أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 110
الفصل 110 : ما هوَ الحُب؟ ⁷
الخادم أدرك على الفور أنْ “ماكسيميليان”، الذي كان يقصِدُه سيده نفسهُ الذي كان قد توسّل قبل قليل الرجُل الذي يرتدي عباءة، هو نفسُ الرجل الذي كان يقفُ أمام سيدهِ، فاندفع مُسرعًا.
قبل دفن النعش في الأرض، أشار أنطون إلى الكاهن الذي كان يستعدُ لقراءة الصلاة. اقتربَ الكاهن بانحناءةٍ مُحترمو وقال:
“ما الأمر، سيدي؟”
“سنؤجل الدفن إلى وقتٍ لاحق. غادر الآن.”
“ماذا؟”
“سيدي…”
ظهرت ملامحُ الصدمة على وجه الخادم الذي كان يقفُ قريبًا منه. لكن أنطون كررَ قرارهُ بصرامةٍ:
“غادر الآن. عندما يحينُ الوقت، سأستدعيّكَ مُجددًا.”
“سيدي، يجبُ أنْ تدعَ الآنسة ترحل. دعها تنامُ بسلامٍ، أرجوك.”
“إنها ابنتي! أنا مَن جلبها إلى هَذا العالم، وأنا مَن يُقرر متى أتركُها!”
صرخَ أنطون بعينين حمراوين بينما ينظرُ بغضبٍ إلى الخادم. أسرع الكاهن بالانسحاب خوفًا مِن أنْ يطالهُ غضبُ أنطون.
“يبدو أنْ الشائعات عن جنون دوق إيمبلي بعد وفاة ابنتهِ صحيحة.”
على الرغم مِن استخدام السحر لحفظ الجثة، إلا أنْ رائحة الموت الكريهة بدأت تتسربُ، وكان مِن المُفترض دفنها منذُ فترةٍ طويلة. غادرَ الكاهن قلعة إيمبلي وهو يهزُّ رأسه ويجمعُ أدواته.
وهَكذا، لَمْ يتم دفن روزالين. بدلاً مِن أنْ يُوضع النعش في الأرض، أُعيد مرةً أخرى إلى القلعة. وبينما كان الخدم يهمسون بشأن ما حدث، لَمْ يجرؤ أحدٌ على مواجهة أنطون وإخبارهِ بخطأ تصرفه.
“س-سيدي…”
جُر ماكسيميليان إلى أمام أنطون، يترنحُ كدميةٍ ورقية بين أيدي الفُرسان الذين أمسكوا بهِ بإحكام.
رفع أنطون غمدَ سيفهِ وضرب رأس ماكسيميليان بهِ مُباشرةً. وكررَّ الضربة مرةً تلو الأخرى. بدا كما لو أنه يؤدي واجبًا بلا مشاعر.
وعندما تلطخ الغمد بالدماء، ألقى بهِ بعيدًا.
“تحدث. ما الذي قُلته قبل قليل؟”
“هُناك… هًناك سحرٌ قديم توارثتهُ عائلة أتيلاي عبرَ الأجيال.”
بعد أنْ التقط أنفاسهُ لفترةٍ طويلة، بدأ ماكسيميليان بالكلام. كانت الدماء تسيلُ مِن جبهتهِ ورأسه، لكن لَمْ يهتم أحدٌ بحاله.
أشار لهُ أنطون بإيماءةٍ تعني أنْ يستمر.
“كما تعلم، إعادة الموتى إلى الحياة هي مِن المُحرمات بين السحرة. لكن، أليس المُحرم شيءٌ لا يُمكن كسره؟ أتيلي استخدم هَذا السحر وعاد إلى الحياة.”
“لكنهُ قال بإنهُ استخدم سحر نقل الروح.”
“هَذا كذب.”
قال ماكسيميليان بنبرةٍ قاطعة.
“سحرُ نقل الروح هو مُجرد أسطورة، لَمْ ينجح أحدٌ في تحقيقهِ أبدًا. أتيلي اخترع تلكَ القصة ليُخفي حقيقة السحر المُحرم الذي استخدمه.”
كان ماكسيميليان يهمسُ كالثعبان. وعلى الرغم مِن أنْ أنطون لَمْ يكُن في كامل وعيّه، إلا أنهُ لَمْ يكُن غافلًا ليُصدق كلامه بسهولةٍ.
“هل لديكَ دليلٌ على وجود هَذا السحر؟”
“بالطبع.”
وكأنهُ كان ينتظر هَذا السؤال، أخرج ماكسيميليان ورقةً مِن جيبهِ وقدمها لأنطون. كانت الورقة تبدو قديمةً جدًا، وكأنْها ستنهارُ عند لمسها.
أخذها أنطون وألقى نظرةً على مُحتواها، لكنهُ لَمْ يفهم سوى القليل.
