أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 109
الفصل 109 : ما هوَ الحُب؟ ⁶
“هَذا ليس بسبب البارون. إنهُ بسبب الرجال الذين اختطفوني.”
“هل تعرفتِ على وجوه مَن اختطفوكِ؟”
“نعم، يبدو أنْ المُحرض على ذَلك هو ماكسيميليان. لَمْ أستطع رؤية وجهِه بسبب الضوء، لكنني كنتُ واثقةً مِن أنني سمعتُ صوته.”
“هاه، فهمت.”
بدأت كورديليا في شرح ما حدث بالتفصيل. فقدت وعيّها بِمُجرد أنْ استنشقت رائحة أزهارِ الأقحوان، وأثناء نقلها مِن قِبل الخاطفين الساذجين، استخدمت جوهرة إيفرارد للهرب. تغيّرت ملامحُ الرجُلين عندما سمعا ذَلك.
“يبدو أنْ الخُطة كانت غيرَ مُتقنةٍ بشكلٍ مُفرط إذا كان ماكسيميليان هو مَن أصدر الأوامر. وضع فقط شخصين لهَذا الأمر؟”
“هَذا ما فكرتُ فيهِ أيضًا. علاوةً على ذَلك، فإنْ الذين اختطفوني لَمْ يكونوا فرسانًا أو مُقاتلين، بل بدوا وكأنْهم مزارعون مِن أنسين. لَمْ يعرفوا حتى كيفَ يُمسكون بالسيف بشكلٍ صحيح.”
“هممم، هَذا غريبٌ بعض الشيء. مهما كانت الظروف مُلحةً، لا يبدو بأنهُ الشخص الذي قد يتصرفُ بمثلِ هَذهِ العشوائية.”
حكَّ البارون لحيتهُ البيضاء بينما تحدثَ ليونارد بدلاً منهُ.
“هل سمعتِ صوت ماكسيميليان عندما فقدتِ وعيّكِ؟”
“نعم، أنا مُتأكدةٌ بأنهُ صوته.”
“هَذا غريب. السببُ الذي جعلني أبتعدُ بسرعةٍ عن كورديليا كان لأنني رأيتُ ماكسيميليان بنفسي.”
“رأيتهُ أيضًا، بارون؟”
شعرت كورديليا ببعضِ الارتباك. بدا غريبًا أنْ يكون ماكسيميليان، الذي أصبحَ شخصًا عاديًا الآن، قد استطاع تجاوز البارون في وقتٍ قصير والوصول إليّها لاختطافِها. بدا أنْ هُناك شيئًا غيرَ منطقي.
“إذن، هل ماكسيميليان موجودٌ في ويلآس؟”
“ليس مؤكدًا. بِمُجرد أنْ تأكدنا مِن اختفاء كورديليا، أرسلنا أشخاصًا إلى ويلآس، لكننا لَمْ نَجد أيَّ أثرٍ له. علاوةً على ذَلك، تلقينا للتو رسالةً.”
أخرج البارون ورقةً صغيرة مِن جيبهِ وناولها لليونارد. كانت مكتوبةً بشيفرةٍ لَمْ تستطع كورديليا قراءتها. بعد أنْ قرأها ليونارد، أصبحت ملامحهُ أكثرَ جدية.
“السيد مينوفيو أبلغ أنهُ وجد ماكسيميليان في شمال أنسين وهو يُلاحقهُ حاليًا.”
شرح البارون لكورديليا، التي لَمْ تكُن تعرف مُحتوى الرسالة، بلطف.
“هل يُعقل ذَلك؟ أنسين تبعُد عن هُنا عشرة أيامٍ بالسفينة!”
“لا يُعقل. يبدو أنْ سحرة الظلام الذين يُرافقونه قد قاموا بشيءٍ ما.”
بغض النظر عن سرعة ماكسيميليان، لا يُمكنه أنْ يكون أسرع مِن الطيور. أمام تصرفاتهِ الغامضة، غرق الثلاثة في صمتٍ قصير.
حينها، وضعَ ليونارد يدهُ بخفةٍ على كتف كورديليا، مِما جعلها ترتجفُ وتَتيبس. ورُغم معرفتهِ بردة فعلها، لَمْ يُظهر شيئًا.
“سنبحثُ في هَذا الأمر لاحقًا. الآن، عليكِ أنْ تستريحي.”
“نعم، بالطبع. لا بُد بأنكِ قد شعرتِ بالصدمة، لذا مِن الأفضل أنْ ترتاحي.”
“أجل، هَذا ما سأفعلُه.”
عندما غادرت كورديليا القصر، كان الوقتُ نهارًا والآن قد تحول تمامًا إلى الليل. كانت جائعةً لأنها لَمْ تأكل طوال اليوم، لكن تأثيرُ التعبُ كان أقوى مِن الجوع. كل ما أرادتهُ هو أنْ تسقط على السرير وتنام.
كان مِن المُدهش أنْ كُل ذَلك قد حدثَ في يومٍ واحد.
