِ رسالة. قالوا بإنها عاجلة وطلبوا تسليمها بسرعة.”
“رسالةٌ لي؟”
ألحَّ عليها أنْ تأتي بسرعة. وبينما كانت كورديليا في حيرةٍ، دخلت إلى المُختبر. وكما حدث مِن قبل، انشقّت عين كاندياس وسقط ظرف الرسالة على يدها.
كان الختم على الرسالة مألوفًا. زفرت كورديليا تنهيدةً طويلة عند رؤيتهِ.
“ما الأمر؟ مَن أرسلها؟”
“والدي.”
إنهُ عنيدٌ للغاية. مهما تجاهلت رسائلهُ، يستمر في إرسالها دوّن كلل، مِما يجعلُها تشعرُ بالإرهاق. بالنسبة لكورديليا، التي تتذكرُ جيدًا كيف باعها والدها، كانت هَذهِ الرسالة بالنسبة لها رمزًا للعار، وقح ومقزز.
اتجهت كورديليا مُباشرةً نحو الموقد وهي تحملً الرسالة، لكن كاندياس تبعها على الفور.
“لا تُخبريني بأنكِ ستَحرقينها؟”
“نعم. لا بُد أنها مليئةٌ بالكلام الفارغ عن طلب المال.”
حاولت جاهدةً ألا تُظهر نظرةً ساخرة، لكنها فشلت. قبل أنْ تلتهم النار الرسالة، انتزعها كاندياس بسرعة.
“اقرئيها قبل أنْ تُحرقيها. قد يكون هُناك شيءٌ مهم. لقد قالوا إنها عاجلة.”
أصرَّ بجانبها على قراءتها. وعلى الرغم مِن أنها لَمْ تكُن راغبة، فتحت كورديليا ختم الرسالة وبدأت تقرأ مُحتواها. كانت الكتابة مُختلفة عن المعتاد. كان النص قصيرًا، لذا تمكنت مِن قراءتهِ دُفعةً واحدة. وكاندياس ينتظرُ بجانبها بفضول.
“ماذا تقول؟”
“أبي…”
“نعم؟”
“يبدو يأنهُ يَحتَضر.”
“ماذا؟ هَذا أمرٌ خطير. لو أحرقتها، لكانت كارثة!”
لكن وجه كورديليا الخالي مِن التعبير لِمْ يُظهر أيَّ رد فعل. كان ردُ فعلها الوحيد هو تحريك شفتيها قليلاً على كلام كاندياس المُبالغ فيه.
لقد كان والدها يُعاني المرض لعدة أيامٍ. بالطبع، مع كل ذَلك التدخين والشرب يوميًا، كان مِن الغريب ألا يمرض.
عندما باع كورديليا إلى أبرامز، كان يدّعي أنهُ بحاجةٍ إلى المال لتكاليف علاج مرضهِ.
الرسالة لَمْ تكُن مِن والدها، بل مِن طبيبهِ الخاص. كان محتواها يقول بأنْ حالة باولو فاسكويز الصحية قد تدهورت إلى درجة أنْ أيامهُ أصبحت معدودةً، وإنْ كانت ترغبُ في رؤيتهِ في لحظاتهِ الأخيرة، فعليها الإسراع إلى العاصمة.
طوت كورديليا الرسالة ووضعتها في جيبها، ثم جلست على مكتبها وبدأت بأداء واجباتها المُعتادة. على العكس، كان كاندياس يدور حولها في قلقٍ واضح.
“أنتِ بخير؟ أليس عليكِ الاستعداد للذهاب فورًا؟”
“عندما يعود مُعلمي، سأخبرهُ أولاً.”
“صحيح، ولكن… يا إلهي، يبدو أنْ والدكِ كان مريضًا جدًا.”
لو كانت الرسالة تحملُ خبرَ وفاتهِ، لرُبما ذرفت دمعةً واحدة. لكن كورديليا كانت مُتفاجئةً مِن نفسها لعدم شعورها بأيِّ تغييرٍ عاطفي. بدا الأمر وكأنها كانت تتوقع هَذا الأمر مُسبقًا، وظلّت هادئةً تمامًا.
رُبما كان السبب لأنها لَمْ تعُد تتوقع شيئًا مِن والدها ولَمْ يكُن لديها أيُّ عاطفةٍ تجاهه.
عاد ليونارد إلى المُختبر في وقتٍ مُتأخرٍ مِن الليل. قبل أنْ تشرح كورديليا الوضع، طار كاندياس بسرعةٍ ليهمس بالأمر إلى ليونارد. وما أنْ سمع ذِلك، حتى اقترب مِن كورديليا، بينما كان يخلعُ معطفه بتعبٍ.
“هل صحيحٌ أنْ الكونت فاسكويز في حالةٍ خطيرة؟”
“نعم. لقد وصلت رسالةٌ مِن طبيبهِ اليوم.”
“ماذا تريدين أنْ تفعلي؟”
رفعت كورديليا رأسها لتنظرَ مُباشرةً إلى عيني ليونارد.
كانت مُتفاجئةً. ظنت أنهُ مثل كاندياس، سيعتقدُ تلقائيًا بضرورة ذهابها إلى والدها. لكنها وجدت نفسها تُتمتم بترددٍ.