“للأسف، ما تمكنتُ مِن استعادتهِ مِن كتاب السحر المُحرم في عائلة أتيلي هو الصفحة الأولى فقط. إذا كُنتَ تشك في الأمر، يُمكنكَ استدعاء سحرتكَ لفحصها. سيؤكدون بأنها عن السحر المُحرم.”
“حسنًا، لنفترض ذَلك. لكن روزالين قد توفيت منذُ شهر. هل يُمكن أنْ تعود إلى الحياة بعد كل هَذا الوقت؟”
“أتيلي عاد بعد ثلاثة أشهر. السحر يستغرق وقتًا، وإذا تم حفظُ الجسد جيدًا، فسيكون ذَلك مُمكنًا.”
أجاب ماكسيميليان بثقةٍ دوّن تردد. وكان أنطون، اليائس، يتمسكُ بأيِّ أمل، وواصل الحديث معه.
“أين روح روزالين الآن لتتمكن مِن إعادتها بعد وفاتها؟”
“لا أعلم ذِلك. لكنني واثق مِن أنْ أتيلي يعرفُ الطريقة وقد نجح بالفعل.”
رغم أنْ عقل أنطون كان يُدرك أنْ كلمات ماكسيميليان قد تكون كذبًا، إلا أنهُ بدا كأنه شعاعُ أملٍ وسط ظلامهِ العميق. كان على استعدادٍ للتمسك بأيِّ احتمال، مهما كان ضئيلاً.
استدعى أنطون سحرة إيمبلي وسلمهم الورقة التي قدمها ماكسيميليان. نظر السحرة إلى الورقة واتسعت أعينهم دهشة.
“ما المكتوب على هَذهِ الورقة؟”
“إنها عن… السحر المُحرم.”
“أيُّ نوعٍ مِن السحر المُحرم؟”
“السحر الذي يمكنهُ إعادة الموتى إلى الحياة. لكن، سيدي، أنتَ تعلم أنْ هَذا السحر ليس حقيقيًا. إنهُ مجرد أسطورةٍ قديمة.”
“إذن، ما المكتوب على هَذهِ الورقة؟”
ارتفع صوت أنطون. كيف يمكنُهم إنكار وجود السحر مع وجود دليلٍ واضحٍ أمامهم؟ نظر إليّهم بغضب.
“لا يُمكن لهَذهِ الورقة وحدها أنْ تُثبت شيئًا. كما أنْ كتابة أحدهم عن حصان بقرن لا يعني أنْ الحصان موجودٌ في الواقع.”
رد الساحر الأكبر بهدوء، لكن الكلمات المنطقية هَذهِ لَمْ تصل إلى أنطون الذي كان قد فقدَ صبره.
“إذن، كيف تفسرون عودة أتيلي مِن الموت؟”
“…..”
“قال الدوق أتيلي إنهُ عاد إلى جسدهِ عبر سحر نقل الأرواح. لَمْ يمُت، لذا لا يُمكن القول إنهُ عاد إلى الحياة.”
منذُ ذَلك الحين، استمر الصراع الشديد بين الرمح والدرع. وبينما كان السحرة يشرحون بإسهابٍ عن السحر المُحرم، انجذب عقل أنطون أكثر فأكثر إلى الورقة الوحيدة التي قدمها لهُ ماكسيميليان.
“أيها العاجزون! حتى لو كان الاحتمال ضعيفًا للغاية، كان يجبُ أنْ تخبروني فورًا إذا كان هُناك مثل هَذا الحل!”
“نعتذر يا سيدي…”
لَمْ يُكن لديهم أيُّ كلماتٍ أخرى يُمكنهم قولها. طردهم أنطون خارج الغرفة وبدأ يتجول بالقرب مِن النافذة.
كانت الورود قد ذبُلت، ولَمْ يتبقَ منها سوى بتلاتٌ صفراء يابسة. وبينما كان ينظرُ إليّها، اجتاحهُ الغضب.
كان يشعرُ بالظلم لأن ليونارد أتيلي وحدهُ مَن عاد إلى الحياة باستخدام ذَلك السحر.
لماذا ابنتي ماتت، لكنهُ فقط مَن نجا؟
“أعيدوا ماكسيميليان.”
انحنى الخادم وغادر الغرفة ليعود مع ماكسيميليان الذي ارتسمت على شفتيهِ ابتسامةٌ خافتة.
“سيدي، أنا لا أكذبُ أبدًا.”
“هل هَذا السحر موجودٌ فقط لدى أتيلي؟”
“نعم، يتمُ توارثه فقط داخل العائلة. لذَلك لا أعرف كل تفاصيله.”
“إذًا، لإعادة ابنتي باستخدام هَذا السحر، ما الذي يجبُ فعله؟”
“نحتاجُ إلى تلميذته.”