خرجت كورديليا مِن الغرفة وهي تمشي بتثاقُل، وتبعها ليونارد فورًا. نظرت إليّه بتوترٍ وقالت:
“يُمكنني الذهابُ بمفردي.”
“أعلم.”
لَمْ تشعر كورديليا مِن قبل بعدم الراحة مع ليونارد، لكن المشي معهُ في هَذا المَمر جعلها تشعرُ بتوترٍ شديد. كانت تشعرُ بكل شيء، مِن أنفاسهِ خلفها إلى خطواته.
لهَذا السبب، أسرعت كورديليا في المشي. لَمْ تكُن غرفتُها بعيدة، لذا وصلت بسرعة. عندما همّت بالدخول وألقت تحية الوداع، أوقفها صوته.
“كورديليا.”
“نعم؟”
“أودُ إخباركِ بأمرٍ ما.”
“ماذا؟”
كان قلبُها ينبضُ بجنون، وكأنْ شخصًا ما يُحاول انتزاع أحشائها بيدهِ. كان شعورًا يشبهُ الخوف.
“إذا لَمْ أعبر عن مشاعري لكِ وحدث لكِ شيءٌ ما، فسأندمُ طوال حياتي.”
“مشاعرُكِ؟”
“نعم. كنتُ أودُ أخبركِ بها في مكانٍ جميل أو مع بعض الزهور، لكن…”
“مُعلمي!”
خافت كورديليا مِما سيقوله ليونارد.
نعم، هَذا الشعور الذي جعل العرق يتصببُ مِن يديها وجعلها تشعرُ وكأنْ حياتها ستنقلبُ رأسًا على عقب، كان بالتأكيد خوفًا.
“أنا متعبةٌ الآن. هل يُمكن أنْ نتحدث لاحقًا؟”
“… حسنًا. ارتاحي.”
نظر ليونارد إليّها للحظةٍ قبل أنْ يُغادر ببطء. انتظرت كورديليا حتى اختفى مِن أمامها، ثم أسرعت إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها.
***
عندما وصل نعشُ المُتوفاة إلى قلعة إيمبلي، كان الجميع يتوقع مَن تكون بداخله. بدت الفتاة الجميلةً كزهرةٍ تذبُل مع تغيّر الفصول.
قام خادمُ القلعة بتجهيز الزهور وفقًا لطقوس دفن إيرشيه، بوجهٍ كئيب.
ملأ أنطون النعش الذي يحتوي على جُثة ابنتهِ بالورود التي كانت روزالين تُحبها، وقضى أكثر مِن نصف يومهِ أمامه. في النصف الآخر، كان ينظرُ إلى دانيال الذي يُشبه روزالين كثيرًا.
الزهور تذبُل.
تجف وتذوي حتى لَمْ يبقَ في اليد سوى فُتاتٌ بني. كان أنطون في ذَلك اليوم أيضًا يُربت على جبين ابنتهِ البارد وهو يُتمتم:
“لو كنتُ أستطيعُ رؤيتكِ مرةً أخرى، لوهبتُ حياتي لكِ.”
“سيدي.”
اقترب الخادم بانحناءةٍ مُحترمة، مُخاطبًا إياهُ بحذر.
“اليوم عليكَ أنْ تدفنها. الزهور قد ذبُلت تمامًا.”
في الحقيقة، كان قد مرَّ بالفعل بضعةُ أيامٍ على موعد الدفن. لكن أنطون استمرَ في اختلاق الأعذار لتأجيل دفن ابنته.
الخادم، الذي شهدَ ولادة روزالين، كان أكثر مَن يعرفُ مدى حُب أنطون العميق لابنتهِ. وعلى الرغم مِن تعاطُفه، فإنهُ كان يُدرك أنْ الأحياء يجبُ أنْ يُمضوا قدمًا.
“يجبُ أن ترتاح الآنسةُ الصغيرة بسلام.”
كانت كلماتُ الخادم كطعنةٍ حادةٍ في قلب أنطون. السبب في أنْ روزالين لَمْ تُدفن حتى الآن هو أنانيةُ الأب. مرر أنطون يدهُ على وجه ابنتهِ مرةً أخرى.
“حسنًا. استعدوا.”
“نعم، سيدي.”
بسرعة، استدعى الخادم الخدم الآخرين لنقل النعش، خشية أنْ يُغيّر أنطون رأيهُ.
بدأ أنطون بالسير ببطء نحو المقبرة التي دُفنت فيها أجيال عائلة إيمبلي. السماء صافيةٌ بشكلٍ مُبهر. كان هَذا الطقس المُفضل لدى روزالين.
“سيدي، سيدي!”
ركضَ خادم صغير نحوَ أنطون وهو يلّهث.
“ما الأمر؟”
“هُناك رجلٌ جاء ليُقابلكَ، سيدي. أخبرناهُ أنكم في جنازةٍ ورفضنا دخولهُ بأدب، لكنه ذكر اسم أتيلي، ففكرتُ بأنه يجبُ إبلاغك.”
“أتيلي؟ هل كان يعرج؟”
“نعم، هَذا صحيح.”
