أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 108
الفصل 108 : ما هوَ الحُب؟ ⁵
تراجعتْ ببطءٍ إلى الخلف. بدا أنْ مُحاولة إقناع الخاطفيّن الساذجين بإطلاق سراحها قد فشلت.
لو فقط استطاعت تحرير معصمها، لتمكنت مِن فعل شيءٍ ما.
بينما كان الرجُلان يتبادلان الحديث، بدأت كورديليا تَهزُّ ذراعيها بجنونٍ، لكنها لَمْ تستطع تحريكهُما بسبب الحبال المُحكمة التي كانت مربوطةً بها.
[نَقتُلها؟]
[نعم. إذا دفناها في هَذهِ الغابة، مَن سيعرف؟]
[أ-أتعتقدُ ذَلك؟]
بدا توم وكأنهُ مُتحمسٌ لهَذا الاقتراح، ووجهَ نظرهُ نحو كورديليا التي كانت تُحاول الابتعاد شيئًا فَشيئًا، في اللحظة التي التقت فيها أعيُّنهما، استدارت كورديليا وبدأت بالجري بكُل قوتها.
“آه!”
[إلى أين تعتقدين بأنكِ ذاهبة؟]
كما هو مُتوقع، انتهت محاولَتُها للهروب بسرعة. أمسك روكو بذراعها بقوةٍ وسحبها نحو العربة. قاومت بكُل ما لديها، لكن التغلب على قوة رجلٍ بالغ كان مُستحيلاً. أمسك توم ذراعها الأخرى وضغط عليها وهو يقول:
[لديّ مطرقةٌ في العربة. هل أُحضرها؟]
[إذا تركنا آثارَ دماءٍ، قد يُثيرُ هَذا الشك. لنخنُقها فقط.]
[آه، هَذا صحيح.]
بينما كانا يُخططان للقتل بهدوءٍ، شعرت كورديليا بقشعريرةٍ تَسري في جسدها.
أستموتُ حقًا هُنا؟ بِهَذهِ الطريقة السخيفة؟
[م-مهلاً! انتظر! كم مِن المال تحتاجان؟ إذا أطلقتُم سراحي، سأعطيكم ذهبًا بوزني. في تلكَ الحقيبة لا يوجد سوى خمسمائة لينكيت فقط.]
[يبدو أنكِ لا تعرفين أنْ خمسمائة لينكيت يُمكن أنْ تكفينا لنعيشَ بها لأكثر مِن نصف عامٍ.]
[نصفُ عامٍ فقط؟ سأضمنُ لكما العيش بدوّن قلقٍ طوال حياتُكما. فكرا جيدًا، هَذا المبلغ لا يستحقُ…]
على الرغم مِن توسُلاتها ومحاولاتها لإقناعِهما، لَمْ يُظهر الرجُل أيَّ علامةٍ على التراجع. كُل ما كان يفعلُه هو المُضي قُدمًا في مُهمتهِ. لسوء حظها، كانت تلكِ المهمة هي قتلها.
[روكو، روكو! انظر لهَذا. إنْها ترتدي سوارًا أيضًا!]
صرخ توم الذي كان يقفُ خلفهم بعدما لاحظ السوار الذي ظهرَ مِن بين الحِبال المُحكمة حول معصمها.
[حاولتُ خلعهُ لكنهُ لَمْ يخرج.]
[كيف لسوارٍ ألا يخرج؟ هل كنتَ تُحاول الاحتفاظ بهِ لنفسكَ؟]
[إذًا جرّب أنتَ خلعه.]
“آه!”
بعيون يملؤها الطمع، أمسك توم السوار حول معصم كورديليا الأيسر بقسوةٍ وحاول سحبهُ. كما هو مُتوقع، لَمْ يفلح سوى في إحداثِ ألمٍ شديدٍ لها وهي تَصرخُ مِن شدته.
“أتركني! هِذا سوارٌ سحري، آه!”