“كوسيلةٍ للضغط عليه؟”
أنطون تمتم بينما يفركُ ذقنه، مُتأملاً الحل الذي كان قد فكر فيه سابقًا لحماية دانيال. لكنهُ لَمْ يكُن راضيًا تمامًا عنه. لَمْ يكُن مُتأكدًا مِما إذا كان بإمكانهِ السيطرة على أتيلي، وكان الخطر كبيرًا.
“نعم. رغم أنْ المحاولة السابقة فشلت بسبب جوهرة إيفرارد، إلا أنْ ذَلك كان الطريقة الوحيدة للسيطرة على أتيلي.”
“جوهرة إيفرارد؟”
سأل أنطون، فَشرح ماكسيميليان بإيجاز عن السوار الذي كانت تملكهُ كورديليا.
اندهش أنطون وفتحَ فمهُ قليلاً مِن المُفاجأة. حتى بالنسبة لشخصٍ لا يعرفُ شيئًا عن السحر، بدا هَذا غريبًا جدًا.
“هل يُمكن أنْ يوجد شيءٌ كهَذا؟”
“نعم. إنهُ نادرٌ للغاية لدرجة أنهُ مِن الصعب العثور عليهِ. وأعطاهُ أتيلي لتلميذتهِ، مِما يدُل على مدى اهتمامهِ بها.”
توقف ماكسيميليان قليلاً قبل أنْ يواصل بنبرةٍ مُنخفضة:
“لذا، علينا الإمساك بفاسكويز وجعلُها تتناول السُم.”
“لكن إذا كان لديّها ذَلك السوار، كيف يُمكننا اختطافُها وإجبارها على تناول السم؟ حتى إقناع مَن حولها لَن يكون سهلاً.”
“كل ما علينا فعله هو استدعاؤها بِمُفردها.”
“وماذا بعد؟”
“يُمكننا إنشاء حاجزٍ يُعطل السحر بشكلٍ مؤقت. رُغم أنه لَن يستمر طويلاً، فإنهُ سيمنحنا الوقت الكافي للسيطرة عليها وإجبارها على تناول السم.”
أنطون استمع باهتمامٍ إلى خطة ماكسيميليان. بدا وكأنهُ كان مُستعدًا مُسبقًا بكُل التفاصيل، مِما ساعد على صقل خطة اختطاف كورديليا وإجبارها على تناول السم.
مع انتهاء الحديث، كان القمر قد ظهر بالفعل.
صرف أنطون ماكسيميليان ودخل إلى الغرفة حيث كانت روزالين تستريح بسلام. كانت تُغسل بعنايةٍ يوميًا وتُحفظ بالسحر، مِما جعلها تبدو وكأنْها تغطُ في نومٍ عميق.
“انتظري قليلًا، روزي. سنلتقي قريبًا.”
***
مرت عدةُ أيامٍ منذُ أنْ تم اختطاف كورديليا وهروبها باستخدام جوهرة إيفرارد.
خلال تلكَ الفترة، حدثت أمورٌ كثيرة.
كانت ويلآس في حالةٍ مِن الفوضى بسبب هبوط الشياطين، مِما جعل جميع السيريَوس مشغولين للغاية. حتى ليونارد كان بالكاد يُرى، مِما جعل كورديليا تجدُ صعوبةً في رؤيتهِ.
للحفاظ على سلامتها، عادت كورديليا إلى المُختبر. وبطبيعة الحال، لَمْ يتمكن البارون مِن الدخول، بينما انشغل أساتذتُها وجميع السيريَوس الذين تعرفهم، مِما دفعها إلى قضاء معظم وقتها في المُختبر مع كاندياس.
كانت الطريقة الوحيدة التي تخرجُ بها لمقابلة الآخرين هي الذهاب إلى المطعم المُشترك لتناول الطعام مرتين في اليوم.
“ما هو الحُب يا ترى؟”
“ماذا؟ هل بدأتِ تهتمين بهَذا الأمر أخيرًا؟”
ضحك إيلياس بخبثٍ وركل كورديليا بلطفٍ تحت الطاولة. دفعت كورديليا الأطباق الفارغة بعيدًا وقالت:
“لا تبدأ بحديثك الغريب عن ‘العلاقات الجيدة’.”
“غريب؟ الجميع يفهمُ ذَلك. حسنًا، حسنًا، لا تذهبي.”
وقف إيلياس عندما حاولت كورديليا المُغادرة على الفور.
“ولكن لماذا تتحدثين عن الحُب فجأةً؟ هل هُناك رجلٌ يُعجبكِ؟”
“ليس كذَلك…”
ترددت كورديليا بينما تبتلعُ كلماتِها. لَمْ تستطع نسيان تلكَ النظرة في عيني ليونارد، التي حُفِرت عميقًا في قلبها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》