للحظةٍ، اجتاح الغضبُ والإحباط أنطون، لكن سُرعان ما خمدت مشاعرهُ كاللهب. بصراحةٍ، لَمْ يعُد هُناك أيُّ شعورٍ بداخله.
“أحضرهُ إلى هنا.”
“حاضر، سيدي.”
لَمْ يمض وقتٌ طويل حتى عاد الخادم ومعهُ رجلٌ أشقر. كما توقع، كان ماكسيميليان. كان يرتدي عباءةً سميكة تُغطيهِ بالكامل، رُغم حرارة الصيف، وكان مِن الصعب التعرُف عليهِ لولا عرجه.
عندما رأى أنطون هيئتهُ، لَمْ يستطع إلا أنْ يبتسم بسخريةٍ.
“حسنًا. أين أخفيت تلميذكَ؟”
“أعتذر، سيدي.”
“لَمْ أكُن أتوقعُ منكَ شيئًا منذُ البداية. لكن قدومكَ إلى هُنا بنفسك أمرٌ مُفاجئ. وبما أنْ اليوم جنازة روزالين، يمكنكَ أنْ تُدفن بجانبها.”
كان أنطون يعلم بالفعل مِن خلال مراقبة ماكسيميليان أنْ خطتهُ قد باءت بالفشل التام. عندما علم بذَلك لأول مرةٍ، لعن غباءهُ، لكنه لاحقًا شعر أنْ الفشل كان أمرًا إيجابيًا.
منذُ وصولهِ إلى قلعة إيمبلي، لَمْ تُسجل أيُّ محاولةٍ لاستهداف دانيال. ومع عودة هدوئه، أصبح أنطون واثقًا أنْ أتيلي لَن يُخاطر بِمُعاداة إيمبلي لهَذهِ الدرجة مِن أجل قتل دانيال.
في الحقيقة، كان أنطون قد اُستنزف تمامًا. لولا مسؤوليتهِ كـ رئيسٍ للعائلة، لكان قد رغبَ في الاستلقاء بجانب روزالين.
“سيدي، أرجوكَ، امنحني فرصةً أخرى.”
“لا حاجة. الطريقةُ الوحيدة لنيل مُسامحتي هي موتكَ.”
ركع ماكسيميليان أمامهُ، لكن أنطون لَمْ يكُن لديهِ طاقة حتى للغضب، فأشار إلى أحد الفرسان القريبين.
“خذوهُ واقتلوه. شوّهوا وجههُ وارموا جثتهُ في النهر.”
“أمرك، سيدي.”
“سيدي! سيدي!”
اقترب فارسان وأمسكا بذراعي ماكسيميليان بقوة. وبينما كان يبكي ويصرخ، تجاهلهُ أنطون وتابع سيرهُ. ورُبما كان سيستمر في ذَلك لولا أنْ ذكرَ اسمِ ابنتهُ جعله يتوقف.
“هُناك طريقةٌ لإعادة روزالين إلى الحياة! أرجوك، صدقني، سيدي!”
“…أنتَ مليءٌ بالكذب والنفاق مِن رأسكَ حتى أخمص قدميكَ.”
أنْ يأتي إلى جنازة روزالين ويتحدثُ عن إعادتها إلى الحياة كان أمرًا يثيرُ الغضب. انفجر الغضب الذي كان قد انطفأ في داخلهِ، ولَمْ يكُن يُريد الآن قتله فقط، بل تمزيقَ أوصالهِ.
“سيدي، ألَمْ ترَ كيف عاد ليونارد أتيلي إلى الحياة؟”
“هل تعتقدُني أحمق؟ لقد قال بنفسهِ إنهُ قد نتقل روحه ليعيشَ مُجددًا. أتظُن بأنني سأُصدق كلماتكَ؟”
“هَذا ليس كذبًا! هَذا يعني أنْ بإمكاننا نقل روح روزالين أيضًا! أرجوكَ، سيدي!”
صرخ ماكسيميليان بصوتٍ عالٍ، لكن أنطون تجاهلهُ تمامًا واستمر في المشي.
اقترب مِن المقبرة، بينما كانت بقايا الزهور الذابلة في يدهِ تُلامس جلده. اقترب الخادم وقال لأنطون:
“كُل شيء جاهز، سيدي.”
“حسنًا.”
كانت المُربية الجديدة قد ألبست دانيال ملابس سوداء وأحضرته. كان الطفل مُتعبًا وبدأ بالتذمُر. انحنى أنطون للمرة الأخيرة على النعش قبل إغلاقهِ، وقال وداعهُ لروزالين:
“لقد خذلّتُكِ كثيرًا. آسف، يا ابنتي. أتمنى أنْ تكوني هُناك، هُناك…”
كان عليهِ أنْ يقول “ارتاحي بسلام”. كان عليهِ أنْ يتركها تذهب.
شعر أنْ قلبهُ فارغٌ تمامًا. رُبما لَن يُملأ هَذا الفراغ أبدًا.
أغمض أنطون عينيهِ لفترةٍ طويلة ثم فتحهُما. استدار وقال للخادم:
“أعيدوا ماكسيميليان إلى هُنا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》