أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 107
الفصل 107 : ما هوَ الحُب؟ ⁴
مؤخرًا، شعرتُ بـ أنني أفقدُ وعيي كثيرًا.
“لا بد أنْ مُعلمي سيقلق.”
عندما خطرت هَذهِ الفكرةُ ببالها، فتَحت كورديليا عينيّها على مصراعيّهِما.
لكن كُل ما حولها كان مُظلمًا للغاية، لدرجة أنْ فتح عينيّها لَم يكُن مُختلفًا عن إغلاقِهما. ثم أدركت أنْ كتفها يؤلمها بشدة، لأن يديها كانتا مُقيدتين خلفَ ظهرِها.
نظرت حولها بهدوء محاولة تذكر آخر شيءٍ رأته. الفتى الذي قدم لها زهرة بارتباك، اللحظة التي شمّت فيها رائحة الزهرة واهتزّت رؤيتها. ثم…
“ماكسيميليان.”
بالتأكيد كان الصوت الأخير الذي سمعتهُ صوتَ ماكسيميليان.
ولكنها لَمْ تكُن واثقةً مِما سمعته. كيف يمكنهُ أنْ يظهر في وضح النهار، وفي وسط ويلآس؟
لَمْ تستمر تساؤلاتها طويلًا. فقد كانت هُناك مشكلاتٌ أكثر إلحاحًا يجبُ حلها.
عندما اعتادت عيناها على الظلام، بدأت ترى بشكلٍ خافت. بدا أنّها محبوسةٌ في مكان ضيق لا يُمكن حتى مدُّ قدميها فيه، وكأنّها داخل صندوق. علاوةً على ذَلك، كانت المساحة تهتزّ، مِما جعل جسدها يتأرجحُ باستمرار.
إذا ما حاولت استنتاج الأمر، فَمِن المُحتمل أنْ ماكسيميليان قد اختطفها ووضعها في صندوقٍ ليأخُذها في عربة.
توقف الاهتزاز فجأةً مع صدور صوت صرير، واقتربت خطواتٌ ثقيلةٌ شيئًا فَشيئًا.
توترت كورديليا بشدةٍ، لدرجة أنّها شعرت بالغثيان في معدتِها.
قام أحدُهم بسحب الصندوق الذي كانت بداخله.
[سأقومُ بالعد حتى ثلاثة، ثم نحملُه.]
[أشعرُ بالجوع. هل يُمكننا تبديل العربة أولاً ثم تناولُ شيءٍ ما؟]
كانوا يتحدثون بلغة بيدوس التي تُستخدم في القارة الجنوبية. لَمْ يكُن وجود شخصٍ مِن آنسين أمرًا غريبًا في ويلآس، القريبة نسبيًا مِن القارة الجنوبية. حبست كورديليا أنفاسها وركزت على الاستماع إلى حديثهم.
[لَمْ يمضِ وقتٌ طويل منذُ أنْ أكلتَ خبزًا، والآن تتذمر بشأنهِ مُجددًا؟]
[أريدُ وجبةً حقيقية، وليس مُجرد فتاتِ الخُبز.]
تذمر أحدُ الرجال. شعرت كورديليا بأنْ الصندوق الذي كانت بداخله قد ارتفع عن الأرض. كما يبدو، كانوا يخططون لنقلها إلى عربةٍ أخرى، مِما يعني على الأقل أنّهُم لا ينوون إيذاءها فورًا.
أين أنا الآن؟ وكم مِن الوقت قد مضى؟ عندما يعلمُ البارون باختفائي، سيكون قلقًا للغاية، وكذَلك ليونارد.
لَمْ يظهر وجهُ ليونارد، الذي مِن المُحتمل أنهُ يبحث عنها الآن، فحسب، بل ظهر قبل أيِّ مخاوف تتعلق بالموقف.
[كيف ستُدبر الأمر بلا مال؟]
[أتظُن أنني لا أعرف بأنكَ قد حصلتَ على دفعةٍ مُقدمة مِن ذَلك الرجل.]
[ماذا تعني؟ كُنا سنتلقى المال عند الانتهاء مِن المُهمة وتسليم هَذا الشيء.]
ركل أحدُهم الصندوق الذي كانت كورديليا داخله برفق. يبدو أنْ “هَذا الشيء” الذي أشاروا إليّه هو كورديليا نفسُها. تحول الحديث البسيطٍ إلى جدال.
[تظُن بأنني لا أعرفُ شيئًا؟ لقد حصلتَ على خمسمائة لينكيت مِن ذَلك الرجل وحدكَ وأخفيت الأمر عني، أليس كذَلك؟]
[توقف عن الثرثرة. لا شيء مِما تقولهُ صحيح.]
استمر شجارُهما أكثر مِما توقعت. شعرت كورديليا بألَمِ شديدٍ في كتفيها.
فكرت قليلًا، ثم ركلت الصندوق بقوةٍ. كان مِن الأفضل أنْ تُحاول أيَّ شيء قبل أنْ تبتعد أكثر عن ويلآس. على أيِّ حال، إذا استطاعت تفعيل الدرع السحري، فَلَن يستطيعوا إيذاءها.