في تلكَ اللحظة، تذكرت كورديليا فجأةً ما هو هَذا السوار. ومرَّ في ذهنها حديثُ “بيلوتشي” بشكلٍ خاطف.
“ما هي كلمةُ السر؟ آه، اسمُ مُعلمي. ليونارد! ليونارد!”
[ما هَذا الذي تقولينه فجأةً؟ تحدثي بلغةٍ مفهومة.]
[أوه؟ أنهُ فعلاً لا يخرُج.]
واصل توم محاولاتهِ لإزالة السوار، لكنهُ لَمْ يُفلح سوى في جعل صرخات كورديليا تعلوّ أكثر فأكثر. كان الألمُ شديدًا بسبب اصطدامِ عظام معصمها.
“آه! هَذا مؤلم! قلتُ بإنني أتألم!”
[كفى، توقف. يُمكننا قطعُ يدها بعد قتلها.]
[أوه، صحيح. هَذا سيكون أفضل.]
بأسفٍ ظاهر، سحب الرجُل يدهُ عن معصم كورديليا بعد أنْ لعق شفتيه. أشار روكو بعينيهِ إلى توم.
[أمسك بها جيدًا. إنها تتحركُ كثيرًا.]
“اتركوني!”
أمسك روكو برقبة كورديليا بكلتا يديهِ وبدأ يخنُقها بقوةٍ. على الفور، استخدمت كورديليا تعويذة الحاجز السحري. لَمْ يطر روكو بعيدًا كما حدث سابقًا، لكن تأثيرُ السحر جعل يديهِ تنزلقان عن رقبتها مرارًا.
“ليونارد! ليونارد!”
اغتنمت كورديليا الفرصة وصرخت باسم مُعلمها مُجددًا بكل إخلاص. لَمْ تكُن يومًا بحاجةٍ إلى مُعلمها بقدر ما كانت بهَذهِ اللحظة.
لماذا لا يعمل السوار؟ هل تعطل؟
حاولت كورديليا عدة مراتٍ إغلاق عينيها وفتحهُما، لكنها لِمْ تتحرك مِن مكانها. يبدو أنْ جوهرة إيفرارد قد توقفت عن العمل فجأةً.
[لماذا تنزلقُ يداي؟]
[رُبما هَذا بسبب السحر. هَذا مذهل.]
[يا لكَ مِن غبي. لا جدوى مِن هِذا. هُناك جدول ماءٍ قريب. سنُغرقها.]
[فكرةٌ جيدة.]
بعد أنْ أدرك روكو أنه لا يُمكن إيذاء كورديليا بالقوة الجسدية، أشار بذقنهِ إلى الجدول القريب. ولَمْ يفعل توم سوى أنْ يهُزَّ رأسهُ بالموافقة.
لا يُمكن أنْ أموت هُنا. لقد نجوتُ بسلامٍ مِن أراض ديلوانا المليئة بالوحوش. لَن أُقتل على يد خاطفين مُبتدئين.
هدأت كورديليا نفسها وأخذت تستجمعُ شجاعتها، محاولةً استحضارت صورة ليونارد في ذهنها. تذكرت شعرهُ البلاتيني اللامع وعينيهِ البنفسجيتين الساحرتين، وتفاصيل وجههِ الحادة التي كانت محفورةً في ذاكرتها.
رُغم سخريتَهُ مِنها أثناء الدروس وبأنهُ يشك في عقلها، إلا أنهُ كان أول مَن يأتي لمُساعدتها وتهدئتها عندما تقعُ في مأزق. تذكرت صورتهُ بكل تفاصيلها في قلبها.
“ليونارد.”
فجأةً، شعرت بحرارةٍ شديدةٍ في داخلها، وكأنْ الدماء في عروقها تَغلي وتتحركُ بِعُنف.
في الوقت نفسهِ، اختفت الأرض مِن تحت قدميها، وسقطت في فراغٍ لا نهاية لهُ. حاولت الصراخ، لكن الهواء وحدهُ كان يخرُج مِن فمها.