“… عليّ الذهاب. إذا توفي، سأحتاجُ أيضًا إلى ترتيب الجنازة.”
“هل تريدينني أنْ أرافقكِ؟”
رغم أنْ كورديليا لَمْ تكُن بارعةً في مُلاحظة الأمور، إلا أنها كانت تعلمُ مدى انشغاله. وبغض النظر عما إذا كان عرضهُ نابعًا مِن المُجاملة، شعرت بامتنانٍ حقيقي.
“لا بأس. لقد مررتُ بجنازةٍ واحدةٍ مِن قبل، لذا يُمكنني التعامل مع الثانية بسهولة.”
ابتسمت وهي تتحدثُ. رفع ليونارد يدهُ كما لو كان سيمسح على خدها ولكنهُ توقف فجأةَ. ثم خفض يدهُ بهدوء.
“أذهبي أولاً. سألحقُ بكِ بِمُجرد أنْ أنتهي مِن العمل هُنا.”
“لا، حقًا، لا بأس. أنتَ مشغولٌ جدًا، يا مُعلمي.”
“لديّ وقتٌ كافٍ للاهتمام بكِ.”
قال ذَلك، ثم عاد إلى مكتبهِ يبحثُ عن شيءٍ ما. وبعد لحظات، عاد حاملاً بيدهِ مجموعةً مِن الخواتم اللامعة، لا تقلُ عن ستة، كانت تتلألأ في راحة يدهِ.
“ما هَذهِ؟”
“تتذكرين عندما أعطيتُكِ خاتمًا قبل أنْ تذهبي إلى جمعية السحرة؟”
“أوه، تقصدُ ذاك الذي أعطيتهُ ليِّ بسبب ماكسيميليان؟”
استعادت ذكرياتها عن أول مرةٍ ذهبت فيها إلى النقابة، وتذكرت كيف أنْ ذَلك الخاتم قد أنقذ حياتها لمرة.
“إنها خواتمٌ تحتوي على تعاويذ مُشابهة. مدّي يدكِ.”
مدّت كورديليا يدها بترددٍ. أمسك ليونارد يدها برفقٍ شديد، كما لو كان يتعاملُ مع عملٍ زجاجي هش. وعلى الرُغم مِن أنْ مساحة التلامس كانت صغيرة، إلا أنْ ذَلك الجزء مِن يدها احمرّ كأنها أُصيبت بحروق.
“في المرة القادمة، سأعطيكِ خاتمًا أفضل.”
“… هَذا أكثرُ مِن كافٍ.”
“ليس بالنسبة لي.”
قال ليونارد، بينما حاولت كورديليا تجنُب النظر إلى عينيهِ. ولكنها رأت وجهها في المرآة على الحائط؛ كان وجهُها مُحمرًّا للغاية.
حاولت سحب يدها مِن قبضتهِ، لكنهُ أمسك بها بإحكام.
“أنا مُعجبٌ بكِ، كورديليا.”
شهقت كورديليا وسحبت أنفاسها بصعوبةٍ. خشيت أنْ تُصدر صوتًا إذا زفرت، فحبست أنفاسها بِبُطء.
“أشعرُ وكأنني لا أستطيعُ التوقف عن التفكير بكِ، مِن لحظة استيقاظي إلى لحظة نومي. وأحيانًا أريدُ أنْ أقتلع عيون الرجال الذين ينظرون إليكِ.”
“…..”
كان لديّها الكثيرُ مِن الأسئلة. هل أنتَ جاد؟ منذُ متى؟ لكن الكلمات لَمْ تخرُج مِن فمها. كل ما استطاعت فعلهُ هو زفير بطيء ومُتحفظ. ابتسم ليونارد بسخرية.
“تَدربتُ على هَذا عدة مراتٍ بِمُفردي وكأنني أحمق، ولكنني لَمْ أقل سوى هَذا.”
“تدربت؟”
“نعم. لا يُمكنني أنْ أطلبَ يدكِ للزواج بِهَذا الشكل السخيف.”
كلمةُ “زواج” أعادتها فجأةً إلى الواقع. الزواج الذي بدأ بشكلٍ مُريع ومؤلم.
بالطبع، كانت تعلمُ أنْ كريج وليونارد شخصان مُختلفان تمامًا، لكن وجهُها أصبح مُظلمًا دوّن وعيّ. لاحظ ليونارد ذَلك.
“أجيبي عندما نلتقي مرةً أخرى.”
“مُعلمي…”
“أعلمُ بأنكِ مضطربةٌ الآن.”
تراجع بضعَ خطواتٍ كما لو كان يهرُب، ثم ابتسم قائلاً:
“لا تخافي كثيرًا. حتى لو رفضتني، لَن يتغيّر شيءٌ في علاقتنا.”
“مُعلمي، أنا…”
رفعت كورديليا عينيها إليّه كما لو كانت ستتحدث، لكنهُ قطع كلماتها بسرعة.
“لاحقًا، أخبريني لاحقًا.”
كان يبدو كما لو أنهُ يعرف تمامًا الإجابة التي ستُعطيها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》