[توقف عن الكلام و…!]
[ما… ما هَذا؟]
توقف صوت الرجلين عندما اهتزّ الصندوق بعُنف. ساد الصمتُ للحظةٍ، ولكن كورديليا كسرت هَذا الصمت مُجددًا بركلةٍ أخرى.
[يبدو أنْ الشيء الذي بِالداخل قد استيقظ. ماذا نفعل؟]
[حسنًا. بِما أنّها مُستيقظة بالفعل، فَلنفتحه.]
[ماذا؟!]
لَمْ يتوقع الرجُلان أنْ تتحدث كورديليا بلغة بيدوس، فارتبكا. شعرت كورديليا برغبةٍ في الضحك بسخرية. يا لهم مِن خاطفين أغبياء!
بعد تبادل همساتٍ مُنخفضة، فتحوا غطاء الصندوق. شعرت كورديليا بالضوء المُفاجئ، وأغلقت عينيها لفترةٍ قبل أنْ تفتحهما تدريجيًا.
[كيف استيقظت بِهَذهِ السرعة؟ قيل إنّها ستظلُ فاقدةً الوعي ليومين على الأقل.]
[رُبما لأنّها نامت جيدًا الليلة الماضية.]
جلست كورديليا بجرأة. بعد أنْ ظلت في نفس الوضع لفترةٍ طويلة، شعرت بتدفُق إحساسٍ غريب في قدميها.
[لا تتحركي!]
[لا تفعلي أيَّ شيء!]
أمامها كان هُناك رجُل نحيل وطويل وآخر مُلتحٍ، وكلاهُما يحمل سكينًا بتوترٍ واضح. رُغم أنّها كانت مُقيدة الأيدي وكانت مُجرد امرأة، والخاطفون رجال بالغون يحملون أسلحة، بدت كورديليا أكثر هدوءًا.
نظرت حولها بسرعة. لَمْ تشعر بوجود أيِّ أحدٍ آخر غيرَ الرجلين. توقعت أنْ يكون ماكسيميليان معهم، ولكن المكان كان مُجرد غابةٍ هادئة.
[هل تعرفان مَن أنا قبل أنْ تخطفاني؟]
[وما أهميةُ ذَلك؟]
[كما توقعت، أنتُما لا تعرفان. لو كنتُما تعرفان، لما تجرأتُما على فعل شيء بِهَذهِ الجرأة.]
لَمْ يكُن يبدو أن الرجُلان لديهِما أيُّ مهارتٍ قتالية. في الواقع، بديا كفلاحين كانوا يستخدمون أدواتٍ زراعية حتى الأمس. مظهرهُما المبتدئ كان واضحًا لدرجة أنّها لَمْ تشعر بأي خوف.
[كم دفع لكُما؟]
[ولماذا تسألين؟]
[إذا أطلقتُم سراحي الآن، سأدفعُ ضعف ذَلك.]
[ولماذا قد نُصدقكِ؟]
[أيّها الأحمق! كان عليك أنْ تقول “لا” أولاً!]
الرجُل ذو اللحية ضرب الرجل الطويل على مؤخرة رأسهِ. بدا هَذا وكأنهُ مشهدٌ مِن عرضٍ كوميدي، مِما جعل كورديليا تبتسمُ بسخرية دوّن أنْ تشعر.
[أنتِ تضحكين؟ يبدو بأنكِ لا تعرفين وضعكِ الحالي. إذا كنتِ لا تُريدين الموت، فالتزمي الهدوء.]
قال ذَلك وهو يُلوح بسكينهِ بطريقةٍ تهديدية.
[جرب أنْ تَطعنني.]
[…ماذا؟]
كورديليا، بدلاً مِن التراجع، دفعت بطنها للأمام بثقةٍ. إذا كانت قد تمكنت مِن صد هجوم بيلوتشي، فإنّها واثقةٌ مِن صد هِذا الهجوم الأخرق أيضًا.
[لماذا؟ هل أنتَ خائف؟ جرب أنْ تَطعنني. هل أنتَ خائف؟]
[هل هَذهِ المرأة مجنونة؟]
[روكو، دعكَ مِنها. فقط أغلق الغطاء.]
الرجل الطويل حاول تهدئة روكو، لكن الآخر، وقد جُرحت كرامتُه، اقترب مِن كورديليا بخطواتٍ واسعةٍ.
[هل تعتقدين أنني لا أستطيعُ فعلها؟]
رفعَ يدهُ اليُمنى التي كانت تحملُ السكين. كورديليا، دوّن أنْ تُزيح نظرها عنهُ، لَمْ تُبد أيَّ ترددٍ.
[هل جُننتَ؟ ماذا تفعل؟ قيل لنا أنْ نُحضرها حيةً!]
[سأحضرها حية. لَن تموت بسببِ جُرحٍ صغيرٍ على وجهِها، أليس كذَلك؟]
[حسنًا، إذن جرب. طعني إذا كنتَ تستطيع. أتخاف؟]
[أنتِ…!]
[روكو، تمالك نفسك! روكو!]