“هاه!”
تنفست بعمقٍ. حتى دوّن أنْ تفتحَ عينيها، أدركت أنْ التعويذة قد نجحت. عادت أحشاؤها إلى مكانها الطبيعي. في تلكَ اللحظة، شعرت بذراعين تحتضنانِها بقوة.
“كورديليا!”
كانت تلكَ الرائحة وذَلك الحُضن مألوفين جدًا لدرجة أنها شعرت بعاطفةٍ جياشة.
“مُعلمي…”
“كورديليا… كورديليا…”
على الرُغم مِن دهشتهِ مِن ظهورها المُفاجئ، إلا أنْ ليونارد ضمها بقوةٍ وكأنهُ يخشى أنْ تختفي مُجددًا. ظلَّ يُردد اسمها مرارًا ويُمرر يدهُ على ظهرِها في محاولةٍ لتهدئتها. بدا وكأنهُ شخصٌ عطشٌ للغاية وقد حصل على جرعةٍ مِن الماء.
“آه… مُعلمي، مِن فضلكَ. فُكَّ ذراعي أولاً.”
“ذراعاكِ؟”
أدرك ليونارد بعد لحظاتٍ أنْ ذراعيها كانتا مربوطتين خلف ظهرِها. بلمسةٍ واحدةٍ مِن أصبعه، أختفى الحبلُ بسهولةٍ. كان ذَلك مُحبطًا بالنسبة لكورديليا التي كافحت طويلاً لتُحرر نفسها.
عندما أصبحت ذراعاها حُرتين أخيرًا، شعرت بوخزٍ مؤلمٍ في جسدِها المُتصلب. بدأت تَفركُ كتفيها وذراعيها وهي تَتنفسُ بصعوبةٍ.
“لقد اعتقدتُ حقًا بأنني سأموت.”
“هل أنتِ بخير؟ هل أُصبتِ بأذى؟”
“ذراعي تؤلمان قليلاً، لكنني بخير. كم مِن الوقت قد مضى منذُ اختفائي؟ وبالمُناسبة، ماذا عن البارون؟”
لَمْ يتمكن ليونارد مِن الإجابة على أسئلتها لأنهُ كان مشغولاً بفحصِها. لاحظ الكدمة الزرقاء على معصمِها الأيسر حيثُ كانت ترتدي جوهرة إيفرارد وأسرع في علاجِها بالسحر.
لَمْ يكتفِ بذَلك، بل مررَ يدهُ بلطفٍ على وجهِها، وذراعيها، وظهرِها. كانت لمستهُ قريبةً للغاية مِما جعل كورديليا تشعرُ بالارتباك. دفعت كتفهُ قليلاً.
“مُعلمي…”
“ماذا؟ هل تؤلمكِ منطقةٌ أخرى؟”
“لا… فقط أنتَ قريبٌ جدًا.”
كان قريبًا لدرجة أنْ شعرهُ قد لامس خدها.
رفع ليونارد رأسهُ، والتقت عينيهِ البنفسجيتين بعينيها. كان قلقهُ واهتمامهُ واضحين، مِما جعلها تشعرُ بالحرج فأبعدت نظرها بسرعة.
“بفضلِ السوار الذي منحتني إياهُ، تمكنتُ مِن الهرب بسرعة. ولَمْ أُصب بأذى.”
“هَذا جيد. هَذا مُطمئن.”
بعد تأكدهِ مِن سلامتها، تنهد ليونارد بارتياحٍ. ثم جذبها مرةً أخرى إلى حضنهِ.
“كم مِن الوقت مضى منذُ اختفائي؟”
“ليس كثيرًا. حدث ذَلك اليوم ظهرًا.”
إذًا، لَمْ يَمُر حتى يومٌ واحدٌ على اختطافها، لكنهُ تصرف وكأنْها كانت مفقودةً لعدة أشهر. كانت كورديليا تنوي أنْ تضحك على ردةِ فعلهِ المُبالغ فيها، ولكن كلماتُ ليونارد التالية جعلتها تلتزمُ الصمت.
“عندما سمعتُ بأنكِ قد اختفيتِ، شعرتُ وكأنْ قلبي قد توقف. لَمْ أكُن أعلم إذا كنتِ بخير، أو إذا كنتِ على قيد الحياة… لقد كنتُ خائفًا جدًا.”
“مُعلمي…”
لَمْ تُلاحظ في البداية، لكن صوتهُ كان يرتجفُ قليلاً. شعرت بالخوفِ الذي انتابهُ وكأنهُ يلامس بشرتَها.
بطبيعةِ الحال، كانت تعتقدُ بأنْ مُعلمها، حتى لو تعرضت للاختطاف، سيظلُ صامتًا. بل كانت تتوقعُ أنْ يستهزئ بغبائِها لأنها اُختُطِفت.
لكن أنْ تراهُ بِهَذا الضعف؟
ردةُ فعلهِ غيرُ المتوقعة جعلت كورديليا عاجزةً عن الكلام، فَلَمْ تستطع سوى أنْ تُحرك شفتيها دوّن أنْ تَنطق بشيء.
“كورديليا.”
“نعم.”
“لا أعلم كيفَ يجبُ أنُ أتعامل معكِ.”
“……”
“لا تعرفين كيفَ أكبتُ نفسي عندما أريدُ إخفاءكِ داخل المُختبر أو في أعمق نقطةٍ في قلعة أتيلي.”
عند هَذهِ النقطة، بدأت كورديليا تشعرُ بأنْ مشاعرهُ نحوها ليست عادية. كان التدفُق العاطفي الذي يُظهرهُ يتجاوزُ ما يُتوقع مِن شخصٍ وجد لتوهِ تلميذهُ المُختطف.
كما لو كان ينظرُ إليّها كامرأة…
أصابعهُ لامست وجنتِها. في الظروف العادية، كانت ستتجاهلُ ذِلك بسهولةٍ، ولكن بسبب هَذا الجو والكلمات الغامضة تلكَ، ارتبكت. وبِمُجرد أنْ لامست يدهُ بشرتها، تراجعت بصدمة.
“أوه، أنا… أنا…”
“تَحدثي.”
انخفضَ صوتُ ليونارد أكثر مِن أيِّ وقتٍ مضى.
لَمْ يكُن هُناك سوى خطوةٌ تفصلُ بينهُما، ولكنهُ قد اقترب خطوتين إضافيتين. بكلماتٍ أخرى، لَمْ يعد هُناك أيُّ مسافةٍ بينهما.
خفضت رأسها، غيرَ قادرةٍ على مواجهة وجههِ. لَمْ تكُن تعلم ما الذي يجبُ أنْ تقوله. كُل ما كانت تشعرُ بهِ هو دقات قلبها السريعة بشكلٍ مُرعب.
في تلكَ اللحظة، وكأنْها شُعاع ضوءٍ مِن السماء، سُمِع صوتُ طرق الباب. تراجعت كورديليا مِن بين ذراعي ليونارد بسرعةٍ وأجابت بصوت عالٍ.
“ادخل.”
“كورديليا؟”
تعرفَ البارون على صوتِها، فاندفع إلى الداخل على الفور. كان جبينهُ مُغطى بالعرق، مِما أوضح مدى انشغالهِ وركضهِ للبحث عنها.
“يا إلهي! كيف… أنتِ بخير؟ أأنتِ بخيرٍ حقًا؟ هَذا مُطمئنٌ جدًا!”
وقف الرجل العجوز أمام كورديليا، وامتلأت عيناهُ بالدموع بينما انحنى برأسهِ مُعتذرًا
“هَذا خطأي. لو لَمْ أترُككِ هَكذا… أنا آسفٌ جدًا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》