إذا كان أحدُهم قد شاهد هَذا المشهد، لكان قد انفجر ضحكًا. رجُلٌ يلوحُ بسكين ووجهه مُحمرٌ مِن الغضب، وامرأةٌ تجلسُ بهدوءٍ مُتَحَدِّيَةً، كِلاهُما بدا بعيدًا عن المألوف.
في النهاية، تحركت السكين بشكلٍ مُتهور وخدشت صدر كورديليا بخطٍ طويل. بالطبع، لَمْ تُصب كورديليا بأيِّ أذى.
[أوه، يا إلهي!]
لكن الرجُلين سقطا للخلف بسبب الارتداد. نظرا إلى كورديليا بدهشةٍ، دوّن أنْ يفهما سبب سقوطِهما.
كورديليا، التي وقفت بثباتٍ، نظرت إليّهما بصرامةٍ وكأنْها توبخُهما. وتغيرت ملامُحها فجأةً مِن السخرية إلى الجدية.
[اسمي كورديليا فاسكويز، وأنا ساحرةٌ.]
[ساحرة؟]
[يا للهول! روكو، لَمْ تقُل بـ إننا سنَخطفُ ساحرة!]
[أغلق فمكَ، توم! كيفَ ليّ أنْ أعرف؟]
[بغض النظر عن المبلغ الذي عرضوهُ عليكما، إذا أطلقتما سراحي، سأدفعُ لكما ضعف ما وعدوكما بهِ. وأقسمُ بشرفي كـ ساحرة.]
قالت كورديليا بجرأةٍ، مُتظاهرةً بالكرم. ورغم أنْ بإمكانها صد هجماتهم، إلا أنْها كانت تعلمُ أنْ قدراتها محدودةٌ في الهجوم.
‘عندما أعود، سأطلبُ مِن مُعلمي أنْ يُعلمني سحر الهجوم.’
[هل حقًا ستَدفعين ضعفَ المبلغ؟]
[بالطبع. أنا ابنةُ فاسكويز، شرفي لا يسمحُ ليّ بالكذب.]
[روكو، دعنا نطلق سراحها ونأخُذ المال، حسنًا؟]
[لا تكُن أحمق! إذا أطلقنا سراحها، سنموت. ألا تفهمُ ذَلك؟]
لسوء الحظ، بدا أنْ روكو أكثرُ ذكاءً مِن توم. كورديليا ضغطت على شفتيها لتمنعَ نفسها مِن إظهار خيبة الأمل.
[ولكن إذا لَمْ تُطلقا سراحي، فإنْ مُعلمي سيُقطعكما إلى ثمانية أجزاء ويلقي بِكُما طعامًا للكلاب.]
وأردفت بتوضيحٍ ليفهما مَن هو مُعلمها.
[مُعلمي هو ليونارد أتيلي، سيدُ عائلة أتيلي. حتى لو كُنتما مِن القارة الجنوبية، لا بد أنكما سمعتُما بهِ.]
[أتيلي؟]
[يا إلهي!]
تغيّرت ملامحُ روكو بشكلٍ واضحٍ، بينما بدا توم على وشك الانهيار. بدا أنْ اسم مُعلمها لهُ قوةٌ في كُل مكان. بدأت كورديليا بتحريك ذراعيها.
[إذا كُنتما قد فهمتُما، أطلقا سراحي فورًا.]
[روكو، ماذا نفعل الآن؟ كُل هِذا بسببكَ! لو لَمْ تقترح هَذا العمل لما حدث هَذا!]
[اصمُت. دعني أفكر.]
[لقد انتهينا! يا أمي! سأموت هُنا!]
جلس توم على الأرض يضرب الأرض ويبكي. كان بكاؤهُ مؤثرًا لدرجة أنْ أيَّ شخصٍ غريبٍ قد يظُن أنهُ في جنازةٍ.
[توقف عن البكاء وأطلق سراحي. سأدفعُ لكما وأعفو عنكما، صدقاني.]
[توم، قِف. لنقتُلها هُنا.]
[ماذا؟ ماذا قلت؟]
أمسك روكو بتوم، الذي كان يبكي كالأطفال، وأجبرهُ على الوقوف، ثمَ شدّ قبضتَهُ على السكين بإحكامٍ وأخرجَ كيسًا مِن جيبهِ.
[خُذ. هَذهِ الأموال التي كانت بحوزتِها. كُلها لكَ.]
[متى أخذتها؟]
نظر توم بسرعةٍ داخل الكيس، وقد جفت دموعهُ فورًا.
[أعتقدُ بأننا تورطنا في أمرٍ سيء. إذا أوصلناها لذَلك الشخص، سنموت. وإذا أطلقنا سراحها، سنموت أيضًا. لذا، الخيار الوحيد هو قتلُها هُنا والعودة إلى أنسين.]
اختيارٌ منطقي. كورديليا شعرت بإلاعجاب والحزن في آنٍ واحد.
رُغم أنْها كانت تستطيعُ حماية نفسها بسحر الدفاع، إلا أنْ هَذا لَن يكون دائمًا الحل. والأسوأ، إذا دفنوها حيّةً أو ألقوها مِن جُرف، لَن يكون لديّها أيُّ فرصةٍ للنجاة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》